الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(685) باب بر الوالدين
5655 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك" وفي حديث قتيبة: من أحق بحسن صحابتي؟ ولم يذكر الناس.
5656 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: "أمك" ثم أمك. ثم أمك. ثم أبوك. ثم أدناك أدناك".
5657 -
وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فذكر بمثل حديث جرير. وزاد: فقال: "نعم. وأبيك! لتنبأن".
5658 -
وفي رواية عن ابن شبرمة، بهذا الإسناد. في حديث وهيب: من أبر؟ وفي حديث محمد بن طلحة: أي الناس أحق مني بحسن الصحبة. ثم ذكر بمثل حديث جرير.
5659 -
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد. فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد" حدثنا عبيد الله بن معاذ.
5660 -
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى
نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: "فهل من والديك أحد حي؟ " قال: نعم. بل كلاهما. قال: "فتبتغي الأجر من الله؟ " قال: نعم. قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما".
-[المعنى العام]-
الوالدان هما المصدر الثاني للوجود بعد الله سبحانه وتعالى، لهذا قرنهما الله تعالى بنفسه في وجوب الشكر، حيث يقول {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} [لقمان: 14] وقرنهما بنفسه سبحانه وتعالى حين أمر بطاعته وعبادته، فقال {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} [النساء: 36] وقال {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23] وقرن صلى الله عليه وسلم عقوقهما بالإشراك بالله، حين سرد أكبر الكبائر، فقال:"الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وبر الوالدين رمز للوفاء والاعتراف بالحق لصاحب الحق، ورمز للشكر على المنعم بنعمه، والحديث يقول:"لم يشكرني من لم يشكر من أجريت النعمة على يديه". كما جعل صلى الله عليه وسلم كثرة العقوق علامة من علامات آخر الزمان وظهور الفتن وانقلاب الأحوال، وقد رسم القرآن الكريم مظاهر بر الوالدين، بقوله {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 23، 24]
وهذا البر مهما بلغ لا يكافئ فضل الآباء على الأبناء، فالرجل الذي حمل أمه ساعات، يمشي بها على الرمال الحارقة التي لو وضعت عليها اللحم لنضجت، يحمي رجليها من الاحتراق، ويعرض رجليه هو للاحتراق، سأل: هل جازيت بذلك أمي؟ فأجيب: لعلك كافأتها بذلك عن طلقة واحدة، ونخسة واحدة من نخساتك لها عند ولادتك وفي الصحيح "لن يجزي ولد والده، حتى يجده مملوكا، فيشتريه، فيعتقه".
وبر الوالدين مقدم على الجهاد تطوعا، وعلى التطوع بالصلاة والصوم، لأنه واجب عيني، والتطوع بالجهاد أصله واجب كفائي.
وستأتي أحاديث كثيرة في الأبواب الآتية تؤكد حق الوالدين، وفضل رضاهما على الأبناء مما يلزم الأبناء ببرهما، حماية لأنفسهم، ولعقبهم، وابتغاء رضوان الله تعالى وإحسانه.
-[المباحث العربية]-
(كتاب البر) قال أهل اللغة: بررت والدي، بكسر الراء الأولى، أبره بضمها مع فتح الباء، برا،
بكسر الباء، وأنا بر به، بفتح الباء، وجمعه الأبرار، وبار به، بتشديد الراء، وجمعه بررة، والبر بكسر الباء ضد العقوق، وهو التوسع في الإحسان إليهما، ووصلهما، وبر حجه يبر بكسر الباء، برا بكسرها، قبل، وبر اليمين، صدقت، وبر في يمينه صدق، وبر بوعده، وفى به، وبرت السلعة راجت، وبر البيع خلا من الشبهة والكذب والخيانة، وبر فلان ربه، توسع في طاعته.
(والصلة) الإحسان إلى الأقربين، من ذوي النسب والأصهار، والعطف عليهم، والرفق بهم، ومراعاة أحوالهم، يقال: وصل رحمه، بفتح الواو والصاد يصلهم وصلا وصلة.
