الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به
5270 -
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى. ثم خرج إلى أهله وخرجت معه. فاستقبله ولدان. فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار.
5271 -
عن أنس رضي الله عنه قال: ما شممت عنبرا قط ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا مسست شيئا قط ديباجا ولا حريرا ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5272 -
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون. كأن عرقه اللؤلؤ. إذا مشى، تكفأ. ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5273 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا. فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها. فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أم سليم! ما هذا الذي تصنعين؟ " قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب.
5274 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم، فينام على فراشها، وليست فيه. قال: فجاء ذات يوم، فنام على فراشها، فأتيت فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك، على فراشك. قال: فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على قطعة أديم، على الفراش. ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها. ففزع النبي صلى الله عليه وسلم:"فقال ما تصنعين يا أم سليم؟ " فقالت: يا رسول الله! نرجو بركته لصبياننا. قال: "أصبت".
5275 -
عن أم سليم رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها، فيقيل عندها، فتبسط له نطعا، فيقيل عليه. وكان كثير العرق. فكانت تجمع عرقه، فتجعله في الطيب والقوارير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أم سليم! ما هذا؟ " قالت: عرقك أدوف به طيبي.
5276 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان لينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغداة الباردة، ثم تفيض جبهته عرقا.
5277 -
عن عائشة رضي الله عنها، أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: "أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي. ثم يفصم عني وقد وعيته. وأحيانا ملك في مثل صورة الرجل. فأعي ما يقول".
5278 -
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي، كرب لذلك، وتربد وجهه.
5279 -
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رءوسهم. فلما أتلي عنه، رفع رأسه.
-[المعنى العام]-
مجموعة من صفاته الخلقية والخلقية صلى الله عليه وسلم، فقد كان لون بشرته أبيض بياضا مشوبا بحمرة أو سمرة، وخاصة الوجه واليدين والقدمين، بسبب المهنة والتعرض للشمس والهواء، وكان جلده ناعم الملمس كالحرير، وكان طيب الرائحة من غير طيب، وكان عرقه أبيض صافيا كاللؤلؤ، وأطيب ريحا من المسك، حتى كانت أم سليم تجمعه وتتطيب به، وكانت مشيته موجهة إلى الجهة التي يقصدها، لا يتوجه ولا يتلفت يمينا ولا شمالا، وكان ينام على فراش غيره، من غير أنفة أو غضاضة، وكان رحيما بالصبيان، يمسح خدودهم بيده الكريمة، إذا تعرضوا له في الطريق، يطلبون بركة يده وملامسته.
وكان جميل الوجه، منفرج الأسارير، لكن إذا أتاه الوحي ثقل عليه، فتغير وجهه، وتصبب العرق من جبينه، وأخذه غطيط كغطيط النائم، فإذا ذهب الوحي عاد كما كان. صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى) قال النووي: يعني صلاة الظهر. اهـ.
وهو من إضافة الموصوف إلى صفته وقد أجازه النحويون الكوفيون وتأوله البصريون، على أن فيه محذوفا، تقديره: صلاة الساعات الأولى.
(ثم خرج إلى أهله) أي خرج من المسجد نحو بيوت أزواجه.
(فاستقبله ولدان) بكسر الواو، وسكون اللام، وتنوين النون، جمع وليد، بفتح الواو، وكسر اللام، وهو المولود حين يولد، والمراد هنا وصف الصبية بالصغر، والتعبير باستقبله يشعر بأنهم تعمدوا استقباله، ليمسح عليهم تبركا، وصاهم بذلك آباؤهم.
(فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا)"خدي" بفتح الخاء والدال المشددة، مثنى خد، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يمسح الخدين بكفيه، أو كان يمسح الخدين باليمنى، وواحدا واحدا يشعر بأنه كان يستوعبهم جميعا.
(وأما أنا فمسح خدي) بالإفراد، وكان جابر إذ ذاك صبيا، ومات سنة ست وستين.
(فوجدت ليده بردا أو ريحا)"بردا" بفتح الباء وسكون الراء، ضد الحر، والظاهر أن هذا المسح كان في الصيف، وفي شدة الحر، وقد يراد من البرد الراحة والسكون، والمراد من الريح هنا الطيب و"أو" بمعنى الواو.
(كأنما أخرجها من جؤنة عطار) قال النووي: هي بضم الجيم والهمزة بعدها، ويجوز ترك الهمزة، بقلبها واوا، كما في نظائرها، وقد ذكرها كثيرون أو الأكثرون في الواو، قال القاضي: هي مهموزة، وقد يترك همزها، وقال الجوهري: هي بالواو، وقد تهمز، وهي السفط الذي فيه متاع العطار، هكذا فسره الجمهور، وقال صاحب العين: هي سليلة مستديرة، مغشاة أدما. أي جلدا، والمراد هنا إناء الطيب.
(ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم "شممت" بكسر الميم الأولى، وفتحها لغة، حكاها الفراء، ويقال في مضارعه أشمه بالفتح على الأفصح، وبالضم على اللغة المذكورة.
والعنبر طيب معروف، وكذا المسك "وشيئا" أي من الطيب، من ذكر العام بعد الخاص، وفي رواية للبخاري "ولا شممت ريحا قط - أو عرفا قط - أطيب من ريح - أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية له "مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الحافظ ابن حجر: وقوله "عنبرة" ضبط بوجهين، أحدهما بسكون النون، بعدها باء، والآخر "عبيرا" بكسر الباء بعدها ياء، والأول معروف،
والثاني طيب معمول من أخلاط، يجمعها الزعفران، وقيل: هو الزعفران نفسه، وعند البيهقي "ولا شممت مسكا، ولا عنبرا، ولا عبيرا" ذكرهما جميعا، والعرف بفتح العين وسكون الراء، الريح الطيب، ووقع في بعض الروايات "عرقا" بفتح العين والراء والقاف، و"أو" في روايات "أو" للتنويع.
(ولا مسست شيئا قط، ديباجا، ولا حريرا، ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة "ولا مسست ديباجة، ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم""مسست" السين الأولى مكسورة، ويجوز فتحها، والثانية ساكنة، وقد استشكل هذا بما جاء في البخاري "إنه كان ضخم اليدين" وفي رواية "والقدمين" وفي رواية "شئن القدمين والكفين" فسره الأصمعي بغليظهما في خشونة، قال الحافظ ابن حجر: والجمع بينهما أن المراد اللين في الجلد، والغلظ في العظام، فيجتمع له نعومة البدن، وقوته، أو حيث وصف باللين واللطافة، أريد حيث لا يعمل بهما شيئا، أو بالنسبة إلى أصل الخلقة، وحيث وصف بالغلظ والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل، فإنه كان يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
ولم يوافق كثير من اللغويين الأصمعي على تفسير "شئن" بالخشونة، وفسروه بالغلظ فقط، وقال ابن بطال: كانت كفه صلى الله عليه وسلم ممتلئة لحما، غير أنها مع خضامتها كانت لينة، اهـ. وقد نقل ابن خالويه أن الأصمعي لما فسر الشئن بما مضى، قيل له: إنه ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فآلى على نفسه أنه لا يفسر شيئا في الحديث. اهـ.
وعندي أن حديث أنس يصف كفه صلى الله عليه وسلم باللين والنعومة، وهذا الوصف أمر نسبي، يرتبط بكف من يمس كفه صلى الله عليه وسلم، فإن كان خشنا أحس في المقابل بنعومة ولين، كما يرتبط بالأكف التي يمسها أنس، فإن كانت خشنة - كما هي العادة في العرب الأوائل - أحس بنعومة كفه صلى الله عليه وسلم والظاهر أن كفه صلى الله عليه وسلم كانت بين النعومة والخشونة، فالنعومة واللين بإطلاق وصف حسن في النساء، والخشونة بإطلاق وصف امتهان، والممدوح في الرجال الوسطية بين النعومة والخشونة. والله أعلم.
والديباج نوع من الحرير، فعطف الحرير عليه هنا من عطف العام على الخاص. وفي رواية للبخاري "حريرا ولا ديباجا".
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون) أي أبيض مشربا بحمرة، فعند الترمذي والحاكم "كان أبيض، مشربا بياضه بحمرة" وعند البيهقي في الدلائل "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، بياضه إلى السمرة" وعند أحمد والبزار بإسناد صحيح "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر" وفي الروايات الصحيحة إطلاق كونه أبيض، فعند البزار بإسناد قوي "كان شديد البياض" وعند الطبراني "ما أنسى شدة بياض وجهه، مع شدة سواد شعره" وفي شعر أبي طالب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه. وعند أحمد "فنظرت إلى ظهره، كأنه سبيكة فضة" قال الحافظ ابن حجر: وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة. وجمع البيهقي بأن المشرب بحمرة وسمرة من جلده صلى الله عليه وسلم ما تعرض للشمس، وأما تحت الثياب فهو أبيض أزهر. اهـ. يريد أبيض خالصا، غير مشرب بسمرة، فمن معاني الأزهر الأبيض الصافي المشرق.
(كأن عرقه اللؤلؤ) في الصفاء والبياض، و"اللؤلؤ" بهمزتين، وقد يترك همزه.
(إذا مشى تكفأ) أي مال يمينا وشمالا، كما تكفأ السفينة، قال الأزهري: هذا خطأ، لأن هذا صفة المختال: وإنما معناه أن يميل إلى سمته وقصد مشيه، وقال القاضي محبذا التفسير الأول: ولا يعد اختيالا إذا كان خلقة وجبلة، والمذموم منه ما كان مستعملا مقصودا، قلت: وإن صح ما يقوله القاضي، لكن خلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم خالية من السوء، ومما يوهم السوء، فقول الأزهري أسلم.
(دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا) أي فنام نومة القيلولة، ففي الرواية الخامسة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم، فينام على فراشها، وليست فيه، فجاء ذات يوم، فنام على فراشها" فجاءت، وقبل أن تدخل عليه "فأتيت" بضم الهمزة وكسر التاء وفتح الياء، مبني للمجهول، أي أتاها آت من داخل البيت "فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك، على فراشك" والظاهر أن هذه القيلولة لم تكن الأولى ففي الرواية السادسة "عن أم سليم رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها، فيقيل عندها" بفتح الياء وكسر القاف "فتبسط له نطعا" بكسر النون وسكون الطاء، وكسرها وفتحها، بساط من جلد مدبوغ، والمراد هنا الفروة "فيقيل عليه" أي فجاء ذات يوم، فنام على فراشها الذي كانت تفرشه له، فجاءت فقيل لها، فدخلت عليه، وقد عرق "وكان كثير العرق" واستنقع عرقه على قطعة أديم، على الفراش، ففتحت عتيدتها" بفتح العين، وكسر التاء بعدها ياء فدال، وهي كالصندوق الصغير، تجعل المرأة فيها ما يعز من متاعها، وكان فيه قوارير طيبها، فأخرجت منه قارورة "فجعلت تنشف ذلك العرق" بخرقة أو نحوها "فتعصره في قواريرها""فتجعله في الطيب والقوارير".
وفي رواية البخاري "أخذت من عرقه وشعره، فجعلته في قارورة" وفي ذكر الشعر في هذه الرواية غرابة، وقد حمله بعضهم على ما ينتشر من شعره صلى الله عليه وسلم عند الترجل، وحمله بعضهم على أنها كانت قد أخذت من شعره سابقا، فوضعته في القارورة، فعند ابن سعد بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق شعره بمنى، أخذ أبو طلحة، زوج أم سليم، أم أنس، أخذ شعره، فأتى به أم سليم، فجعلته في سكها" والسك بضم السين وتشديد الكاف طيب مركب، فيستفاد من هذه الرواية أنها لما أخذت العرق وقت قيلولته أضافته إلى الشعر الذي عندها، لا أنها أخذت من شعره لما نام، ويستفاد منها أيضا أن القصة المذكورة كانت بعد حجة الوداع، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حلق رأسه بمنى فيها.
(ففزع النبي صلى الله عليه وسلم حين أحس بحركة يدها تحته وهو نائم، فاستيقظ، فرأى ما تصنع.
(فقال: ما تصنعين يا أم سليم)؟ في الرواية السادسة "يا أم سليم، ما هذا؟ "
(فقالت: يا رسول الله. نرجو بركته لصبياننا. قال: أصبت) في الرواية السادسة "قالت: عرقك، أدوف به طيبي" قال النووي "أدوف" بالدال وبالذال، ومعناه: أخلط به طيبي.
ولا معارضة بين قولها للبركة، وبين أنها كانت تجمعه لطيبها، فإنها تفعل ذلك للأمرين معا.
(عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان لينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغداة الباردة، ثم تفيض جبهته عرقا) هذا الحديث وصله البخاري بالرواية الثامنة، وقد أخرجه
الدارقطني مفصولا، كمسلم، والغداة الصباح و"إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، و"ينزل" بضم الياء وسكون النون وفتح الزاي، مبني للمجهول. وفي رواية البخاري "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".
(كيف يأتيك الوحي)؟ يحتمل أن يكون المسئول عنه، صفة الوحي نفسه، أي صفة الإيحاء ويحتمل أن يكون صفة حاملة، ويحتمل أن يكون المسئول عنه الأمرين معا.
(فقال: أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس)"أحيانا" جمع "حين" ويطلق على كثير الوقت وقليله، والمراد به هنا مجرد الوقت، فكأنه قال: أوقاتا يأتيني، وهو منصوب على الظرفية، وعامله "يأتيني" مؤخر عنه، و"صلصلة الجرس" في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، والمراد من الجرس هنا الجلجل الذي يعلق في رءوس الدواب.
(وهو أشده علي) أي أشد حالاته.
(ثم يفصم عني وقد وعيته)"يفصم" بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد، أي يقلع، وينجلي ما يغشاني، ويروى بضم الياء وكسر الصاد، من الرباعي، ويروى بضم الياء وفتح الصاد، مبني للمجهول، وأصل الفصم القطع.
(وأحيانا ملك في مثل صورة الرجل) في رواية للبخاري "وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا" والمراد من الملك جبريل، وقد صرح به في رواية ابن سعد، والحق أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه.
(فأعي ما يقول) زاد في رواية "وهو أهونه علي"
(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رءوسهم) أي خفض رأسه من شدة الوحي، وخفضوا رءوسهم خشوعا ورهبة، وفي الرواية التاسعة "كرب لذلك، وتربد وجهه""كرب" بضم الكاف وكسر الراء، أي أصابه الكرب والشدة و"تربد" بفتح التاء والراء وتشديد الباء المفتوحة، أي تغير، وصار كلون الرماد، ولا يتعارض هذا مع ما روي من "أن يعلى بن أمية نظر إليه حال نزول الوحي، وهو محمر الوجه" لأن المراد منه أنه حمرة كدرة، وهذا معنى التربد، ويحتمل أنه يتربد في أول الوحي، ثم يحمر، أو بالعكس.
(فلما أتلي عنه رفع رأسه) قال النووي: هكذا هو في معظم نسخ بلادنا "أتلي" بضم الهمزة وسكون التاء وكسر اللام، بعدها ياء، ومعناه ارتفع عنه الوحي، هكذا فسره صاحب التحرير وغيره. ووقع في بعض النسخ "أجلي" بالجيم، وفي رواية البخاري "انجلى" ومعناهما أزيل عنه، وزال عنه.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من أحاديث الباب]-
1 -
من الرواية الأولى عطفه صلى الله عليه وسلم على الصبيان ولطفه بهم، وصبره عليهم، ورحمته بهم.
2 -
تبرك الصبية بمصافحته صلى الله عليه وسلم، بتوجيه من آبائهم، ومسحه صلى الله عليه وسلم خدودهم.
3 -
تبريكه صلى الله عليه وسلم جابر بن سمرة رضي الله عنه ومسحه خده.
4 -
طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ومع أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الطيب، لكن ريحه صلى الله عليه وسلم من غير تطيب كان طيبا، كما سيأتي عن عرقه، وقد روى أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة، وجد منه رائحة المسك، فيقال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم "وعند أحمد " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مج في الدار ثم في البئر، ففاح منه مثل ريح المسك".
5 -
ومن الرواية الثالثة لين كفه، ونعومة ملمسه صلى الله عليه وسلم.
6 -
وبياض وصفاء عرقه صلى الله عليه وسلم.
7 -
ومن الرواية الرابعة والخامسة والسادسة طيب عرقه صلى الله عليه وسلم، وأنه أطيب الطيب وأخرج أبو يعلى الطبراني من حديث أبي هريرة، في قصة الذي استعان به صلى الله عليه وسلم على تجهيز ابنته "فلم يكن عنده شيء، فاستدعى بقارورة، فسلت له فيها من عرقه، وقال له: مرها فلتطيب به، فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب، فسموا بيت المطيبين.
8 -
قال المهلب: وفيها طهارة شعر الآدمي وعرقه، وقال بعضهم: لا دلالة فيه، لأنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك متمكن في القوة، ولا سيما إن ثبت الدليل على طهارة كل منهما.
9 -
وفيها جواز نوم الرجل الأجنبي على فراش المرأة الأجنبية، وفيه نظر، لما سيأتي في علاقته صلى الله عليه وسلم بأم سليم.
10 -
قال المهلب: وفيه مشروعية القائلة للكبير في بيوت معارفه، لما في ذلك من ثبوت المودة، وتأكد المحبة. اهـ. وقال بعضهم: بشرط الإذن، وأمن الفتنة.
11 -
وفيها خدمة المرأة الأجنبية للضيف، وتمهيدها لفراشه.
12 -
وفيها إباحة ما قدمته المرأة للضيف من مال زوجها، لأن الأغلب أن الذي في بيت المرأة هو من مال الرجل كذا قال ابن بطال.
13 -
وفيها أن الوكيل والمؤتمن، إذا علم أنه يسر صاحبه ما يفعله من ذلك جاز له فعله، ولا شك أن زوج أم سليم كان يسره ذلك.
وقد أثار هذا التصرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم سليم، ومع أختها أم حرام بنت ملحان، فقد ثبت أنه كان ينام في حجرها، وأنها كانت تفلي شعر رأسه، أثار هذا للعلماء توجيهات:
- فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه.
- ونقل ابن عبد البر عن بعضهم أن أم حرام كانت منه ذات محرم، من قبل خالاته، لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار، قال ابن وهب: قال بعضهم: إنما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب.
- وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. اهـ. وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية.
- وقال بعضهم: بل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما، يملك أربه عن زوجته، فكيف عن غيرها، مما هو المنزه عنه، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، فيكون ذلك من خصائصه، ورده القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم، لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله، حتى يقوم على الخصوصية دليل.
- وقال بعضهم: ثبت في الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء، إلا على أزواجه، وإلا على أم سليم، فقيل له
…
، فقال: أرحمها، قتل أخوها معي يعني حرام بن ملحان، وكان قتل يوم بئر معونة" وأم حرام وأم سليم أختان، كانتا في دار واحدة، كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معا، فالعلة مشتركة فيهما، وتعقب بأن الشهداء كثيرون، ولم يثبت أنه فعل مع أخت أحدهم ما فعله مع أم سليم وأختها، وقد أضاف بعضهم إلى العلة المذكورة أن أنسا ابن أم سليم كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم. قلت: جريان العادة لا يغير حكم الشرع، ولا يرخص فيه.
- وقال بعضهم: يحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب، ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب قطعا، فقد مضى أنه كان بعد حجة الوداع.
- وقال بعضهم: ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم أنس أو أم حرام، ولعل ذلك كان مع وجود ولد أو خادم أو زوج أو تابع، قال الحافظ ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر. قال: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، اهـ. قلت: ليس بأحسن الأجوبة، لأنها لو كانت خصوصية له صلى الله عليه وسلم لاستخدمها مع غيرهما، أما الاقتصار عليهما فالأشبه أنها خصوصية لهما، ولأمر خاص بهما، فأحسن الأجوبة القول بالمحرمية.
14 -
يؤخذ من الرواية الثامنة أن مثل صلصلة الجرس كانت علامة على قدوم الوحي، إشعارا للرسول صلى الله عليه وسلم، ليتفرغ له، ويستعد للقائه ويتهيأ لاستقباله، وقد استشكل هذا بأن الجرس مذموم، لصحة النهي عنه، والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه، والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة، كما سبق في الأحاديث، فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟ والجواب أن الصوت الذي يصاحب الملك ليس صوت جرس، حتى ينفر منه، إنما هو شبيه به، في وجه ما، فذكر ما ألفه السامعون سماعه تقريبا للأفهام، ولا يشترط في التشبيه تساوي المشبه والمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما.
وأما مصدر هذا الصوت فقيل: هو صوت الملك بالوحي، أي صوت متدارك بسمعه، ولا يتبين حروفه، حتى يصل، وقيل: بل هو صوت حفيف أجنحة الملك. والله أعلم.
15 -
وفيها أن الوحي كله شديد، لقوله "وهو أشده علي" قالوا: لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أصعب من الفهم من كلام الرجل للرجل بالتخاطب المعهود، قالوا: والحكمة فيه أن العادة جرت بوجود مناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل، بغلبة الروحانية، وهو النوع الأشد، وإما باتصاف القائل بوصف السامع، وهو البشرية، وهو النوع الثاني، وليس بالأشد.
16 -
ومن الرواية السابعة والتاسعة والعاشرة صفات النبي صلى الله عليه وسلم الجسمية في غير حالة نزول الوحي، وفي حالة نزول الوحي.
والله أعلم