الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه
5519 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم: "اهتز لها عرش الرحمن".
5520 -
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ".
5521 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال وجنازته موضوعة يعني - سعدا - "اهتز لها عرش الرحمن".
5522 -
عن البراء رضي الله عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير. فجعل أصحابه يلمسونها ويعجبون من لينها فقال: "أتعجبون من لين هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين" حدثنا أحمد بن عبدة الضبي.
5523 -
وفي رواية عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حرير. فذكر الحديث. ثم قال ابن عبدة: أخبرنا أبو داود حدثنا شعبة حدثني قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. بنحو هذا أو بمثله.
5524 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس. وكان ينهى عن الحرير. فعجب الناس منها. فقال: "والذي نفس محمد بيده! إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا".
5525 -
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه، أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة. فذكر نحوه ولم يذكر فيه. وكان ينهى عن الحرير.
-[المعنى العام]-
سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، الأنصاري، يكنى أبا عمرو أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يد مصعب بن عمير، وشهد بدرا، وأحدا والخندق، ورمي يوم الخندق بسهم فقطع وريده من وسط الذراع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب فسطاط له في المسجد، يتمرض فيه، وكان يعوده في كل يوم، وكوي على جرحه، لكن يده انتفخت، ونزف الدم فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني في بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطرت منه قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه فلما حكم فيهم بحكم الله - وقد ذكرت القصة في غزوة بني قريظة - انفتق عرقه، فمات شهيدا بعد شهر من الخندق وبعد ليال من حكمه على بني قريظة.
بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فقال:"لمناديل سعد في الجنة خير منها" أي من حلة الحرير التي تعجب الصحابة من نعومتها وجمالها واهتز لموته عرش الرحمن فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه فوجد سعدا قد قبض، ولما شيعت جنازته، وكانت خفيفة جدا على حامليها، مع أنه كان رجلا طوالا ضخما تعجب المنافقون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة حملته" فقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك
علمنا به إلا لسعد أبي عمرو
رضي الله عنه وأرضاه
-[المباحث العربية]-
(اهتز لها عرش الرحمن) كذا في الرواية الأولى والثالثة، فالضمير يعود على الجنازة الحاضرة، أي لجنازة سعد، أي لسعد الميت على خشبة وفي الرواية الثانية "لموت سعد بن معاذ" والظاهر أن الاهتزاز - على اختلاف المراد منه - للموت السابق على الجنازة ففي الكلام مضافان محذوفان، أي اهتز لموت صاحبها عرش الرحمن - وعرش الرحمن مخلوق يحيط بالسماوات والأرض كما يحيط به الكرسي، أو يملؤه الكرسي وهو من أوائل المخلوقات، قال تعالى {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود: 7]، فهو جرم من الأجرام، ومخلوق كبقية العالم، وقد سمي بما يفهمه المخاطبون عنه، على أنه مقر الحكم وقاعة الملك، وسريره، ففي سورة يوسف {ورفع أبويه على العرش} [يوسف: 100] وفي سورة النمل {وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} [النمل: 23] وفيها {قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون} [النمل: 41].
وفي القرآن الكريم آيات تتحدث عن عرش الرحمن، كمظهر من مظاهر الهيمنة والجبروت، منها قوله تعالى {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم} [المؤمنون: 86]؟ {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون: 116] {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم
مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: 54]{وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد} [البروج: 14 - 16]{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم} [غافر: 7]{وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].
واهتزاز هذا الجرم بإرادة الله تعالى أمر ممكن عقلا وشرعا، وقد فسرت طائفة اهتزازه لموت سعد بتحركه فرحا بقدوم روح سعد، سواء بالإرادة الإلهية التسخيرية، أو بإدراك وتمييز خلقه الله فيه، قال المازري: ولا مانع منه، كما قال الله تعالى {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] قال: وهذا القول هو ظاهر الحديث، فالاهتزاز على حقيقته وأن العرش تحرك لموته، وهذا لا ينكر من جهة العقل لأن العرش جسم من الأجسام، يقبل الحركة والسكون. قال: وهذا القول هو المختار اهـ وعندي أنه مستبعد جدا، إذ لم يحصل مثل هذا لنبي ولا لرسول، ولا لسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم هذا القول إظهارا لفضيلة سعد، وهو لا تحصل به فضيلة سعد كما يقول ذلك المازري نفسه، حتى وإن جعل الله حركته علامة للملائكة على موته.
