المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فما هي مجمل تلك المزايا - قادة فتح الأندلس - جـ ١

[محمود شيت خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌الأندلس وما جاورهاوجزر البحر الأبيض المتوسطقبل الفتح الإسلاميّ وفي أيامه

- ‌الموقع والحدود

- ‌1 - الأندلس

- ‌أ - الموقع:

- ‌ب - مصطلح الأندلس ومدلوله:

- ‌2 - المدن

- ‌1 - جزيرة طَرِيْف Tarifa:

- ‌2 - الجزيرة الخضراء Algeciras:

- ‌3 - طُلَيْطِلة Toledo:

- ‌3 - قَرْطَاجَنَّة الجزيرة Cartagena:

- ‌4 - بَنْبُلُونَة Pamplona:

- ‌5 - قُرْطُبَة Cordova:

- ‌6 - شَقُنْدَة Secunda:

- ‌7 - شَذُوْنَة Sidonia:

- ‌8 - إسْتِجَة Ecija:

- ‌9 - قَادِس Cadiz:

- ‌10 - مُرْسِيَة Murcia:

- ‌11 - شَرِيش Xeres - Jerez:

- ‌12 - المَدُوْر، Almodovar:

- ‌13 - إِشْبِيْلِيَة Sevilla ، Seville:

- ‌14 - مَالَقَة Malaga:

- ‌15 - إِلْبِيْرَة Elvira:

- ‌16 - غَرْنَاطة Granada:

- ‌17 - تُدْمِيْر Tudmir:

- ‌18 - أُوْرْيُوْلَة Orihuela:

- ‌19 - جَيَّان Jaen:

- ‌20 - جِلِّيْقِيَّة Galicia:

- ‌21 - أسْتُرْقَة Astorga:

- ‌22 - طَلَبِيْرَة Talavera:

- ‌23 - أَكْشُوْنُبَة Ocsonoba:

- ‌24 - قَرْمُوْنَة Carmona:

- ‌25 - رَعواق Alcala Guadaira:

- ‌26 - لَبْلَة Niebla:

- ‌27 - بَاجَة Beja:

- ‌28 - مَارِدَة Merida:

- ‌29 - لَقَنْت Alicante:

- ‌30 - قَشْتَالَة Castile - Castilla:

- ‌31 - سَرَقُسْطَة Zaragoza:

- ‌32 - وَشْقَة Huesca:

- ‌33 - لارِدَة Larida:

- ‌34 - طَرَّكُوْنَة Tarragna:

- ‌35 - بَرْشَلُوْنَة Barcelona:

- ‌36 - أماية Amaya:

- ‌37 - لِيُوْن Leon:

- ‌38 - بَلَنْسِيَة Valencia:

- ‌39 - أُرْبُوْنَة Narbonne:

- ‌40 - قَرْقَشُوْنَة Carcassone:

- ‌41 - بَلانة Villena:

- ‌42 - مُوْلَة Mula:

- ‌43 - بسْقَرَة Bigastre:

- ‌44 - إِلُة Ello:

- ‌45 - لُوْرَقَة Lorca:

- ‌46 - يَابُرَة Evora:

- ‌47 - شَنْتَرِيْن Santarein - Santaren:

- ‌48 - قُلُمْرِيَّة Coimira:

- ‌49 - أَشْتُورِش Austurias:

- ‌50 - لشبونة Lisbon:

- ‌51 - بَطَلْيُوْس Badjoz:

- ‌52 - مدينة وَلِيْد Valladolid:

- ‌53 - المَرِيَّة Almeria:

- ‌54 - وادي الحجارة = مدينة الفَرَج Guadalajara:

- ‌55 - مدينة سالم Medinaceli:

- ‌56 - دَانِيَة Dania:

- ‌57 - تُطِيْلَة Tadela:

- ‌58 - طَرْطُوْشَة Tortosa:

- ‌59 - شَنْت يَاقُب Santiago:

- ‌60 - سَلْمَنْكَة Salmanca:

- ‌61 - قُوْرِيَّة Coria:

- ‌62 - بَرْغَش Burgos:

- ‌63 - قَسْطَلُوْنَة Castallon:

- ‌64 - أُسْتُوْرِيْس Asturias:

- ‌65 - أُبَّدَة Ubeda:

- ‌66 - بَيَّاسَة Baeza:

- ‌67 - بَرْبُشْتَر Berbastro:

- ‌68 - بَرْبَطانِيَة Boltania:

- ‌69 - بُبَشْتَر Bobastro:

- ‌70 - بَقِيْرَة Viguera:

- ‌71 - بَرْمِنَّش Bermndo:

- ‌72 - قَبْرَة Cabra:

- ‌73 - بَيَّانَة Bayanne:

- ‌74 - قَلَهُرَّة Calahorra:

- ‌75 - قلعة أيوب Calatayud:

- ‌76 - قلعة رَباح Calatrava:

- ‌77 - جبل طارق Gibraltar:

- ‌78 - المُُنَكَّب Almunacar:

- ‌79 - شَوْذَر Jodar:

- ‌80 - مَجْرِيْط (مدريد الآن) Magerit:

- ‌81 - مِيْرتُلَة Mertola:

- ‌82 - مُنْت شُوْن Monzon:

- ‌83 - مُنْت لُوّن Mentileon:

- ‌84 - تُرْجِيْلَة Trujillo:

- ‌85 - شَنْتَمَرِيَّة الشَّرق Santa Maria de Albarracin:

- ‌86 - شَنْتَمَرِيَّة الغرب Santa Maria de Algarve:

- ‌87 - شَنْتَبَرِيَّة Santaver:

- ‌88 - طُولوز Toulouse:

- ‌89 - شَاطِبَة Xativa - Jativa:

- ‌90 - طُرُّش Torrox:

- ‌91 - بُرْذِيل (بوردو الآن) Bordeaux:

- ‌92 - الأرض الكبيرة:

- ‌93 - المنارة: برج هِرَقْل Torre de Hercules:

- ‌94 - بَرْبَشْتَر Berbastro:

- ‌95 - أُقْلِيش Acles:

- ‌96 - قوْنْكَة Ceuenca:

- ‌97 - البَسِيْطَة Albacete:

- ‌98 - شَنْتَجَالَة Chinchilla:

- ‌99 - ليون Leon:

- ‌100 - طَلَمَنْكَة Salamanqua:

- ‌101 - زَمُّوْرَة Zamora:

- ‌102 - كُوْرْنِيَّة Corigna:

- ‌103 - الحُمَّة Alhoma:

- ‌104 - أراغون Aragon:

- ‌105 - نبارة (نافار) Navarre:

- ‌106 - تِرُوْل Teruel:

- ‌107 - جَرِيْقَة Gerica:

- ‌3 - الثّغور الأندلسيّة

- ‌أ - الثّغر الأعلى:

- ‌ب - الثغر الأوسط:

- ‌ج - الثغر الأدنى:

- ‌4 - جبال الأندلس

- ‌5 - الأنهار

- ‌أ - نهر إبْرُهْ Ebro:

- ‌ب - الوادي الكبير Guadilquivir:

- ‌ج - نهر تَاجُهْ Togo:

- ‌د - النهر الأبيض:

- ‌و - المجمل:

- ‌السكان

- ‌الموارد الاقتصادية

- ‌1 - المناخ العام:

- ‌2 - الموارد الزراعية والحيوانية:

- ‌3 - المعادن والأحجار الكريمة:

- ‌4 - المصنوعات الأندلسيّة والتّصدير:

- ‌تاريخ الأندلس قبل الفتح الإسلاميوفي أيامه الأولى

- ‌1 - في أوروبا وإفريقيَّة

- ‌أ - البرابرة:

- ‌ب - أجناسهم وممالكهم:

- ‌ح - وصولهم إلى أوروبّة:

- ‌د - القوط الغربيون في إيطاليا:

- ‌هـ - في إسبانيا:

- ‌و- الفاندال في إفريقية:

- ‌ز - سقوط رومة:

- ‌ج - مقتل آدوفاكر:

- ‌ط - اضطراب أحوال الفاندال:

- ‌ي - القوط الغربيون في إسبانيا:

- ‌ك - الفرنجة في فرنسة:

- ‌ل - الهيطل (الهون):

- ‌م - الخلاصة:

- ‌2 - في إسبانيا

- ‌أ - القوط الغربيون في أواخر أيامهم:

- ‌ب - دولة القوط الغربيين في إسبانيا:

- ‌ج - لُذَرِيق:

- ‌د - أحوال إسبانيا تحت حكم القوط:

- ‌هـ - مجلس طُلَيْطُلَة:

- ‌و- المجتمع الإسباني أيام القوط:

- ‌ز - الحالة الثقافية:

- ‌يُلْيَان

- ‌1 - شخصيته:

- ‌2 - يليان والمسلمون الفاتحون:

- ‌فتح الأندلس

- ‌1 - الموقف العام:

- ‌2 - فتح طَرِيْف:

- ‌3 - فتح طارق بن زياد:

- ‌4 - الفتح المشترك بين موسى وطارق:

- ‌5 - فتح موسى بن نصير:

- ‌6 - فتح مغيث الرومي:

- ‌7 - فتح عبد العزيز بن موسى بن نصير:

- ‌8 - فتح عبد الأعلى بن موسى بن نصير:

- ‌9 - فتح عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌10 - فتح السمح بن مالك الخولاني:

- ‌عبرة الفتح

- ‌1 - التوقيت:

- ‌2 - أسباب النصر:

- ‌حضارة العرب والمسلمين في الأندلس

- ‌1 - الجذور:

- ‌2 - العرب في أوج مجدهم:

- ‌3 - مدينة النور والحب:

