الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
5181 -
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء، فأتي بقدح رحراح، فجعل القوم يتوضئون، فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين. قال: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه.
5182 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه. فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضئوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم.
5183 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء (قال: والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمه) دعا بقدح فيه ماء، فوضع كفه فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه. قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة.
5184 -
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء، فأتي بإناء ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه. ثم ذكر نحو حديث هشام.
5185 -
عن أم مالك رضي الله عنها كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا. فيأتيها بنوها فيسألون الأدم، وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"عصرتيها؟ " قالت: نعم. قال: لو تركتيها ما زال قائما".
5186 -
عن جابر رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه. فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما، حتى كاله. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم".
5187 -
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك. فكان يجمع الصلاة فصلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا. حتى إذا كان يوما أخر الصلاة، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا. ثم دخل ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال:"إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار. فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان. والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. قال: فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل مسستما من مائها شيئا؟ " قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول. قال: ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء. قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء منهمر. أو قال غزير - شك أبو علي أيهما قال - حتى استقى الناس. ثم قال:"يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة، أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا".
5188 -
عن أبي حميد رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخرصوها" فخرصناها. وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق. وقال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله" وانطلقنا حتى قدمنا تبوك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة. فلا يقم فيها أحد منكم. فمن كان له بعير فليشد عقاله" فهبت ريح شديدة. فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ. وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردا. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها: "كم بلغ ثمرها؟ " فقالت: عشرة أوسق. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني مسرع. فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث" فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة، فقال: هذه طابة. وهذا أحد. وهو جبل يحبنا ونحبه" ثم قال: إن خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير" فلحقنا سعد بن عبادة. فقال أبو أسيد: ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار فجعلنا آخرا، فأدرك سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا. فقال:"أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار".
5189 -
وفي رواية عن عمرو بن يحيى بهذا الإسناد، إلى قوله "وفي كل دور الأنصار خير" ولم يذكر ما بعده من قصة سعد بن عبادة. وزاد في حديث وهيب: فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم. ولم يذكر في حديث وهيب: فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-[المعنى العام]-
المعجزة أمر خارق للعادة، تظهر على يد من يدعي النبوة والرسالة، تأييدا له.
وفي بداية البشرية، حيث كانت العقول ضيقة المعلومات، قليلة الثقافة، قريبة العهد بالفطرة والبداهة، بعيدة عن عمق الفكر، وعن غور البحث والنظر كانت معجزات الرسل مادية حسية، في ميدان ما برع فيه أقوامهم فعهد موسى كان السحر، فكانت معجزته اليد والعصا، ثم فرق البحر. ومعجزة عيسى في عهد الطب كانت إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله. ومعجزة إبراهيم أن كانت النار بردا وسلاما عليه، ومعجزة صالح ناقة تسقي الناس جميعهم من لبن لا ينضب، لهم يوم تروي القوم كلهم، ولها يوم تشرب هي فيه.
وكان عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عصر الرقي العقلي والبلاغي، فكانت معجزته الكبرى القرآن الكريم الذي تحدى به فحول البلاغة أن يأتوا بمثل سورة منه، وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب فعجزوا.
نعم كان فريق كبير من العرب أميين، فكانت حاجتهم شديدة إلى المعجزة الحسية المادية، يوثقون بها إيمانهم، ويزيدون عن طريقها يقينهم، فأجرى الله تعالى على يدي محمد صلى الله عليه وسلم مجموعة من المعجزات الحسية، بل أجرى له بعض الخوارق قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، إعدادا وتمهيدا للنبوة، فجعل حجرا من حجارة مكة يسلم عليه كلما مر صلى الله عليه وسلم به، حتى أصبح صلى الله عليه وسلم يميزه من بين الأحجار، ويعرفه حق المعرفة، معرفة ظلت تلازمه بعد الهجرة وحتى لقاء
ربه، ومن تلك المعجزات الحسية حنين الجذع الذي كان يخطب عليه، وتسبيح الحصى في يده، وتكليم الذراع المسمومة في غزوة خيبر، وتكثير الطعام ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد تعرضنا لهذه المعجزة في كتاب الأطعمة والأشربة، باب الضيف يستتبعه غيره واستحباب الاجتماع على الطعام، كما تعرضنا لفوران عين الحديبية بعد أن نضب ماؤها.
وهذا باب يتعرض لنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وفوران عين تبوك لسد حاجة المسلمين، ومعجزات مادية أخرى، صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء) بينت الرواية الثانية سبب الحاجة إلى الماء، في هذه الحادثة، ففيها "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء (بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به) فلم يجدوه، وبينت الرواية الثالثة مكان هذه الحادثة، وفيها "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء) قال الراوي: والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمه.
قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ "ثمة" قال أهل اللغة "ثم" بفتح الثاء، و"ثمة" بالهاء بمعنى هناك، وهنا، فثم للبعيد، وثمة للقريب، اهـ. والزوراء مكان معروف بالمدينة، عند السوق.
(فأتي بقدح رحراح)"أتي" بضم الهمزة، مبني للمجهول والرحراح بفتح الراء، وإسكان الحاء، ويقال له: رحرح، بحذف الألف، وهو الواسع القصير الجدار، وفي الرواية الثانية "فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء (بفتح الواو، أي بماء) وفي ملحق الرواية الثالثة "فأتي بإناء ماء، لا يغمر أصابعه، أو قدر ما يواري أصابعه" وعند أبي نعيم عن أنس أنه هو الذي أحضر الماء، وأنه أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بيت أم سلمة، وأنه رده بعد فراغهم إلى أم سلمة، وفيه قدر ما كان فيه أولا.
(فجعل القوم يتوضئون) في الكلام طي، والفاء عاطفة على محذوف، بينته الرواية الثانية، وفيها "فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضئوا منه".
(فحرزت ما بين الستين إلى الثمانين) أي فقدرت العدد ما بين الستين إلى الثمانين، وفي الرواية الثالثة "فتوضأ جميع أصحابه، قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة" قال النووي: قال العلماء: هما قضيتان، جرتا في وقتين، ورواهما أنس، اهـ. ويحتمل أن تكون قضية واحدة، وأنه أخذ يعد حتى وصل إلى الثمانين، وترك العد منشغلا بالنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه، فلما سئل عن عدد القوم قدرهم بثلاثمائة "وزهاء" بضم الزاي، وبالمد، أي قدر ثلثمائة، مأخوذ من زهوت الشيء إذا حصرته، وهي تفيد تقريب العدد، لا تحديده، وفي رواية بالتحديد، "قال: ثلاثمائة" بدون "زهاء" قال النووي: "الثلاثمائة" بالألف واللام. هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح.
(فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه)"ينبع" بضم الباء وفتحها وكسرها،
ثلاث لغات، قال النووي: وفي كيفية هذا النبع قولان: أحدهما: أن الماء كان يخرج من نفس أصابعه صلى الله عليه وسلم وينبع من ذاتها ويؤيد هذا رواية "فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه".
والثاني: يحتمل أن الله كثر الماء في ذاته، فصار يفور من بين أصابعه، لا من نفسها، فهو يفور من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي، وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر، وكفه صلى الله عليه وسلم في الماء فرآه الرائي نابعا من أصابعه، وكلاهما معجزة، والأول أبلغ في المعجزة، وليس في الأخبار ما يرده، قال الحافظ ابن حجر: وهو أولى.
وفي الرواية الثانية "فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم" قال النووي: هكذا هو في الصحيحين، وهو صحيح، و"من" هنا بمعنى "إلى" وهي لغة. اهـ. وهي بمعنى ما جاء في الرواية الثالثة بلفظ "فتوضأ جميع أصحابه".
(أن أم مالك) الأنصارية، وعند ابن أبي عاصم "أن أم مالك الأنصارية جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بلالا بعصرها، ثم دفعها إليها، فإذا هي مملوءة، فجاءت، فقالت: أنزل في شيء، قال: وما ذاك؟ قالت: رددت علي هديتي. فدعا بلالا، فسأله، فقال: والذي بعثك بالحق. لقد عصرتها، حتى استحييت، فقال: هنيئا لك هذه البركة يا أم مالك. هذه بركة عجل الله لك ثوابها".
(كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها - سمنا) أي فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السمن، ولا يستأصلها، بل يبقى في العكة بقايا، لا يغسلها ولا يمسحها، ثم يعيدها. والعكة بتشديد الكاف وبضم العين، وتفتح، وعاء صغير من جلد، يجز شعره ولا ينتف، يحفظ فيه السمن والشراب.
(فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أي فتذهب إلى الإناء الراجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمد يدها فيه، فتجد فيه سمنا، فتأخذ منه أدما لأولادها.
(حتى عصرته) يقال عصر الشيء، بفتح الصاد، يعصره بكسرها، إذا استخرج ما فيه من دهن أو ماء، ونحوه.
(فأتت النبي صلى الله عليه وسلم أي فأخبرته بما حصل.
(لو تركتيها ما زال قائما) أي لو تركت العكة بدون عصر لظل السمن فيها باقيا موجودا حاضرا.
(يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير) أي يطلب منه طعاما له ولأهله، فأعطاه شعيرا، قدر كيلة، جزءا من وسق. والوسق بفتح الواو وكسرها وسكون السين، ستون صاعا.
(حتى كاله) أي كال ما بقي منه ليعرف مقدراه، فذهبت البركة بالكيل.
(لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم) أي لأكلتم منه زمنا طويلا، ولقام عندكم طعاما لكم.
(عام غزوة تبوك) وهي غزوة العسرة، وكانت في شهر رجب، سنة تسع من الهجرة، قبل حجة الوداع.
وتبوك مكان معروف، في نصف المسافة بين المدينة ودمشق، واللفظ ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث على المشهور به.
(حتى إذا كان يوما، أخر الصلاة) أي جمع جمع تقديم في يوم، وجمع جمع تأخير في اليوم الثاني.
(وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار) حدد لهم ساعة الوصول، وأنها بعد الضحى.
(فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي) النهي عن المس نهي عن الشرب منها أو لمس مائها عموما.
(والعين مثل الشراك، تبض بشيء من ماء)"الشراك" بكسر الشين سير النعل، ويضرب به المثل في القلة، أي ماؤها قليل جدا، وقال النووي "تبض" هكذا ضبطناه هنا بفتح التاء وكسر الباء، وتشديد الضاد ومعناه تسيل. قال: ونقل القاضي اتفاق الرواة هنا على أنه بالضاد واختلفوا في ضبطه هناك، فضبطه بعضهم بالضاد، وبعضهم بالصاد المهملة، أي تبرق وتلمع، قال الحافظ ابن حجر: وهذا المعنى مستبعد، فإن في نفس الحديث "تكاد تبض من الملء" بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة، فكونها تكاد تسيل من الملء ظاهر، وأما كونها تلمع من الملء فبعيد.
(فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على مطوي محذوف تقديره: وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم فجيء بهما، فسألهما.
(هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم) يحتمل أنهما فهما النهي عن التنزيه، وكانا في حاجة شديدة للماء، والظاهر أنه لم يكن ثمة عذر يعتذران به، فيقبل، لهذا سبهما صلى الله عليه وسلم.
(وقال لهما ما شاء الله أن يقول) من ألفاظ اللوم والتعنيف.
(ثم غرفوا بأيديهم من العين، قليلا قليلا) بناء على أمره صلى الله عليه وسلم.
(حتى اجتمع في شيء) أي حتى تجمع هذا القليل في الإناء.
(ثم أعاده فيها) أي ثم أعاد الماء الذي غسل به وجهه ويديه مع ما بقي في الإناء إلى البئر.
(فجرت العين بماء منهمر - أو قال غزير - شك أبو علي. أيهما قال) أصل السند: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا مالك عن أبي الزبير أن أبا الطفيل أخبره أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال
…
الحديث. فالقائل: شك أبو علي، هو عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي.
والمنهمر كثير الصب والرفع.
(يوشك يا معاذ - إن طالت بك حياة - أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا) أي بساتين وعمرانا جمع جنة.
(فأتينا وادي القرى) بضم القاف مدينة قديمة، بين المدينة والشام.
