الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما
5580 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن. فخرجنا مهاجرين إليه. أنا وأخوان لي. أنا أصغرهما. أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم - إما قال: بضعا وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي - قال: فركبنا سفينة. فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة. فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده. فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا ها هنا. وأمرنا بالإقامة. فأقيموا معنا فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا. قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر. فأسهم لنا، أو قال أعطانا منها. وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا. إلا لمن شهد معه. إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه. قسم لهم معهم. قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: نحن سبقناكم بالهجرة. قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه. فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم: فقال عمر: سبقناكم بالهجرة. فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت. وقالت كلمة: كذبت. يا عمر! كلا. والله! كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنا في دار، أو في أرض، البعداء البغضاء في الحبشة. وذلك في الله وفي رسوله. وايم الله: لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن كنا نؤذى ونخاف. وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله. ووالله! لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله! إن عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بأحق بي منكم.
وله ولأصحابه هجرة واحدة. ولكم أنتم، أهل السفينة، هجرتان" قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا. يسألوني عن هذا الحديث. ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى، وإنه ليستعيد هذا الحديث مني.
-[المعنى العام]-
جعفر بن أبي طالب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان أشبه الناس خلقا وخلقا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أكبر من علي أخيه بعشر سنين، وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين. كان جعفر من المهاجرين الأولين، هاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، وقدم منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب انتصار خيبر، فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتنقه، وقال:"ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا؟ بقدوم جعفر؟ أم بفتح خيبر؟ " ثم غزا غزوة مؤتة قائدا لها، في سنة ثمان من الهجرة، فقتل. قاتل حتى قطعت يداه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله أبدله بيديه جناحان يطير بهما في الجنة، حيث شاء" فمن هنا قيل له: جعفر ذو الجناحين، روي أنه وجد في صدره تسعون جراحة، ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح، ولما بكى أهله عليه، قال صلى الله عليه وسلم:"على مثل جعفر فلتبك البواكي".
أما أسماء بنت عميس بن معد - على وزن سعد - أسلمت قديما، قبل دخول دار الأرقم، وبايعت وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، فولدت له هناك عبد الله ومحمدا وعونا، ثم هاجرت مع زوجها إلى المدينة، فلما استشهد جعفر في غزوة مؤتة تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم حنين، فولدت له محمدا، ثم مات عنها، فتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له يحيى بن علي بن أبي طالب. رضي الله عنها.
-[المباحث العربية]-
(بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن باليمن) أي خروجه من مكة إلى المدينة، أي هجرته صلى الله عليه وسلم، وليس المراد: بلغنا مبعثه، إذ يبعد كل البعد أن يتأخر علم مبعثه إلى مضي نحو عشرين سنة، ومع الحمل على مخرجه إلى المدينة، فلا بد من زيادة: واستقراره فيها، وانتصافه ممن عاداه، ونحو ذلك، لأن هجرة أبي موسى المتحدث عنها كانت بعد اطمئنان المهاجرين في إقامتهم بالمدينة. وبعد ست سنين من هجرته صلى الله عليه وسلم، ويبعد أيضا أن يخفى عنهم أحوال المؤمنين في هذه المدة، وقوله "ونحن باليمن" أي في ديارنا باليمن.
(فخرجنا مهاجرين إليه) الضمير لأبي موسى ومن خرج معه، وأبدل من هذا الضمير.
(أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم) قال النووي: هكذا هو في النسخ "أصغرهما" والوجه "أصغر منهما" وفي رواية للبخاري "أنا أصغرهم"، وأبو بردة اسمه عامر، وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء، اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم، وقيل: اسمه محمد، وقيل: اسمه مجيلة، بكسر الجيم.
(إما قال: بضعا - وإما قال: ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي) شك الراوي في خبر أبي موسى. هل قال: بضعا وخمسين رجلا من قومي؟ أو قال: ثلاثة وخمسين؟ أو قال: اثنين وخمسين؟ وفي رواية للبخاري "أنهم كانوا خمسين"، فلعل الزائد على ذلك هو وأخواه، وأخرج البلاذري أنهم كانوا أربعين رجلا، ويجمع بين الروايات بالحمل على الأصول مرة، وعلى الأصول والأتباع أخرى.
(فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة) الحبشة واليمن متقابلان، بينهما البحر الأحمر، وكانوا يقصدون بسفينتهم "ينبع" أو شاطئا قريبا من المدينة، لكن الرياح والعواصف ألجأت السفينة إلى ساحل الحبشة، على غير رغبة منهم.
(فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده) أي عند النجاشي، فشرحنا له حالنا ومقصودنا.
(فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا ها هنا، وأمرنا بالإقامة) هنا، حتى يأذن لنا بالهجرة إلى المدينة.
(فأقيموا معنا فأقمنا معه، حتى قدمنا جميعا) ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو ابن أمية إلى النجاشي، يطلب منه أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب، ومن معه، فجهزهم، وأكرمهم، وقدم بهم عمرو بن أمية. وذكر ابن إسحاق أسماء من قدم مع جعفر، وهم ستة عشر، منهم امرأة جعفر، أسماء بنت عميس وخالد ابن سعيد بن العاص وامرأته، وأخوه عمرو بن سعيد، ومعيقيب بن أبي فاطمة.
(فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر) أي وصلوا بعد انتصار المسلمين في خيبر، وبعد حوز الغنائم، وقبل قسمتها.
(فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد، غاب عن فتح خيبر، منها شيئا، إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا، مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم) سيأتي في فقه الحديث بيان كون هذا الإعطاء من الغنيمة، أو من الخمس، بإذن الغانمين، أو بدون إذنهم.
(قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة - نحن سبقناكم بالهجرة) سمي من الناس في الرواية نفسها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي رواية للبخاري "وكان أناس من الناس".
(قال: فدخلت أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة) لحفصة، أيام أن أكثر الناس من قولهم إننا تأخرنا في الهجرة، وأنهم سبقونا بالفضل.
(وقد كانت هاجرت إلى النجاشي، فيمن هاجر إليه) الهجرة الثانية إلى الحبشة، وكانوا يزيدون على ثمانين رجلا، سوى نسائهم وأبنائهم.
(فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر - حين رأى أسماء - من هذه؟ ) أي قال لابنته، فيما بينه وبينها، وأسماء تسمع: من هذه؟ .
(قالت: أسماء بنت عميس) وكان يعرفها، ويعرف بعض حياتها.
(قال عمر: الحبشية هذه؟ ) نسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم، وفي رواية للبخاري "آلحبشية هذه؟ " بهمزة الاستفهام.
(البحرية هذه؟ ) بهمزة الاستفهام أيضا عند البخاري، ونسبها إلى البحر، لركوبها إياه، وفي رواية "البحيرية هذه"؟ بالتصغير، للتمليح.
(فقالت أسماء: نعم) تفخر بأنها هاجرت بدينها إلى الحبشة.
(فقال عمر: سبقناكم بالهجرة) إلى المدينة، فلنا فضل السبق. يرد على فخرها بفخر.
(فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم) أي فنحن أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم دينا ومكانة في الإسلام.
(فغضبت، وقالت كلمة) أي ظهر عليها الغضب والانفعال، والمراد من الكلمة الكلام الكثير الآتي فيما بعد، بداية من قولها:
(كذبت يا عمر. كلا والله) قال النووي: "كذبت" أي أخطأت، وقد استعملوا "كذب" بمعنى أخطأ أي أقسم بالله أنكم لستم أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منا، وفي رواية "فقالت" أي لعمر. لقد صدقت. كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " إلخ تقول ذلك على سبيل التهكم، وبدأت تعلل لماذا هي ومن كان معها أحق. فقالت:
(كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم) وكنا نجوع في سبيل الله، ولا نجد من يطعمنا.
(ويعظ جاهلكم) وكنا نتشوف لمعرفة ديننا، ونحتاج المواعظ والتشريعات، ونفتقدها في سبيل الله، وكنت متمتعين به، ونحن محرومون من المصدر الإلهي.
(وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة)"البعداء" بضم الباء وفتح العين جمع بعيد، و"البغضاء" بضم الباء وفتح الغين، جمع بغيض، وفي رواية "البعداء أو البغضاء" بأو، وفي رواية "البعد" بضم الباء والعين، وفي رواية "وكنا البعداء والطرداء".
(وذلك في الله وفي رسوله) أي في جميع ما تحملنا من مشاق ابتغاء وجه الله تعالى.
