الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرافة (1).
وقد استطاع لذريق، أن يقضي على كل أمل لأبناء غيطشة وأنصارهم، بعد أن استمر يوالي غزوهم أشهراً متتابعة، فاستتب له الأمر من ناحيتهم، وأوشك أن يستتب له الأمر في سائر البلاد.
د - أحوال إسبانيا تحت حكم القوط:
لم يغير القوط شيئاً كثيراً من أحوال المجتمع الإسباني في العصر الروماني: ظلت الأرستقراطية الرومانية القديمة على عهدها من الغنى والسيطرة على الناس، وظل الأحرار من أهل المدن والتجار وأصحاب المزارع الصغيرة يعيشون تحت رحمة الأقوياء في حال هي وسط بين الحرية والرق، وظلت بقية أهل البلاد رقيق أرض أو عبيداً يشْقَون في سبيل الأقلية الغنية المسيطرة. وقد ائتلف الأغنياء مع القوط، لكي يحتفظو بأملاكهم، واستقر نفر كبير من هؤلاء بالمزارع واشتغلوا بالزراعة، وإن بقيت أغلبيتهم تقيم في المدن في معسكرات تعيش على إتاوات وضرائب فرضوها على الزراع وضعاف أهل المدن، حتى ساء أمرهم كثيراً.
ولم يكن القوط كثيرين، ولم يكن بهم ميل إلى المشاركة في صناعة أو زراعة، فظلوا غرباء عن البلاد في الغالب، ولم يخلِّفوا فيها من الآثار بما يمكن مقارنته بما خلفه الفرنجة في فرنسة مثلا.
ولم تنعم البلاد في حكم القوط بنصيب كبير من الطمأنينة والرخاء، لأن العصر كله كان عصر اضطراب وفوضى في أوروبة كلها لا في إسبانيا وحدها. وانهارت في نواحي غرب أوروبة قواعد المجتمع الروماني الثابت القديم، الذي كان يقوم على تقسيم الأرض بين الدولة وطائفة من كبار الأغنياء المقيمين في الريف، ثم تأجيرها بعد ذلك للفلاحين يزرعونها ويؤدون عنها
(1) نفح الطيب (1/ 247 - 248)، وقد أورد معظم مؤرخي المسلمين هذه الأسطورة، وانظر: Saavedra. op.cit. pp. 40-43
مالاً، وكان معظم الأرض تابعاً للدولة، فكانت تزرعه بوساطة الفلاحين الأحرار أو العبيد. فلما طال الزمن، واستمر كل فلاح يزرع نفس القطعة من الأرض سنة بعد سنة، نشأت بينه وبينها صلة هي أقرب ما تكون إلى صلة الملكية. فلما أقبل البرابرة، واستولوا على أرض الدولة، آلت إليهم أملاكها، وبهذا تعرض حق هؤلاء الزرّاع الأحرار في أرضهم للضياع، وغصب البرابرة من الكثير منهم أرضه واستقروا فيها، وأجبروه على زراعتها، كأنه عبد لهم أو قنّ، ولجأ بعضهم إلى مالك غني مجاور تنازلوا له عن أرضهم في سبيل حمايتهم من الغاصبين القادمين. وشاعت هذه الطريقة وعمت، ونشأت عنها طبقة اجتماعية جديدة، هي طبقة المحميين ( Buccellarii) ، وكان القانون يعتبرهم أحراراً، ولكن التزاماتهم حيال الأغنياء الذين كانوا يحمونهم، جعلتهم في الواقع في مراتب التابعين والعبيد.
وأقام القوط في إسبانيا حكومة عسكرية انتخابية، يؤيدها الأشراف وملاك الأرض من القوط وأهل البلاد الأصليين على السواء. واستمروا يدبرون شئون البلاد بنفس النظام الروماني القديم: ظلت البلاد مقسّمة إلى أقاليم ومدن، وكان يحكم كل إقليم دوق، وكل مدينة كونت، وكان كل من هؤلاء الحكام يستعين بطائفة صغيرة أو كبيرة من الموظفين، يقومون بما تحتاج إليه حكومة الناحية، في النواحي المالية والقضائية والحربية، وكان هؤلاء الموظفون طبقات، تختلف بحسب العمل الذي يقوم به كل منهم.
وكان الملك يحكم حكماً استبدادياً، أي منفرداً برأيه، يقضي في شئون البلاد كما يشاء. وكان له مجلس من النبلاء، يساعده في كل شيء، ولكن الملوك استبدوا بالأمر حتى لم يعد لهذا المجلس ظل من السلطان، فكان الملوك يصدرون القوانين وينفذونها، ويقضون في الأحكام بما يريدون. وكان المفروض أن ينتخب الملك من بين هؤلاء النبلاء، ولكن العادة جرت أن يعتلي العرش أقواهم بحد ............................................