الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
5542 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق. وليس مكان أريد من الجنة إلا طارت إليه. قال: فقصصته على حفصة فقصته حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرى عبد الله رجلا صالحا".
5543 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكنت غلاما شابا عزبا. وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر. وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار. قال: فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع فقصصتها على حفصة. فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عبد الله! لو كان يصلي من الليل" قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا.
5544 -
وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنت أبيت في المسجد ولم يكن لي أهل فرأيت في المنام كأنما انطلق بي إلى بئر فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث الزهري عن سالم عن أبيه.
-[المعنى العام]-
عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نوفل القرشي العدوي يكنى أبا عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحي وشقيقته حفصة أم المؤمنين ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي وأسلم صغيرا وهاجر مع أبيه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره وكانت سنه ثلاث عشرة ثم بأحد فاستصغره ثم أجازه يوم الخندق وسنه خمس عشرة سنة وحضر بيعة الرضوان وفتح مكة وكان لا
يتخلف عن السرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان بعد موته مولعا بالحج قبل الفتنة وفي الفتنة التي اعتزلها روي أن مروان بن الحكم دخل عليه في نفر بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه فعرضوا عليه أن يبايعوا له قال: وكيف لي بالناس؟ قال: تقاتلهم ونقاتلهم معك - فقال: والله لو اجتمع علي أهل الأرض إلا أهل فدك ما قاتلتهم فخرجوا من عنده ومروان يقول:
والملك بعد ابن ليلى لمن غلبا
ويقال إنه ندم بعد ذلك أن لم يقاتل مع علي إذ روي أنه قال حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروي أنه كان يقول: كففت يدي فلم أقدم والمقاتل على الحق أفضل.
كان رحمه الله تعالى من أهل الورع والعلم والتقوى، وروي عن مالك أنه قال: بلغ عبد الله بن عمر ستا وثمانين سنة وأفتى في الإسلام ستين سنة ونشر نافع عنه علما جما ويقولون: إنه كان من أعلم الصحابة بمناسك الحج وكان شديد التوقي في فتواه وفي كل ما يأخذ به نفسه شديد التحري والتأسي والاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه كان يتحرى المكان الذي بركت فيه ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم ليبرك ناقته فيه وكان يحفظ ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل من حضر إذا غاب عن قوله وفعله لذا كان من المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الحج يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ويتقدم إلى المواقف التي وقف بها صلى الله عليه وسلم ليقف بها فكان ذلك يعز على الحجاج وخطب الحجاج يوما فأخر الصلاة فقال له ابن عمر: إن الشمس لا تنتظرك فقال له الحجاج: لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك فقال ابن عمر في نفسه: قد يفعل إنه سفيه مسلط.
فأمر الحجاج رجلا فسم حديدة رمحه وزحمه في الطريق وغرس الحديدة في ظهر قدمه وهو على راحلته فمرض منها أياما فدخل عليه الحجاج يعوده فقال له: من فعل بك هذا يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قتلني الله إن لم أقتله قال: ما أراك فاعلا أنت الذي أمرت الذي نخسني بالحربة المسمومة قال: لا تقل هذا يا أبا عبد الرحمن ومات بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر أو نحوها ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين. رضي الله عنه. وأرضاه.
-[المباحث العربية]-
(رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق) الإستبرق ما غلظ من الحرير أو من الديباج وفي رواية للبخاري "كأن في يدي سرقة من حرير" بفتح السين وكسر الراء أي قطعة وفي رواية "قطعة من إستبرق" وفي رواية "سرقة من إستبرق" وعبر بلفظ "كأن" بالتشبيه لأن ما يحصل في المنام شبيه بالواقع وليس واقعا بالفعل.
(وليس مكان أريد من الجنة إلا طارت إليه) فهي توصلني إلى أي مكان أريده من الجنة وفي رواية للبخاري "لا أهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت بي إليه" وفي رواية "فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه".
(فقصصته على حفصة) أي قصصت المنام على حفصة أختي أم المؤمنين.
(أرى عبد الله رجلا صالحا)"أرى" بفتح الهمزة أي أعلمه وأعتقده صالحا والصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد وفي رواية للبخاري "إن أخاك رجل صالح أو إن عبد الله رجل صالح" بالشك من الراوي وفي الرواية الثانية "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" قال ابن عمر: وكنت إذا نمت لم أقم حتى أصبح.
وزاد في روايتنا الثانية "قال سالم: فكان عبد الله - بعد ذلك - لا ينام من الليل إلا قليلا" وفي رواية "قال الزهري: وكان عبد الله - بعد ذلك - يكثر الصلاة من الليل" وفي رواية "وكان عبد الله يكثر الرقاد" وفيها أيضا "إن الملك الذي قال له: لم ترع قال له: لا تدع الصلاة نعم الرجل أنت لولا قلة الصلاة".
(كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم اللام في "الرجل" للجنس ولا مفهوم له والحكم للمرأة كذلك وإنما ذكر للغالب.
(فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم في رواية "أنى أرى" وفي رواية للبخاري "فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء".
(وكنت غلاما شابا عزبا) بفتح العين والزاي وهو من لا زوجة له ويقال له: الأعزب مع قلة في الاستعمال.
(وكنت أنام في المسجد) في ملحق الرواية "كنت أبيت في المسجد ولم يكن لي أهل" أي لم يكن لي زوجة وفي رواية للبخاري "وأنا غلام حديث السن وبيتي المسجد قبل أن أنكح" يعني أنه كان يأوي إليه قبل أن يتزوج.
(فرأيت في النوم) في ملحق الرواية "فرأيت في المنام" وفي رواية للبخاري "فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم إن كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا فبينما أنا كذلك إذ
…
"
(كأن ملكين أخذاني) في رواية للبخاري "جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم" والمقمعة بكسر الميم الأولى والجمع مقامع وهي كالسياط من حديد رءوسها معوجة.