(وايم الله) الواو للاستئناف، و"ايم" بألف الوصل، وأصلها "ايمن" حذفت النون لغة، وأضيفت إلى لفظ الجلالة. وهو مرفوعة على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير "ايمن الله قسمي" وليست جمع يمين، فذاك همزته همزة قطع.
(لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا، حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم المقصود بهذه الجملة حتمية تحقيق المقسم عليه، وسرعته.
(ونحن كنا نؤذى، ونخاف) بضم النون فيهما، مبني للمجهول، ولم تقل: وأنتم كنتم في سلامة وأمن، لأنهم كانوا كذلك يؤذون ويخافون، وكأنها تقول: وشاركناكم الأذى والخوف، بعد أن زدنا عنكم الجوع والجهل والبعد عن مصدر السعادة والعلم.
(وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسأله) عن الحق، أهو في قولك؟ أو في قولي؟ .
(والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك) أي ووالله لن أكذب عليك وأدعي عليك خلاف ما قلت، ولن أحرف ما قلت، ولن أزيد شيئا على ما قلت.
(فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر أنها ظلت مع حفصة حتى جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مروره على كل واحدة من نسائه كل يوم، حتى يصل إلى صاحبة الليلة، فيقيم عندها، أو صادفت زيارة أسماء ليلة حفصة.
(قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا) الظاهر أن عمر كان قد انصرف، ولم يحضر الشكوى، وفي رواية للبخاري "قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا".
(قال: ليس بأحق بي منكم) لم يقل: كذب، صيانة للسانه من العيب، ونفي الأحقية يحتمل إثباتها لأسماء وأصحابها، أي أنتم أحق بي منهم، ويحتمل المساواة، أي وأنتم وهم في أحقيتكم بي سواء، لكن ظاهر التعليل أن المراد الأول.
(له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان)"أهل" منصوب على الاختصاص، أو على النداء بحذف أداته، ويجوز جره على البدل من الضمير، والمقصود من "أهل السفينة" ركابها الذين هاجروا من الحبشة إلى المدينة بواسطتها، زاد في رواية "هاجرتم مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي" وعند ابن سعد "قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله، إن رجالا يفخرون علينا، ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين؟ فقال: بل لكم هجرتان، هاجرتم إلى أرض الحبشة، ثم هاجرتم بعد ذلك".
(قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة، يأتوني أرسالا، سألوني عن هذا الحديث) قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون هذا من رواية أبي موسى عنها، فيكون من رواية
صحابي عن مثله، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها. ومعنى "أرسالا" بفتح الهمزة، أي أفواجا، أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس، يستعيدون منها هذا الحديث، سرورا به.
(ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم، مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هذا الحديث كان أعظم شيء في نفوسهم، لم يعادله شيء يسرهم في الدنيا.
-[فقه الحديث]-
قال ابن المنير: ظاهر الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغنيمة، لا من الخمس، إذ لو كان من الخمس لم يكن لهم بذلك خصوصية، والحديث ناطق بها، إذ يجوز للإمام أن يجتهد، وينفذ اجتهاده في الأخماس الأربعة، المختصة بالغانمين، فيقسم منها لمن لم يشهد الوقعة.
وقال ابن التين: يحتمل أن يكون أعطاهم من الغنيمة برضا بقية الجيش، قال النووي: وفي رواية البيهقي ما يؤيده، إذ فيها التصريح "بأن النبي صلى الله عليه وسلم، كلم المسلمين، فشركوهم في سهمانهم" وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس، وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال. ثم قال الحافظ: وأما قول ابن المنير: لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص فظاهر، لكن يحتمل أن يكون من الخمس، وخصهم بذلك، دون غيرهم، ممن كان من شأنه أن يعطى من الخمس، ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة، لكونهم وصلوا قبل قسمة الغنيمة، وبعد حوزها، وهو أحد القولين للشافعي، وهذا الاحتمال يترجح بقوله "أسهم لنا" لأن الذي يعطى من الخمس، لا يقال في حقه "أسهم له" إلا تجوزا، ولأن سياق الكلام يقتضي الافتخار، ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لغيرهم. والله أعلم.
وفي الحديث مناقب جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب هجرة الحبشة وأصحاب السفينة.
وفي الحديث قوة المرأة العربية في ردها على من ينال منها.
والله أعلم