المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويديرون مناطقهم في السلام، ويدافعون عنها في الحرب، فهو في - قادة فتح الأندلس - جـ ١

[محمود شيت خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌الأندلس وما جاورهاوجزر البحر الأبيض المتوسطقبل الفتح الإسلاميّ وفي أيامه

- ‌الموقع والحدود

- ‌1 - الأندلس

- ‌أ - الموقع:

- ‌ب - مصطلح الأندلس ومدلوله:

- ‌2 - المدن

- ‌1 - جزيرة طَرِيْف Tarifa:

- ‌2 - الجزيرة الخضراء Algeciras:

- ‌3 - طُلَيْطِلة Toledo:

- ‌3 - قَرْطَاجَنَّة الجزيرة Cartagena:

- ‌4 - بَنْبُلُونَة Pamplona:

- ‌5 - قُرْطُبَة Cordova:

- ‌6 - شَقُنْدَة Secunda:

- ‌7 - شَذُوْنَة Sidonia:

- ‌8 - إسْتِجَة Ecija:

- ‌9 - قَادِس Cadiz:

- ‌10 - مُرْسِيَة Murcia:

- ‌11 - شَرِيش Xeres - Jerez:

- ‌12 - المَدُوْر، Almodovar:

- ‌13 - إِشْبِيْلِيَة Sevilla ، Seville:

- ‌14 - مَالَقَة Malaga:

- ‌15 - إِلْبِيْرَة Elvira:

- ‌16 - غَرْنَاطة Granada:

- ‌17 - تُدْمِيْر Tudmir:

- ‌18 - أُوْرْيُوْلَة Orihuela:

- ‌19 - جَيَّان Jaen:

- ‌20 - جِلِّيْقِيَّة Galicia:

- ‌21 - أسْتُرْقَة Astorga:

- ‌22 - طَلَبِيْرَة Talavera:

- ‌23 - أَكْشُوْنُبَة Ocsonoba:

- ‌24 - قَرْمُوْنَة Carmona:

- ‌25 - رَعواق Alcala Guadaira:

- ‌26 - لَبْلَة Niebla:

- ‌27 - بَاجَة Beja:

- ‌28 - مَارِدَة Merida:

- ‌29 - لَقَنْت Alicante:

- ‌30 - قَشْتَالَة Castile - Castilla:

- ‌31 - سَرَقُسْطَة Zaragoza:

- ‌32 - وَشْقَة Huesca:

- ‌33 - لارِدَة Larida:

- ‌34 - طَرَّكُوْنَة Tarragna:

- ‌35 - بَرْشَلُوْنَة Barcelona:

- ‌36 - أماية Amaya:

- ‌37 - لِيُوْن Leon:

- ‌38 - بَلَنْسِيَة Valencia:

- ‌39 - أُرْبُوْنَة Narbonne:

- ‌40 - قَرْقَشُوْنَة Carcassone:

- ‌41 - بَلانة Villena:

- ‌42 - مُوْلَة Mula:

- ‌43 - بسْقَرَة Bigastre:

- ‌44 - إِلُة Ello:

- ‌45 - لُوْرَقَة Lorca:

- ‌46 - يَابُرَة Evora:

- ‌47 - شَنْتَرِيْن Santarein - Santaren:

- ‌48 - قُلُمْرِيَّة Coimira:

- ‌49 - أَشْتُورِش Austurias:

- ‌50 - لشبونة Lisbon:

- ‌51 - بَطَلْيُوْس Badjoz:

- ‌52 - مدينة وَلِيْد Valladolid:

- ‌53 - المَرِيَّة Almeria:

- ‌54 - وادي الحجارة = مدينة الفَرَج Guadalajara:

- ‌55 - مدينة سالم Medinaceli:

- ‌56 - دَانِيَة Dania:

- ‌57 - تُطِيْلَة Tadela:

- ‌58 - طَرْطُوْشَة Tortosa:

- ‌59 - شَنْت يَاقُب Santiago:

- ‌60 - سَلْمَنْكَة Salmanca:

- ‌61 - قُوْرِيَّة Coria:

- ‌62 - بَرْغَش Burgos:

- ‌63 - قَسْطَلُوْنَة Castallon:

- ‌64 - أُسْتُوْرِيْس Asturias:

- ‌65 - أُبَّدَة Ubeda:

- ‌66 - بَيَّاسَة Baeza:

- ‌67 - بَرْبُشْتَر Berbastro:

- ‌68 - بَرْبَطانِيَة Boltania:

- ‌69 - بُبَشْتَر Bobastro:

- ‌70 - بَقِيْرَة Viguera:

- ‌71 - بَرْمِنَّش Bermndo:

- ‌72 - قَبْرَة Cabra:

- ‌73 - بَيَّانَة Bayanne:

- ‌74 - قَلَهُرَّة Calahorra:

- ‌75 - قلعة أيوب Calatayud:

- ‌76 - قلعة رَباح Calatrava:

- ‌77 - جبل طارق Gibraltar:

- ‌78 - المُُنَكَّب Almunacar:

- ‌79 - شَوْذَر Jodar:

- ‌80 - مَجْرِيْط (مدريد الآن) Magerit:

- ‌81 - مِيْرتُلَة Mertola:

- ‌82 - مُنْت شُوْن Monzon:

- ‌83 - مُنْت لُوّن Mentileon:

- ‌84 - تُرْجِيْلَة Trujillo:

- ‌85 - شَنْتَمَرِيَّة الشَّرق Santa Maria de Albarracin:

- ‌86 - شَنْتَمَرِيَّة الغرب Santa Maria de Algarve:

- ‌87 - شَنْتَبَرِيَّة Santaver:

- ‌88 - طُولوز Toulouse:

- ‌89 - شَاطِبَة Xativa - Jativa:

- ‌90 - طُرُّش Torrox:

- ‌91 - بُرْذِيل (بوردو الآن) Bordeaux:

- ‌92 - الأرض الكبيرة:

- ‌93 - المنارة: برج هِرَقْل Torre de Hercules:

- ‌94 - بَرْبَشْتَر Berbastro:

- ‌95 - أُقْلِيش Acles:

- ‌96 - قوْنْكَة Ceuenca:

- ‌97 - البَسِيْطَة Albacete:

- ‌98 - شَنْتَجَالَة Chinchilla:

- ‌99 - ليون Leon:

- ‌100 - طَلَمَنْكَة Salamanqua:

- ‌101 - زَمُّوْرَة Zamora:

- ‌102 - كُوْرْنِيَّة Corigna:

- ‌103 - الحُمَّة Alhoma:

- ‌104 - أراغون Aragon:

- ‌105 - نبارة (نافار) Navarre:

- ‌106 - تِرُوْل Teruel:

- ‌107 - جَرِيْقَة Gerica:

- ‌3 - الثّغور الأندلسيّة

- ‌أ - الثّغر الأعلى:

- ‌ب - الثغر الأوسط:

- ‌ج - الثغر الأدنى:

- ‌4 - جبال الأندلس

- ‌5 - الأنهار

- ‌أ - نهر إبْرُهْ Ebro:

- ‌ب - الوادي الكبير Guadilquivir:

- ‌ج - نهر تَاجُهْ Togo:

- ‌د - النهر الأبيض:

- ‌و - المجمل:

- ‌السكان

- ‌الموارد الاقتصادية

- ‌1 - المناخ العام:

- ‌2 - الموارد الزراعية والحيوانية:

- ‌3 - المعادن والأحجار الكريمة:

- ‌4 - المصنوعات الأندلسيّة والتّصدير:

- ‌تاريخ الأندلس قبل الفتح الإسلاميوفي أيامه الأولى

- ‌1 - في أوروبا وإفريقيَّة

- ‌أ - البرابرة:

- ‌ب - أجناسهم وممالكهم:

- ‌ح - وصولهم إلى أوروبّة:

- ‌د - القوط الغربيون في إيطاليا:

- ‌هـ - في إسبانيا:

- ‌و- الفاندال في إفريقية:

- ‌ز - سقوط رومة:

- ‌ج - مقتل آدوفاكر:

- ‌ط - اضطراب أحوال الفاندال:

- ‌ي - القوط الغربيون في إسبانيا:

- ‌ك - الفرنجة في فرنسة:

- ‌ل - الهيطل (الهون):

- ‌م - الخلاصة:

- ‌2 - في إسبانيا

- ‌أ - القوط الغربيون في أواخر أيامهم:

- ‌ب - دولة القوط الغربيين في إسبانيا:

- ‌ج - لُذَرِيق:

- ‌د - أحوال إسبانيا تحت حكم القوط:

- ‌هـ - مجلس طُلَيْطُلَة:

- ‌و- المجتمع الإسباني أيام القوط:

- ‌ز - الحالة الثقافية:

- ‌يُلْيَان

- ‌1 - شخصيته:

- ‌2 - يليان والمسلمون الفاتحون:

- ‌فتح الأندلس

- ‌1 - الموقف العام:

- ‌2 - فتح طَرِيْف:

