الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح الأندلس
1 - الموقف العام:
أكمل عمرو بن العاص بمعاونة عُقبة بن نافع الفهري فتح لِيبْيَا كلها سنة اثنتين وعشرين الهجرية (1)(642 م). وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب: "إنّا قد بلغنا طرابلس، وبينها وبين إفريقية (تونس) تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها، فعل"، فكتب إليه عمر ينهاه ويأمره بالوقوف عند هذا الحد، فعاد إلى مصر مكرَهاً بعد أن استخلف على ليبيا عُقْبة بن نافع الفِهْرِي، الذي صار إليه بعد ذلك فتح المغرب (2).
وتولى عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح القرشي العامري (3) مصر لعمرو بن العاص، ففتح إفريقية.
وخلفه معاوية بن حُدَيج السّكوني (4)، فأكمل فتح إفريقية. وخلفه عقبة بن نافع (5)، ففتح حتى المحيط الأطلسي، ولكن فتحه القريب من المحيط لم يكن فتحاً مستداماً، واستُشهد عقبة في ميادين الفتح.
وخلف أبو المهاجر دينار (6) عقبة بن نافع، ففتح أبو المهاجر المغرب الأوسط (الجزائر).
وخلف زهير بن قيس البُلَوِي (7) أبا المهاجر، فعزّز الفتح في إفريقية، وانتصر على البربر انتصاراً سَوقِياً، ولكنه استشهد في ميادين الفتح.
(1) ابن الأثير (3/ 25 - 26) والعبر (1/ 26).
(2)
البلاذري (316) واليعقوبي (2/ 134).
(3)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 51 - 74).
(4)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 75 - 89).
(5)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 90 - 136).
(6)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 137 - 149).
(7)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 150 - 170).
وخلف حسّان بن النعمان الغسّاني (1) زهيراً ففتح قَرْطاجَنّة وفاس وانتصر على الروم في معركة سَوْقِيّة حاسمة.
وجاء موسى بن نصير (2) خلفاً لحسان، فأكمل فتح المغرب الأقصى، وفتح طنجة عَنْوَة، وفتح سبتة صلحاً.
وكان فتح طنجة سنة تسع وثمانين الهجرية (709 م)، وفي هذه السنة مات غيطشة، وتولى مكانه لذريق على الأندلس، وكان على سبتة يُلْيَان الذي قاوم بنجاح موسى وردّه عن فتح سبتة بمعاونة غيطشة الذي كان يمده بكل ما يحتاج إليه للثبات أمام المسلمين الفاتحين. فلما مات غيطشة، لم تصل إلى يليان مِن خلفه الإمدادات، فلم يبق أمامه من خيار غير الاستسلام للمسلمين الفاتحين، فسلم سبتة صلحاً لطارق بن زياد وطنجة لموسى بن نصير.
وكان فتح الأندلس، نتيجة طبيعية لتمام فتح المغرب، لأن الأندلس هو الجناح الغربي للمغرب (3)، ولأن الأندلس كان المجال الحيوي للفتح الإسلامي بعد إنجاز فتح المغرب الإفريقي، واستقرار الفتح فيه بانتشار العرب والإسلام في ربوعه، وبوجود القوة الضاربة بيد العرب المسلمين والبربر المسلمين الفاتحين على البر المغربي.
وبين الأندلس والبر المغربي الإفريقي - الذي فتحه المسلمون - بحر المجاز، عرضه ما بين طنجة والبر الأندلسي ثمانية عشر ميلاً، وهو عرضه أيضا بين جزيرة طريف على البر الأندلسي وسبتة على البر المغربي الإفريقي، ويعرف هذا الموضع بالزقاق، وبحر المجاز هو الذي يصل البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي (4)، وهذا المجاز هو الذي يفصل بين المسلمين الفاتحين من جهة، وأهل الأندلس من جهة ثانية. ولكي يحمي
(1) انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 172 - 220).
(2)
انظر سيرته المفصلة في كتاب: قادة فتح المغرب العربي (1/ 221 - 309).
(3)
المسالك والممالك للأصطخري (33).
(4)
نفح الطيب (1/ 145 - 146).
المسلمون ما فتحوه في المغرب من أهل الأندلس والقوط الذين يحكمونها، كان لابد لهم من فتح الأندلس، لحماية البر الإفريقي في شمالي إفريقية، فقد رأينا طنجة وسبتة قبل فتحهما تحت حكم الأندلس، فقد كان يليان عامل لذريق على سبتة (1):"ثم ساروا إلى مدائن على شط البحر، فيها عمال لصاحب الأندلس، قد غلبوا عليها، وعلى ما حولها، ورأس تلك المدائن سبتة، وعليها علج يسمى: يليان، قاتله موسى، فألفاه في نجدة وقوة وعدّة فلم يُطِقْهُ، فرجع إلى مدينة طنجة، فأقام بمن معه، وأخذ بالغارات على ما حولهم والتضييق عليهم، والسفن تختلف إليهم بالميرة والإمداد من الأندلس من قبل ملكها غيطشة، فهم يذبّون عن حريمهم ذباً شديداً، ويحمون بلادهم حماية تامة، إلى أن هلك غيطشة، فاضطرب حبل أهل الأندلس .. "(2) هكذا كانت العلاقة وثيقة للغاية بين ولاية سبتة وطنجة وغيرهما مع مملكة القوط في الأندلس، وكان التعاون بين الطرفين وثيقاً، ومنذ أقدم العصور، إذا كان الحكم في الأندلس قوياً، سيطر على المدن الإفريقية المواجهة لساحل الأندلس، وإذا كان الحكم فيها ضعيفاً سيطر البر الإفريقي على الأندلس أو على جزء منها، والهدف هو حماية الأندلس بالسيطرة على مدن الساحل الإفريقي، لتكون الخط الدفاعي الأول عن البر الأندلسي، وحماية البر الإفريقي من حكام الأندلس، بفتح الأندلس، كما فعل المسلمون الفاتحون، فلا بد من أن يكون أحد الطرفين مسيطراً على الطرف الثاني.
إن الهدف من فتح الأندلس، هو ترصين الفتح الإسلامي في شمالي إفريقية بعامة وفي ولايتي طنجة وسبتة بخاصة.
أما الهدف الثاني من الفتح، فهو نشر الإسلام في ربوعها وإعلاء كلمة الله فيها. إن الفاتحين حملوا إلى الناس الإسلام بالفتح، ولم يحملوا الناس بالفتح على الإسلام.
(1) نفح الطيب (1/ 251).
(2)
نفح الطيب (1/ 250).
وقد كان الروم قد اتخذوا من جزيرة صِقِلِّيَة قاعدة أمامية متقدمة لهم، ينطلقون منها للتعرض بالساحل الإفريقي المقابل لها، فأمر موسى بن نصير بالتأهب لركوب البحر، وأعلمهم أنه راكب بنفسه، فرغب الناس وتسارعوا، فلم يبق شريف ممن كان معه إلاّ وقد ركب الفلك وعقد موسى لواء هذه الغزوة لابنه عبد الله بن موسى، وأمّره على رجالها، وولاّه عليهم، ثم أمره أن يتوجه إلى صقلية. وإنما أراد موسى بما أراد من سيره في هذه الحملة أن يركب أهل الجلد والحماية والنكاية والشرف، فسميت هذه الغزوة غزوة الأشراف (1)، وكان ذلك سنة خمس وثمانين الهجرية (705 م).
وفي سنة سبع وثمانين الهجرية (707 م)، أغزى موسى ابنه عبد الله جزيرة سَرْدَينيا (2) فغنم وعاد سالماً غانماً.
وكانت هاتان الغزوتان لحماية الساحل الإفريقي من غزو الروم من قواعدهم البحرية في هاتين الجزيرتين.
وبعد أن أنجز موسى بن نصير استعادة فتح المغرب الأوسط، وأكمل فتح المغرب الأقصى، وفتح طنجة، أصبحت السواحل المغربية المواجهة لبعض جزر البحر الأبيض المتوسط وللأندلس، معرضة لهجمات الروم، لغرض استعادة تلك المناطق المغربية الغنية إلى سيطرتهم من جديد، ومعرضة لهجمات من القوط الذين يحكمون الأندلس، لغرض إبعاد المسلمين الفاتحين عن بلادهم بطردهم من السواحل المغربية القريبة منهم، وحماية الأندلس من غزو المسلمين المتوقع لها، ومحاولة فتحها.
وكان من جزر البحر التي اتخذها الروم والقوط قواعد لهم متقدمة: جزيرتا مَيُورُقة ومَنُوْرَقة، وهما جزيرتان في البحر الأبيض المتوسط، بين صقلية وشبه جزيرة .............................................. ........
(1) الإمامة والسياسة (2/ 70 - 71).
(2)
النجوم الزاهرة (1/ 216)، وانظر العبر (1/ 104) وشذرات الذهب (1/ 98) والبداية والنهاية (6/ 77).