المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٩

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(599) باب قتل الحيات والأبتر والوزغ والهرة وسقي البهائم

- ‌كتاب الأدب من الألفاظ وغيرها

- ‌(600) باب سب الدهر - تسمية العنب كرما - قول: عبدي وأمتي - استعمال المسك

- ‌كتاب الشعر

- ‌(601) باب الشعر واللعب بالنرد

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌(602) باب الرؤية والحلم، وتأويل الرؤيا

- ‌كتاب الفضائل

- ‌(603) باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

- ‌(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس

- ‌(606) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(607) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم وإذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(608) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌(609) باب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه

- ‌(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(613) باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

- ‌(615) باب حيائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

- ‌(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن

- ‌(618) باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس، وتبركهم به، وتواضعه لهم

- ‌(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته

- ‌(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به

- ‌(621) باب في صفاته الخلقية، وصفة شعره وشيبته

- ‌(622) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌(623) باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم، وإقامته بمكة والمدينة

- ‌(624) باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(625) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته له

- ‌(626) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌(627) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي

- ‌(628) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم

- ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

- ‌(630) باب من فضائل إبراهيم الخليل، ولوط، عليهما السلام

- ‌(631) باب من فضائل موسى عليه السلام، ويونس، ويوسف، وزكريا، والخضر، عليهم السلام

- ‌كتاب فضائل الصحابة

- ‌(632) باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌(633) باب من فضائل عمر رضي الله عنه

- ‌(634) باب من فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(635) باب فضائل علي رضي الله عنه

- ‌(636) باب من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(638) باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌(639) باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌(640) باب من فضائل زيد بن حارثة، وابنه أسامة، رضي الله عنهما

- ‌(641) باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

- ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

- ‌(643) باب فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

- ‌(645) باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها

- ‌(646) باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌(647) باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌(648) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها

- ‌(649) باب من فضائل أم سليم وبلال رضي الله عنهما

- ‌(650) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما

- ‌(651) باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌(653) باب من فضائل أبي دجانة: سماك بن خرشة رضي الله عنه

- ‌(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما

- ‌(655) باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه

- ‌(656) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌(657) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(658) باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌(660) باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌(661) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌(662) باب من فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌(663) باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(664) باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌(665) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم

- ‌(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما

- ‌(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

- ‌(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌(669) باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم

- ‌(670) باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(671) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

- ‌(672) باب خيار الناس

- ‌(673) باب من فضائل نساء قريش

- ‌(674) باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله عنهم

- ‌(675) باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة

- ‌(676) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

- ‌(677) باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌(678) باب تحريم سب الصحابة

- ‌(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(680) باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌(681) باب فضل أهل عمان

- ‌(682) باب ذكر كذاب ثقيف

- ‌(683) باب فضل فارس

- ‌(684) باب بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة

- ‌كتاب البر والصلة والآداب

- ‌(685) باب بر الوالدين

- ‌(686) باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، وفضل بر الوالدين

- ‌(687) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

- ‌(688) باب تفسير البر والإثم

الفصل: ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

5337 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا أولى الناس بابن مريم. الأنبياء أولاد علات. وليس بيني وبينه نبي".

5338 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى. الأنبياء أبناء علات. وليس بيني وبين عيسى نبي".

5339 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، في الأولى والآخرة" قالوا: كيف؟ يا رسول الله! قال: "الأنبياء إخوة من علات. وأمهاتهم شتى. ودينهم واحد. فليس بيننا نبي".

5340 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان. فيستهل صارخا من نخسة الشيطان. إلا ابن مريم وأمه" ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}

5341 -

وفي رواية عن الزهري، بهذا الإسناد. وقالا:"يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مسة الشيطان إياه" وفي حديث شعيب "من مس الشيطان".

5342 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه، إلا مريم وابنها".

5343 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صياح المولود حين يقع، نزغة من الشيطان".

ص: 236

5344 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق. فقال له عيسى: سرقت؟ قال: كلا. والذي لا إله إلا هو! فقال عيسى: آمنت بالله. وكذبت نفسي".

-[المعنى العام]-

تحكي سورة مريم قصة حمل مريم لعيسى من غير أب، وتعجبها من هذا الحمل وهي غير بغي، وانتباذها بحملها مكانا قصيا، وكيف رزقها الله بطعامها وشرابها مدة حملها، وكيف جاءها المخاض إلى جذع النخلة، وقولها: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، وكيف بشرها ربها بغلام ذكي، يكون آية للناس ورحمة من الله، وكيف أمرت أن تقابل قومها ولا تتكلم معهم، وأن تطلب من طفلها أن يرد عليهم {فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله ءاتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} [مريم: 29 - 31] كان عيسى عليه السلام معجزة في ميلاده، معجزة في كلامه في المهد، على يديه في حياته ظهرت معجزات إحياء الموتى بإذن الله، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، في رسالته اختلف الأحزاب فيما بينهم - كما هو الشأن مع الأنبياء، طلب حواريوه مائدة من السماء، فدعا بها عيسى فنزلت، وعاداه آخرون، واتهموه بأنه ابن زنا. نعم كانت حياته معجزة، مغالاة وتطرف في الحب والتقديس، ومغالاة وتطرف في البغضاء والشحناء، عبده بعضهم وقالوا: إنه ابن الله، {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30] وحاربه آخرون، حتى وضعوا ونصبوا له الصليب ليقتلوه، وكان موته معجزة {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: 157 - 158] وما بعد موته معجزة، ينزل حاكما عادلا في آخر الزمان، كمسلم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقيم العدل، ويحارب الشرك والظلم، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، فأي علاقة هذه بينه وبين أخيه محمد بن عبد الله عليهما الصلاة والسلام، ومن أولى به من رسول الله رسول الإسلام؟

لقد عاش مثالا للزهد والإعراض عن الدنيا، مثالا للرحمة والتسامح والتواضع، مثالا للعفو والرفق، رأى سارقا يسرق مال غيره، رآه بعيني رأسه، طلبه فجاء، قال له: أنت سرقت ساعة كذا من مكان كذا. قال الرجل: لا. لم أسرق. والذي لا إله إلا هو.

فغلب التسامح العقوبة، وارتفع حسن الظن على السوء، وعلا الرفق والإحسان على المحاسبة والانتقام، فقال للرجل: آمنت بالله، وعظمته وقدسته، واستسلمت لحلفك به،

ص: 237

وكذبت نفسي وبصري وعيني، وكانت دعوته دائما {وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم} [آل عمران: 50 - 51].

-[المباحث العربية]-

(أنا أولى الناس بابن مريم) في الرواية الثانية "أنا أولى الناس بعيسى" وفي الرواية الثالثة "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة" أي أخص الناس به، وأقربهم إليه، لأنه بشر عليه السلام برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، فالاختصاص على هذا سببه معرفة الفضل لأهل الفضل، لكن الرواية الثالثة جعلت سبب هذا الاختصاص قرب العهد مع جامع الرسالة، فلفظها "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والأخرة، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي" ولا مانع من تعدد أسباب الاختصاص.

وقد استشكل على هذه الولاية بما جاء في القرآن الكريم، من قوله تعالى {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} [آل عمران: 68] قال الكرماني: التوفيق أن الحديث وارد في كونه صلى الله عليه وسلم متبوعا، والآية واردة في كونه تابعا. اهـ.

ولم يرتض الحافظ ابن حجر هذا التوفيق، فقال: إن مساق الحديث كمساق الآية، فلا دليل على هذه التفرقة، والحق أنه لا منافاة، ليحتاج إلى الجمع، فكما أنه أولى الناس بإبراهيم، كذلك هو أولى الناس بعيسى، ذاك من جهة قوة الاقتداء به، وهذا من جهة قوة قرب العهد به.