(فذهبا بي إلى النار) في رواية للبخاري "يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله: اللهم إني أعوذ بك من جهنم" وفي رواية للبخاري "حتى وقفوا بي على شفير جهنم".
(فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر) في رواية للبخاري "له قرون" البئر المطوية هي المبنية والبئر قبل أن تبنى تسمى قليبا وقرون البئر جوانبها التي تبنى من حجارة ترتفع فتوضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة والعادة أن لكل بئر قرنين وفي رواية للبخاري "بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد"
(وإذا فيها ناس قد عرفتهم) وفي رواية "فإذا فيها ناس عرفت بعضهم" وفي رواية للبخاري (وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل رءوسهم أسفلهم عرفت فيها رجالا من قريش" قال الشارحون: لم نقف على اسم أحد منهم.
(فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع) بضم التاء وفتح الراء أي لم تفزع وفي رواية "لن تراع" فعلى الأول ليس المراد أنه لم يقع له فزع فقد فزع فعلا ولكن لما كان الذي فزع منه لن يستمر فكأنه لم يفزع أو هو من قبيل تنزيل القليل منزلة العدم وعلى الثاني فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك قال ابن بطال: إنما قال له ذلك لما رأى منه من الفزع فعند ابن أبي شيبة "فلقيه ملك وهو يرعد فقال: لم ترع" ووقع عند كثير من الرواة "لن ترع" بحرف "لن" ووجهه ابن مالك بأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف قيل: ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة قليلة حكاها الكسائي وفي رواية للبخاري "فتلقاهما ملك فقال: لم ترع خليا عنه" وفي رواية للبخاري "فانصرفوا بي عن ذات اليمين" قال القرطبي: إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح لأنه عرض على النار ثم عوفي منها وقيل له: لا روع عليك وذلك لصلاحه غير أنه لم يكن يقوم الليل فحصل له من ذلك تنبيه على أن قيام الليل مما يتقى به النار والدنو منها فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك وأشار المهلب إلى أن السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد ومن حق المسجد أن يتعبد فيه فنبه على ذلك بالتخويف بالنار.
(فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروايتين اللتين ساقهما مسلم هنا رؤيا قطعة الحرير وفيها "فقصصته على حفصة فقصته حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم" ورؤيا جهنم وفيها "فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولا إشكال في ذلك سواء رآهما عبد الله في ليلة وأخبر بهما معا حفصة فأخبرت بهما حفصة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مرتين أو رآهما في ليلتين وأخبر بهما حفصة متفرقتين فأخبرت بهما حفصة متفرقتين والمستبعد أن تكون حفصة قد أخبرت بهما مجتمعتين لقوله في رواية للبخاري "فقصت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي" أي قصت إحدى رؤياي أولا ثم قصت الأخرى.
(نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)"لو" للتمني لا للشرط فلا تحتاج إلى جواب لأن مدحه لا يتوقف على صلاة الليل.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الحديث]-
1 -
فضيلة ظاهرة لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
2 -
جواز نوم الرجال في المسجد وهو قول الجمهور وروي عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة وعن ابن مسعود كراهيته مطلقا وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح وحديثنا يدل على إباحته لمن لا مسكن له
3 -
أن أصل التعبير إنما يكون من الأنبياء ولذلك تمنى ابن عمر أنه يرى رؤيا فيعبرها له الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعبر للناس، وقد صرح الأشعري بأن أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء وعلى ألسنتهم قال ابن بطال: وهو كما قال لكن الوارد عن الأنبياء في ذلك وإن كان أصلا لكنه لا يعم جميع المرائي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى ما نص عليه ويجعل النص أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه اهـ.
4 -
وفيه تمني الخير والعلم.
5 -
وأن الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها غالبا.
6 -
وفيه مشروعية النيابة في قص الرؤيا.
7 -
وأدب ابن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومهابته له حيث لم يقص رؤياه عليه بنفسه وكأنه لما هالته الرؤيا لم يؤثر أن يقصها بنفسه فقصها على أخته لإدلاله عليها.
8 -
وأن بعض الرؤيا لا يحتاج إلى تعبير.
9 -
وأن ما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في تفسيرها على ما فسرها الملك الذي جاء في بعض الروايات أن الملك وصف ابن عمر بالرجل الصالح.
10 -
وأن المعبر الحاذق يفسر من الرؤيا ما هو ممدوح ويسكت ويعرض عما هو كريه فقد رأى الفزع ولم يفسره.
11 -
وفي الحديث الخوف والأمن في المنام لكن قال أهل التعبير: من رأى أنه خائف من شيء أمن منه ومن رأى أنه قد أمن من شيء فإنه يخاف منه.
12 -
وفي الرواية الأولى رؤيا الإستبرق في المنام، وقد يعبر بالحرير عن شرف الدين والعلم لأن الحرير أشرف ملابس الدنيا، وكذلك العلم بالدين أشرف العلوم.
13 -
ومن قوله في الرواية الثانية "كأن ملكين أخذاني" يؤخذ منه الجزم بالشيء وإن كان أصله
الاستدلال لأن ابن عمر استدل على أنهما ملكان بأنهما وقفا على جهنم ووعظاه بها والشيطان لا يعظ، ولا يذكر بالخير.
14 -
وفي الحديث فضل قيام الليل.
15 -
وفيه الوعيد على ترك السنن وجواز وقوع العذاب على ذلك قال الحافظ ابن حجر: وهو مشروط بالمواظبة على الترك رغبة عنها فالوعيد والتعذيب إنما يقع على المحرم وهو الترك بقصد الإعراض.
والله أعلم.