الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما
5575 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم. وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة. ومعه بلال. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعرابي. فقال: ألا تنجز لي، يا محمد! ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبشر" فقال له الأعرابي: أكثرت علي من "أبشر" فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال، كهيئة الغضبان. فقال:"إن هذا قد رد البشرى. فاقبلا أنتما" فقالا: قبلنا يا رسول الله! ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء. فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه. ثم قال: "اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما. وأبشرا" فأخذا القدح. ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما. فأفضلا لها منه طائفة.
5576 -
عن أبي بردة عن أبيه قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس. فلقي دريد بن الصمة. فقتل دريد وهزم الله أصحابه. فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر. قال: فرمي أبو عامر في ركبته. رماه رجل من بني جشم بسهم. فأثبته في ركبته. فانتهيت إليه فقلت: يا عم! من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي موسى. فقال: إن ذاك قاتلي. تراه ذلك الذي رماني. قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته. فلما رآني ولى عني ذاهبا. فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكف. فالتقيت أنا وهو. فاختلفنا أنا وهو ضربتين. فضربته بالسيف فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت: إن الله قد قتل صاحبك. قال فانزع هذا السهم. فنزعته فنزا منه الماء: فقال يا ابن أخي! انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام. وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي. قال: واستعملني أبو عامر على الناس. ومكث يسيرا ثم إنه مات. فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه. وهو في بيت على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه. فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر. وقلت له: قال: قل له:
يستغفر لي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء. فتوضأ منه. ثم رفع يديه. ثم قال: "اللهم! اغفر لعبيد، أبي عامر" حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال: "اللهم! اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، أو من الناس" فقلت: ولي. يا رسول الله! فاستغفر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم! اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه. وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما". قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر. والأخرى لأبي موسى.
5577 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن، حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم، بالقرآن بالليل. وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار. ومنهم حكيم إذا لقي الخيل - أو قال العدو - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم".
5578 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين، إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد، بالسوية. فهم مني وأنا منهم".
-[المعنى العام]-
أراد أبو موسى والأشعريون معه - وكانوا نحو خمسين رجلا - أن يخرجوا من بلادهم باليمن إلى المدينة، فركبوا سفينة فألقتهم الريح إلى الحبشة، فاجتمعوا هناك بجعفر، ثم قدموا المدينة صحبته.
وأبو موسى هو عبد الله بن قيس، مشهور باسمه وكنيته معا، وأمه طيبة بنت وهب، أسلمت وماتت بالمدينة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن، واستعمله عمر بن الخطاب على البصرة، والأهواز، ثم أصبهان، ثم استعمله عثمان على الكوفة، إلى أن مات عثمان، فعزله علي عنها، ثم كان أحد الحكمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين، ومات بالكوفة في داره بها، وقيل: إنه مات بمكة سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وهو ابن ثلاث وستين.
وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أوتي أبو موسى مزمارا من
مزامير آل داود"، وهو الذي فقه أهل البصرى وأقرأهم، وكان عمر إذا رآه قال له: "ذكرنا بربنا يا أبا موسى"، وفي رواية "شوقنا إلى ربنا" فيقرأ عنده.
أما عمه أبو عامر فقد أسلم معه، وقدم المدينة معه، وقاد حملة أوطاس، واستشهد بها.
أما الأشعريون قبيلة أبي موسى وعمه فلهم فضائل كثيرة، وهم قبيلة من أهل اليمن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفدهم:"أتاكم أهل اليمن، هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية". وقد ذكرت أحاديثنا نبذة من فضائلهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.
وسيأتي بعد باب مزيد عن أبي موسى والأشعريين.
-[المباحث العربية]-
(كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة) بكسر الجيم وكسر العين وتشديد الراء، وقد تسكن العين، وهي بين الطائف ومكة، وإلى مكة أقرب، قيل: بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلا.
وكان نزوله صلى الله عليه وسلم الجعرانة مرتين. الأولى بعد أن نصره الله يوم حنين، وغنم المسلمون الغنائم الكثيرة أودع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغنائم في الجعرانة، ولم يقسمها، حتى يؤدب ثقيفا بالطائف، فلما حاصرهم، قفل راجعا إلى الجعرانة لقسمة الغنائم.
(فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعرابي، فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني؟ ) لم يقف العلماء على اسم الأعرابي، جريا على عادتهم في الستر على المسيئين، والظاهر أن إتيان الأعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد عودته من الطائف، وقد استبطأ حديثو العهد بالإسلام قسمة الغنيمة، ومنهم هذا الأعرابي، والظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد وعده شيئا من الغنيمة قبل أن يذهب إلى الطائف، فلما رجعوا تعجله وطلب إنجازه، ويحتمل أن يكون قد تعجل الوعد العام بقسمة الغنيمة، وقال: ألا تنجز ما وعدتني بقسمة الغنيمة، وإعطائي نصيبي منها عقب العودة من الطائف.
(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر) بفتح الهمزة وسكون الباء وكسر الشين، أي أبشر بقرب إنجاز وعدك، أو بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل من الله على الصبر.
(فقال: قد أكثرت علي من أبشر)"أبشر" هنا مقصود حكايتها في محل جر بحرف "من" أي قلت لي هذه الكلمة كثيرا، دون إنجاز، وربما كان الأعرابي قد ألح في الطلب أثناء هذه المدة، وكان الجواب "أبشر" فقال: قد أكثرت علي منها، والمعنى أنه لا يقبلها، ويريد العمل، لا البشرى.
والتعبير بالأعرابي لالتماس العذر في خشونته وجفائه، وبعده عن الأدب، وحسن التعبير.
(فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال - كهيئة الغضبان - فقال: إن هذا قد رد البشرى، فاقبلا أنتما)"أقبل الأولى معناها وجه وجهه نحوهما، مجانبا الأعرابي، و"اقبلا"
أي تقبلا البشارة ووعد الخير، وقوله - كهيئة الغضبان - لما رأوا على وجهه صلى الله عليه وسلم من أعراض انفعال الغضب، وعبر بالكاف لأن الغضب انفعال داخلي لا يجزم به لمجرد أعراضه.
(ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فغسل يده ووجهه فيه، ومجه فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وأبشرا، فأخذا القدح، ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادتهما أم سلمة، من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفة)"أم سلمة" زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين، ولهذا قالت "لأمكما" وفضلة النبي صلى الله عليه وسلم مقصود بها هنا البركة والتبرك، وكأنها عوض عن البشرى بالأمور الدنيوية، أو مضافة إليها.
(لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس) أي لما فرغ من حنين أمر بالغنائم تجمع في الجعرانة، وكانت هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى بجيلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا إلى من مضى إلى أوطاس، على رأسهم أبو عامر الأشعري، ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف، و"أوطاس" واد قريب من وادي حنين.
(فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه)"الصمة" بكسر الصاد وتشديد الميم، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، فالصمة لقب لأبيه، واسمه الحارث. قال الحافظ ابن حجر: وقوله: "فقتل" رويناه على البناء للمجهول، واختلف في قاتله، فقيل: ابن الدغنة، وقيل: الزبير بن العوام، وكان ابن الصمة في ستمائة نفس على أكمة، وكان من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية. ويقال: إنه يوم قتل كان ابن عشرين ومائة.
(قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر) أي إلى من التجأ إلى أوطاس، وقيل: بعثه كمدد لأبي عامر والأول هو المعتمد، فعند الطبراني في الأوسط "لما هزم المشركين يوم حنين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه".
(فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته)"جشم" بضم الجيم وفتح الشين، واختلف في اسم هذا الجشمي، فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم، فأصاب ركبته، فقتله، وقال ابن هشام: إن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم، وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري، وذكر ابن إسحاق أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين، إخوة، فقتلهم واحدا واحدا، حتى كان العاشر فحمل عليه، وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: اللهم اشهد عليه فقال الرجل: اللهم لا تشهد علي، فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم، فقتله العاشر ثم أسلم بعد وحسن إسلامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه: شهيد أبي عامر. وهذا يخالف ما في الصحيح من أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر.
(قال أبو موسى: فانتهيت إليه، فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي
موسى، فقال: إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني) أي أشار أبو عامر إلى شخص، وقال لأبي موسى: إنه هو هذا الذي رماني، وأعتقد أنه هو الذي قتلني. فقوله "تراه" بفتح التاء.
(قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته، فلحقته) أي وكان يمشي الهوينى، غير خائف، لبعده عن الميدان.