(على حديقة لامرأة) كانت حديقة من نخل، وفي رواية البخاري "إذا امرأة في حديقة لها"
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها) بضم الراء وكسرها، والضم أشهر أي اخرصوا بالحديقة، أي قدروا ثمرها وخمنوا كم وسقا يكون؟ وذلك امتحان لهم، وتمرين وتعليم.
(فخرصناها، وخرصها صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق) والظاهر أن خرصهم وافق خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وقال: أحصيها حتى نرجع إليك) أي قال للمرأة صاحبة الحديقة: أحصي وعدي كيلها واجمعي ما تأكلينه وما تهدينه وما تبيعينه حتى نرجع إليك، لنعرف صحة خرصنا وتقديرنا، فلما رجعوا، وسألها تبين صحة خرصهم.
(فمن كان له بعير فليشد عقاله) لئلا ينفلت، فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه، فيلحقه ضرر الريح، وفي رواية البخاري "ومن كان معه بعير فليعقله".
(فقام رجل) مخالفا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن إسحاق "ففعل الناس ما أمرهم، إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهما لحاجته، وخرج آخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، أي خنقه الريح في طريقه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا وصاحب له معه"؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه، فشفي، ولعل قيامه كان لضرورة قضاء الحاجة، أو غير ذلك، وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك.
(فحملته الريح) أي دفعته دفعا لا يستطيع مقاومته.
(حتى ألقته بجبلي طيئ) جبلان مشهوران، يقال لأحدهما أجاء بفتح الهمزة والجيم به وبالهمز، والآخر سلمى بفتح السين، وطيئ بياء مشددة بعدها همزة، على وزن سيد، وهو أبو قبيلة من اليمن، وهو طيئ بن أدر بن زيد بن كهلان بن سبأ وقال صاحب التحرير:"طيئ" يهمز ولا يهمز، لغتان.
(وجاء رسول ابن العلماء، صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب)"العلماء" بفتح العين وإسكان اللام وبالمد، و"أيلة" بفتح الهمزة واللام، بلدة قديمة بساحل البحر، وفي رواية البخاري "وأهدى ملك أيلة".
(وأهدى له بغلة بيضاء) قال النووي: هذه البغلة هي "دلدل" بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ظاهر لفظه هنا أنه أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وقد كانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة وقد كانت
هذه البغلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وحضر عليها غزوة حنين، كما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة، وكانت حنين عقب فتح مكة، سنة ثمان، قال القاضي: ولم يرو أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة غيرها، قال: فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك، وقد عطف الإهداء على المجيء بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، اهـ فالمعنى: وكان ابن العلماء قد أهدى له بغلة بيضاء. (فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا على كتابه وسلمه رسوله، وفي ملحق الرواية "فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم" أي ببلدهم أي بأهل بحرهم، أي أنه أقره عليهم بما التزموه من الجزية.
(وأهدى إليه بردا) ظاهره أنه في مقابل إهداء البغلة، مما يبعد كلام القاضي السابق، ولا مانع من أن يكون أهدى إليه ابن العلماء بغلة بيضاء في تبوك، فأهداها النبي صلى الله عليه وسلم في الحال لأحد أصحابه، وعدم رواية ذلك لا يدل على عدم وقوعه.
(إني مسرع، فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث) في رواية البخاري "إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل" أي إني سالك الطريق القريبة، الشاقة، فمن أراد فليأت معي، يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش.
(إن خير دور الأنصار دار بني النجار) قال القاضي: المراد أهل الدور، والمراد القبائل، وإنما فضل بني النجار لسبقهم في الإسلام، وآثارهم الجميلة في الدين. ومناسبة هذه المفاضلة عودته صلى الله عليه وسلم من سفر، وغربة عن المدينة، فحين أشرف عليها ذكرها، وذكر جبلها، وحبه لها وله، فناسب ذكر محبته لأهلها، ومحبة أهلها له وجهادهم في سبيل الإسلام.
والمراد من المفاضلة بين الدور المفاضلة بين أهل الدور، ففي رواية للبخاري "خير الأنصار بنو النجار" وبنو النجار هم الخزرج، قيل سمي الجد بالنجار لأنه ضرب رجلا، فنجره، وهو ابن ثعلبة بن عمرو.
وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن والدة عبد المطلب منهم، وعليهم نزل لما قدم المدينة، فلهم مزية على غيرهم.
(ثم دار بني عبد الأشهل) في رواية للبخاري "ثم بنو عبد الأشهل" وهم من الأوس، وهو عبد الأشهل من جشم بن الحارث بن الخزرج الأصفر بن عمود بن مالك بن الأوس بن حارثة، وهم رهط سعد بن معاذ، وجاء في رواية تقديم بني عبد الأشهل على بني النجار قال الحافظ ابن حجر: رواية أنس في تقديم بني النجار لم يختلف عليه فيها، وكان أنس منهم، فله مزية عناية بحفظ فضائلهم.
(ثم دار بني عبد الحارث) قال النووي: هكذا هو في النسخ "بني عبد الحارث" وكذا نقله القاضي قال: وهو خطأ من الرواة، وصوابه "بني الحارث" بحذف لفظة "عبد".
(ثم دار بني ساعدة) ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر، وسعد بن عبادة من بني ساعدة، وكان كبيرهم يومئذ.
(وفي كل دور الأنصار خير)"خير" الأولى أفعل تفضيل، والثانية اسم، أي الفضل حاصل في جميع الأنصار وإن تفاوتت مراتبه.
(فقال أبو أسيد) لسعد بن عبادة، وهما من بني ساعدة.
(ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار) أي فاضل بينها.
(فجعلنا آخرا) في رواية البخاري "أخيرا" في رواية "فوجد سعد بن عبادة في نفسه، فقال: خلفنا، فكنا آخر الأربعة".
(فأدرك سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، خيرت دور الأنصار، فجعلتنا آخرا؟ ) في رواية "وجد في نفسه، وأراد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال له ابن أخيه سهل: أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ ورسول الله أعلم؟ أوليس حسبك أن تكون رابع أربعة؟ فرجع" قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عند قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة، ثم إنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت آخر ذكر له ذلك أو الذي رجع عنه أنه أراد أن يورده مورد الإنكار، والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة.
(أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟ ) أي من الأفاضل؟ لأنهم بالنسبة إلى من دونهم أفضل، وكأن المفاضلة وقعت بينهم بحسب السبق إلى الإسلام، وبحسب مساعيهم في إعلاء كلمة الله، ونحو ذلك، قاله الحافظ ابن حجر.
-[فقه الحديث]-
ترجم الإمام النووي لهذا الحديث بقوله: باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وترجم الإمام البخاري له بقوله: باب علامات النبوة في الإسلام، وقال الحافظ ابن حجر: العلامات جمع علامة، وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة، بما يشمل الكرامة، والفرق بينهما أن المعجزة أخص، لأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي صلى الله عليه وسلم من يكذبه، بأن يقول: إن فعلت كذلك أتصدق بأني صادق؟ أو يقول من يتحداه: لا أصدقك حتى تفعل كذا، ويشترط أن يكون المتحدي به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة، وقد وقع النوعان للنبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن، وسميت المعجزة معجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها
ثم قال: وما عدا القرآن، من نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدي به ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد، قال: ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من خوارق العادات شيء كثير، كما يقطع بجود حاتم، وشجاعة علي، وإن كانت أفراد ذلك ظنية، وردت مورد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر وانتشر، ورواه العدد الكثير والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار، والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة، لعدم عنايتهم بذلك، بل لو ادعى مدع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري، لما كان مستبعدا، وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم مخالفة الراوي، فيما حكاه من ذلك، والإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق،
لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل، وعلى تقدير أن يوجد من بعضهم إنكار، أو طعن على بعض من روى شيئا من ذلك فإنما هو من جهة توقف في صدق الراوي، أو تهمته بكذب، أو توقف في ضبطه، ونسبته إلى سوء الحفظ أو جواز الغلط، ولا يوجد من أحد منهم طعن في المروي.