(الأنبياء أولاد علات) قال العلماء: أولاد العلات، بفتح العين وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى، أما الإخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان، فالعلات الضرائر، وأصله أن من تزوج امرأة، ثم تزوج أخرى، كأنه عل منها، والعلل الشرب بعد الشرب، وفي الرواية الثالثة "الأنبياء إخوة من علات، أي إخوة من أب، أي إخوة من ضرائر، وقد فسرته الرواية بقولها "وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد" فهو من باب التفسير، كقوله تعالى {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا} [المعارج: 19 - 21] ومعنى الحديث: إن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد، وإن اختلفت الفروع، وقيل المراد أزمنتهم مختلفة، فالمراد من وحدة الدين وحدة أصول التوحيد، وأصل طاعة الله تعالى.

(وليس بيني وبينه نبي) هذا ما أورده كالشاهد لقوله: إنه أقرب الناس إليه.

(ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخا من نخسة الشيطان) وفي ملحق الرواية الرابعة "ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مسة الشيطان إياه" وفي الرواية الخامسة "كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه" وفي الرواية السادسة "صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان" والنخس والنزغ الطعن، ومعنى حين يقع "أي حين يسقط من بطن أمه، والاستهلال الصياح، أي يصيح صارخا من الألم الناتج من مسة الشيطان،

ص: 238

وقد فسرت رواية البخاري هذا المس، ولفظها "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه، حين يولد" قال القرطبي: هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط.

(إلا ابن مريم وأمه) وفي الرواية الخامسة "إلا مريم وابنها" وفي رواية للبخاري "غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب" والمراد من الحجاب الجلدة التي فيها الجنين أي المشيمة، أو الثوب الملفوف على الطفل، والاقتصار على عيسى في هذه الرواية دفع بعضهم أن يقول عن روايات مريم وابنها: إنه من عطف التفسير، والمقصود الابن، كقولك: أعجبني زيد وكرمه، وحمل الحافظ ابن حجر على هذا القول: وقال: إنه تعسف شديد، وقال: يحتمل أن يكون هذا بالنسبة إلى المس، وذاك بالنسبة إلى الطعن في الجنب. اهـ. وهذا الاحتمال مستبعد، لأن الرواية التي اقتصرت على عيسى نفت الطعن، والتي ذكرتهما نفت المس عنهما، ونفي المس نفي للطعن، وكون مريم طعنت ولم تمس مستبعد.

قال: ويحتمل أن يكون ذاك قبل الإعلام بما زاد - يعني أعلم أولا بنفي الطعن والمس لعيسى، ثم أعلم آخرا بنفيهما عنه وعن أمه - قال: وفيه بعد، لأنه حديث واحد، وقد روي بلفظ "كل بني آدم قد طعن الشيطان فيه حين ولد، غير عيسى وأمه، جعل الله دون الطعنة حجابا، فأصاب الحجاب، ولم يصبهما" قال: والذي يظهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، والزيادة من الحافظ مقبولة.

(اقرءوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36]) هذه الجملة موقوفة على أبي هريرة، يستدل بها على حفظ الله مريم وابنها من الشيطان، ببركة دعوة أمها، ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى.

(فقال له: سرقت)؟ بحذف همزة الاستفهام، ليقر فيحاسبه، وقيل: خبر وإثبات.

(قال: كلا. والذي لا إله إلا هو) وفي رواية للبخاري "قال: كلا. والذي لا إله إلا الله" وفي رواية "قال: لا. والذي لا إله إلا هو".

(فقال عيسى: آمنت بالله، وكذبت نفسي) وفي رواية للبخاري "وكذبت عيني" بالتثنية، وبالإفراد، وفي رواية "وكذبت بصري"، و"كذبت" بتشديد الذال و"نفسي" و"عيني" مفعول، وفي رواية بتخفيف الذال وفتح الباء، و"نفسي" فاعل.

قال ابن التين: قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف، ولم يرد حقيقة تكذيب النفس أو العين في هذا، أي والعين قد تكذب.

وقيل: إنه أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم، لا باطن الأمر، وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين، فكيف يكذب عينه؟ ويصدق قول المدعي؟ أي وإن كنت موقنا باطنا بأنك سرقت، لكني أصدقك ظاهرا من أجل يمينك.

ويحتمل أنه رآه مد يده إلى الشيء، ولم يسرقه، فظن عيسى أنه سرقه، فلما حلف له أنه ما سرقه رجع عن ظنه، وصدقه.

ص: 239

وقال القرطبي: ظاهر قول عيسى للرجل: "سرقت" أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة، لكونه رآه أخذ مالا من حرز في خفية، وقول الرجل: كلا. نفي لذلك، وأكده باليمين، وقول عيسى: آمنت بالله، وكذبت عيني. أي صدقت من حلف بالله، وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل قد أخذ شيئا له فيه حق، أو شيئا أذن له صاحبه في أخذه، أو أخذه ليقلبه، وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء، قال: ويحتمل أن يكون عيسى كان غير جازم بذلك، وإنما أراد استفهامه، بقوله: سرقت؟ وتكون أداة الاستفهام محذوفة، وهو سائغ كثيرا. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: واحتمال الاستفهام بعيد، مع جزمه صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلا يسرق، قال: واحتمال كونه يحل له الأخذ بعيد أيضا، بهذا الجزم بعينه.

قال ابن القيم: والحق أن الله كان في قلب عيسى أجل من أن يحلف أحد كاذبا، فدار الأمر بين تهمة الحالف، وتهمة بصره، فرد التهمة إلى بصره، كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصح، قال الحافظ ابن حجر: وهذا متكلف أيضا. اهـ.

واستبعاد الحافظ ابن حجر للاستفهام مستبعد، لأن الاستفهام المجازي في استعمال العربية أكثر من الحقيقي، فقد يكون للتقرير، وقد يكون للتعجب، ولا يتعارض ذلك مع جزمه صلى الله عليه وسلم بأنه سرق، ولا مع إنكار الرجل، فكثيرا ما ينكر المتهم الواقع ويحلف، ولا مع تصديق عيسى له ظاهرا، وتسليمه له، فالقاضي لا يحكم بعلمه، ولم يظهر لي ما رجح عند الحافظ ابن حجر من الاحتمالات، وقد ردها جميعا، وعندي أن ما قاله ابن التين، وما قاله القرطبي محتمل، والله أعلم.

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من أحاديث الباب]-

1 -

تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم، وإعلان ارتباطه بإخوانه عليهم السلام.

2 -

فضيلة عيسى ابن مريم وأمه، وظاهر الأحاديث اختصاص هذه الميزة بهما، واختار القاضي عياض أن جميع الأنبياء يتشاركون فيها.

3 -

تسليط الله تعالى إبليس على ابن آدم من اللحظة الأولى في حياته.

4 -

أن صراخ الطفل عند ولادته من نخسة الشيطان.

5 -

أن السرقة محرمة في الديانات الأخرى.

6 -

أن بعض النصارى كانوا موحدين، لا يقولون بالتثليث.

7 -

استدل بموقف عيسى من السارق على درء الحدود بالشبهات.

8 -

واستدل به على منع القضاء بالعلم، قال الحافظ ابن حجر: والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا، وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود، وهذه الصورة من ذلك.

ص: 240

9 -

استدل بقوله "ليس بيني وبين عيسى نبي" على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين، وكانا بعد عيسى؟ قال: والجواب أن هذا الحديث يضعف ما ورد في ذلك، فإنه صحيح بلا تردد، وفي غيره مقال، أو المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة، وإنما بعث بعده من بعث بتقرير شريعة عيسى.

والله أعلم

ص: 241