الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته
5257 -
عن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم.
-[المعنى العام]-
يقول الله تعالى {وأنه هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] أي خلق في الإنسان الضحك والبكاء، فالضحك خاصة من خواص الإنسان، قد يشاركه فيه بقدر ضعيف بعض الحيوانات، وهو تعبير عن وجدان داخلي بالسرور أو الإعجاب أو الدهشة أو الرضا.
وكلما كان تعبيرا دقيقا عن درجة هذا الوجدان، وكلما كان صادقا مطابقا لهذا الشعور الداخلي كان مقبولا شرعا وعرفا فإن زاد، أو انحرف، بأن تكرر من غير سبب، كان علامة على قلة الأدب وإن كثر وزاد - ولو بسبب - أمات القلب، وصار عادة تغلب صاحبها عند عدم السبب.
وللضحك والابتسامة آداب وحدود، يحكم بها العرف والشرع، فالضحك استهزاء وسخرية ذميم، وضحك المرأة وابتسامتها للأجنبي مطمع فيها، والضحك في وقت الجد وأمام الكبراء غير حميد، والضحك في مواقف الحزن كريه ومعيب وزيادة الضحك عن حدودها، برفع الصوت واستمرار القهقهة كما يفعل الحشاشون والسكارى أمر مشين.
وما أحسن ما كان عليه صلى الله عليه وسلم، إذ كان يضحك في المناسبة وبقدر الحاجة، ولا يزيد على التبسم.
-[المباحث العربية]-
(قال: نعم. كثيرا) صفة لمفعول مطلق محذوف، والتقدير: كنت أجالسه جلوسا كثيرا.
(وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية) الضمير للصحابة الجالسين معه بعد الصلاة، والمراد بأمر الجاهلية أخبارها وأحوالها التي يمجها العقل، كمن صنع إلها له من عجوة فلما جاع أكله.
(فيضحكون، ويبتسم صلى الله عليه وسلم قال أهل اللغة: التبسم مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه، وانفراج الفم حتى تظهر الأسنان، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك، وهي الثنايا والأنياب وما يليها، وتسمى النواجذ جمع ناجذة، وهي الأضراس.
فالضحك يطلق على مراحل إظهار السرور في الوجه، وتبدأ بانبساط الأسارير، وانبساط الشفتين دون فتحهما، وبدون صوت يسمعه من بجوارك، المرحلة الثانية تزيد على الأولى انفتاح الشفتين دون ظهور الأسنان، المرحلة الثالثة كالثانية مع ظهور الرباعيات، أي الأسنان الأربع الأمامية علويا وسفليا، المرحلة الرابعة ظهور الأنياب، المرحلة الخامسة ظهور الأضراس، المرحلة السادسة ظهور اللهوات، جمع لهاة، وهي اللحمة المشرفة على الحلق، وتطلق على الجزء الأخير من سقف الحلق، المطبق على الفك الأسفل، وكل هذه المراحل الست تدخل في التبسم، ما دامت بلا صوت يسمع، فإن صاحبها صوت ضحك فهي القهقهة، ولو كانت بدون فتح الشفتين، فكل ابتسامة ضحك، وليس كل ضحك ابتساما.
وكل ما حصل منه صلى الله عليه وسلم ابتسام بمراحله الست، كما سنوضح ذلك في فقه الحديث، ولم يحصل منه قهقهة أصلا، ففي البخاري "وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم".
-[فقه الحديث]-
كان الأغلب في أحواله صلى الله عليه وسلم التبسم بالمراحل الثلاث الأوليات، وقلما استعمل المرحلة الرابعة والخامسة وندر استعماله للمرحلة السادسة، ويحمل وصفه صلى الله عليه وسلم بالضحك أو التبسم على المرحلة الأولى والثانية والثالثة، كل حسب المقام، كما في حديث الأعرابي الذي جذبه من ثوبه، حتى أثر الجذب في صفحة عنقه صلى الله عليه وسلم، وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، فضحك، ثم أمر له بعطاء" وكما في حديثنا، وحين المبالغة في التبسم تذكر المرحلة، وينص عليها غالبا، ففي حديث الرجل الذي جامع في رمضان، حين قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، "ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه" وفي رواية "حتى بدت أنيابه" نعم في حديث لعائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيه صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا، حتى أرى منه لهواته" فنفت عنه المرحلة السادسة، لكن قال ابن بطال: المثبت مقدم على النافي.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم - أي في مراحله الثلاث الأخيرة - قال: والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه، أو الإفراط فيه، لأنه يذهب الوقار، قال ابن بطال: والذي ينبغي أن يقتدى به من فعله، ما واظب عليه من ذلك، فقد روى البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه من وجهين عن أبي هريرة، رفعه "لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 -
استحباب الذكر بعد صلاة الصبح.
2 -
وملازمة مجلس صلاة الصبح ما لم يكن عذر، قال القاضي: هذه سنة، كان السلف وأهل العلم يفعلونها، ويقتصرون في ذلك الوقت على الذكر والدعاء، حتى تطلع الشمس.
3 -
جواز الحديث بأخبار الجاهلية وغيرها من الأمم.
4 -
وجواز الضحك المحدود، فقد أقر صلى الله عليه وسلم صحابته على ضحكهم، والمكروه إكثاره، وهو في أهل المراتب والعلم أقبح.
5 -
حسن عشرته صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم