المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٩

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(599) باب قتل الحيات والأبتر والوزغ والهرة وسقي البهائم

- ‌كتاب الأدب من الألفاظ وغيرها

- ‌(600) باب سب الدهر - تسمية العنب كرما - قول: عبدي وأمتي - استعمال المسك

- ‌كتاب الشعر

- ‌(601) باب الشعر واللعب بالنرد

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌(602) باب الرؤية والحلم، وتأويل الرؤيا

- ‌كتاب الفضائل

- ‌(603) باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

- ‌(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس

- ‌(606) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(607) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم وإذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(608) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌(609) باب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه

- ‌(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(613) باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

- ‌(615) باب حيائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

- ‌(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن

- ‌(618) باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس، وتبركهم به، وتواضعه لهم

- ‌(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته

- ‌(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به

- ‌(621) باب في صفاته الخلقية، وصفة شعره وشيبته

- ‌(622) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌(623) باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم، وإقامته بمكة والمدينة

- ‌(624) باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(625) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته له

- ‌(626) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌(627) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي

- ‌(628) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم

- ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

- ‌(630) باب من فضائل إبراهيم الخليل، ولوط، عليهما السلام

- ‌(631) باب من فضائل موسى عليه السلام، ويونس، ويوسف، وزكريا، والخضر، عليهم السلام

- ‌كتاب فضائل الصحابة

- ‌(632) باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌(633) باب من فضائل عمر رضي الله عنه

- ‌(634) باب من فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(635) باب فضائل علي رضي الله عنه

- ‌(636) باب من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(638) باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌(639) باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌(640) باب من فضائل زيد بن حارثة، وابنه أسامة، رضي الله عنهما

- ‌(641) باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

- ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

- ‌(643) باب فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

- ‌(645) باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها

- ‌(646) باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌(647) باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌(648) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها

- ‌(649) باب من فضائل أم سليم وبلال رضي الله عنهما

- ‌(650) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما

- ‌(651) باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌(653) باب من فضائل أبي دجانة: سماك بن خرشة رضي الله عنه

- ‌(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما

- ‌(655) باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه

- ‌(656) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌(657) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(658) باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌(660) باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌(661) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌(662) باب من فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌(663) باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(664) باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌(665) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم

- ‌(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما

- ‌(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

- ‌(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌(669) باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم

- ‌(670) باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(671) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

- ‌(672) باب خيار الناس

- ‌(673) باب من فضائل نساء قريش

- ‌(674) باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله عنهم

- ‌(675) باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة

- ‌(676) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

- ‌(677) باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌(678) باب تحريم سب الصحابة

- ‌(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(680) باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌(681) باب فضل أهل عمان

- ‌(682) باب ذكر كذاب ثقيف

- ‌(683) باب فضل فارس

- ‌(684) باب بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة

- ‌كتاب البر والصلة والآداب

- ‌(685) باب بر الوالدين

- ‌(686) باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، وفضل بر الوالدين

- ‌(687) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

- ‌(688) باب تفسير البر والإثم

الفصل: ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

5239 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين. والله! ما قال لي: أفا قط. ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ زاد أبو الربيع ليس مما يصنعه الخادم ولم يذكر قوله والله.

5240 -

عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال: فخدمته في السفر والحضر. والله! ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا؟ .

5241 -

عن أنس رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين. فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا؟ وكذا ولا عاب علي شيئا قط.

5242 -

عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا. فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله! لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرت إليه وهو يضحك: فقال "يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ " قال: قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله. - قال أنس: والله! لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا.

5243 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا.

ص: 144

-[المعنى العام]-

يقول صلى الله عليه وسلم "خير ما أعطي الناس خلق حسن" ويقول "إن أفضل شيء في الميزان الخلق الحسن" ويقول "إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء" ويقول "إن خياركم أحسنكم خلقا" ويقول "إن أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون" ويقول "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وكان صلى الله عليه وسلم على قمة مكارم الأخلاق حتى قال عنه ربه عز وجل {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4] وأبرز المواطن التي تظهر فيها الأخلاق المحمودة والمذمومة مواطن التعامل مع الخلق وأبرز هذه المواطن معاملة السيد للخادم.