- ‌3 - فتح طارق بن زياد:

- ‌4 - الفتح المشترك بين موسى وطارق:

- ‌5 - فتح موسى بن نصير:

- ‌6 - فتح مغيث الرومي:

- ‌7 - فتح عبد العزيز بن موسى بن نصير:

- ‌8 - فتح عبد الأعلى بن موسى بن نصير:

- ‌9 - فتح عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌10 - فتح السمح بن مالك الخولاني:

- ‌عبرة الفتح

- ‌1 - التوقيت:

- ‌2 - أسباب النصر:

- ‌حضارة العرب والمسلمين في الأندلس

- ‌1 - الجذور:

- ‌2 - العرب في أوج مجدهم:

- ‌3 - مدينة النور والحب:

- ‌4 - علوم العرب وآدابهم:

- ‌الكارثة

- ‌طارق بن زيادفاتح شطر الأنْدلُس

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌في فتح طنْجَة

- ‌1 - مقدمات الفتح

- ‌أ - الأسباب:

- ‌ب - الاستطلاع:

- ‌2 - الفتح

- ‌أ - الخطّة العامَّة:

- ‌ب - المناوشات التمهيدية:

- ‌أ - الموقف العام:

- ‌أولاً: موقف القُوْط:

- ‌ثانياً. موقف المسلمين:

- ‌4 - خطبة طارق وحرق السُّفن

- ‌أ - الخطبة:

- ‌أولاً: الرّفض:

- ‌ثانياً: القبول:

- ‌ثالث‌‌اً. في المصادروالمراجع:

- ‌اً. في المصادر

- ‌نص ابن حبيبعبد الملك بن حبيب الألبيري (ت 238 هـ)في كتابه استفتاح الأندلس

- ‌ نص ابن قُتَيبة (ت 276 هـ)في كتابهالإمامة والسياسة

- ‌نص أبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ)في كتابهسراج الملوك

- ‌نص أبي محمد بن إبراهيم (ابن خيرة) المراعينيالأشبيلي (ت 564 هـ)في كتابهريحان الألباب وريعان الشبابفي مراتب الآداب

- ‌نص ابن خلكّان (ت 681 هـ)في كتابهوفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان

- ‌نصّ ابن الشباط (ت 681 هـ)محمد بن علي بن محمد بن الشباط المصري التوزريفي كتابه صلة السّمط وسمة المرط في شرح سمط الهدىفي الفخر المحمّديّ

- ‌نصّ ابن هُذَيْل (ت 763 هـ)علي بن عبد الرحمن بن هُذَيْلفي كتابهتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس

- ‌نصّ المقَّرِي (ت 1041 هـ)أحمد بن محمد المقّري التِلمِسانيفي كتابهنفح الطيبمن غُصن الأندلس الرّطيب

- ‌(ب). في المراجع:

- ‌ب - حرق السُّفن:

- ‌5 - سير المعركة الحاسمةمعركة وادي بَرْباط أو وادي لَكُّهْ

- ‌أ - قوّات الطرفين:

- ‌أولاً: المسلمون:

- ‌ثانياً. القوط:

- ‌ب - التوقيت:

- ‌ج - ميدان القتال:

- ‌د - سير القتال:

- ‌6 - فتوح طارق قبل عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - الموقف العام بعد المعركة الحاسمة:

- ‌ب - فتوح المدن الثانوية:

- ‌ج - فتح قُرْطُبة:

- ‌د - فتح طُلَيْطُلَة

- ‌7 - فتوحات طارق بعد عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - بين موسى وطارق:

- ‌ب - فتوح موسى قبل لقاء طارق:

- ‌ج - لقاء القائدين:

- ‌د - الفتح المشترك بين القائدين:

- ‌الإنسان

- ‌1 - عودة القائدين إلى دمشق

- ‌أ - العودة:

- ‌ب - أسباب استدعاء موسى وطارق:

- ‌2 - الرّجل

- ‌القائد

- ‌1 - سماته القيادية عامة:

- ‌فما هي مجمل تلك المزايا

- ‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة:

- ‌3 - في تطبيق مبادئ الحرب

- ‌أ - اختيار المقصد وإدامته

- ‌ب - التّعَرض

- ‌ج - المباغتة

- ‌د - تحشيد القوّة

- ‌هـ - الاقتصاد في المجهود

- ‌و- الأمن

- ‌ز - المرونة

- ‌ح - إدامة المعنويات

- ‌ط - الأمور الإدارية

- ‌ي - التّعاون

- ‌4 - نقطة الضعف:

- ‌5 - مجمل السِّمات:

- ‌أ - سِماته الخاصة:

- ‌ب - سِماته العامة:

- ‌طارق في التاريخ

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌طَرِيْف في التاريخ

- ‌مغِيْث الرُّومِيّفاتح قُرْطُبَة

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌مُغِيْث في التاريخ

- ‌فهرس الجزء الأول

الفصل: ويديرون مناطقهم في السلام، ويدافعون عنها في الحرب، فهو في

ويديرون مناطقهم في السلام، ويدافعون عنها في الحرب، فهو في واقعه إداري قائد.