(والآداب) جمع أدب، وهو استعمال ما يحمد قولا، وفعلا، وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل: الوقوف مع المستحسنات، وقيل: هو تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك، وقيل: إنه مأخوذ من المأدبة، وهي الدعوة إلى الطعام، سمي بذلك لأنه يدعى إليه. والمعاني كلها متقاربة، متفرعة عن أصل واحد، وهو إحسان المعاملة.
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه معاوية بن عبيدة، فعنه في الأدب المفرد "قلت: يا رسول الله. من أبر"؟ ولعل السائلين بذلك أكثر من واحد.
(فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ ) بفتح الصاد، بمعنى الصحبة، وحسن صحابتي من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي صحبتي الحسنة، وفي الرواية الثانية "من أحق الناس بحسن الصحبة"؟ وفي ملحقها "أي الناس أحق مني بحسن الصحبة"؟ أي بحسن صحبتي؟ وفي ملحق الرواية الأولى وفي البخاري "من أحق بحسن صحابتي"؟ ولم يذكر "الناس" وهي مرادة، وفي ملحق الرواية الثانية "من أبر"؟ أي من الذي أبره أولا من الناس؟ .
(قال: أمك) خبر لمبتدأ محذوف، أي أحق الناس بحسن صحابتك أمك.
(قال: ثم من؟ ) مبتدأ، خبره محذوف، أي ثم بعد من بعد الأم، أحق بحسن صحابتي؟
(قال: ثم أمك) خبر لمبتدأ محذوف، أي أحق الناس بعد أمك بحسن صحابتك أمك.
(قال: ثم من؟ ) مبتدأ خبره محذوف تقديره: ثم من بعد الأم مرتين أحق بحسن صحابتي؟
(قال: ثم أمك) خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: أحق الناس بعد أمك مرتين بحسن صحابتك أمك.
وفي الرواية الثانية "قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك" حذف فيها سؤال الرجل، وهو مراد.
(قال: ثم من؟ ) أحق بصحابتي بعد الأم ثلاث مرات؟
(قال: ثم أبوك) أحق بصحابتك بعد أمك ثلاثا، وفي رواية الأدب المفرد "ثم أباك" بالنصب، على إضمار فعل، أي بر أباك.
(نعم: وأبيك - لتنبأن) بضم التاء، وفتح النون والباء المشددة، ونون التوكيد الثقيلة، أي لأنبئنك بأحق الناس بصحبتك الحسنة، وقد استشكل قوله "وأبيك" مع قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم".
وأجيب باحتمال أن يكون الحلف هنا قبل النهي، وقيل: إن في الكلام مضافا محذوف، والتقدير: ورب أبيك، وقيل: ليس الكلام هنا حلفا، وإنما هي كلمة جرت على ألسنتهم غير مقصود بها الحلف، وهي بمثابة قولهم: تربت يمينك، والنهي فيمن قصد حقيقة الحلف، لما فيه من تعظيم المحلوف به، ومضاهاته به سبحانك وتعالى.
(ثم أدناك أدناك) المراد بالدنو القرب إلى البار، وفي لفظ "ثم أدناك فأدناك"، والترتيب تنازلي، أي الأكثر قربا منك، ثم الأقل منه قربا، وهكذا، وفي فقه الحديث تفصيل العلماء لجهات القرب وترتيبها.
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستأذنه في الجهاد) قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس، فقد روى النسائي وأحمد "أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله. أردت الغزو، وجئت لأستشيرك، فقال هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: الزمها". والظاهر أن الاستئذان في الجهاد تكرر ممن له أبوان، وممن له أم.
(فقال: أحي والداك؟ )"والداك" فاعل لاسم الفاعل، والاستفهام حقيقي.
(قال: ففيهما فجاهد) في الجملة قصر، طريقه تقديم ما حقه التأخير، والأصل فجاهد فيهما، وهو قصر قلب، أي جاهد فيهما، لا في ميادين الكفار، والمقصود بالجهاد فيهما، جهاد النفس في رضاهما، قال الحافظ ابن حجر: ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده، إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما، لهما، وليس ذلك مرادا قطعا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن والمال لهما، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا. اهـ.
وفي الرواية الرابعة "أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم. بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما". ولأبي داود وابن حبان "ارجع، فأضحكهما، كما أبكيتهما". وعند أبي داود "ارجع، فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما". وعند ابن حبان "قال: فإن لي والدين، قال: آمرك بوالديك خيرا، فقال: والذي بعثك بالحق نبيا، لأجاهدن، ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم".
وعند أحمد "هاجر رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل باليمن أبواك؟ قال: نعم. قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع، فاستأذنهما، فإن أذنا لك، وإلا فبرهما".
-[فقه الحديث]-
هما بابان عند البخاري، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، وباب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين، وقد جعلناهما بابا واحدا مجاراة للنووي رحمه الله، وفعل البخاري أولى وأدق، فقد خصص النووي بابا لتقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرهما، فكان حقه أن يخص تقديم الوالدين على الجهاد، بباب.
لهذا نتكلم في فقه الحديث عن ثلاث نقاط: الفرق بين الأم والأب في البر، والجهاد بإذن الأب والأم، ثم ما يؤخذ من الأحاديث.
فالرواية الأولى والثانية وملحقاها في الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها على الابن، وشفقتها عليه، وخدمتها له، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك. قلت: واحتياجها إلى بر الابن أكثر من الأب، لضعفها غالبا.
قال النووي: ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تفضل في البر على الأب، وحكى القاضي عياض خلافا في ذلك، فقال: قال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون برهما سواء، قال: ونسب بعضهم هذا إلى مالك، والصواب الأول، لصريح هذه الأحاديث في المعنى المذكور. اهـ.
أقول: واقتضت الآيات التي سقناها في المعنى العام الوصية بالوالدين، والأمر بطاعتهما، ولو كانا كافرين، إلا إذا أمرا بالشرك، فتجب معصيتهما في ذلك، عملا بقوله تعالى {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15]
وقد أخرج مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: حلفت أم سعد، لا تكلمه أبدا، حتى يكفر بدينه، قالت: زعمت أن الله أوصاك بوالديك، فأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، فنزلت {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} [العنكبوت: 8] وفي رواية "قالت أمه: يا سعد. لن آكل، ولن أشرب حتى أموت، فتعير بي بين العرب، فيقال لك: يا قاتل أمه. فقال سعد: يا أماه. والله لقد علم العرب أنني أبر الناس بأمي، ولكن. لو أن لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما رجعت عن ديني".
وحديثنا صريح في أن للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، ويقويه ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم بالأقرب فالأقرب". ويؤيد القول بتقديم الأم ما أخرجه الحاكم وأبو داود "أن امرأة قالت: يا رسول الله. إن ابني هذا، كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني،
وأراد أن ينزعه مني؟ فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي". فتوصلت لاختصاصها به، باختصاصه بها في الأمور الثلاثة، ويعلل الجمهور ذلك بما تتحمل من مشاق خاصة بها، لا يشاركها فيها الأب، ثم هي تشارك الأب في التربية، وتشير إلى ذلك الآية الكريمة {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف: 15] فسوى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة.
وحجة غير الجمهور - وهم بعض الشافعية - أن الآيات تجمعهما - دون تفرقة - في طلب الإحسان إليهما {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا} {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 23، 24]
ويقولون: إن ما تعانيه الأم من مشاق تقوم به اندفاعا من طبيعتها وخلقتها، فهو لإرضاء نفسها، وإشباع غريزتها، كمن يتعب في الأكل والشرب، لا يبغي بذلك أجرا، فلا يطلب من الابن مكافأتها على ما تمتعت هي به، تمتعا لا تقبل هي بحال أن تتخلى عنه.