ومن هنا ساق العلماء - دليلا على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم أحاديث معاملته صلى الله عليه وسلم لخادمه أنس، فقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا خادم له، وأسلمت أم سليم أم أنس وهو ابن عشر سنين ومن حبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة منها في توثيق العلاقة والصلة به قدمت ابنها هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خادما فكان نعم الخادم عند خير مخدوم خدم عشر سنين فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضرب بيده الكريمة امرأة ولا خادما قط بل كان عف اللسان ليس فاحشا ولا متفحشا ولا سبابا ولا لعانا حتى عند الغضب وعند وقوع ما يستحق اللوم والعقاب وعند رؤيته ما يكره لدرجة أنه ما عاب طعاما قط بل كان إذا اشتهاه أكله وإن عافه تركه وما أنب خادمه يوما وما زجره أو عنفه بل ما قال له يوما عن شيء فعله وهو غير مرضي: لم فعلت كذا؟ وما قال له يوما عن شيء لم يفعله وهو مطلوب: لم لم تفعل كذا؟ بل كان يبتسم ويوجه ويألف ويؤلف ويحلم ويتواضع ويعفو ويحسن صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين) في الرواية الثالثة وملحق الرابعة "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين" ولا تعارض لأن ابتداء خدمته له صلى الله عليه وسلم كان بعد قدومه المدينة وبعد تزويج أم سليم بأبي طلحة أي بعد قدومه صلى الله عليه وسلم ببضعة أشهر فرواية العشر جبرت الكسر ورواية "التسع" ألغت الكسر، والحقيقة تسع سنين وبضعة أشهر.

وفي الرواية الثانية "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيس" - بفتح الكاف وتشديد الياء المكسورة أو المخففة الساكنة بعدها سين أي عاقل فطن متوقد الذكاء ضد الأحمق - "فليخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر" وأشار بالسفر إلى ما حصل من أنه خرج معه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر يخدمه، ففي البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي طلحة - لما أراد الخروج إلى خيبر - من يخدمه فأحضر له أنسا" أي طلب من أبي طلحة من يكون أسن من أنس وأقوى على الخدمة في السفر وكان أنس إذ ذاك ابن ست عشرة سنة فعرف أبو طلحة من أنس القوة على ذلك فأحضره له فخرج معه فلهذا

ص: 145

قال: خدمته في الحضر والسفر، وفي رواية للبخاري أيضا عن أنس "كنت ابن عشر سنين، مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أمهاتي - يقصد أمه وخالته ومن في معناهما - يواظبنني - أي يرغبنني ويحثثنني - على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدمته أمه، أم سليم للنبي صلى الله عليه وسلم.

(والله ما قال لي: أفا قط) قال الراغب: أصل الأف كل مستقذر من وسخ، كقلامة الظفر وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكل مستخف به، ويقال أيضا عند تكره الشيء، وعند التضجر من الشيء، واستعملوا منها الفعل، يقولون: أففت بفلان.

وفي "أف" عدة لغات: الحركات الثلاث للهمزة مع تشديد الفاء، بغير تنوين، وبالتنوين، وهي في روايتنا "أفا" بالنصب والتنوين على المصدرية، وهي موافقة لبعض القراءات الشاذة، وهي هنا مع ضم الهمزة والتشديد، وعلى ذلك اقتصر بعض الشراح، وذكر أبو الحسن الرماني فيها لغات كثيرة، بلغها تسعا وثلاثين، ونقلها ابن عطية، وزاد واحدة، أكملها أربعين، ومنها الستة المتقدمة، وبتخفيف الفاء كذلك ستة أخرى، وبالسكون مشددا ومخففا، وبزيادة هاء ساكنة في آخره مشددا ومخففا، و"أفي" بالإمالة، وبين بين، وبلا إمالة

إلخ.

وساقها الحافظ ابن حجر، فمن أرادها فليطلبها.

وأما "قط" ففيها لغات: بفتح القاف وضمها، مع تشديد الطاء المضمومة، وبفتح القاف وكسر الطاء المشددة، وبفتح القاف وإسكان الطاء، وبفتح القاف وكسر الطاء المخففة، وهي لتوكيد نفي الماضي.

(ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ ليس مما يصنعه الخادم) أي هذا الذي صنعت ليس مما يقبل من الخادم وفي الرواية الثانية "والله ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا؟ وفي الرواية التالية "فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط" وفي الرواية الرابعة "فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط" وأما قوله في الرواية الثالثة "أذهبت حيث أمرتك"؟ فليس من قبيل ما نفاه، لأن الاستفهام هنا، وإن كان إنكاريا توبيخيا، ومعناه ما كان ينبغي أن لا تذهب، لكنه ظاهر في العتب برفق، ويحتمل أن المراد ما قال لي كذا وكذا بغضب. بخلاف ما في الرواية الثالثة، فقد قال وهو يضحك، فالمنفي اللوم والتأنيب كما يفعل مع الخادم، والمثبت الحض والعرض والتوجيه، كما يفعل مع الأبناء والأحبة.

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا) بضم الخاء واللام، ويجوز إسكان اللام، قال الراغب: الخلق بفتح الخاء، والخلق بضمها، في الأصل بمعنى واحد، كالشرب والشرب، لكن خص الخلق بالفتح، بالهيئات والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق بالضم، بالقوى والسجايا، المدركة بالبصيرة اهـ. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي" وقال القرطبي في المفهم: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة، فالمحمودة على

ص: 146

الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنصف لها، وعلى التفصيل العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب، ونحو ذلك، والمذموم منها ضد ذلك.

(فأرسلني يوما لحاجة) أي لأقضي حاجة له.

(فقلت: والله لا أذهب) الآن عاجلا، أي قلت في نفسي ذلك، رغبة مني في اللعب قليلا، فقد كان فوق العاشرة بقليل.

(وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم أي لم يكن موقفي عصيان الأمر، وعدم تنفيذه، بل تأجيله قليلا وتأخيره، مع عزمي أن أنفذه.

(فخرجت حتى أمر على صبيان، وهم يلعبون في السوق) أي فلعبت معهم، وانشغلت بلعبهم، وفي قوله "حتى أمر" تعبير عن الماضي بالمضارع، استحضارا للصورة، والأصل: حتى مررت وفي ذلك إشارة إلى أنه لم يقصد اللعب ابتداء، بل وقع ذلك مصادفة في مروره بهم، وهو في طريقه لقضاء الحاجة.

(يا أنيس: أذهبت حيث أمرتك؟ قال: قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله) الآن، فذهب و"أنيس" بضم الهمزة وفتح النون، تصغير "أنس" والجواب نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، والاستفهام التقريري خبر موجب، والمعنى هنا: أقر بأنك لم تذهب، فيكون الجواب نعم، أقر أنني لم أذهب، وسأذهب الآن، "وحيث" هنا ظرف مكان، مبني على الضم في محل نصب، كما في قوله تعالى {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124].

-[فقه الحديث]-

اختلف العلماء في: هل حسن الخلق غريزة؟ أو مكتسب؟ فذهب جماعة إلى أنه غريزة، واستدلوا بحديث ابن مسعود "إن الله قسم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم" رواه البخاري، في الأدب المفرد، وقال القرطبي في المفهم: الخلق جبلة في نوع الإنسان، وهم في ذلك متفاوتون، فمن غلب عليه شيء منها، إن كان محمودا فحسن، وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه، حتى يصير محمودا، وكذا إن كان ضعيفا، فيرتاض صاحبه، حتى يقوى. اهـ.

وذهب جماعة إلى أن الخلق مكتسب، لأنه يقوم، وهو بالسلوك والتعود يصبح سجية وذهب المحققون إلى أن منه ما هو غريزة، ومنه ما هو مكتسب، ويؤيدهم ما رواه أحمد والنسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: إن فيك لخصلتين، يحبهما الله. الحلم والأناة، قال: يا رسول الله، قديما كانا في؟ أو حديثا؟ فقال: قديما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما" فترديده السؤال، وتقريره عليه، يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي، وما هو مكتسب.

ص: 147

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم. وحسن عشرته، وحلمه وصفحه.

2 -

وترك العقاب على ما فات، لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به، إذا احتيج إليه.

3 -

وتنزيه اللسان عن الزجر واللوم والذم.

4 -

واستئلاف خاطر الخادم.

قال الحافظ ابن حجر: وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظ الإنسان، وأما الأمور اللازمة شرعا، فلا يتسامح فيها، لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والله أعلم

ص: 148