وهكذا انتهت ملحمة فتح قرطبة، استبسل فيها المسلمون وقاتلوا قتال الأبطال، كما أحسن القوط في دفاعهم، وصبروا وصابروا، ولكن بقدر ما بلغ مغيث قائداً تحمَّل القسط الأكبر من الفتح، بقدر ما تخنَّث حاكم القوط وقائدهم وتحمَّل القسط الأكبر من كارثة الهزيمة. فكان مغيث نعمَ القائد، وكان قائد القوط بئس القائد.

وقد فتح مغيث قرطبة في شوال من سنة اثنتين وتسعين الهجرية (711 م)، ثم فتح الكنيسة التي تحصّن بها حاكم قرطبة بعد حصار ثلاثة أشهر في محرم من سنة ثلاث وتسعين الهجرية (1)(712 م).

‌الإنسان

كان مغيث أسيراً، أسره الروم وهو صغير (2)، فأدّبه عبد الملك ابن مروان مع ولده الوليد، فكان مولى عبد الملك ومولى ابنه الوليد من بعده (3). وهو رومي بالرغم من ادّعاء أولاده بأنه عربي من غسّان، ومن المحتمل أنه كان من الروم الذين عاشوا في شمالي إفريقية، فقد كان خبيراً بإفريقية عارفاً بها (4).

وقد نشأ في بيت عبد الملك وترعرع فيه، إلى جانب أكبر أولاد عبد الملك وولي عهده الوليد بن عبد الملك، فأصبح أحد أفراد العائلة المالكة وجزءاً منهم لا يتجزأ، مصيرهم مصيره، ومستقبلهم مستقبله، ويهمّه أمرهم، ويهمهم أمره، كما أصبح موضع ثقتهم الكاملة.

(1) نفح الطيب (3/ 12).

(2)

نفح الطيب (3/ 12).

(3)

أخبار مجموعة (10) والبيان المغرب (2/ 9) ونفح الطيب (3/ 12 - 13).

(4)

أخبار مجموعة (31).

ص: 443

وكان للخلفاء في مختلف أمصار الدولة، مَن يُطلعهم على حقيقة الأوضاع فيها، إلى جانب الولاة والقادة، فلا يستطيع الولاة والقادة أن يُخفوا على الخلفاء شيئاً يهمّ الخلافة، وكان مغيث أحد هؤلاء الذين يثق بهم الخليفة، ويجب أن يطّلع على أمور الولاة والقادة والرعيّة عن طريقهم، فأوفده الوليد ليرافق الحملة الأندلسية، وينقل إليه أخبار الفتوح كما يجب أن تُنقل، لا كما يحب الولاة والقادة أن تُنقل، والفرق بين النّقلين كبير.

ودخل مغيث الأندلس مع طارق (1)، وكان على تماس شديد به، فهو مدير مخابرات الخلافة في الأندلس دون أن يكون واجبه مجهولاً من طارق بن زياد أو من موسى بن نصير، وبعد أن استقر طارق وموسى، في طليطلة، أرسل موسى وفداً إلى دمشق يتألف من مبعوثين هما: مغيث وعلي بن رباح اللّخْمِي وهو من التابعين (2)، لينقلا إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك أخبار الفتح (3).

ولكن الوليد بن عبد الملك أعاد مغيثاً إلى الأندلس، وأمره أن يبلغ موسى بالخروج من الأندلس والكف عن التوسع في البلاد، وأن يشخص موسى إلى دمشق، فعاد مغيث إلى موسى بما أمره به الوليد.

ولم يصرف قدوم مغيث موسى عن المضي في إتمام خطته في الفتح، فلاطف مغيثاً وسأله إمهاله إلى أن ينفّذ عزمه في فتح جِلِّيقِيَّة، وأن يسير معه أياماً، ويكون شريكه في الأجر والغنيمة، ففعل مغيث ومشى مع موسى (4)، وقد وهب مغيثاً القصر الذي ينسب إلى مغيث في عهد المسلمين، وهو:(بلاط مغيث) بجميع أرضه من أرض الخُمُس (5)، وهو قصر حاكم قرطبة،

(1) نفح الطيب (3/ 12).

