الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
معركة وادي بَرْباط (1) أو وادي لَكّة (2)
المعركة الحاسمة في فتح الأندلس
أ - الموقف العام:
أولاً: موقف القُوْط:
كان لذريق عند معرفته بالنكبة التي حلّت بقوات ابن أخيه بنج، مشغولاً بالقضاء على اضطرابات خطيرة في مقاطعة الباسك (3) في منطقة جبال البرانس (4) التي تفصل بين الأندلس وفرنسا، يحارب بعض الخوارج عليه في الولايات الشمالية للأندلس، وهذا ما تنصّ عليه المصادر العربية المعتمدة، وهو ما أرجِّحه لأنه منطقي معقول. أو أن لذريق كان يصدّ هجوماً فرنسياً على نافار ( Navarre) كما يزعم بعض المستشرقين (5)، إذ لو كان هذا الزّعم حقاً، لما استطاع لذريق الانسحاب من تلك الجهة بيسر وسرعة، وهي مهددة باعتداء خارجي لا يقل خطراً عن المسلمين، إن لم يكن أكثر خطراً منهم، بموجب التفكير السائد على الملك وحاشيته وقادته حينذاك، إذ كانوا يعتقدون أن المسلمين يقومون بغارة من أجل الغنائم، بينما الفرنسيون يهدفون أن يحتلوا بلادهم إذا انتصروا عليهم، فليس من المعقول ترك الجبهة لهم،
(1) وادي برباط: وادٍ بالأندلس من أعمال مدينة شذونة، أُنظر التفاصيل في معجم البلدان (2/ 103).
(2)
وادي لكة: اسمه في البيان المغرب (2/ 10): وادي الطين، وفي فتوح مصر والمغرب (279) ورد إسمه: وادي أم حكيم، وهو وادي برباط.
(3)
ابن حبيب (222) وأخبار مجموعة (7) وفتح الأندلس (6) وابن الأثير (4/ 562) والنويري (22/ 27) ونفح الطيب (1/ 231 و 255) والإمامة والسياسة (2/ 74 - 75).
(4)
البرانِس: جبال تفصل إسبانيا عن فرنسا، انظر التفاصيل في: الموسوعة العربية الميسرة (339).
(5)
Saavedra. pp. 64-65.
خالية من المقاومة، يسرحون فيها ويمرحون كما يشاءون.
وكان لذريق ملكاً شجاعاً وافر المقدرة والحزم، ولكنه كان طاغية يثير بقسوته وصرامته حوله كثيراً من البغضاء والسّخط (1).
وعلى كل حال، عندما وصلت أنباء طارق إلى لذريق، ترك في الحال ما كان يجابهه في الشمال من مشاكل، وزحف نحو الجنوب، مرسلاً الرسل إلى أتباعه ليوافوه في قُرطبة (2)، وقد كتب من هناك إلى أفراد أسرة غيطشة ( Witiza) وإلى القوط الآخرين لينضموا إليه في قتال العدو المشترك. وخشية من دخول قرطبة، عسكر أبناء غيطشة وأتباعهم عبر نهر شقندة ( Secunda)(3) .
وتمت المصالحة بين لذريق وأبناء غيطشة، فعهد لذريق بقيادة ميمنة جيشه إلى شيشبرت ( Sisbert) والميسرة إلى أبة ( Oppa) وهذان الاثنان كما يقول مؤلف كتاب: أخبار مجموعة، هما من أبناء غيطشة (4)، ويقال أيضاً بأنهما أبناء أخيكا ( Egica) وليس لغيطشة (5)، وهذا هو الصواب، لأن ابني غيطشة اللذين بقيا في الأندلس - كما ذكرنا - هما أرطباس ( Artavasdes) والمند ( Almundo) ، وأسماء أبناء غيطشة معروفة لدينا، وليس بينهم أسماء مَن توليا الميمنة والميسرة في جيش لذريق، وإذا ما كانوا في سن لا يسمح لهما أن يتوليا الحكم في سنة إحدى وتسعين الهجرية (710 م)، فإنه من غير
(1) Cardone:ibid. pp. 62
(2)
فتح الأندلس (6) وابن الشباط (106) برواية عريب، وابن الكردبوس (47) والحميري (9) ونفح الطيب (1/ 256).