(فلما رآني ولى عني ذاهبا) مفعول مطلق من معنى الفعل.
(فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا) والعربي غير جبان، لا يجري؟ .
(ألا تثبت) وتقاتل؟ .
(فكف) عن الجري، ووقف للقتال.
(فالتقيت أنا وهو) يضرب كل منا الآخر.
(فاختلفنا أنا وهو ضربتين فضربته بالسيف، فقتلته) هو ضربني ضربة، وضربته ضربة، فقتلته.
(ثم رجعت إلى أبي عامر. فقلت: إن الله قد قتل صاحبك. قال. فانزع هذا السهم) من ركبتي، وكان السهم ثابتا فيها، يسد السائل والدم.
(فنزعته، فنزا منه الماء) أي ظهر الدم السائل من الجرح، وجرى، ولم ينقطع.
(واستعملني أبو عامر على الناس) أي أعطاه الراية، واستخلفه قائدا على العسكر، فنصره الله.
(فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه) في رواية "فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم معي اللواء، قال: يا أبا موسى، قتل أبو عامر؟ ".
السرير المرمل بضم الميم وفتح الراء، وفتح الميم الثانية مشددة، أي معمول بالرمال، وهو حبال الحصر، التي تضفر بها الأسرة، وقوله "عليه فراش" أنكره بعضهم، وقال: الصواب "ما عليه فراش" فسقطت "ما" وتعقبه الحافظ ابن حجر، بأنه لا يلزم من كونه على غير فراش - كما في قصة عمر - أن لا يكون على سريره دائما فراش. اهـ. وفي هذا التعقيب نظر لأن من أنكر عبارة "عليه فراش" وصوبها بعبارة "ما عليه فراش" لم يقصد مشابهة هذه الحالة بحالة لقاء عمر رضي الله عنه، في قصة اعتزال الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه، وإنما قصد أن تأثير السرير المرمل في الظهر والجنبين إنما يناسبه أن لا يكون بينه وبين الرمال فراش، إذ لو كان هناك فراش ما أثر غالبا، والهدف إظهار تأثير رمال السرير، وعبارة "عليه فراش" تصبح مناقضة للمطلوب، والعبارة المناسبة "ما عليه فراش".
(فأخبرته بخبرنا) أي بخبر الجيش والنصر.
(وخبر أبي عامر) من إصابته بالسهم، ووصيته عند موته.
(وقلت له: قال: قل له يستغفر لي) .... اللهم اغفر لعبيد أبي عامر.
اختلف في اسمه، فقيل: إن اسمه هانئ بن قيس، وقيل عبد الرحمن، وقيل: عباد، وقيل: عبيد. وهذا الحديث يرجح القول الأخير.
(حتى رأيت بياض إبطيه) من شدة رفع اليدين.
(اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك - أو من الناس) أي في المرتبة، وفي رواية "في الأكثرين يوم القيامة".
(إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن) الرفقة الجماعة المترافقون، والراء مثلثة، والأشهر ضمها، و"بالقرآن" يتعلق بأصوات.
(حين يدخلون بالليل)"يدخلون" بالدال والخاء، لجميع رواة البخاري ومسلم، وحكى عياض عن بعض رواة مسلم "يرحلون" بالراء والحاء، وصوبها الدمياطي في البخاري، وهو عجيب منه، فإن الرواية بالدال والخاء، والمعنى صحيح، فلا معنى للتغيير، وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء والحاء، قال النووي: والرواية الأولى صحيحة أو أصح، والمراد يدخلون منازلهم عائدين من المسجد، أو من شغل آخر.
(ومنهم حكيم) قيل: هو صفة لرجل منهم، أي ومن الأشعريين رجل حكيم، وقيل: هو اسم على رجل من الأشعريين، أي ومن الأشعريين رجل اسمه حكيم.
