الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم
5235 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس. وكان أجود الناس. وكان أشجع الناس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت. فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف، وهو يقول:"لم تراعوا، لم تراعوا" قال: "وجدناه بحرا. أو إنه لبحر" قال وكان فرسا يبطأ.
5236 -
عن أنس رضي الله عنه قال: كان بالمدينة فزع. فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب. فركبه فقال "ما رأينا من فزع. وإن وجدناه لبحرا".
5237 -
وفي رواية عن شعبة، بهذا الإسناد. وفي حديث ابن جعفر قال: فرسا لنا. ولم يقل: لأبي طلحة. وفي حديث خالد: عن قتادة، سمعت أنسا.
-[المعنى العام]-
الشجاعة صفة محمودة، ما لم تصل إلى حد التهور، والإقدام بدون حكمة، والجبن صفة مذمومة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجبن.
وللرسول صلى الله عليه وسلم مواقف تشهد له بالشجاعة، بل مواقف شجاعة انفرد بها من بين أصحابه، وهذا الحديث صورة من صور شجاعته صلى الله عليه وسلم، يسمع ويسمع أصحابه أصواتا خارج المدينة، وهم يتوقعون أن يهاجمهم الأعداء في أي لحظة، فيظنون الأصوات هجوما، فيبادر صلى الله عليه وسلم بسيفه نحو مصدر الصوت، ويسبق إليه جميع الصحابة، حتى إنه ليكتشف الأمر ثم يعود، قبل أن يصل إليه السابقون من الصحابة، فيقابلهم، هو في طريق العودة، وهم في طريق الذهاب، برغم أن الفرس الذي ركبه لهذه المهمة كان مستعارا مشهورا بالبطء في سيره، لكن الله أكرمه، فحول الفرس من بطء إلى سرعة وجودة سير.
ومواقف شجاعته صلى الله عليه وسلم لا تحصى، ويكفينا مثلا عليها ما رواه البخاري في غزوة
حنين، فقد ولى المسلمون وفروا حين رشقتهم هوازن بالنبال، عشرة الآف أو يزيدون، يفرون ويقف صلى الله عليه وسلم وحده على بغلته البيضاء، وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، ويضرب بالسيف، ويبعث من ينادي على الفارين، فيعودون، ويقاتلون، فينتصرون.
لقد سأل رجل البراء بن عازب سؤالا خبيثا، فقال له: يا أبا عامر، أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، لقد كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وهو يقول أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(أحسن الناس) خلقا وخلقا.
(وأشجع الناس) الشجاعة وسط بين التهور والجبن، بضم الجيم وسكون الباء.
(ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة) الفزع الخوف الشديد المفاجئ، وكان خوفهم من إغارة أعدائهم الكفار من حولهم، الذين يتربصون بهم، وكان فزعهم لسماعهم أصواتا خارج المدينة، ظنوها جيش أعداء، وفي الرواية الثانية "كان بالمدينة فزع" أي وجد بالمدينة فزع.
(فانطلق ناس قبل الصوت) بكسر القاف وفتح الباء، أي جهة الصوت، لاستطلاع الخبر، ولرد الاعتداء.
(فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت) إلى مكان مصدر الصوت، فلم يجد ما يخيف، فرجع إلى المدينة سريعا، ليطمئنهم، فالتقى في طريق عودته بالناس المنطلقين نحوه.
(وهو على فرس لأبي طلحة عري) بضم العين وسكون الراء، أي ليس عليه سراج ولا أداة، قالوا: ولا يقال في الآدميين: رجل عري إنما يقال: عريان، قال الحافظ ابن حجر: وحكى ابن التين أنه ضبط في الحديث بكسر الراء وتشديد الياء، وليس في كتب اللغة ما يساعده، اهـ. وفي رواية "استقبلهم على فرس عري، ما عليه سرج" بضم السين والراء، وأبو طلحة هو أبو زيد بن سهل، زوج أم سليم، أم أنس، وفي الرواية الثانية "فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، يقال له: مندوب، فركبه" وفي ملحق الرواية الثانية يقول أنس "استعار فرسا لنا" وهو كذلك، فأبو طلحة زوج أمه. والظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده فرس ولا بغلة حينئذ، وهو في حاجة إلى الإسراع.
