الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(682) باب ذكر كذاب ثقيف
5651 -
عن أبي نوفل رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة. قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس. حتى مر عليه عبد الله بن عمر. فوقف عليه. فقال: السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله! إن كنت، ما علمت، صواما، قواما، وصولا للرحم. أما والله! لأمة أنت أشرها لأمة خير. ثم نفذ عبد الله بن عمر. فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله. فأرسل إليه فأنزل عن جذعه. فألقي في قبور اليهود. ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر. فأبت أن تأتيه. فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك. قال فأبت وقالت: والله! لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال فقال: أروني سبتي. فأخذ نعليه. ثم انطلق يتوذف، حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو لله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا والله ذات النطاقين. أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر من الدواب. وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا:"أن في ثقيف كذابا ومبيرا" فأما الكذاب فرأيناه. وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال: فقام عنها ولم يراجعها.
-[المعنى العام]-
عبد الله بن الزبير بن العوام، ابن أسماء بنت أبي بكر، هاجرت أمه وهي حامل به، فولدته بقباء، وكان أول مولود للمهاجرين بالمدينة سنة ثنتين من الهجرة، ففرحوا به فرحا شديدا، وذلك أنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم، فلا يولد لكم. شهد الجمل مع أبيه وخالته عائشة، وكان شهما ذا أنفة، بويع له بالخلافة سنة أربع وستين، وكانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج، فلما تولى عبد الملك بن مروان غلب على العراق، ثم جهز الحجاج بن يوسف الثقفي إلى ابن الزبير، فقاتله إلى أن قتل ابن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، ثم صلبه الحجاج أياما، وكان هذا الحديث عن الحجاج بن يوسف جبار ثقيف وموقفه من ابن الزبير وأمه.
-[المباحث العربية]-
(رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة) العقبة المرقى الصعب من الجبال، والمراد من المدينة هنا مكة، أي رآه مصلوبا، منكسا، رأسه إلى أسفل، على قمة جبل في مكة.
(فجعلت قريش تمر عليه والناس) من غير قريش، منهم من يدعو له ويترحم عليه، ومنهم من يرى لحب الاستطلاع.
(حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه) أي على الأرض القريبة منه.
(فقال: السلام عليك: أبا خبيب) بضم الخاء وفتح الباء، مصغر، ناداه بكنيته، كني بأكبر أبنائه وكانت له كنية أخرى، هي أبو بكر.
(أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا) قالها ثلاثا، والمشار إليه أسباب هذا الصلب، وهو مقاتلة الجبارين، والوقوف أمامهم.
(أما والله إن كنت ما علمت، صواما، قواما، وصولا للرحم)"إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير محذوف، أي إن الحال والشأن والحقيقة، والجملة خبرها، و"وصولا" اسم مبالغة لاسم الفاعل، أي كثير الوصل للرحم، قال القاضي: وهو أصح من قول بعض الإخباريين، ووصفه بالإمساك. وقد عده صاحب الكتاب الأجود فيهم - أي في الأجودين، وهو المعروف من أحواله. اهـ. أي هذا الوصف، وأنه وصول للرحم كريم، أصح من وصف بعض المؤرخين له بالبخل، والإمساك، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: قال علي بن زيد بن الجدعاني: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات، والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خلال، لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلا، ضيق العطاء.
(أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير) الأفصح أن يقال: شرها، قال النووي: هكذا هو في كثير من نسخنا "لأمة خير" وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة مسلم، وفي أكثر نسخ بلادنا "لأمة سوء"، ونقله القاضي عن رواية السمرقندي. قال: وهو خطأ وتصحيف. اهـ. والمعنى: إن أعداءك يقولون عنك: إنك أكثر الأمة شرا، وحقيقتك أنك من أحسنها، فإذا كنت شرا كانت الأمة كلها خيرا.
والمعنى ليس فاسدا على الرواية الأخرى، أي إذا كنت شرا فالأمة كلها شر وسوء، لأنك من أحسنها.
(ثم نفذ عبد الله بن عمر) بفتح النون والفاء بعدها ذال، أي مضى وذهب لحاله.
(فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر، وقوله) فخشي تأثير هذا القول في المسلمين، وخشي احتمال غضبتهم للمصلوب.
(فأرسل إليه) أي إلى ابن الزبير.
(فأنزل عن جذعه) المصلوب عليه، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: قال أبو عمر: رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان، فرغب إليه في إنزاله من الخشبة، فأسعفه، فأنزل.
(فألقي في قبور اليهود) وفي الاستيعاب عن ابن أبي مليكة، قال: كنت أول من بشر أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزبير من الخشبة، فدعت بمركن وشب يمان، وأمرتني بغسله، فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو، ونضعه في أكفانه، ونتناول العضو الآخر الذي يليه، فنغسله، ثم نضعه في أكفانه، حتى فرغنا منه، ثم قامت، فصلت عليه.
(ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني، أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك - أي يجرك بضفائر شعرك - فأبت، وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال: فقال: أروني سبتي - بكسر السين وإسكان الباء وفتح التاء وتشديد الياء، تثنية سبت، وهي النعل التي لا شعر عليها، فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذف - بفتح الواو والذال المشددة - أي يسرع، وقيل: يتبختر - حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني فعلت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنك تقول له - ساخرا - يا بن ذات النطاقين، أنا والله ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه) والنطاق - بكسر النون، قال العلماء: النطاق أن تلبس المرأة ثوبها، ثم تشد وسطها بشيء، وترفع وسط ثوبها، وترسله على الأسفل، تفعل ذلك عند معاناة الأشغال، لئلا تعثر في ذيلها، قيل: سميت أسماء ذات النطاقين، لأنها كانت تطارف نطاقا فوق نطاق، والأصح أنها سميت بذلك لأنها شقت نطاقها الواحد نصفين، فجعلت أحدهما نطاقا صغيرا، واكتفت به، والآخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، كما صرحت به في هذا الحديث هنا، ولفظ البخاري أوضح من لفظ مسلم، ولفظ البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:"وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين". وفي رواية "ذات النطاق".
(أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا) بضم الميم وكسر الباء، وهو المهلك.
(فأما الكذاب فرأيناه) تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان شديد الكذب، ومن أقبح كذبه أنه ادعى أن جبريل عليه السلام يأتيه، قال النووي: واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد.
(وأما المبير فلا إخالك إلا إياه)"إخالك" بفتح الهمزة وكسرها، وهو أشهر، ومعناه أظنك، واتفق العلماء على أن المراد بالمبير هنا الحجاج بن يوسف
-[فقه الحديث]-
1 -
في الحديث استحباب السلام على الميت في قبره وغيره.
2 -
وتكرير السلام ثلاثا كما كرر ابن عمر.
3 -
وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة.
4 -
وفيه منقبة لابن عمر، لجهره بالحق في الملأ، وعدم اكتراثه بالحجاج، لأنه يعلم أنه سيبلغه مقامه.
5 -
وفي كلام ابن عمر إبطال الإشاعة الكاذبة التي اختلقها الحجاج، بأن عبد الله بن الزبير عدو الله وظالم.
قال النووي: ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوما، وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه.
6 -
وفيه شجاعة أسماء وقوة حجتها وكلامها وقوة شخصيتها.
والله أعلم