(إذا لقي الخيل - أو قال: العدو - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) أي تنتظروهم من الانتظار، ومنه قوله تعالى {انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13] ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو، بل يواجههم، ويقول لهم - إذ أرادوا الانصراف مثلا - انتظروا الفرسان حتى يأتوكم، ليثبتهم على القتال، فكأنه لا يتمنى انصراف العدو، بل يتمنى انتظاره ولقاءه، فهو يحرض العدو على الثبات والبقاء، لا على الانصراف، هذا على رواية "العدو" أما على رواية "الخيل" فيحتمل أن يراد به خيل العدو، فيكون المعنى كالسابق، ويحتمل أن يريد بها خيل المسلمين، ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة، فكان هو يأمر بالفرسان أن ينتظروا المشاة، ليسيروا إلى العدو جميعا، قال الحافظ ابن حجر: وهذا أشبه بالصواب، قال ابن التين: معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله، ولا يبالون بما يصيبهم.
(إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة)"إذا أرملوا" أي فنى زادهم وأصله من الرمل، كأنهم لصقوا بالرمل من القلة، كما قيل في الرواية "ذا متربة" وقوله
"تربت يداك" وأصل الشركة في الطعام تكون غالبا في السفر، لكن قد تتفق رفقة فيقيمونها في الحضر بالمدينة.
(جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية) قال النووي: ليس المراد بهذا القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها، حتى تمنع في الربويات، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضا، ومواساتهم بالموجود.
(فهم مني، وأنا منهم)"من" هذه تسمى الاتصالية، أي هم متصلون بي، وأنا متصل بهم، أي هم فعلوا فعلى في هذه المواساة، وأنا أفعل مثل ما يفعلون، وقال النووي: معناه المبالغة في اتحاد طريقهما، واتفاقهما في طاعة الله.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الحديث]-
1 -
من الرواية الأولى سماحة النبي صلى الله عليه وسلم ورأفته بالأعراب، وتقديره لغلظتهم، حيث لم يعنف الأعرابي على سوء أدبه، واكتفى بالإعراض عنه، والتوجه لغيره، قال القاضي: لو صدر هذا من مسلم - أي غير معذور - كان ردة، لأن فيه تهمة للنبي صلى الله عليه وسلم، واستخفافا بصدق وعده، وإنما صدر ممن لم يتمكن الإسلام من قلبه، ممن كان يستألف من أشراف العرب، وجاء أنه من بني تميم، وهم الذين نادوا الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، ونزل فيهم {أكثرهم لا يعقلون} [الحجرات: 4]
2 -
وفي الحديث فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة رضي الله عنهم.
3 -
وفيه استحباب البشارة.
4 -
واستحباب الازدحام فيما يتبرك به، وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه.
5 -
ومن الرواية الثانية فضيلة ظاهرة لأبي عامر الأشعري، وكفاءته للقيادة، ولم يكن مضى على إسلامه أكثر من عام.
6 -
وطلب الدعاء من الصالحين.
7 -
واستحباب الدعاء لمن طلبه، بما طلب.
8 -
واستحباب التطهر لإرادة الدعاء.
9 -
ورفع اليدين عند الدعاء، قال النووي: أما الحديث الذي رواه أنس، وأنه لم يرفع يديه، إلا في ثلاث مواطن، فهو محمول على أنه لم يره، وإلا فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة، فوق ثلاثين موطنا.
10 -
وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا، والعيش الخشن، حتى إن سريره المصنوع من حبال الليف لم يكن عليه فراش، حتى إن الحبال تؤثر في ظهره وجنبيه.
11 -
وفي الرواية الثالثة فضيلة ظاهرة للأشعريين، وجهرهم بالقرآن.
12 -
وفيها أن الجهر بالقرآن في الليل فضيلة، قال النووي: إذا لم يكن فيه إيذاء لنائم أو لمصل أو غيرهما، ولم يكن هناك رياء.
13 -
ومن الرواية الرابعة فضيلة أخرى للأشعريين.
14 -
وفضيلة الإيثار والمواساة.
15 -
وفضيلة خلط الأزواد في السفر.
16 -
وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر، ثم تقسم.
17 -
وبوب له البخاري بباب الشركة في الطعام والنهد - بكسر النون وبفتحها - وهو إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن أصله في السفر، وقد تتفق رفقة، فيضعونه في الحضر، كفعل الأشعريين. قال وهل يجوز قسمته مجازفة، أو لا بد من الكيل في المكيل، والوزن في الموزون؟ . وعن الحسن: أخرجوا نهدكم، فإنه أعظم للبركة، وأحسن لأخلاقكم.
18 -
وفي تحديث أبي موسى بهذه الأحاديث جواز تحديث الرجل بمواهبه ومفاخره.
والله أعلم