الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معروفة، ومنه: الحياة المستمرة للشهداء والأجر العظيم للمجاهدين. وكان المسلمون يومئذ يقودهم: أكثرهم تديناً، وأعظمهم كفاية، وأفضلهم سجايا، وأحمدهم سيرة، لذلك كانت الثقة بين الرئيس والمرءوس متبادلة، والتعاون بين القادة والجنود وثيقاً. وكانت الانتصارات باهرة، بفضل العقيدة المنشئة البنّاءة والقيادة الرصيفة القادرة. لذلك كانت عوامل تيسّر المعنويات العالية بين جيوش المسلمين واضحة للعيان، وهي التي يسّرت النصر منذ إنزال قواته على البر الأندلسي، إلى قبل المعركة الحاسمة بسبعة آلاف مجاهد فقط، ويسّرت له النصر على لذريق ومَن معه في المعركة الحاسمة، وكانوا في نحو مائة ألف مقاتل إلى ثمانين ألف مقاتل بجيش من المسلمين تعداده اثنا عشر ألفاً، ويسّرت له فتح المنطقة الأندلسية الممتدة من منطقة وادي لَكّهْ إلى طليطلة بقواته التي تبلغ تسعة آلاف مجاهد، وكان لمعنويات المسلمين وإدامتها أثر حاسم في إحراز هذه الانتصارات (1).
ط - الأمور الإدارية
(2):
مهما تكن خطة العمليات دقيقة مرنة معقولة، فلا تؤتي ثمراتها المرتقبة إذا تعذر تنفيذها من الوجهة الإدارية، بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك بالقول: إن نجاح كل خطة من خطط العمليات مرهون بنجاح خطتها الإدارية
والواقع أن القوط كانوا متفوقين إدارياً على المسلمين، فأرزاقهم وكساؤهم ومساكنهم متيسرة بشكل أفضل مما هي متيسرة لدى المسلمين، لأن القوط يقاتلون في بلادهم، والمسلمون يقاتلون بعيداً عن بلادهم.
وكانت وسائط تنقل القوط أفضل مما كان بحوزة المسلمين منها، وبخاصة
(1) أنظر التفاصيل في بحث: المعنويات (13 - 28) في كتابنا: الإسلام والنّصر- بيروت - دار الفكر - 1392 هـ.
(2)
الأمور الإدارية: الغذاء، الكساء، السّكن، الطبابة، البيطرة، التنقل، السّلاح، التجهيزات
…
الخ ..
قبل خوض المسلمين معركة الأندلس الحاسمة في وادي لَكُّهْ، فاستعان المسلمون بمراكب يُليان للعبور، وغنم المسلمون خيول القوط، فأصبحوا فرساناً بعد المعركة الحاسمة، وكان أكثرهم قبلها من المشاة. كما استغنى المسلمون في عبور المدد الذي بعث به موسى إلى طارق، عن سفن يُليان، وعبروا بالسفن التي صنعها لهم موسى في مصانع السفن بتونس.
وكان كل مجاهد يتسلم أسلحته الخاصة به التي تعود إليه ملكيتها، كما كان يتجهز بالملابس الخاصة به أيضاً. ومع ذلك كان لدى كل قائد مستودع للسلاح والتجهيزات، يُسلِّح بها مَن لا يستطيع أن يسلح نفسه، ويجهّز بها مَن لا يستطيع أن يجهِّز نفسه بما يحتاج من تجهيزات، وغالباً ما يكون هؤلاء من فقراء المسلمين المعدمين، الذين لم يسلِّحهم ويجهِّزهم أغنياء المسلمين، فقد كان الأغنياء يجاهدون بأموالهم كما يجاهدون بأنفسهم، ومن الجهاد بالأموال تسليح الغُزاة وتجهيزهم وحملهم أيضاً.
وكانت مشكلة الغذاء بالنسبة للمسلمين غير معقّدة، فقد كانوا يكتفون بأبسط الغذاء كالتمر والسَّوِيْق (1)، فإذا غنموا ما يؤكل نعموا به، وإلاّ صبروا. أما السّكن، فكانت الخيمة كافية لهم، فهي مسكنهم في الصحراء وفي التنقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، فإذا وجدوا سكناً مريحاً آووا إليه، وإذا لم يجدوا كانت الخيام هي المأوى.
وكان في جيش المسلمين عامة مَن يداوي الجرحى ويسهر على شفائهم، وبخاصة من نساء المجاهدين. وكان هناك مَن يداوي حيوانات المجاهدين من البياطرة، الذين مارسوا معالجة الحيوانات مدة من الزمن وراثياً مع آبائهم وأجدادهم، أو بالتعلّم من الذين يمتهنون البيطرة.
لقد كانت الأمور الإدارية، بصورة عامة، في جيش المسلمين، أقل كفاية وإتقاناً، مما هي عليه في جيش القوط، ولكنها لم تكن مهملة في جيش
(1) السّويق: طعام يتّخذ من مدقوق الحنطة والشّعير، سُمي بذلك لانسياقه في الحلق. (ج): أسْوِقَة.