المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الأندلس وما جاورهاوجزر البحر الأبيض المتوسطقبل الفتح الإسلاميّ وفي أيامه

- ‌الموقع والحدود

- ‌1 - الأندلس

- ‌أ - الموقع:

- ‌ب - مصطلح الأندلس ومدلوله:

- ‌2 - المدن

- ‌1 - جزيرة طَرِيْف Tarifa:

- ‌2 - الجزيرة الخضراء Algeciras:

- ‌3 - طُلَيْطِلة Toledo:

- ‌3 - قَرْطَاجَنَّة الجزيرة Cartagena:

- ‌4 - بَنْبُلُونَة Pamplona:

- ‌5 - قُرْطُبَة Cordova:

- ‌6 - شَقُنْدَة Secunda:

- ‌7 - شَذُوْنَة Sidonia:

- ‌8 - إسْتِجَة Ecija:

- ‌9 - قَادِس Cadiz:

- ‌10 - مُرْسِيَة Murcia:

- ‌11 - شَرِيش Xeres - Jerez:

- ‌12 - المَدُوْر، Almodovar:

- ‌13 - إِشْبِيْلِيَة Sevilla ، Seville:

- ‌14 - مَالَقَة Malaga:

- ‌15 - إِلْبِيْرَة Elvira:

- ‌16 - غَرْنَاطة Granada:

- ‌17 - تُدْمِيْر Tudmir:

- ‌18 - أُوْرْيُوْلَة Orihuela:

- ‌19 - جَيَّان Jaen:

- ‌20 - جِلِّيْقِيَّة Galicia:

- ‌21 - أسْتُرْقَة Astorga:

- ‌22 - طَلَبِيْرَة Talavera:

- ‌23 - أَكْشُوْنُبَة Ocsonoba:

- ‌24 - قَرْمُوْنَة Carmona:

- ‌25 - رَعواق Alcala Guadaira:

- ‌26 - لَبْلَة Niebla:

- ‌27 - بَاجَة Beja:

- ‌28 - مَارِدَة Merida:

- ‌29 - لَقَنْت Alicante:

- ‌30 - قَشْتَالَة Castile - Castilla:

- ‌31 - سَرَقُسْطَة Zaragoza:

- ‌32 - وَشْقَة Huesca:

- ‌33 - لارِدَة Larida:

- ‌34 - طَرَّكُوْنَة Tarragna:

- ‌35 - بَرْشَلُوْنَة Barcelona:

- ‌36 - أماية Amaya:

- ‌37 - لِيُوْن Leon:

- ‌38 - بَلَنْسِيَة Valencia:

- ‌39 - أُرْبُوْنَة Narbonne:

- ‌40 - قَرْقَشُوْنَة Carcassone:

- ‌41 - بَلانة Villena:

- ‌42 - مُوْلَة Mula:

- ‌43 - بسْقَرَة Bigastre:

- ‌44 - إِلُة Ello:

- ‌45 - لُوْرَقَة Lorca:

- ‌46 - يَابُرَة Evora:

- ‌47 - شَنْتَرِيْن Santarein - Santaren:

- ‌48 - قُلُمْرِيَّة Coimira:

- ‌49 - أَشْتُورِش Austurias:

- ‌50 - لشبونة Lisbon:

- ‌51 - بَطَلْيُوْس Badjoz:

- ‌52 - مدينة وَلِيْد Valladolid:

- ‌53 - المَرِيَّة Almeria:

- ‌54 - وادي الحجارة = مدينة الفَرَج Guadalajara:

- ‌55 - مدينة سالم Medinaceli:

- ‌56 - دَانِيَة Dania:

- ‌57 - تُطِيْلَة Tadela:

- ‌58 - طَرْطُوْشَة Tortosa:

- ‌59 - شَنْت يَاقُب Santiago:

- ‌60 - سَلْمَنْكَة Salmanca:

- ‌61 - قُوْرِيَّة Coria:

- ‌62 - بَرْغَش Burgos:

- ‌63 - قَسْطَلُوْنَة Castallon:

- ‌64 - أُسْتُوْرِيْس Asturias:

- ‌65 - أُبَّدَة Ubeda:

- ‌66 - بَيَّاسَة Baeza:

- ‌67 - بَرْبُشْتَر Berbastro:

- ‌68 - بَرْبَطانِيَة Boltania:

- ‌69 - بُبَشْتَر Bobastro:

- ‌70 - بَقِيْرَة Viguera:

- ‌71 - بَرْمِنَّش Bermndo:

- ‌72 - قَبْرَة Cabra:

- ‌73 - بَيَّانَة Bayanne:

- ‌74 - قَلَهُرَّة Calahorra:

- ‌75 - قلعة أيوب Calatayud:

- ‌76 - قلعة رَباح Calatrava:

- ‌77 - جبل طارق Gibraltar:

- ‌78 - المُُنَكَّب Almunacar:

- ‌79 - شَوْذَر Jodar:

- ‌80 - مَجْرِيْط (مدريد الآن) Magerit:

- ‌81 - مِيْرتُلَة Mertola:

- ‌82 - مُنْت شُوْن Monzon:

- ‌83 - مُنْت لُوّن Mentileon:

- ‌84 - تُرْجِيْلَة Trujillo:

- ‌85 - شَنْتَمَرِيَّة الشَّرق Santa Maria de Albarracin:

- ‌86 - شَنْتَمَرِيَّة الغرب Santa Maria de Algarve:

- ‌87 - شَنْتَبَرِيَّة Santaver:

- ‌88 - طُولوز Toulouse:

- ‌89 - شَاطِبَة Xativa - Jativa:

- ‌90 - طُرُّش Torrox:

- ‌91 - بُرْذِيل (بوردو الآن) Bordeaux:

- ‌92 - الأرض الكبيرة:

- ‌93 - المنارة: برج هِرَقْل Torre de Hercules:

- ‌94 - بَرْبَشْتَر Berbastro:

- ‌95 - أُقْلِيش Acles:

- ‌96 - قوْنْكَة Ceuenca:

- ‌97 - البَسِيْطَة Albacete:

- ‌98 - شَنْتَجَالَة Chinchilla:

- ‌99 - ليون Leon:

- ‌100 - طَلَمَنْكَة Salamanqua:

- ‌101 - زَمُّوْرَة Zamora:

- ‌102 - كُوْرْنِيَّة Corigna:

- ‌103 - الحُمَّة Alhoma:

- ‌104 - أراغون Aragon:

- ‌105 - نبارة (نافار) Navarre:

- ‌106 - تِرُوْل Teruel:

- ‌107 - جَرِيْقَة Gerica:

- ‌3 - الثّغور الأندلسيّة

- ‌أ - الثّغر الأعلى:

- ‌ب - الثغر الأوسط:

- ‌ج - الثغر الأدنى:

- ‌4 - جبال الأندلس

- ‌5 - الأنهار

- ‌أ - نهر إبْرُهْ Ebro:

- ‌ب - الوادي الكبير Guadilquivir:

- ‌ج - نهر تَاجُهْ Togo:

- ‌د - النهر الأبيض:

- ‌و - المجمل:

- ‌السكان

- ‌الموارد الاقتصادية

- ‌1 - المناخ العام:

- ‌2 - الموارد الزراعية والحيوانية:

- ‌3 - المعادن والأحجار الكريمة:

- ‌4 - المصنوعات الأندلسيّة والتّصدير:

- ‌تاريخ الأندلس قبل الفتح الإسلاميوفي أيامه الأولى

- ‌1 - في أوروبا وإفريقيَّة

- ‌أ - البرابرة:

- ‌ب - أجناسهم وممالكهم:

- ‌ح - وصولهم إلى أوروبّة:

- ‌د - القوط الغربيون في إيطاليا:

- ‌هـ - في إسبانيا:

- ‌و- الفاندال في إفريقية:

- ‌ز - سقوط رومة:

- ‌ج - مقتل آدوفاكر:

- ‌ط - اضطراب أحوال الفاندال:

- ‌ي - القوط الغربيون في إسبانيا:

- ‌ك - الفرنجة في فرنسة:

- ‌ل - الهيطل (الهون):

- ‌م - الخلاصة:

- ‌2 - في إسبانيا

- ‌أ - القوط الغربيون في أواخر أيامهم:

- ‌ب - دولة القوط الغربيين في إسبانيا:

- ‌ج - لُذَرِيق:

- ‌د - أحوال إسبانيا تحت حكم القوط:

- ‌هـ - مجلس طُلَيْطُلَة:

- ‌و- المجتمع الإسباني أيام القوط:

- ‌ز - الحالة الثقافية:

- ‌يُلْيَان

- ‌1 - شخصيته:

- ‌2 - يليان والمسلمون الفاتحون:

- ‌فتح الأندلس

- ‌1 - الموقف العام:

- ‌2 - فتح طَرِيْف:

- ‌3 - فتح طارق بن زياد:

- ‌4 - الفتح المشترك بين موسى وطارق:

- ‌5 - فتح موسى بن نصير:

- ‌6 - فتح مغيث الرومي:

- ‌7 - فتح عبد العزيز بن موسى بن نصير:

- ‌8 - فتح عبد الأعلى بن موسى بن نصير:

- ‌9 - فتح عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌10 - فتح السمح بن مالك الخولاني:

- ‌عبرة الفتح

- ‌1 - التوقيت:

- ‌2 - أسباب النصر:

- ‌حضارة العرب والمسلمين في الأندلس

- ‌1 - الجذور:

- ‌2 - العرب في أوج مجدهم:

- ‌3 - مدينة النور والحب:

- ‌4 - علوم العرب وآدابهم:

- ‌الكارثة

- ‌طارق بن زيادفاتح شطر الأنْدلُس

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌في فتح طنْجَة

- ‌1 - مقدمات الفتح

- ‌أ - الأسباب:

- ‌ب - الاستطلاع:

- ‌2 - الفتح

- ‌أ - الخطّة العامَّة:

- ‌ب - المناوشات التمهيدية:

- ‌أ - الموقف العام:

- ‌أولاً: موقف القُوْط:

- ‌ثانياً. موقف المسلمين:

- ‌4 - خطبة طارق وحرق السُّفن

- ‌أ - الخطبة:

- ‌أولاً: الرّفض:

- ‌ثانياً: القبول:

- ‌ثالث‌‌اً. في المصادروالمراجع:

- ‌اً. في المصادر

- ‌نص ابن حبيبعبد الملك بن حبيب الألبيري (ت 238 هـ)في كتابه استفتاح الأندلس

- ‌ نص ابن قُتَيبة (ت 276 هـ)في كتابهالإمامة والسياسة

- ‌نص أبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ)في كتابهسراج الملوك

- ‌نص أبي محمد بن إبراهيم (ابن خيرة) المراعينيالأشبيلي (ت 564 هـ)في كتابهريحان الألباب وريعان الشبابفي مراتب الآداب

- ‌نص ابن خلكّان (ت 681 هـ)في كتابهوفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان

- ‌نصّ ابن الشباط (ت 681 هـ)محمد بن علي بن محمد بن الشباط المصري التوزريفي كتابه صلة السّمط وسمة المرط في شرح سمط الهدىفي الفخر المحمّديّ

- ‌نصّ ابن هُذَيْل (ت 763 هـ)علي بن عبد الرحمن بن هُذَيْلفي كتابهتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس

- ‌نصّ المقَّرِي (ت 1041 هـ)أحمد بن محمد المقّري التِلمِسانيفي كتابهنفح الطيبمن غُصن الأندلس الرّطيب

- ‌(ب). في المراجع:

- ‌ب - حرق السُّفن:

- ‌5 - سير المعركة الحاسمةمعركة وادي بَرْباط أو وادي لَكُّهْ

- ‌أ - قوّات الطرفين:

- ‌أولاً: المسلمون:

- ‌ثانياً. القوط:

- ‌ب - التوقيت:

- ‌ج - ميدان القتال:

- ‌د - سير القتال:

- ‌6 - فتوح طارق قبل عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - الموقف العام بعد المعركة الحاسمة:

- ‌ب - فتوح المدن الثانوية:

- ‌ج - فتح قُرْطُبة:

- ‌د - فتح طُلَيْطُلَة

- ‌7 - فتوحات طارق بعد عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - بين موسى وطارق:

- ‌ب - فتوح موسى قبل لقاء طارق:

- ‌ج - لقاء القائدين:

- ‌د - الفتح المشترك بين القائدين:

- ‌الإنسان

- ‌1 - عودة القائدين إلى دمشق

- ‌أ - العودة:

- ‌ب - أسباب استدعاء موسى وطارق:

- ‌2 - الرّجل

- ‌القائد

- ‌1 - سماته القيادية عامة:

- ‌فما هي مجمل تلك المزايا

- ‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة:

- ‌3 - في تطبيق مبادئ الحرب

- ‌أ - اختيار المقصد وإدامته

- ‌ب - التّعَرض

- ‌ج - المباغتة

- ‌د - تحشيد القوّة

- ‌هـ - الاقتصاد في المجهود

- ‌و- الأمن

- ‌ز - المرونة

- ‌ح - إدامة المعنويات

- ‌ط - الأمور الإدارية

- ‌ي - التّعاون

- ‌4 - نقطة الضعف:

- ‌5 - مجمل السِّمات:

- ‌أ - سِماته الخاصة:

- ‌ب - سِماته العامة:

- ‌طارق في التاريخ

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌طَرِيْف في التاريخ

- ‌مغِيْث الرُّومِيّفاتح قُرْطُبَة

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌مُغِيْث في التاريخ

- ‌فهرس الجزء الأول

الفصل: ‌1 - الجذور:

ينبغي للعربي المسلم أن يردد مزاعم الصليبيين والصهاينة، لأنها مزاعم مغرضة أولاً وخاطئة ثانياً وغير واقعية ثالثاً، ولا تستقيم مع مناهج البحث العلمي رابعاً وأخيراً، والعربي المسلم أحرى بالدفاع عن أمته بالحق، ولا نريد من أحد أن يدافع عن أمته بغير الحق.

‌حضارة العرب والمسلمين في الأندلس

‌1 - الجذور:

لا شك في أن كثيراً من الغربيين، يحملهم التعصب الأعمى على إخفاء محاسن حضارة العرب والمسلمين في الأندلس، ولاسيما الحضارة الكبرى التي أوقدوا مصابيحها لأول مرة في أوروبا. ولم يقتصروا على ذلك، بل أخذوا يختلقون سيئات وينسبونها إلى العرب سادتهم وأساتذتهم طوال ثمانية قرون. وسنلخص كتاب:(حضارة العرب في الأندلس) للعالم الشهير والمؤلف الكبير: جوزف ماك جب Joseph MacCabe الذي ألف (250) كتاباً وألقى ألوفاً من المحاضرات، وسافر إلى شتى أنحاء العالم، وأتقن عشر لغات، حتى جعله الأمريكيون أكبر عالم في الدنيا، لأن المؤلف مسيحي وعالم، فلا يمكن أن يتهم بدينه ولا علمه.

ذكر المؤلف المنصف: أن القرون الطوال التي اتسمت بها هذه المدنية المحمدية من البرتغال غرباً إلى السند شرقاً، قد وصلت في القرن الرابع عشر عند العرب إلى المستوى الذي كانت قد وصلته الحضارة اليونانية والرومانية إن لم نقل إنها فاقتها. فقد ارتقى النوع البشرى في إسبانيا خلال قرون عديدة إلى أعلى درجات الهناء والغبطة والسعادة والشغف العام بكسب العلوم والفنون، والإحسان إلى البؤساء، وترقية الفنون والتهذيب، ولعله إلى هذه الأيام، لم تطلع الشمس على أمة أسعد ولا أهنأ ولا أرغد عيشاً ولا أكثر رغبة في التمتع بالجمال والعلوم والأعمال المجيدة من عرب الأندلس. ولا مراء

ص: 165

في أن مؤرخينا - يقصد مؤرخي الغرب - لا يبسطون القول في هذا الفصل الذي هو أهم فصل في التاريخ لأسباب أربعة: أولها: إن حال إسبانيا وصقلية والشرق من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، هي نقيض لحال أوروبا النصرانية والقذرة إلى حد لا يتصور. والثاني: مع أن العرب، ابتدأ رقيهم من درجة متوحِّشة مثل القوط والفندال، فقد شجعهم بقايا مدنية اليونان والفرس على أن يشيدوا مدنية زاهية في أقل من قرنين، بينما سكان أوروبا تحت سلطان (البابوات) مضت عليهم سبعة قرون قبل أن يصلوا إلى درجة هي أدنى بكثير من مستوى العرب والمسلمين. والثالث: أن هؤلاء العرب الذين شيدوا هذه الحضارة الزاهرة، كانوا من المتسامحين في الدين، ولم يكونوا من المتعصبين. والرابع: أن حضارة أولئك العرب، كانت مقدمة للتجديد والتقدم الذي نحن فيه اليوم. إلاّ أنني أختصر القول هنا، فأقول: إن هذه الحضارة هدمها المتعصبون من نصارى إسبانيا في الأندلس، ثم يقول: لقد مضى ألف سنة إلا قليلاً، على الناس، بعد اندراس مدنية العرب في الأندلس، قبل أن يوجد كتاب يستحق إضاعة الوقت في قراءته، وبعبارة أخرى، كانت للعرب في زمان مجدهم كتب قيمة، فلما مضوا وأُحرق أكثر تصانيفهم، بقي للناس ألف سنة تقريباً، لا يجدون كتاباً يستحق أن يُقرأ، وقد قال ستوارت في كتابه:(تاريخ الآداب العربية): كان في الأندلس ألفا ألف مصنّف، ولم يصلنا من كتبهم إلاّ شيء قليل.

وقال المؤلف في كتابه: (الأخلاق): كان في المملكة الإسلامية طوائف عشرين ديناً منقسمين إلى مائة مذهب، وكلهم كانوا يعيشون بسلام وتسامح. والخراج القليل الذي كان يفرض على غير المسلمين، كان في الحقيقة مدداً لبيت المال، ولم يكن يُقصد به التعالي عليهم وإهانتهم. والخلفاء كانوا يعلمون كيف كان النصارى يُعاملون المنحرفين من الدين في أوروبا، فحقّ لهم. أن يفخروا بأنهم أفضل وأعدل ملوك الأرض.

وقال في الجزء نفسه بصدد البحث في تاريخ المسلمين بمصر: وبعد بضع

ص: 166

سنوات من فتح المسلمين للإسكندرية، ثار أهلها وشقّوا عصا الطاعة، فاضطر العرب إلى هدم جانب من تلك البلدة الجميلة، ولكن حتى مؤرخي النصارى الحاضرين، يعترفون بأنهم لم يقصدوا بذلك تخريباً وانتقاماً، وإنما ألجأهم إليه المحافظة على البلدة. أما الرواية القائلة بأن العرب وجدوا من بقايا خزانة الاسكندرية كتباً كثيرة، فأخذوا يوقدون بها أتاتين الحمامات مدة ستة أشهر، فالمؤرخون اليوم يرون ذلك حديث خرافة. ولم توجد هذه الرواية في كلام أي مؤرخ إلاّ بعد مضي ستة قرون من فتح مصر. وقد بحث بتلر ( A.J. Butler) بحثاً دقيقاً في هذه المسألة، في كتابه: فتح العرب لمصر، وختم كلامه بأن هذه الرواية أسطورة حقيرة، وليس لها أساس تاريخي البتّة. وذكر ستانلي بول هذا الكلام نفسه في الجزء السادس من كتاب: تاريخ مصر، تأليف فليندرس بتري ( Flinders Petrie) : وليس هناك بيِّنة على أنه كانت بالإسكندرية خزانة كتب عمومية في ذلك الزمان، والظاهر أن النصارى كانوا قد أحرقوا جميع الكتب وأتلفوا ما بقي منها تدريجياً في مدة طويلة قبل ذلك بزمان.

وقال المؤلف ماك جب: لا أعتقد أن الرق كان من سيئات العرب، لأن عبيدهم كانوا أسعد حظّاً من معظم سكان أوروبا. وإذا علمنا أن النصرانية لبثت ثمانية أو تسعة قرون تذمّ الرق، ثم باركت على استرقاق السود، فكيف تنتظر من العرب أن يبطلوا الرق في ثلث تلك المدة؟

وقال المؤلف: ولست الآن بصدد التحقيق في آداب العرب في النكاح، ولكني من حيث أنا مؤرخ في الأخلاق، أستنكر ما يقوله بعض مَن لم يحقق الأمر من عامة المؤلفين، فذكروا أن العرب كانت أخلاقهم في تلك الناحية فاسدة، وأنهم كانوا فاسدين هادمين لصلاح المجتمع، فإن الحقائق التاريخية تكذِّب هذا القول، وكل كتاب معتبر في الحضارة العربية، بل حتى الفصول القليلة من تاريخ القرون الوسطى المطبوع في كمبرج، تشهد أن العرب كانوا يعطون الحياة حقّها، وكانوا خير أمة أخرجت للناس، من أوّل التاريخ إلى333333

ص: 167

الآن. وإذ قد عرفت أخلاق العرب، واعتدالهم في أمور النكاح، فدونك لمحة تبين لك أخلاق رجال الكنيسة، فضلاً عن غيرهم من الأوروبيين في ذلك الزمان: إن عمل قوم لوط كان شائعاً في ذلك الزمان في جميع أنحاء أوروبة. وفي أواسط القرن الحادي عشر، رأى الكردينال بطرس داميان أن اللِّواط شائع بين القسيسين والرهبان في إيطاليا، وبلغ الأمر في أنه ألف كتاباً في ذلك وأرسله إلى البابا (ليو التاسع) والتمس منه أن يتدارك ذلك الأمر، ويأخذ في قطع ذرائعه وأسبابه، يستغيث به أن يعاقب كل راهب أو قسيس، يثبت عليه اللواط، بحلق رأسه والبصاق في وجهه وحبسه في غرفة مظلمة، ولما وصل كتابه إلى البابا، تقبله وأظهر الارتياح به، إلاّ أنه رأى ألاّ يبلغ العقاب بأولئك الفسّاق إلى الحد الذي أقترحه الكردينال المذكور، ولكن بما هو أخف وأليق بالرحمة والشفقة، فبقيت تلك الفاحشة جارية كما كانت، واسم كتاب داميان الذي أهداه إلى البابا:(عمورية) وهو اسم قرية قوم لوط. وفي كتاب داميان ما هو أدهى وأمرّ، مما يدل على تمام الهمجية، وهو الزنا بالمحارم، وأنه كان شائعاً هناك أيضاً.

قال المؤلف: لقد أطلقت لفظ: (العصور المظلمة) كسائر المؤلفين في كتابي هذا، على أكثر عصور الممالك النصرانية انحطاطاً على العموم، وخصوصاً القرن العاشر المسيحي. تنصّرت الممالك الأوروبية قبل ذلك بأربعة قرون أو بخمسة قرون أو ستة قرون تقريباً مضت من يوم تغلب (البابوات) والأساقفة على إدارة الملوك، وحملوهم على إبادة كل مصادر الإلهام يخالفهم أو يباريهم، فأغلقوا المدارس والمعابد، وقضوا على العلم والأدب، وإذا استثنينا بعض المواضع في أوروبة كالبندقية، إذ كان فيها بقية تافهة إصلاحية من علم اليونان تخفِّف من شرّهم وهمجيتهم، فإن أوروبا كلها كانت في ثباب وخراب اقتصادياً واجتماعياً وعقلياً. ومن ذلك الزمان أطلق الأساقفة والقسيسون والرهبان والراهبات الأعنّة في الدعارة والشهوات البهيمية، ولم يكونوا في ذلك الزمان يتسترون حتى بجلباب النفاق. ولو أن

ص: 168

غنياً من أصحاب الملايين من أهل هذا العصر كان في ذلك الزمان، لقدر أن يشتري مملكة بأسرها، وكان تسعة وتسعون بالمائة خدماً يعاملون بأقسى ما يعامل به العبيد، ولم يكن ولا واحد في المائة من الرجال، ولا واحدة بالألف من النساء، يقدر أن يقرأ، وكان الضعيف مضطهداً مقهوراً مسحوقاً تحت الأقدام مسحوقاً في الطين والدم، بل حتى القوي كان مهدداً بالأوبئة الوافدة والسيوف اللامعة على الدوام والنجوم ذوات الأذناب في السماء وجنود العفاريت الهائلة في الهواء.

كذلك إن أردت أن تعرف أفكار النصرانية الاجتماعية، فادرس القرن العاشر، فلا زخارف أقوال الواعظين، ولا كذب المعتذرين، ولا الإذعان السياسي من المؤرخين، يقدر أن يخفى عن ذوي الألباب عظيم تبعة الكنيسة، ولاسيما البابوية، في ذلك الزمان، الذي بلغ فيه الانحطاط إلى دركة لا نظير لها. وإنه لفصل من أشد فصول البشرية شقاءً وحزناً من الفصول التي استشهدت فيها الإنسانية. لقد حطّم بول من ناحية وأوغسطين من ناحية أخرى مدنية الإنسان، فهل هذا هو الذي سميناه - بعيدين عن اتِّباع الهوى - مدنية الله؟

لقد فازا في جميع بلاد أوروبا إلاّ زاوية واحدة، ألا وهي جزيرة إيبريا (الأندلس) التي نسميها اليوم إسبانيا والبرتغال، فقد أزيل الصليب من تلك الأرض في ابتداء القرن الثامن، وحكمها المسلمون. أجل قد بلغت رايات العرب المطرّزة المحمولة مع متن القرآن ظافرة تجتاح جبال (البرت) وتتألق في شمس جنوبي فرنسة، وصارت الممالك النصرانية مهددة، والمدرسون الأغمار - يقول المؤلف النصراني - في مدارسنا العالية، لا يزالون يقولون للأطفال الأغرار، ناقلين من مختصرات كتيبات التاريخ غير النزيهة، ويطنبون في مدح (شارل مارتل) الظافر حين لقي العرب في سهول فرنسة، وصدّهم عنها وحفظ العالم من المدنية.

إذ لا يوجد في الدنيا مدرس في جامعة أو مدرسة، يتجرأ أن يقول لتلامذته

ص: 169

ما يعرفه كل مؤرخ، أن العرب أقاموا حضارة من أعظم الحضارات العالمية، وأن شارل مارتل وجنوده كانوا لصوصاً متوحشين برابرة، وأن عرب الأندلس لو نجحوا في فتح أوروبا، وأقاموا فيها قرنين، وأقاموا فيها مدنيتهم كما فعلوا بإسبانيا، لكنّا الآن متقدمين خمسة قرون أكثر مما نحن عليه اليوم، ولا يستطيع عادٌّ أن يعدّ مقدار الدماء والدموع والفاقة والعدوان التي سبَّبها ذلك الظفر المبين، الذي ناله شارل مارتل في سهول فرنسة الجنوبية. وربما تتعجب إذا قيل لك: إنه يجب أن يضم درس حضارة العرب في الأندلس إلى دروس الدين ونشوء الإنسان وارتقائه، وسينقضي عجبك سريعاً جداً متى علمت أنه يثمر لنا درسين حيويين مهمين الأول: إنه من الباطل، أن يقال في أي بقعة من بقاع أوروبا، إنها لم تقدر أن تعود إلى المدنية بسرعة، لأن الدول الرومانية قد سحقها الغزاة البرابرة من أهل الشمال تحت أقدامهم: والثاني، إن البعث الحقيقي للحضارة الأوروبية لا علاقة له بدين النصرانية، بل هو عدوّها المبين.

قبل سنوات وقفت على جسر قرطبة، وفكرت في ذلك المنظر المحزن للهيكل العظمي لقرطبة التي أصبحت قرية في سكانها البائسين وشوارعها الضيقة القذرة ونهرها القذر. سكانها أقل من مائة ألف نفس، في بيوت بالية وفقر شديد، بينما كانت قبل ألف سنة أعظم مدينة في الأرض، يقارب سكانها مليوناً من النفوس السعيدة المغتبطة، وكانت لهم ثروة يمكن أن تشتري بها الممالك الأوروبية النصرانية مراراً، مع أميال معمورة بقصور المرمر القيمة، تلمع بين الحدائق البهيجة، ممتدة أمام ذلك النهر. وكانت فيها العلوم والفنون التي جذبت الناس إليها من كل ناحية من نواحي الدنيا، حيث كان العلم والفن يقدران حق قدرهما.

كان الرومان قد مدَّنوا إسبانيا وبريطانيا وفرنسة وجنوبي ألمانيا وإيطاليا، أولئك الذين كانوا محرومين من الوحي، شهوانيين، فجّاراً، ماديين، جعلوا من أبنائها الأولين أمة مهذّبة أرقى - بلا حدود - من أيّ أمة من أهل الممالك

ص: 170

النصرانية بعد ألف سنة، وأنت إلى الآن تمشي في طرقهم المعبّدة وتعبر على قناطرهم في إسبانيا، وهذه المدنية الرومانية الإسبانية، قد سحقتها القبائل التيوتونية تحت أقدامها، مثلما سحقت فرنسة وأشد مما صنعت بإيطاليا، لقد زلزلها الفندال المتوحشون، وحكمها القوط الغربيون وسكنوها، وكما يقول سكوت (ميخائيل سكوت Michal Skot) :" لم تترق أمة قط تحت حكم الرئاسة الدينية، وأن تقوى القسيسين الروحية، قد قضى عليها تعطشهم الشديد إلى التسلط والاستبداد في الحكم على البلاد وأهلها (الفصل الأول ص 363) ". وستانلي لين بول ( Stanly Lane Poole) لم يجد بداً أن يعترف بمثل ذلك في كتابه: العرب في الأندلس (ص 70) فقال: "لاشك في أن القوط كانوا متعبدين، إلاّ أنهم كانوا يرون أن عبادتهم تكفِّر ذنوبهم، وكانوا في الفسق مثل أشراف الرومان الذين سبقوهم. وحتى القسيسون الذين كان يعظون ويحضون الناس على الأخوة المسيحية - حين صاروا أغنياء، وملكوا الضياع - اتبعوا السياسة المأثورة في الجور، فصاروا يعاملون عبيدهم وخدمهم أسوأ معاملة، كما كان يعمل أشراف الرومان قبلهم".

وهذه صورة إسبانيا في القرنين السابع والثامن. ولما استوطن القوط الغربيون إسبانيا في القرن الخامس، أظهروا على الفور، أن قوة التيوتونية البربرية إذا تزوجت بثقافة الرومان، تتولد منهما مدنية جديدة، وذلك يبطل الرواية المزعومة: أن النصرانية لأجل أن تمدِّن البرابرة يلزمها زمان طويل. والذي يبطل الشطر الثاني من تلك الرواية، وهي أن النصرانية كانت قوة ممدِّنة، هو أن القوط الغربيين وكنيستهم جميعاً سقطوا إلى حضيض الجهل والرذائل والجور كسائر بلاد أوروبا خلال قرنين.

والآن، دعنا ننظر من أين جاءت القوة الممدِّنة حقيقة. كانت بلاد العرب بكراً لم تُفتح ولم تمدّن قط، حتى أواخر القرن السابع، فجاء محمد عليه الصلاة والسلام، فأوقد نيران الحماسة الدينية في بلاد العرب بدينه الجديد، فبعث في العرب نشاطاً عجيباً، فانطلقوا يفتحون البلدان، ويدخلون الناس في

ص: 171

دينهم في أرجاء العالم. وفي وقت قصير جداً، استولوا على المدنيتين القديمتين الفارسية والمصرية، ولم يمض عليهم زمن طويل، حتى أنشأوا مدنية عربية إسلامية. وكما قال سكوت: "لم يكن بين الهمجية والجهالة الصحراوية وبين الاستقرار والثقافة العقلية في عواصم الأمويين والعباسيين إلاّ أقل من مائة سنة. وكان العرب في الخشونة وعدم التهذيب الثقافي مثل التيوتونيين، ولكنهم لما استولوا على المدنية القديمة صاروا متمدنين تماماً خلال قرن واحد. ولكن ينبغي لنا أولاً أن نعلم، كيف صار هؤلاء العرب المحمديون (موراً)، ودخلوا أوروبا، بعدما فتح العرب مصر، كانوا لا يزالون متعطشين إلى الفتح، فولّوا وجوههم تارة أخرى شطر الغرب، وواجه أبناء العرب الصحراء فلم ترعهم ولم يعبثوا بها، ولكن البحر أفزعهم، وقد سمعوا أن وراء الصحراء أرضاً خصبة زكية التربة، تونس والجزائر ومراكش، التي عمرها القرطاجيون والرومان وجعلوها غنية، ولذلك توجّه أحد القواد العظام في (20000) من الخيل والركاب سنة 646 م وتوغلوا في مجاهل الصحاري، فاجتازوا مسافة ألف ميل من الأرض على شاطئ إفريقية الشمالية، وفي نحو نصف قرن، حكم العرب الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض كله، وطمحوا بأبصارهم بنهمة وشره إلى أراضي الشاطئ الشمالي الغنية.

واستوطن بعضهم مع المور -البربر السود- كما يزعمون، والحق أن البربر بيض بياضاً قاتماً وليسوا سوداً. في الشاطئ المقابل لجبل طارق، ولا شك أنهم تزوجوا منهم، فلذلك صاروا يعرفون عند الأوروبيين بالمور، والقلعة الحصينة التي كانت في الشاطئ الأوروبي حركت رغبتهم، وكانت بيد قائد يوناني يدعى يوليان، تحت حكم إمبراطور الرومان إسمياً. وفي سنة 709 م أو 710 م صار يوليان حليفاً للمور. ويحكى أنه أرسل ابنته إلى قصر ملك القوط الغربيين فاعتدى الملك على عفافها، فاستشاط لها يوليان، وعزم على الانتقام، فدعا أمير العرب إلى العبور إلى الشاطئ الأوروبي وفتح إسبانيا، ووصف له الكنوز والأموال المدهشة التي في قصر ملك القوط وكنيستهم

ص: 172

وصفاً شائقاً، وأوضح له أن بلاد إسبانيا في انحطاط فلا تحتاج فتحها إلاّ إلى قليل من الجنود والعتاد.

وفي سنة 710 م بعد بعثة استطلاعية، جهّز العرب قائداً بربرياً ومعه (7000) جندي، ثم أمدَّه بخمسة آلاف فارس من البربر، وقبل انتهاء سنة 711 م، تم للعرب فتح شبه جزيرة إسبانيا، وانحصر بقية الجنود القوطيين والأشراف والقسيسين في بقعة جبلية صغيرة على خليج بسكاي، وصعد العرب على جبال البرات، وبنوا عليها سلسلة من القلاع ليحصنوا أنفسهم من سكان فرنسة، الذين كانوا في نظرهم غريبي الأطوار متوحشين، وبمرور الزمن، فتحوا جنوبي فرنسة. ولما وصلت أخبار هذه الفتوح وما فيها من الغنائم والأراضي الخصبة إلى الشرق، جذبت خلقاً كثيراً من العرب والبربر للالتحاق بإخوانهم في الغرب. وبعث الخليفة من دمشق والياً استعمله على بلاد الأندلس، ومعه أربعمائة من أشراف العرب، فتجدد في العرب التعطّش إلى الازدياد من الفتح. وفي وقت من الأوقات، كان في بلاد فرنسة مائة ألف جندي من العرب، يجوسون خلال ديارها ويدوِّخون أهلها. وفي ذلك الوقت كانوا قد بلغوا درجة عالية من التمدن والرقي. وقد رحّب أهل جنوبي فرنسة بهؤلاء الفاتحين، ورأوا فيهم رُوماً جُدداً بالنسبة إلى الفرنج والجرمانيين الشماليين المتوحشين. ولا حاجة للإطناب في إخفاق العرب وعدم تقدمهم في أوروبا، الذي يُسمَّى في أكثر المدارس الغربية انتصاراً للتمدن والنصرانية، وهذه تسمية خاطئة مائة في المائة. وبأي شيءٍ عاد إلى أوروبا من وبال، بل الأجدر بنا أن ننظر في الخطة التي سار العرب عليها في إسبانيا نفسها، حتى أوصلوها من الرقي إلى درجة جعلت بقية أوروبا بالنسبة إليها همجية متوحشة، ولكن قبل أن نتجاوز هذا المقام، ينبغي أن تعرف أن حضارة العرب وتهذيبهم تركا أثراً خالداً في أهل جنوبي فرنسة، فبقوا قروناً طويلاً متصلين بالعرب من الوجهة الثقافية. فثنايا جبال البرانس كانت أول مصدر من مصادر الإلهام لأوروبا البربرية. ولم يلبث أهل جنوبي فرنسة أن

ص: 173

صاروا في بلهنية العيش والرفاهية، وفشا فيهم الإلحاد والانحراف عن الدين، وليست حرارة الشمس فقط هي التي جعلت سكان أرض جنوبي فرنسة المثل الأعلى في جودة الغناء والطرب.

ونعود إلى الأندلس، فنقول: إن الخليفة في دمشق، هو الذي يولي الولاة والحكام في الأندلس، وكان هؤلاء الولاة من شعب قد سار شوطاً بعيداً في المدنية، وكانوا دوماً ينفذون أوامر الخليفة، فشكّلوا على الفور الدوائر المدنية والسياسية والنظام الزراعي. ولم يجد العرب إغراقاً فيما سمعوه من عظمة الكنوز الملكية والكنسية، فوجدوا في طليطلة قاعدة ملك القوط الغربيين مقداراً هائلاً من الذهب واللؤلؤ. على أنه من المحقق أنهم إلى ذلك الوقت لم يقعوا على الكنوز العظيمة التي كانت مخبّأة تحت الأرض، حيث دفنها القسيسون عند فرارهم. هذا وقد أخذ الفارون الأولون -ومنهم الأسقف- معهم كثير من الأموال المنقولة، ويروى أن جنود العرب، وجدوا طائفة من رجال الكنيسة فارين، ووجدوا عندهم كرسياً يوضع عليه الكتاب المقدس، وكان ذلك الكرسي من الذهب الصلب الخالص مرصعاً بالياقوت الزعفراني والياقوت الأحمر والزمرد واللؤلؤ يساوي نصف مليون دولار، مع أن النقود في ذلك الوقت كانت تساوي عشرة أضعاف ما تساويه اليوم.

لكن مدنية العرب في الأندلس التي بلغت أوج الرقي، إنما أُسست على الحالة الإقتصادية السليمة في تلك البلاد نفسها. ولا يتسع المقام هنا لذكر تاريخ العرب، فكتاب (س. ب. سكوت) المرسوم:"تاريخ المملكة (الإمبراطورية) العربية في أوروبا 1904 م "، يخبرنا بما شاء من ذلك في دقة وانسجام مع ذكر الأدلة، ولكنه كبير في ثلاث مجلدات ضخام، فلم تزل الحاجة إلى تأليف كتاب مناسب في الحجم، واف في بيان عظمة العرب التاريخية، وكتاب (ستانلي لين بول)، المسمى:"العرب في إسبانيا 1895" في سلسلة: (أخبار الأمم) تأليف قوي الحجة جيد، ولكنه على طريقة المؤرخين في ذكر ملاحم الملوك ونوادرهم. وكتاب شارلوت نونج: "أخبار

ص: 174