الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(678) باب تحريم سب الصحابة
5643 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي. لا تسبوا أصحابي: فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه".
5644 -
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء. فسبه خالد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدا من أصحابي. فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه".
-[المعنى العام]-
إن سب المسلم ولعنه من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، بل سب الحيوان ولعنه من الذنوب الكبيرة، وكلما ارتفعت قيمة المسبوب ارتفعت الجريمة وغلظت، لهذا جاء في الصحيح "إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه، قيل: يا رسول الله. وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويلعن أمه".
والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أفضل أهل الأرض بعد الأنبياء والرسل، فخير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم، لما قدموا للإسلام من خدمات يصغر معها ما يقدم من غيرهم، وقد علم صلى الله عليه وسلم أن الصحابة سيقع بينهم حروب، وتختلف وجهات النظر في الحكم على أعمالهم، فحسم المادة، ونهى عن سبهم ولعنهم، وأمام المسلم أمران، إما أن يمدحهم ويذكر أفضالهم، وإما أن يسكت إذا أحس خطأ من أخطائهم. رضي الله عنهم أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(لا تسبوا أصحابي. لا تسبوا أصحابي) كذا بالتكرير في الرواية الأولى، وفي الرواية الثانية "كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تسبوا أحدا من أصحابي". بدون تكرير، وقد وضحت هذه الرواية المخاطب بقوله:"لا تسبوا" وهو وإن كان الضمير فيه جمعا، لكن المقصود به واحد، وهو خالد، وغيره يجري عليه النهي بطريق القياس، لأنه إذا نهى الصحابي صاحب الفضل عن أن يسب، نهى غير صاحب الفضل من باب أولى، ويحتمل أن يكون الخطاب لكل من يتأتى خطابه، في أي زمان، وأي مكان، أي لا تسبوا معشر المكلفين من المسلمين أصحابي، وقد روي أن مناقشة دارت في التفاضل بين السابقين إلى الإسلام وفضلهم، وبين اللاحقين، وكان خالد ممن تأخر إسلامهم، فغضب وسب.
(فوالذي نفسي بيده. لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) قال الحافظ ابن حجر: فيه إشعار بأن المراد بقوله "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال "أحدكم" وهذا كقوله {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] ومع ذلك فنهي بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه بذلك، عن سب من سبقه، يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخاطبه عن سبه من سبقه من باب أولى، وغفل من قال: إن الخطاب بذلك لغير الصحابة، والمراد به من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل، تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود، للقطع بوقوعه، ووجه التعقيب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك، خالد بن الوليد، وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق.
وفي رواية "لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا" وهذه الزيادة حسنة، والمد مكيال يعدل حفنة - بكف الرجل المعتدل، والنصيف بوزن رغيف هو النصف، وقيل: النصيف مكيال دون المد، وحكى الخطابي أنه روي "مد أحدهم" بفتح الميم. قال: والمراد به الفضل والطول.
قال البيضاوي: معنى الحديث: لا ينال أحدكم - بإنفاق مثل أحد ذهبا - من الفضل والأجر، ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية. قال الحافظ ابن حجر: وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك، لشدة الاحتياج إليه. قلت مع ضيق ذات اليد، ووقوعه في وقت شدة وعسر.
قال: وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال، كما وقع في الآية {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما، لشدة الحاجة إليه، وقلة المعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك، لأن المسلمين صاروا كثرة بعد الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام، من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب، متأولون.
قال القاضي: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر.
واختلف في حكم من يسب الصحابة، فذهب الجمهور إلى أنه يعزر، وعن بعض المالكية يقتل،
وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسين، فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين، وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه، أو تبشيره بالجنة، إذا تواتر الخبر بذلك، لما يتضمنه من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث فضل إنفاق الصحابة. قال القاضي: وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم، وسائر طاعاتهم. وهذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والإيثار، والجهاد في سبيل الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة، لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال القاضي: ومن أصحاب الحديث من يقول: هذه الفضيلة مختصة بمن طالت صحبته، وقاتل معه، وأنفق وهاجر ونصر، لا لمن رآه مرة، كوفود الأعراب.
والله أعلم