الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته
.
5266 -
عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما. فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل.
5267 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. فإن كان إثما كان أبعد الناس منه.
5268 -
عن هشام بهذا الإسناد، إلى قوله: أيسرهما. ولم يذكرا ما بعده.
5269 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده. ولا امرأة ولا خادما. إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل.
-[المعنى العام]-
نعم، دين الإسلام يسر، قال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] ويقول صلى الله عليه وسلم "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" وقال لمعاذ رضي الله عنه لما أطال القراءة في الصلاة، وهو إمام: قال له: أفتان أنت يا معاذ؟ من أم الناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة،
ولما أراد جماعة التشديد على أنفسهم في العبادة وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم الدهر أبدا، وقال الثالث: وأما أنا فسأتبتل، وأعتزل النساء غضب صلى الله عليه وسلم، وخطب في الناس، وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
ومن هذا المنطلق كان صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته يميل إلى اليسر، ويتباعد عن العسر، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن هذا الأيسر إثما، أو يؤدي إلى الإثم، فإن كان إثما أو يؤدي إلى الإثم بعد عنه، بل كان أبعد الناس عنه، وعمل بغير اليسر مهما كان صعبا وشاقا.
وكان صلى الله عليه وسلم من باب التخفيف على الأمة، والتسامح معها- يعفو عمن ظلمه، ولا ينتقم ممن أذاه حين القدرة عليه، ولقد قال لأهل مكة بعد أن فتحها ونصره الله عليهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فما انتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم ممن آذاه، وما ضرب بيده الكريمة امرأة ولا خادما قط، وما آذى إلا لله، وإلا ما انتهكت حرمات الله، صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين)"خير" بضم الخاء وكسر الياء المشددة، مبني للمجهول، وأبهم الفاعل، ليعم ما كان من قبل الله، وما كان من قبل المخلوقين، والأمران إما أن يكونا من أمور الدنيا، وإما أن يكونا من أمور الآخرة، وإما أن يكون أحدهما من أمور الدنيا، والثاني من أمور الآخرة.
(إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما) أي ما لم يكن الأيسر إثما.
(فإن كان إثما كان أبعد الناس منه) أي فإن كان الأيسر إثما تركه وبعد عنه، وأخذ الأصعب الذي لا إثم فيه، وعند الطبراني في الأوسط "إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط".
قال العلماء: وقوع التمييز بين ما فيه إثم، وبين ما لا إثم فيه من العباد واضح وواقع كثيرا، وخصوصا إذا وقع من الكفار، كما وقع في الحديبية، بين أن يرجع من عام، ثم يعود العام القابل معتمرا، وبين القتال، فاختار الأول، وبين أن يمحو من الوثيقة كلمة "رسول الله" وبين أن يرفض الصلح، فاختار الأول.
أما وقوع التمييز من الله فلا يكون بين ما فيه إثم، وما لا إثم فيه، وإنما يكون التمييز منه تعالى بين جائزين، ويصير المعنى ما خيره الله بين أمرين جائزين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فالمستثنى ليس من جنس المستثنى منه، فالاستثناء منقطع، ومثل له بعضهم بالفطر للصائم المسافر، وصلاة الفرض قاعدا للعاجز الذي يشق عليه القيام، وبول الأعرابي في المسجد، صب ذنوب
من ماء، أو إزالة التراب المتنجس، لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم، أمكن أن يخير الشارع بين ما لا يفضي إلى الإثم وبين ما يفضي إلى الإثم غالبا، ومثلوا له بأن يخير بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض، وما يخشى من الاشتغال به عن العبادة مثلا، وبين أن لا يؤتيه من الدنيا إلا الكفاف، فيختار الكفاف، وإن كانت السعة أسهل منه، والإثم على هذا أمر نسبي، لا يراد منه معنى الخطيئة، لثبوت العصمة له صلى الله عليه وسلم، بل هو من قبيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، ويكون المراد ما لم يكن إثما أو يخشى منه أن يفضي إلى خلاف الأولى، فيختار الأشق حينئذ، ويترك الأيسر، والاستثناء على هذا متصل، فالمستثنى من جنس المستثنى منه.
وقال ابن التين: المراد التمييز بين أمرين من أمور الدنيا، وأما أمر الآخرة، فكلما صعب كان أكثر ثوابا، كذا قال، وفيه نظر، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويفطر ويصلي ويرقد، ويتزوج النساء.
(ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه) في بعض الروايات "ما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه" و"نيل" بكسر النون، مبني للمجهول، أي ما أصيب بأذى من قول أو فعل، وقد استشكل عليه أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل، وغيرهما ممن كان يؤذيه، ولتفادي هذا الإشكال وضع بعضهم قيدا، فقال: وما انتقم لنفسه خاصة، أما هؤلاء فقد كانوا ينتهكون محارم الله مع إيذائه، أو أن إيذاءه كان من حيث هو رسول الله، فهو انتهاك لمحارم الله، لذا لم ينتقم لنفسه من الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه، ولا من الذي جذبه بردائه، حتى أثر في كتفه.
وحمل الداودي عدم الانتقام على ما يختص بالمال، قال: وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه، قال: واقتص ممن لده في مرضه، بعد نهيه عن ذلك، حيث أمر بلدهم، مع أنهم كانوا في ذلك متأولين، بأنه إنما نهاهم بسبب كراهة النفس للدواء، بحكم العادة البشرية. كذا قال: وفيه نظر.
-[فقه الحديث]-
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
الحث على ترك الأخذ بالعسير من الأمور.
2 -
والاقتناع باليسير.
3 -
وترك الإلحاح فيما لا يضطر إليه.
4 -
والندب إلى الأخذ بالرخص، ما لم يظهر الخطأ.
5 -
والحث على العفو، إلا في حقوق الله تعالى.
6 -
والندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الحافظ ابن حجر: ومحل ذلك ما لم يفض إلى ما هو أشد منه.
7 -
وفيه ترك الحكم للنفس، وإن كان الحاكم متمكنا من ذلك، بحيث يؤمن منه الحيف على المحكوم عليه، لكن لحسم المادة.
8 -
وفيه الحث على الحلم واحتمال الأذى.
9 -
والانتصار لدين الله تعالى ممن فعل محرما أو نحوه.
10 -
ومن الرواية الثالثة أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب، فتركه أفضل.
والله أعلم