الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه
5579 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله! ثلاث أعطنيهن. قال: "نعم" قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال:"نعم" قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك. قال:"نعم" قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال:"نعم" قال: أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ما أعطاه ذلك. لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال:"نعم".
-[المعنى العام]-
أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، مشهور باسمه، وكنيته، وكان يكنى أيضا أبا حنظلة، اسم ابن له قتله علي يوم بدر كافرا، وأمه صفية بنت حرب الهلالية، عمة ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وهو والد معاوية، أسلم عام الفتح، وشهد حنينا والطائف، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان قبل ذلك رأس المشركين يوم أحد والخندق، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة، وكانت قد أسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها الذي مات هناك.
كان أبو سفيان رجلا يحب الفخر، وفي فتح مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، وفي يوم الطائف أصيبت عينه، فأصبح بعين واحدة، ويقال: إنه فقد عينه الثانية في غزوة اليرموك.
أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية، كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية، فقال له أبو سفيان: والله إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك، فنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك، فنعم المسالم أنت، جزاك الله خيرا.
وتوفى بالمدينة سنة ثلاثين، وفي الصحيحين حديثه مع هرقل، يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم صادقا قبل أن يسلم.
رضي الله عنه وأرضاه.
-[المباحث العربية]-
(كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان) أي لا ينظرون إليه نظرة رضا، أي بعد إسلامه، لما لابس تاريخه في الكفر من عداوة للإسلام ورسوله.
(ولا يقاعدونه) نفورا من مجالسته، استصحابا لماضيه.
(ثلاث أعطنيهن) أي تكرم علي بثلاث مكرمات.
(قال: نعم) أي سأتكرم عليك بما تطلب. فاسأل.
(عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: نعم) كان الأصل أن يقول: وأجملهم، لكن العرب يتكلمون بها مفردا، قال النحويون: معناه: وأجمل من هناك.
قال النووي: اعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة، سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور، لا خلاف فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل، قال الجمهور: تزوجها سنة ست، وقيل: سنة سبع، قال القاضي عياض: واختلفوا أين تزوجها؟ فقيل: بالمدينة، بعد قدومها من الحبشة، وقال الجمهور: بأرض الحبشة، قال: واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك، فقيل: عثمان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص بإذنها، وقيل: النجاشي، لأنه كان أمير الموضع وسلطانه، قال القاضي: والذي في مسلم هنا أنه زوجها أبو سفيان غريب جدا، وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور.
وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر، وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر، وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: هذا الحديث موضوع، قال: والآفة فيه عن عكرمة بن عمار، الراوي عن أبي زميل، وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله تعالى - هذا على ابن حزم، وبالغ في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته، فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، وإطلاق اللسان فيهم. قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما، وكان مستجاب الدعوة، قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح، تطييبا لقلبه، لأنه كان ربما يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه، أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفي أوضح من هذا على من هو أكبر مرتبة من أبي سفيان، ممن كثر علمه، وطالت صحبته. هذا كلام أبي عمرو رحمه الله وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد، ولا قال لأبي سفيان: أنه يحتاج إلى تجديده، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: نعم. أن مقصودك يحصل، وإن لم يكن بحقيقة عقد. اهـ.
والحق أن الدفاع عن الرواية ضعيف وبعيد عن المعقول، سواء في ذلك توجيه أبي عمرو رحمه الله أو توجيه النووي رحمه الله، وتغليط الرواية أخف من تأويل ظاهر التمحل، والله أعلم.
(قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك) للوحي وغيره، "قال: نعم". وجعله فعلا كاتبا له.
(وتؤمرني) بضم التاء وفتح الهمزة وكسر الميم المشددة، أي تعينني أميرا وقائدا لجيش المسلمين.
(كما كنت أقاتل المسلمين) أي كما كنت قائدا لجيش الشرك ضد المسلمين.
(لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم) أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجاب أبا سفيان لطلبه لأن سجية رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، لا يرد أحدا، فأجاب بذلك على سجيته، لا حبا، ولا تقديرا لأبي سفيان.
-[فقه الحديث]-
فيه فضيلة لأبي سفيان رضي الله عنه.
وفيه كرم خلقه صلى الله عليه وسلم، وعفوه عمن آذاه، بل فيه تكريم من كان يؤذيه. صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم