الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه
5645 -
عن أسير بن جابر، أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر. وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس. فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس. لا يدع باليمن غير أم له. قد كان به بياض. فدعا الله فأذهبه عنه. إلا موضع الدينار أو الدرهم. فمن لقيه منكم فليستغفر لكم".
5646 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس. وله والدة، وكان به بياض. فمروه فليستغفر لكم".
5647 -
عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس. فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر. لو أقسم على الله لأبره. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي. فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي. قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم. فوافق عمر. فسأله عن أويس. قال: تركته رث البيت قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن. كان به برص فبرأ منه، إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر. لو أقسم على الله لأبره. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فأتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث
عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له الناس. فانطلق على وجهه. قال أسير: وكسوته بردة. فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟
-[المعنى العام]-
إذا كان خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم وصحابته فمن حيث المجموع الكلي، وهذا لا يمنع أن يوجد فرد أو أفراد فيمن بعد الصحابة هم أفضل عند الله وأقرب من بعض الصحابة، وكيف لا والله تعالى يقول:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]؟ وكيف لا وموسى عليه السلام أمر أن يتعلم على يد رجل مغمور، وعبد من عباد الله، آتاه الله رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علما؟ وكيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمر الفاروق، الذي أعز الله به الإسلام، والذي إذا رآه الشيطان سالكا فجا سلك فجا غيره، يقول له: إن في التابعين رجلا، تحرص على أن يستغفر لك، أنت يا عمر في حاجة إلى استغفاره لك، إذا لقيته فاطلب منه أن يدعو لك بالمغفرة .. إن اسمه أويس القرني، ستجده رث الثياب، لا يأبه له الناس ولا يهتمون به، إنه من أهل اليمن، إنه يكون به برص، فيدعو الله، فيبرأ منه إلا ما يعدل حجم الدرهم، إنه سيكون له أم يبرها، إنه سيأتيك فيمن يأتيك مجاهدا من أهل اليمن، فاطلب منه أن يستغفر لك، وأخذ عمر بعد أن استخلف يسأل وفود اليمن عن أويس، حتى وجده، فنفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(عن أسير بن جابر) بضم الهمزة وفتح السين، ويقال: أسير بن عمرو.
(وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس) فائدة ذكر هذا الرجل هنا ليعلم قيمة أويس عند عمر.
والمعنى: وجاء أويس في الوفد مع من يسخر منه، ويحتمل أن أويسا لم يأت مع هذا الوفد، وسأل عنه عمر، وقال عنه ما قال، ليراجع الرجل الذي يسخر منه، ليراجع نفسه، ومعنى "يسخر منه" أي يحتقره، ويستهزئ به، وهذا دليل على أنه كان يخفي حاله وصلاحه، ويكتم السر الذي بينه وبين ربه عز وجل، ولا يظهر منه شيء يدل على ذلك، وهذا طريق العارفين وخواص الأولياء، رضي الله عنهم.
(فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين) أي من بني قرن، بفتح القاف والراء، وهي بطن من مراد، وهو قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. هذا هو الصواب، وفي صحاح الجوهري أنه منسوب إلى قرن المنازل، الجبل المعروف، ميقات الإحرام لأهل نجد، قال النووي: وهذا غلط فاحش.
(فجاء ذلك الرجل) الظاهر أنه الرجل الذي يسخر بأويس، وكأن عمر كان قد علم أنه يسخر منه، فقال ذلك ليرجع الرجل عن الاستهزاء به، ولعله أيضا من القرنيين.
(كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ ) الأمداد جمع مدد، أي الجماعات الغزاة، الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو.
أي يسأل عن أويس فلا يجده في الأمداد.
(حتى أتى على أويس) في الكلام قلب، والأصل: حتى أتى عليه أويس، أو لا قلب، والمعنى أتى على الأمداد يسألهم فيجيبون بالنفي، حتى أتى في سؤاله على وفد ردوا بالإيجاب.
(لو أقسم على الله لأبره) أي لاستجاب دعاءه.
(فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر. أي اطلب منه أن يستغفر لك.
(فقال له عمر: أين تريد؟ ) أين تريد أن تقيم؟ .
(قال: الكوفة) مفعول لفعل محذوف، أي أريد الإقامة في الكوفة.
(قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ ) ليجلك ويكرمك كما تستحق؟ .
(قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي) فلا تكتب لعاملك، ولا تكشف أمري، وغبراء الناس، بفتح الغين وسكون الباء، أي ضعفائهم وعامتهم الذين لا يؤبه لهم.
(فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم) أي من أشراف القرنيين.
(فوافق عمر) أي فقابل عمر.
(فسأله عن أويس) أي حاله وتصرفاته وسلوكياته.
(قال: تركته رث البيت) أي رديئه وبذيئه.
(قليل المتاع) حقير المتاع والأثاث.
(فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) يحتمل أن يكون هذا من تتمة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، يحكيه عمر، ويحتمل أن يراد به وصية من عمر للرجل.
(فأتى أويسا: فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي) أنت قال ذلك أويس تخفيا لحاله، ولم يرفض الاستغفار للرجل، فلما أصر الرجل على طلب استغفار أويس، فهم أويس أنه قابل عمر، وسمع الحديث من عمر، فسأله:
(لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس) وأخذوا يطلبون منه الاستغفار.
(فانطلق على وجهه) وترك الديار، ومشى على غير قصد مكان، بل حسبما يوجهه وجهه وطريقه.
(قال أسير: وكسوته بردة) فقبلها ولبسها على غير عادة.
(فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟ ) استغرابا وتعجبا، حيث لا يملك ثمن بردة، ولم يتعود لبس مثلها.
-[فقه الحديث]-
فيه فضيلة أويس القرني، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، واستحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح، وإن كان الطالب أفضل منهم، وفيه أن أويس أفضل التابعين، ولا يتعارض هذا مع قول أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، إذ مرادهم أن سعيد بن المسيب أفضل في العلوم الشرعية، وأويس أفضل في الصلاح والصلة بالله.
وفيه فضيلة إيثار الخمول، وكتم حال الصلاح، وفضيلة بر الوالدين، وفضيلة العزلة.
والله أعلم