(2)

أنظر سيرته في: تاريخ علماء الأندلس (1/ 310) ورياض النفوس (1/ 77 - 78) ونفح الطيب (1/ 260 - 261).

(3)

الإمامة والسياسة (2/ 75 - 76).

(4)

نفح الطيب (1/ 258).

(5)

الرسالة الشريفية في الأقطار الأندلسية (204).

ص: 444

نظير إمهاله بعض الوقت في غزو جلِّيقِيَّة. وقَبِلَ مغيث هذه الشروط، فلما اطمأن موسى إلى ذلك، بادر بالمسير شمالاً لإكمال فتوحه (1).

والحديث عن إقناع مغيث بالغنيمة والقصر، لإبقاء موسى على رأس جيشه في الأندلس، من أجل استكمال خطّة الفتح كاملة، ليس من السهل تصديقه ولا قبوله، فهو رشوة لتأجيل تنفيذ أمر الخليفة الواضح الصريح، في استقدام موسى من الأندلس، وقد كان مغيث قويّاً أميناً، لا يتقبّل الرشوة، ولا يرتضي لنفسه مخالفة الخليفة الصريحة الواضحة في حال من الأحوال، والذي يبدو أن الخليفة أمر مغيثاً أن يُشخص موسى إلى دمشق، دون أن يأمره بإشخاصه فوراً، وترك الحرية لمغيث أن ينفِّذ أمره دون تقييده بوقت معين محدود، فكان لمغيث أن يتصرف في أمر موسى بحرية مطلقة. ورأى مغيث أن الموقف العسكري يتطلب بقاء موسى ردحاً من الزمن في الأندلس لاستكمال فتوحاته، واقتنع برأي موسى بضرورة بقائه لغزو منطقة جِلِّيقِيّة التي كانت مركز حشود المقاومة القوطية، حتى لا يتعرض إقليم طليطَلة لتعرض قوطي متوقع، قد يتسع نطاقه ليهدّد فتح المسلمين كله للأندلس إلى الخطر، كما لم يجد مغيث أي محذور لبقاء موسى في قيادته، وهو حاضر، والخليفة غائب، ويرى الحاضر ما لا يرى الغائب، ومغيث ليس متّهماً من الخليفة، وهو موضع ثقته الكاملة به، فلا اعتراض للخليفة على بقاء موسى مدة من الزمن لا تطول، من أجل مصلحة الفتح في الأندلس، ومن أجل حاضر الفتح ومستقبله. كما أن موسى لم يعترض على تنفيذ أمر الخليفة، كما لا يستطيع أن يعترض عليه، فكان لبقاء موسى فائدة للفتح، دون ضرر على العلاقة، لذلك اقتنع مغيث بالسير مع موسى ومرافقته في فتوحه الجديدة، وكانت الغنيمة والقصر جزاء جهوده وجهاده لا جزاء تقاعسه وتراخيه في تنفيذ أمر الخليفة، أو جزاء التخلّي عن هذا التنفيذ.

(1) Saavedra. OP. Cit. P. 113-114

ص: 445

والغريب أن المستشرقين ركّزوا على هذه الفرية، وبالغوا في شرحها وتوضيحها وتسليط الأضواء عليها، فصوروا مغيثاً في فصل من فصولهم متواطئاً مع موسى على الخليفة، وصوّروه في فصل آخر عدوّاً لدوداً لموسى، يشنِّع على موسى لدى الخليفة، لأنه كان يرى نفسه أحق من موسى بتولي الأندلس (1)، وليس ذلك من خلق التابعين وتابعي التابعين، ولا كان الدسّ والافتراء والحسد والرشوة من أخلاقهم. فإذا لم يكن ذلك مقنعاً للمؤرخ الذي تتبع خلق أولئك الرجال، فالتناقض المكشوف في موقف مغيث - بحسب ادعاءات المستشرقين - لابد من أن يكون مقنعاً، إذ كيف يمكن أن نصدِّق أن مغيثاً يفتري ما يفتري على موسى بحضور الخليفة، ثم يسكت عنه موسى في فضح تقاضيه الرشوة، لقاء تراخيه في تنفيذ الأمر الخليفي؟ وهل من المعقول أن يعفو الخليفة عن التراخي في تنفيذ أمره لقاء رشوة معروفة مكشوفة وليست سِرّاً من الأسرار؟ ثم كيف يكون مغيث مع موسى على الخليفة مرة، ويكون مع الخليفة على موسى مرة أخرى!!

وبالطبع استفاد المستشرقون من المصادر العربية الإسلامية، في ترويج هذه الادعاءات وما أراد مؤلفوها ذلك.

وبعد أن استكمل موسى خطة فتحه، ومغيث معه، أخذ مغيث يتعجل موسى، وكان الوليد بن عبد الملك معجلاً عليه لا يريد أن يتمهّل إذ أن رسولاً آخر من الوليد، يكنّى: أبا نَصْر، بعثه إلى موسى، عندما استبطأه في القفول، فأتاه وهو بمدينة لُكّ بناحية جلِّيقِيّة (2). وبادر موسى بالعودة مع أبي نصر من لُكْ، وكان مع أبي نصر رسالة من الوليد إلى موسى يأمره بالخروج من الأندلس، فغادر موسى الأندلس مع طارق بن زياد ومغيث وأبي نصر في شهر ذي الحجة من سنة خمس وتسعين الهجرية (3)(أيلول - سبتمبر - 714 م).

(1) نفح الطيب (3/ 12 - 13).

(2)

نفح الطيب (1/ 276).

(3)

نفح الطيب (1/ 277).

ص: 446

ولما قفل موسى بن نصير إلى المشرق وأصحابه، سأل مغيثاً أن يُسلِّم إليه العِلْجَ صاحب قرطبة الذي كان في إساره، فامتنع عليه، وقال:"لا يؤديه للخليفة سواي"، وكان مغيث يُدِلّ بولائه من الوليد بن عبد الملك، فهجم عليه موسى فانتزعه منه، فقيل لموسى:"إن سِرْتَ به حيّاً معك، ادّعاه مغيث، والعلج لا ينكر قوله، ولكن اضرب عنقه"، ففعل، فاضطغنها عليه مغيث، وصار إلْباً مع طارق السّاعي عليه (1).

ومن الصعب تصديق، أن موسى يُقدم على قتل العلج بعد أن أصبح بحوزته، حتى لا يدّعيه مغيث لنفسه، لأن علاقة العلج بمغيث أشهر من أن لا تعرف على حقيقتها، فلا مسوِّغ لقتل العلج لتغطية قصة أسره من مغيث، كما أن من الصعب تصديق أن موسى يُقدم على اغتصاب العلج من مغيث، فقد كان مع موسى في رحلته إلى المشرق ما لا يُحصى من الرجال والنفائس (2)، ما يمكن أن يُعَدّ العلج، إلى جانبها أمراً تافهاً لا يُؤْبَهُ به، ولا مجال أن نجعله مشكلة بين موسى ومغيث، ولا مسوِّغ لذلك.

ولما قدم موسى وطارق بن زياد ومغيث وأبو نصر إلى الوليد بن عبد الملك في دمشق، كان قدومهم عليه وهو في آخر شكايته التي تُوفي فيها، إذ بلغوا دمشق سنة ست وتسعين الهجرية (كانون الثاني - يناير - 715 م)، أي قبل وفاة الوليد بأربعين يوماً (1). وخلف الوليد أخوه سليمان بن عبد الملك الذي كان مستاءً أيضاً من موسى، لأن طارق بن زياد ومغيثاً رمياه بالخيانة، وأخبراه بما صنع بهما من خبر المائدة والعلج صاحب قرطبة، وقالا له:(إنه قد غَلّ جوهراً عظيماً أصابه، لم تحوِ الملوك من بعد فتح فارس مثله)، فلما وافى سليمان وجده ضغيناً عليه، فأغلظ عليه واستقبله بالتأنيب والتوبيخ، فاعتذر

(1) نفح الطيب (1/ 279) و (3/ 13 - 14).

(2)

أنظر التفاصيل في الإمامة والسياسة (2/ 82) وتاريخ افتتاح الأندلس (36)، وأنظر فجر الأندلس (107).

(3)

ابن الأثير (4/ 566) والنويري (22/ 30) وابن الكردبوس (50).

ص: 447

له ببعض العذر (1).

وقد كان للخلفاء أساليب خاصة، لمعرفة تفاصيل أعمال ولاتهم وقادتهم وتصرفاتهم، للاطمئنان إلى أن أولئك القادة والولاة، لا يخرجون عن الخطّة العامة التي رسمها لهم الخلفاء، وليحول الخلفاء جهد الإمكان دون خروج الولاة والقادة عليهم عند سنوح الفرصة المناسبة لهم للخروج.

ومن تلك الأساليب الخاصة التي يسيطر بها الخلفاء على ولاتهم وقادتهم، وبخاصة أولئك الذين يعملون في الأصقاع النائية عن عاصمة الخلافة، هي إرسال مَن يعتمدون عليه من الرجال، لينقل إليهم بدقّة وسرعة وأمانة كل ما يراه الخلفاء ضرورياً لجعلهم مطمئنين على سير الأمور في مختلف البلاد والأمصار كما يريدون (2).

وكان مغيث أحد هؤلاء الذين كان الوليد بن عبد الملك يعتمد عليهم، وقد وقع بينه وبين طارق، ثم وقع بينه وبين موسى، فرحل معهما إلى دمشق، ثم عاد ظافراً عليها إلى الأندلس. وكان مغيث مشهوراً بحسن الرأي والكيد (3)، وكان يطمع بولاية الأندلس، فلما عزم سليمان على تولية طارق بن زياد، استشار مغيثاً، فصرفه عن عزمه، وقد بالغ في إذاية موسى عند سليمان (4).

والظاهر أن مغيثاً لم يدّخر وسعاً في تشويه سمعة موسى عند الوليد بن عبد الملك، وعند سليمان بن عبد الملك من بعده، طموحاً لتولي الأندلس من بعد موسى، ولكن كان مغيث صادقاً في اتهامه، إذ حقّق سليمان جميع ما رُمي به موسى عنده، فأغرمه غرماً عظيماً (5).

ولا شك في نزاهة موسى بن نصير، ولكنه كان على جانب عظيم من الجود

(1) نفح الطيب (1/ 279 - 280).

(2)

قادة فتح المغرب العربي (1/ 281).

(3)

نفح الطيب (3/ 13).

(4)

نفح الطيب (3/ 13 - 14).

(5)

نفح الطيب (1/ 280).

ص: 448

والكرم، فأعطى من الغنائم مَن أعطى، ولم يستأثر بما أخذ منها لنفسه ولمصلحته الشخصية حسب (1).

لقد كان مغيث مخلصاً لبني أميّة، أميناً على مصلحتهم، ساهراً على جمع المعلومات التي تعمّهم، وكان ضابط مخابرات لهم من الطراز الأول.

وقد عاد إلى الأندلس بعد رحيل موسى وطارق برفقته إلى دمشق، وأنجب في الولادة، فصار منهم بنو مغيث الذين نجبوا في قرطبة، وسادوا وعظم بيتهم، وتفرعت دَوْحَتُهم، وكان منهم عبد الرحمن بن مغيث حاجب عبد الرحمن بن معاوية (الداخل) صاحب الأندلس وغيره (2)، وقد فتح قرطبة، فدخل بلاط صاحبها واختطّه (3)، ومعنى ذلك أنه أضاف إليه إضافات جديدة، ثم وهبه موسى بن نصير إلى مغيث مع أرضه (4) كما ذكرنا ذلك قبل قليل.

ووقع بينه وبين طارق بن زياد، ثم وقع بينه وبين موسى بن نصير (5)، مشاكل ومشادّات، وهذا ما يحدث بالطبع بين القائد ومَنْ معه، وبخاصة في الظروف القتالية الصّعبة.

ولمغيث من الشعر ما يجوز كَتْبه، فمن ذلك شعر خاطب به موسى بن نصير ومولاه طارقاً، يكفي منه هنا قوله:

أَعَنْتُكُمُ ولكِنْ ما وَفَيْتُمُ

فسوفَ أَعيثُ في غربٍ وشرق (6)

ويبدو من شعره هذا، أنّه كان عاتباً على موسى وطارق، فنفّس عن نفسه بالشعر الذي منه هذا البيت.

وقد تأدّب بدمشق مع بني عبد الملك، فأفصح بالعربية، وصار يقول من

(1) أنظر التفاصيل في قادة فتح المغرب العربي (1/ 282 - 283).

(2)

نفح الطيب (3/ 12) و (3/ 45).

(3)

أخبار مجموعة (12).

(4)

الرسالة الشريفية في الأقطار الأندلسية (204).

(5)

نفح الطيب (3/ 12).

(6)

نفح الطيب (3/ 14).

ص: 449

الشعر والنثر ما يجوز كَتْبُه. وعنوان طبقته في النثر، أن موسى بن نصير قال له، وقد عارضه بكلام في محفلٍ من الناس:"كُفَّ لسانك"، فقال:"لساني كالمفصل، ما أكفّه إلاّ حيث يقتل"(1).

ومن الصعب تقدير منزلته شاعراً وناثراً، بهذا البيت من الشعر، وهذا المقطع من النثر، ولكنهما دليل على كل حال أنه أفصح بالعربية، وهو الرومي نسباً، العربي لساناً.