أما الحديث فيكرر البر بها، والإحسان إليها، لأنها لضعفها غالبا تكون أحوج من الأب للعطف، والبر لا جزاء على ما قدمت، وهي وإن كانت مسئولة عن الابن فترة ما من الزمن، فالأب مسئول عنها وعن ابنها، وهو المتحمل شرعا لنفقتها ونفقة ابنها، وجميع التكاليف اليومية، مما يجعله - على الأقل - مساويا لها في حقوقه على أولاده.
وما نسب إلى الإمام مالك من أنه يقول: إنهما في البر سواء، أخذ مما روي أنه سأله رجل، قال: طلبني أبي فمنعتني أمي؟ قال مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. قال ابن بطال: هذا يدل على أنه يرى أن برهما سواء، إذ قال الليث - حين سئل عن هذه المسألة بعينها - قال: أطع أمك، فإن لها ثلثي البر. قال الحافظ ابن حجر: والصواب رأي الجمهور.
وأميل إلى التفرقة في البر، بين العطاء، وبين الطاعة، فتعطى الأم من العطف والشفقة والحنان والصلات المادية ثلاثة أمثال ما يعطى الأب، ويطاع الأب في أوامره ونواهيه وتوجيهاته، فهو قائد الأسرة، وله القوامة عليها، وعليها طاعته، فلا معنى لطاعة الابن لها، ما دامت هي مطيعة للأب زوجها، ويبقى الكلام في طاعة الابن لها حيث لا يكون الأب موجودا، وعندي أن ذلك يخضع لظروف وملابسات يختلف معها الحكم، فقد يكون الابن بالغا عاقلا رشيدا حكيما، والأم متخلفة، تحكمها شهوتها وعاطفتها، فتأمره بالزواج بمن لا يهوى مثلا، أو تطليق من يهوى، ومن حاله مستقيمة معها. فكيف نوجب عليه طاعتها؟
وفي ترتيب الأقربين يقول النووي: قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم، ثم الأب، ثم الأجداد والجدات، ثم الأخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام، كالأعمام والعمات،
والأخوال والخالات، ويقدم الأقرب فالأقرب، ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما، ثم بذي الرحم غير المحرم، كابن العم وبنته، وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم، ثم المصاهر، ثم الجار، ويقدم القريب البعيد الدار على الجار غير القريب، وكذا لو كان القريب في بلد آخر، قدم على الجار الأجنبي، قال: وألحقوا الزوجة والزوج بالمحارم. اهـ. وقد أخرج أحمد والنسائي، وصححه الحاكم "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فعلى الرجل؟ قال: أمه".
وأما عن النقطة الثانية: فقال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فإن تعين الجهاد، فلا يحتاج إلى إذن، وإن كانا مشركين لم يشترط إذنهما، عند الشافعي، ومن وافقه، وشرطه الثوري، هذا كله إذا لم يحضر الصف، ويتعين القتال، وإلا فلا إذن، ولهما أن يرجعا في إذنهما، إذا لم يحضر الصف، لو منعاه فحضر الصف، فلا إذن، وألحق بعضهم الجد والجدة بالأبوين.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
1 -
الحث على بر الوالدين.
2 -
وعلى بر الأقارب.
3 -
حرص الصحابة على أمور دينهم، وسؤالهم عما يحتاجون إليه مما يجهلون.
4 -
وسعة صدره صلى الله عليه وسلم، وإجابته عن السؤال، ثم السؤال، ثم السؤال.
5 -
استدل بالرواية الثالثة، والرابعة على تحريم السفر بغير إذن الوالدين، لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى، نعم. إن كان سفره لتعلم فرض عين، حيث تعين السفر طريقا إليه، فلا منع.
وإن كان فرض كفاية، ففيه خلاف.
هذا وقد سبق في كتاب الإيمان بعض ما يتعلق بهذا الحديث، وبتحريم عقوق الوالدين.
والله أعلم