وذكر النووي في مقدمة شرح مسلم أن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين، وقال البيهقي في المدخل: بلغت ألفا، وقال الزاهري من الحنفية: ظهر على يديه ألف معجزة، وقيل: ثلاثة آلاف، وقد اعتنى بجمع ما وقع من ذلك قبل البعثة، بل قبل المولد الحاكم في الإكليل، والنيسابوري في شرف المصطفى، وأبو نعيم، والبيهقي في دلائل النبوة، وغيرهم
قال القرطبي: ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم معجزة لم يسمع بمثلها من غير نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث نبع الماء من بين عظمه ولحمه وعصبه ودمه.
وقد نقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر، حيث ضربه موسى بالعصا، فتفجرت منه اثنتا عشرة عينا، لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم.
وبالإضافة إلى روايتنا في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ذكر البخاري روايات أخرى فعن أنس رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مخارجه، ومعه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة، فلم يجدوا ماء يتوضئون، فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح من ماء يسير، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فتوضأ، ثم مد أصابعه الأربع - أي ما عدا الإبهام - على القدح، ثم قال: قوموا فتوضئوا، فتوضأ القوم، حتى بلغوا ما يريدون من الوضوء، وكانوا سبعين أو نحوه".
وعن أنس رضي الله عنه قال: "حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار من المسجد يتوضأ، وبقي قوم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة، فيه ماء، فوضع كفه، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، فضم أصابعه، فوضعها في المخضب، فتوضأ القوم كلهم أجمعون".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقل الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناء، فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل".
قال القرطبي: قضية نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن، في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي، المستفاد من التواتر المعنوي.
قال الحافظ ابن حجر: وحديث نبع الماء من بين أصابعه جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق، وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي، وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني، وعن ابن أبي ليلى عند الطبراني وفي ذلك رد على ابن بطال، حيث قال هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة، إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس ثم قال الحافظ ابن حجر: وأما
تكثير الماء، بأن يلمسه بيده، ويتفل فيه، أو يأمر بوضع شيء فيه، كسهم من كنانته فجاء في حديث عمران بن حصين في الصحيحين، وعن البراء بن عازب عند البخاري وأحمد من طريقين، وعن أبي قتادة عند مسلم، وعن أنس عند البيهقي في الدلائل، فالطرق كثيرة من حيث الراوي الأعلى، وأما من رواها من أهل القرن الثاني فهم أكثر عددا.
ثم ساق الحافظ ابن حجر حديث جابر عند أحمد، ولفظه "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحضرت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما في القوم من طهور؟ فجاء رجل بفضلة في إداوة، فصبه في قدح، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن القوم أتوا ببقية الطهور، فقالوا: تمسحوا. تمسحوا. فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: على رسلكم، فضرب بيده في القدح، في جوف الماء، ثم قال: أسبغوا الطهور. قال جابر: فوالذي أذهب بصري، لقد رأيت الماء يخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توضئوا أجمعون. قال: حسبته قال: كنا مائتين وزيادة" وجاء عن جابر قصة أخرى، أخرجها مسلم، من وجه آخر عنه في أواخر الكتاب، في حديث طويل، فيه "أن الماء الذي أحضروه له، كان قطرة في إناء من جلد، لو أفرغها لشربها يابس الإناء - أي لشربها سطح الإناء الجاف - وأنه لم يجد في الركب قطرة ماء غيرها، قال: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلم، وغمز بيده، ثم قال: ناد بجفنة الركب، فجيء بها، فقال بيده في الجفنة، فبسطها، ثم فرق أصابعه، ووضع تلك القطرة في قعر الجفنة، فقال: خذ يا جابر، فصب علي، وقل: بسم الله. ففعلت، قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ثم فارت الجفنة، ودارت حتى امتلأت، فأتى الناس، فاستقوا، حتى رووا، فرفع يده من الجفنة وهي ملأى".
قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصة أبلغ من جميع ما تقدم، لاشتمالها على قلة الماء، وعلى كثرة من استسقى منه. اهـ.
-[ويؤخذ من أحاديث الباب فوق ما تقدم]-
1 -
ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من قلة الماء
2 -
وأنهم كانوا يقدمون الوضوء بما تيسر لهم منه على بقية حاجاتهم إليه.