وكان مشهوراً بحسن الرأي والكيد، فقد ذكروا أنه لما حصل بيده صاحب قرطبة وحريمه، رأى فيهنّ جارية كأنّها بينهنّ بدر بين نجوم، وهي تكثر التعرّض له بجمالها، فوكل بها مَن عرض عليها العذاب إن لم تُقِرَّ بما عزمت عليه في شأن مغيث، وأنه قد فطن من كثرة تعرّضها له بحسنها لما أضمرته له من المكر، فأقرّت أنها أكثرت التعرّض له لتقع في قلبه، إذ حُسْنُها فَتَّان، وقد أعدّت له خرقة مسمومة لتمسح بها ذَكَرَه عند وقاعها، فحمد الله تعالى على ما ألهمه إليه من مكرها، وقال:"لو كان نفس هذه الجارية في صدر أبيها، ما أخذت قرطبة من ليلة"(2).

وأراد سليمان عبد الملك، أن يصرف سلطان الأندلس إلى طارق بن زياد، فاستشار سليمان مغيثاً في تولية طارق، فقال له:"كيف أمره بالأندلس؟ "، فقال مغيث:"لو أمر أهلها بالصلاة إلى أي قبلة شاءها لتبعوه ولم يروا أنهم كفروا"، فعملت هذه المكيدة في نفس سليمان، وبدا له في ولايته. ولقيه طارق بعد ذلك، فقال له:"ليتك وصفت أهل الأندلس بعصياني، ولم تضمر في الطاعة ما أضمرتَ"، فقال مغيث:"ليتك تركتَ لي العِلْجَ فتركتُ لك الأندلس"، وكان طارق قد أراد أن يأخذ منه صاحب قرطبة الذي حصل في يده، فلم يمكنه منه، فأغرى به سيّده موسى بن نصير، وقال له: "يرجع إلى دمشق، وفي يده عظيم من عظماء الأندلس، وليس في أيدينا مثله، فأي فضل

(1) نفح الطيب (3/ 12 و 14).

(2)

نفح الطيب (3/ 13).

ص: 450

يكون لنا عليه؟ "، فطلبه منه، فامتنع من تسليمه، فهجم موسى على العلج وانتزعه من مغيث، ثم ضرب عنقه (1)، كما ذكرنا.

فإذا صحّت هذه الروايات أو لم تصحّ، فإنه كما قيل عنه: كان مشهوراً بالرأي والكَيْد، وأنه كان على جانب كبير من الذكاء والفطنة وحضور البديهة، وأنه كان منتبهاً أشدّ الانتباه إلى ما حوله ومَنْ حوله، وليس من السهولة أن يُؤخذ على حين غُرّة، أو يتغلب عليه أحد، وأنه كان طموحاً يحب التملّك والمال حبّاً جمّاً. لذلك كان أحد مسئولي مخابرات الدولة الكبار المرموقين، الذين يفرض كفايته على الخلفاء، فاستعان به الوليد بن عبد الملك، ثم استعان به سليمان بن عبد الملك (2)، دون أن يستطيع الاستغناء عنه أو يُسدل عليه ستاراً من ستائر النسيان.

حتى الخليفة هشام بن عبد الملك الذي تولى الخلافة سنة خمس ومائة الهجرية (3)(723 م) بعد موت يزيد بن عبد الملك، الذي خلف عمر بن عبد العزيز، الذي خلف سليمان بن عبد الملك، الذي خلف الوليد عبد الملك، الخليفة هشام هذا الذي أخرج أحد قادته إلى إفريقية (4)، عهد إليه أن يطيع مغيثاً مولى الوليد، لمعرفته بالبلد (5)، مما يدل على أنه بقي غير مجهول المكانة والمكان لكفاياته المتميّزة، وإخلاصه للبيت الأموي إخلاصاً لا شائبة فيه. ولكن مغيثاً قُتِل في إفريقية (6)، في منطقة طنجة، وكان مع جيش الدولة في قتال الخارجين من البربر، وكان قتله سنة ثماني عشر ومائة الهجرية (7)(736 م). فإذا كان عبد الملك قد أدّب مغيثاً مع ولده الوليد بن

(1) نفح الطيب (3/ 13).

(2)

نفح الطيب (3/ 14).

(3)

ابن الأثير (5/ 123).

(4)

أخبار مجموعة (30).

(5)

أخبار مجموعة (31).

(6)

أخبار مجموعة (34).

(7)

أنظر التفاصيل في ابن الأثير (5/ 190 - 194).

ص: 451