الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
"أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس ثمّ والله إلاّ الصدق والصبر، فإنهما لا يُغلبان، وهما جندان منصوران، ولا تضرّ معهما قِلَّة، ولا تنفع مع الخور والكسل والفشل والاختلاف والعجب كثرة. أيها الناس، ما فعلت من شيءٍ فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثمّ كونوا كهيئة رجل واحد في القتال. ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أتهيّبه حتى أُخالطه أو أقتل دونه (1)، فإن قُتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وتولوا الدّبر لعدوِّكم، فتبدّدوا بين قتيل وأسير. وإياكم أن ترضوا بالدنيّة، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة، والراحة من المهنة والذلّة، وما قد أُجِّل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا والله معكم ومعيذكم تبوؤون بالخسران المبين، وسوء الحديث غداً بين مَن عرفكم من المسلمين. وها أنا ذا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي "(2)، فحمل وحملوا.
(3)
نص أبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ)
في كتابه
سراج الملوك
ذكر هذا العالم الحجة خطبة طارق، مسلِّماً لها، غير شاعر بأدنى شك في صحة نسبتها إليه. وأورد طرفاً منها، وذلك في الباب الحادي والستين من كتابه المذكور، الذي عقده لذكر الحروب وتدبيرها وحيلها وأحكامها (3).
(1) في الأصل: (وأقتل)، وهو تصحيف.
(2)
الإمامة والسياسة (2/ 74) - القاهرة - 1377 هـ - ط2.
(3)
الأُستاذ عبد الله كنون - مجلة دعوة الحق - العدد السادس والسابع - صفر 1388 هـ =
وهذا هو نص الخطبة في هذا الكتاب.
ولما عبر طارق مولى موسى بن نُصير إلى بلاد الأندلس ليفتحها، وموسى إذ ذاك بإفريقية، خرجوا في الجزيرة الخضراء، وتحصنوا في الجبل الذي يسمى اليوم:(جبل طارق)، وهم في ألفٍ وتسعمائة رجل، فطمعت الرّوم فيهم. فاقتتلوا ثلاثة أيام، وكان على الرّوم تدمير، استخلفه لذريق ملك الرّوم، وكان قد كتب إلى لذريق يُعلمه: أنّ قوماً لا ندري أمن الأرض أم من السّماء قد وصلوا إلى بلادنا، وقد لقيتهم، فانهض إليّ بنفسك. فأتاه لذريق في تسعين ألف عنان، فلقيهم طارق وعلى خيله مُغِيث الرُّومي مولى للوليد بن عبد الملك، فاقتتلوا ثلاثة أيام أشد قتال. فرأى طارق ما الناس فيه من الشدة، فقام فحضّهم على الصبر، ورغّبهم في الشهادة، وبسط آمالهم، ثمّ قال:"أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس إلاّ الصبر منكم والنصر من ربكم. وأنا فاعل شيئاً، فافعلوا كفعلي، فوالله لأقصدنّ طاغيتهم، فإمّا أن أقتله، وإما أن أُقتل دونه .. "(1).
= ص:111.
(1)
سراج الملك (159) المطبعة الأزهرية بالقاهرة، نقلاً عن مجلة دعوة الحق - العددان السادس والسابع ص:111.