الرأي الثاني: أنا المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته من الملائكة، ففي الكلام مضاف محذوف واهتزازهم حقيقة فرحا بقدومه، وهو مستبعد أيضا بما استبعد به سابقه.
الرأي الثالث: كالثاني، إلا أن اهتزاز حملة العرش كناية عن استبشارهم بقدومه وهو كثير في لغة العرب ومنه قولهم: اهتز طربا للخبر وللمكارم لا يريدون اضطراب الجسم وحركته وإنما يريدون الارتياح والإقبال ويؤيده ما أخرجه الحاكم "إن جبريل قال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها؟ "، وهذا الرأي قريب من الرأي الذي سنختاره.
الرأي الرابع: أن المراد اهتزاز سرير الجنازة على أكتاف حملته، أي اهتز عرش سعد فعند الحاكم "اهتز العرش فرحا به" وأوله البراء بن عازب فقال: اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا، حتى تفسخت أعواده على عواتقنا، وقال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي حمل عليه وعند الترمذي عن أنس قال: "لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة كانت تحمله".
قال النووي: وهذا القول باطل ويرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم اهتز لموته عرش الرحمن" قال: وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم، وقال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين، وليس لمعارضها في الصحيح ذكر.
الرأي الخامس: قريب من الرابع: إلا أنه جعل الاهتزاز لحملة السرير فرحا بقدومه على ربه.
الرأي السادس: وهو الذي نختاره أن اهتزاز عرش الرحمن كناية عن تعظيم أمر وفاة سعد والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون: أظلمت الأرض لموت فلان وقامت القيامة لموت فلان وبكت عليه السماء والأرض، والله أعلم.
(أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير) في ملحق الرواية "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حرير"
وفي الرواية الخامسة "أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس" وفي ملحقها "أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة" والأكثرون على أن الحلة - بضم الحاء وتشديد اللام المفتوحة - لا تكون إلا ثوبين، يحل أحدهما على الآخر، والبعض يقول: الحلة ثوب واحد جديد، قريب العهد بحله من طيه، ولما كان الثابت أن المهدي من أكيدر دومة الجندل كان قباء وأنه صاحب القصة كان قول غير الأكثرين هنا هو الصحيح ويئول على قول الأكثرين.
والجبة بضم الجيم وتشديد الباء ثوب سابغ، واسع الكمين، مشقوق المقدم، يلبس فوق الثياب، والقباء بفتح القاف ثوب يلبس فوق الثياب، و"أكيدر" بضم الهمزة تصغير "أكدر" وهو أكيدر بن عبد الملك، و"دومة الجندل" بضم الدال وسكون الواو، بلد بين الحجاز والشام. مدينة قرب تبوك بها نخل وزرع وحصن، على عشر مراحل من المدينة، وثمان مراحل من دمشق، وكان أكيدر ملكها، وكان نصرانيا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه خالد بن الوليد في سرية، فأسره وقدم به المدينة، فصالحه النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية وأطلقه، وروي أنه لما قدم المدينة أخرج قباء من ديباج منسوجا بالذهب وقد سبق الموضوع في كتاب اللباس، وفي باب حكم لبس الحرير.
(فجعل أصحابه يلمسونها، ويعجبون من لينها)"يلمسونها" بضم الميم وكسرها وفي رواية البخاري "فجعل أصحابه يمسونها" وفي الرواية الخامسة "فعجب الناس منها".
(أتعجبون من لين هذه؟ ) الاستفهام إنكاري توبيخي بمعنى لا ينبغي أن تعجبوا، يعني لا تعجبوا.
(لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها، وألين) وفي الرواية الخامسة "والذي نفس محمد بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا" فاللام في "لمناديل سعد" في جواب قسم محذوف وفي رواية البخاري "خير منها أو ألين" والمناديل جمع منديل بكسر الميم في المفرد وهو هذا الذي يحمل في اليد قال أهل اللغة: هو مشتق من الندل، وهو النقل، لأنه ينقل من واحد إلى واحد، وقيل: من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، يقال: تندلت بالمنديل.
-[فقه الحديث]-
في الحديث إشارة إلى عظيم منزلة سعد بن معاذ.
وتبشير له بأنه من أهل الجنة.
وأن أدنى ثيابه فيها خير من حرير الدنيا لأن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للوسخ والامتهان فغيره أفضل. والله أعلم.