3 -
ومن الرواية الرابعة "المرأة التي عصرت العكة" والخامسة "الرجل الذي كال الشعير" قال النووي: ومثله حديث عائشة، حين كالت الشعير ففني، قال العلماء: الحكمة في ذلك أن عصرها وكيله مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى، ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة. وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله تعالى وفضله، فعوقب فاعله بزواله.
4 -
وفيهما بركة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يعطي، وبركة فضلته.
5 -
ومن الرواية السادسة، من قوله "فكان يجمع الصلاة .. " الجمع بين الصلاتين في السفر.
6 -
ومن الإخبار عن موعد وصولهم تبوك قبل حصوله معجزة.
7 -
ومن الإخبار عن مائها وحاله قبل وصولهم إليها معجزة.
8 -
ومن سبه الرجلين تأنيبه صلى الله عليه وسلم للمخطئ، وبخاصة إذا فعل ما يضر المجتمع، ويخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
9 -
ومن الإخبار عن تحول تلك الصحراء إلى جنات، وقد حصل معجزة.
10 -
ومن الرواية السابعة، من طلبه صلى الله عليه وسلم أن يخرص أصحابه ثمر نخل الحديقة استحباب امتحان العالم أصحابه بمثل هذا التمرين.
11 -
ومن خرصه صلى الله عليه وسلم وصحته ودقته ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من العلم وبعد النظر.
12 -
ومن إخباره بالريح قبل هبوبها معجزة.
13 -
وفيه خوف المؤمن من هبوب الريح، وما تحدث من ضرر.
14 -
وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شفقته على أمته، والرحمة لهم، والاعتناء بمصالحهم، وتحذيرهم مما يضرهم في دين أو دنيا.
15 -
ومن قبول البغلة جواز قبول هدية الكافر.
16 -
ومن إهدائه صلى الله عليه وسلم البرد مكافأة الهدية.
17 -
وميزة جبل أحد، وفضيلة المدينة.
18 -
وتفاضل قبائل الأنصار، ومناقبهم.
19 -
ومن سؤال سعد تنافسهم في الخير.
20 -
قال الحافظ ابن حجر: ولا يعد هذا التفاضل من قبيل الغيبة أصلا، إلا إن أخذ من أن المفضل عليهم يكرهون ذلك، فيستثنى ذلك من عموم قوله "ذكرك أخاك بما يكره" ويكون محل الزجر إذا لم يترتب عليه حكم شرعي، فأما ما يترتب عليه حكم شرعي فلا يدخل في الغيبة، وإن كرهه المحدث عنه، ويدخل في ذلك ما يذكر بقصد النصيحة، من بيان غلط من يخشى أن يقلد، أو يغتر به في أمر ما، فلا يدخل ذكره بما يكره من ذلك في الغيبة المحرمة.
21 -
قال ابن التين: وفي الحديث دليل على جواز المفاضلة بين الناس، لمن يكون عالما بأحوالهم لينبه على فضل الفاضل، ومن لا يلحق بدرجته في الفضل، فيتمثل أمره صلى الله عليه وسلم بتنزيل الناس منازلهم.
22 -
وترجم البخاري للرواية السابعة بباب خرص التمر، قال الحافظ ابن حجر: أي مشروعيته، وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسير الخرص أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب، مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصا، ينظر، فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا، وكذا وكذا تمرا، فيحصيه، وينظر مبلغ العشر، فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر. اهـ.
وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار، في التناول منها، والبيع من زهوها، وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى.
وقال الخطابي: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخوينا للمزارعين، لئلا يخونوا، لا ليلزم به الحكم، لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار، وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا، والميسر متقدم، والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم أبو بكر وعمر ومن بعدهم ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه، إلا عن الشعبي، قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرور، فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير.
وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له سواء، أن تثبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء لا يجب عليه الإتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه، كتسديد الأنبياء لسقط الإتباع وترد هذه الحجة أيضا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الخراص في زمانه.
واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة، فتتلفها، فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص، قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان. وذكر الحافظ ابن حجر تعريفات الفقهاء في مسألة الخرص لا يتسع لها المقام، فمن أرادها فليرجع إليها.
والله أعلم