الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ويمثل سقوطها نهاية الحكم الإسلامي للأندلس وذهاب السلطان السياسي منها. وبقي ملايين من المسلمين، ولكنهم تحملوا عشرات السنوات الكثير من الاضطهاد وعمليات الإفناء التي أتت عليهم في النهاية قتلاً وتشريداً وإذابة، وكادت تأتي على كل ما خلفه المسلمون بأجناسهم من إنتاج حضاري رفيع شمل مختلف الميادين (1).
2 - أسباب النصر:
وكان تعداد جيش طارق بن زياد الذي عبر على رأسه من الشمال الإفريقي إلى الأندلس فاتحاً هو سبعة آلاف مجاهد، وكان تعداد جيشه في المعركة الحاسمة التي خاضها، فانتصر على القوط الغربيين، وقتل ملك إسبانيا القوطي لذريق، اثنى عشر ألف مجاهد، تكبّدوا في معركتهم الحاسمة ثلاثة آلاف شهيد (2)، أي ربع مجموع القوة الإسلامية الذين قدموا فاتحين.
واندفاع طارق بهذا العدد القليل من المجاهدين لفتح بلاد واسعة بالتغلب على دولة القوط القائمة لم يكن نزهة من النزهات الترفيهية التي تخلو من الأخطار والمعضلات الجسام، وانتصار طارق على القوط وفتح الأندلس ليس لأن القوط كانوا ضعفاء في جيشهم وقيادتهم، كما يحاول أن يزعم المستشرقون ويتابعهم عليها المستغربون، فالعكس هو الصحيح، لأن تقاليد القوط العسكرية وشجاعتهم معروفة حتى اليوم، كما أن لذريق ملك الأندلس كان من أبرز قادتهم وأكثرهم كفاية كما يقرر ذلك مؤرخو الأسبان المحدثون، حتى جعلوا منه بطلاً قومياً، كما أن ضعف أمة من الأمم لا يتيح الفرصة لغيرها أن تكون قوية متماسكة بدون مسوِّغ، وما انتصر طارق ومن معه من المسلمين الفاتحين إلاّ لأنهم كانوا مجاهدين صادقين، قاتلوا قتال أهل العقيدة الراسخة
(1) التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة (40).
(2)
استفتاح الأندلس (222) وأخبار مجموعة (7) وتاريخ الأندلس (47) ونفح الطيب (1/ 258).
التي جعلت الجهاد فرضاً، وجعلت الشهيد حيّاً عند الله يرزق في الجنة في درجات رفيعة من درجاتها، كما أن طارق قائداً والمسلمين المجاهدين جنوداً، كانوا يشعرون أنهم ليسوا وحدهم في الميدان، بل هم في ضمان الإسلام ديناً، والمسلمين أمة، لا يمكن أن يتخلى عنهم المسلمون أبداً، فهم في ضمان المسلمين كافة وفي رعاية الله، لذلك كان إقدامهم فذاً عجيباً، وانتصاراتهم مذهلة مدهشة، بكل المقاييس العسكرية المعروفة.
هذا هو سبب انتصار طارق ورجاله: انتصروا بالإسلام والمسلمين، فما ينبغي أن ننكر هذا السبب في دراستنا، مجاملة لأعداد العرب والمسلمين، أو خشية من أحد، لأن الحق أحق أن يُتَّبع وأن يُدوّن وأن يُصرّح به وأن يُدافع عنه. ومن المعلوم، أن الجيش الذي يقاتل في ساحة من ساحات العمليات، وهو يعلم علم اليقين، أن مصيره جماعات وأفراداً، لا يهم ذوي قرباهم من المسلمين فحسب، بل يهم المسلمين كافة في أرجاء الوطن الإسلامي، من الخليفة المسئول الأول في المسلمين، إلى أصغر فرد من أفراد المسلمين، وأن مصيره لا يغيب عن أذهان المسلمين كافةً، كما لا يغيب عن أذهان أهليهم الأقربين، هذا الجيش الذي يقاتل بضمان المسلمين جميعاً، ليس كالجيش الذي يقاتل بدون ضمان ولا تضامن، فالأول يقاتل بمعنويات عالية جداً تتناسب مع ضمان المسلمين له وتضامنهم معه، والثاني يقاتل بمعنويات منهارة، لأن مصيره ليس موضع اهتمام أحد من المسئولين وغير المسئولين، كالشجرة بدون جذور، أو كالبناء بدون أُسُس، تنهار الشجرة، وينهار البناء اليوم أو غداً، ولا يقاوم العواصف والهزّات.
وكان للفتوحات الإسلامية بدون استثناء حافزان لا ثالث لهما: الأول هو الحافز الديني، المتمثل بالجهاد والدعوة إلى الله، فقد كانت الفتوحات فتوحات عقيدة. أما الحافز الثاني فهو حافز عسكري، وهو الدفاع عن البلاد المفتوحة، بفتح البلاد التي يكمن فيها أي خطر على مصير تلك البلاد، فكان
فتح الأندلس هو لحماية شمالي إفريقية من خطر يتهددها من الأندلس في الحاضر أو المستقبل، حتى لا تصبح قاعدة للعدو ينطلق منها لتهديد الشمال الإفريقي. وقد ثبتت سبتة أمام المسلمين بمعاونة من ملك الأندلس في حينه كما هو معروف (1).
أما ما يردده المستشرقون ويصدقه المستغربون من أن: إسبانيا في السنوات الأخيرة التي سبقت الفتح العربي، عانت من الفوضى والارتباك في الدولة القوطية، نتيجة اغتصاب العرش من قبل لذريق، حيث واجه وضعاً داخلياً سيئاً للغاية، فقد كانت الدولة بحاجة ماسة إلى الأموال، للقضاء على الفتن وحركات التمرد المعادية، لا سيما في منطقة الباسك. لهذا فقد استولى لذريق على خزائن أسلافه في كنيستي سان بيدرو ( San Pedro) وسان بابلو ( San Pablo) في طليطلة، مما سبب استياء رجال الدين. ويمكن القول بشكل عام، إن إسبانيا، كانت تعاني من مشاكل سياسية واجتماعية كبيرة قُبيل مجيء العرب إليها، وإن جيشها لم يكن بحالة تسمح له بالوقوف أمام الجيش العربي الإسلامي (2)، ومثل هذه التخرصات لا يصدقها أحد، لأن لذريق كان من أقوى قادة القوط وأقدرهم، وقد قضى على التخلف والانحلال باستيلائه على السلطة الضعيفة. كما أن ضعف دولة من الدول، لا تتيح الفرصة لغيرها من الدول أن تكون قوية وقادرة على الفتح. وما كان العرب ولا غيرهم من المسلمين كالبربر يطمعون بحماية أنفسهم من القوط قبل أن يصبح البربر مسلمين، فأصبحوا قوة قادرة بالإسلام وبروح الجهاد الذي بعثه الإسلام في نفوسهم. فإذا كان المستشرقون بروحهم الصليبية والصهيونية يهدفون إلى التقليل من شأن أثر الإسلام في الفتوح والنصر، لأسباب لا يجهلها أحد، فما
(1) سيرد تفصيل ذلك في سيرة طارق بن زياد، كما ورد في سيرة موسى بن نصير، انظر قادة فتح المغرب (1/ 236).
(2)
E. Saavedra، Estudio Sobre la invasion. De las en Espana، Madrid، 1892، pp. 40-43.