قال النووي: وقع في هذا الحديث تسمية هذا الفرس مندوبا، قال القاضي: وقد كان في أفراس النبي صلى الله عليه وسلم "مندوب" فلعله صار إليه، بعد أبي طلحة. هذا كلام القاضي، قلت: ويحتمل أنهما فرسان، اتفقا في الاسم
(في عنقه السيف) تعليق السيف في العنق يحتاجه الفارس كثيرا، ليكون أعون له على مهامه الأخرى، وهو يشير إلى أنه لم يخرج أعزل مخاطرا، بل مسلحا مقداما.
(وهو يقول: لم تراعوا. لم تراعوا) مرتين، وفي رواية مرة واحدة، و"تراعوا" بضم التاء، مبني للمجهول، مجزوم بحذف النون، يقال: راع، يروع، روعا بفتح الراء، فزع، وراع الأمر فلانا أفزعه، ثلاثي، وأراعه أفزعه أيضا من الرباعي. والمعنى لم يخفكم أحد، وليس في الأمر شيء يفزعكم، وفي الرواية الثانية "ما رأينا من فزع" أي من شيء يفزع، قال النووي:"لم تراعوا" أي روعا مستقرا، أو روعا يضركم. اهـ يجيب بذلك عما قد يقال: كيف، ينفى عنهم الروع، وقد حصل لهم الروع؟ وقد أجبنا بأن النفي موجه إلى سبب الروع، لا إلى الروع نفسه، حتى يجيب بما أجاب، وجوابنا أقرب إلى المراد.
(قال: وجدناه بحرا - أو إنه لبحر - قال: وكان فرسا يبطأ) أي كان فرس أبي طلحة فرسا يتهم بالبطء، ويوصف بسوء السير، وفي الكلام تقديم وتأخير، والأصل: وكان فرس أبي طلحة فرسا يبطأ - بضم الياء وفتح الباء، وجدناه بعد أن ركبه النبي صلى الله عليه وسلم بحرا، أي واسع الخطو، سريع الجري، قال الأصمعي: يقال للفرس: بحر، إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفد، كما لا ينفد البحر، أي التشبيه بالبحر إما في السعة، وإما في الكثرة وعدم الانقطاع.
وفي الرواية الثانية "وإن وجدنا لبحرا" قال الخطابي: "إن" هي النافية، واللام في "لبحرا" بمعنى "إلا" أي ما وجدناه إلا بحرا، قال ابن التين: هذا مذهب الكوفيين، وعند البصريين "إن" مخففة من الثقيلة، واللام زائدة. وهذه الجملة من مقوله صلى الله عليه وسلم، ثناء على الفرس الذي كانوا يتندرون ببطئه، وفي رواية البخاري "فلما رجع قال: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا" وفي روايتنا الثانية "ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرا".
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الحديث]-
1 -
من شدة عجلته صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى العدو، قبل الناس كلهم، وتعريض نفسه لمواجهة العدو بمفرده، شجاعته صلى الله عليه وسلم.
2 -
وفيه جواز سبق الإنسان وحده في الكشف عن أخبار العدو، ما لم يتحقق الهلاك.
3 -
واستحباب تقلد السيف في العنق.
4 -
واستحباب تبشير الناس بعدم الخوف، وبث الاطمئنان فيهم إذا ذهب ما يخيف.
5 -
وفيه عظيم بركته صلى الله عليه وسلم ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا، بعد أن كان يبطأ.
6 -
وفيه جواز ركوب الفرس العري.
7 -
وتواضعه صلى الله عليه وسلم.
8 -
وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الفروسية البالغة، فإن الركوب المذكور، لا يفعله إلا من أحكم الركوب، وأدمن على الفروسية.
9 -
وأنه ينبغي للفارس أن يتعاهد الفروسية، ويروض طباعه عليها، لئلا يفجأه شدة، فيكون قد استعد لها. قاله الحافظ ابن حجر.
10 -
وجواز استعارة الفرس ونحوه، والعارية بتشديد الياء ويجوز تخفيفها هي هبة المنافع، دون الرقبة، قال الحافظ ابن حجر: ويجوز توقيتها، وإذا تلفت في يد المستعير ضمنها، إلا فيما إذا كان ذلك من الوجه المأذون فيه.
والله أعلم