(3)
ابن القوطية (3) والحميري (104) ونفح الطيب (1/ 256 - 257)، وشقندة هي حيّ الربض جنوبي قرطبة في الضفة الأخرى من الوادي الكبير ( Guadalquivir) وكان هذا الربض يُعرف بإسم: شقندة ( Secunda) مُعَرَّب عن اللاتيني، انظر كتاب: جغرافية الأندلس وأوروبا من كتاب المسالك والممالك للبكري - تحقيق عبد الرحمن علي الحجي (139) بيروت - 1387 هـ - ط1.
(4)
أخبار مجموعة (8)، وقارن فتح الأندلس (6).
(5)
ابن القوطية (2 - 3)، وقارن فجر الأندلس (37) و Livemore. pp. 291
المحتمل أن يكون لذريق قد عهد إليهما بالقيادة في سنة اثنين وتسعين الهجرية (711 م). فلا يبقى إلاّ أن يكون اللذان توليا الميمنة والميسرة في جيش لذريق، هما ابنا أخيكا، وغيطشة هو ابن أخيكا، فيكون قائدا الميمنة والميسرة أخوي غيطشة لا ابنيه، ويكونان عمي أبناء غيطشة، ويكون لذريق قد استعان بأفراد من العائلة المالكة السابقة فى قياداته، لتوحيد الجبهة الداخلية، وإذابة الخلافات المحلية، وحشد جهود القوط كافةً لحرب المسلمين، وقد اعتصم القوط في ساعة الخطر الداهم بالاتحاد، فاستطاع لذريق أن يجمع حوله معظم الأمراء والأشراف والأساقفة، وحشد هؤلاء رجالهم وأتباعهم ومَن يلوذ بهم، واجتمع يومئذ للقوط جيش تقدره بعض الروايات بمائة ألف مقاتل (1)، وأقل تقدير له أربعون ألفاً (2)، ولا يمكن معرفة تعداده اليوم بالضبط، فهو على كلّ حال بين هذين التعدادين، أي نحو سبعين ألفاً، كما جرى تقديره في بعض المصادر العربية المعتمدة (3). ويبدو أنّ الجيش القوطي كان يشعر بقوّته، وكان متأكداً من إمكان تغلّبه على المسلمين، إلى درجة أنهم أعدّوا ما يحملون عليه أسرى المسلمين، كما يذكر ابن الكردبوس:"فلما انتهى خبره إلى لذريق، خرج إلى لقائه في مائة ألف فارس، ومعهم العَجَل تحمل الأموال والكِسا، وهو على سرير تحمله ثلاث بغلات مقرونات، وعليه قُبَّة مكلّلة بالدرّ والياقوت، وعلى جسمه حلّة لؤلؤ قد نظمت بخيوط الإبريسم، ومعه أعداد دواب لا تحمل غير الحبال لكتاف الأسرى، إذ لم يَشُكّ في أخذهم"(4).
(1) ابن الأثير (4/ 214) ونفح الطيب (1/ 120)، ويقدِّره في مكان آخر بسبعين ألفاً، أنظر نفح الطيب (1/ 233)، ويأخذ جيبون بهذه الرواية، فيقدِّر جيش القوط بتسعين ألفاً أو مائة ألف (الفصل الحادي والخمسون)، ولكنَّ ابن خلدون يقدِّره بأربعين ألفاً فقط، أُنظر ابن خلدون (4/ 117).
(2)
ابن خلدون (4/ 117) ونفح الطيب (1/ 233).
(3)
نفح الطيب (1/ 112).
(4)
تاريخ الأندلس (47) وانظر الإمامة والسياسة (2/ 74).