- ‌4 - علوم العرب وآدابهم:

- ‌الكارثة

- ‌طارق بن زيادفاتح شطر الأنْدلُس

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌في فتح طنْجَة

- ‌1 - مقدمات الفتح

- ‌أ - الأسباب:

- ‌ب - الاستطلاع:

- ‌2 - الفتح

- ‌أ - الخطّة العامَّة:

- ‌ب - المناوشات التمهيدية:

- ‌أ - الموقف العام:

- ‌أولاً: موقف القُوْط:

- ‌ثانياً. موقف المسلمين:

- ‌4 - خطبة طارق وحرق السُّفن

- ‌أ - الخطبة:

- ‌أولاً: الرّفض:

- ‌ثانياً: القبول:

- ‌ثالث‌‌اً. في المصادروالمراجع:

- ‌اً. في المصادر

- ‌نص ابن حبيبعبد الملك بن حبيب الألبيري (ت 238 هـ)في كتابه استفتاح الأندلس

- ‌ نص ابن قُتَيبة (ت 276 هـ)في كتابهالإمامة والسياسة

- ‌نص أبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ)في كتابهسراج الملوك

- ‌نص أبي محمد بن إبراهيم (ابن خيرة) المراعينيالأشبيلي (ت 564 هـ)في كتابهريحان الألباب وريعان الشبابفي مراتب الآداب

- ‌نص ابن خلكّان (ت 681 هـ)في كتابهوفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان

- ‌نصّ ابن الشباط (ت 681 هـ)محمد بن علي بن محمد بن الشباط المصري التوزريفي كتابه صلة السّمط وسمة المرط في شرح سمط الهدىفي الفخر المحمّديّ

- ‌نصّ ابن هُذَيْل (ت 763 هـ)علي بن عبد الرحمن بن هُذَيْلفي كتابهتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس

- ‌نصّ المقَّرِي (ت 1041 هـ)أحمد بن محمد المقّري التِلمِسانيفي كتابهنفح الطيبمن غُصن الأندلس الرّطيب

- ‌(ب). في المراجع:

- ‌ب - حرق السُّفن:

- ‌5 - سير المعركة الحاسمةمعركة وادي بَرْباط أو وادي لَكُّهْ

- ‌أ - قوّات الطرفين:

- ‌أولاً: المسلمون:

- ‌ثانياً. القوط:

- ‌ب - التوقيت:

- ‌ج - ميدان القتال:

- ‌د - سير القتال:

- ‌6 - فتوح طارق قبل عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - الموقف العام بعد المعركة الحاسمة:

- ‌ب - فتوح المدن الثانوية:

- ‌ج - فتح قُرْطُبة:

- ‌د - فتح طُلَيْطُلَة

- ‌7 - فتوحات طارق بعد عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - بين موسى وطارق:

- ‌ب - فتوح موسى قبل لقاء طارق:

- ‌ج - لقاء القائدين:

- ‌د - الفتح المشترك بين القائدين:

- ‌الإنسان

- ‌1 - عودة القائدين إلى دمشق

- ‌أ - العودة:

- ‌ب - أسباب استدعاء موسى وطارق:

- ‌2 - الرّجل

- ‌القائد

- ‌1 - سماته القيادية عامة:

- ‌فما هي مجمل تلك المزايا

- ‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة:

- ‌3 - في تطبيق مبادئ الحرب

- ‌أ - اختيار المقصد وإدامته

- ‌ب - التّعَرض

- ‌ج - المباغتة

- ‌د - تحشيد القوّة

- ‌هـ - الاقتصاد في المجهود

- ‌و- الأمن

- ‌ز - المرونة

- ‌ح - إدامة المعنويات

- ‌ط - الأمور الإدارية

- ‌ي - التّعاون

- ‌4 - نقطة الضعف:

- ‌5 - مجمل السِّمات:

- ‌أ - سِماته الخاصة:

- ‌ب - سِماته العامة:

- ‌طارق في التاريخ

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌طَرِيْف في التاريخ

- ‌مغِيْث الرُّومِيّفاتح قُرْطُبَة

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌مُغِيْث في التاريخ

- ‌فهرس الجزء الأول

الفصل: ‌فما هي مجمل تلك المزايا

عربياً أصيلاً؟ ما الذي جعل القيادة تسعى إليه، وهو من البربر؟

لا بد وأن تكون لديه مزايا قيادية فذّة، مهّدت له الطريق لتولي القيادة، وتغلبت على العقبات التي كانت تحول بينه وبين أمثاله من غير العرب، لتولي القيادة في تلك الأيام من عهد بني أمية في التاريخ الإسلامي العريق.

‌فما هي مجمل تلك المزايا

؟

لم يأخذ موسى حشوداً من العرب المسلمين معه إلى إفريقية والمغرب، فقد سار من مصر مصحوباً ببعض المتطوِّعين من رجال القبائل العربية هناك (1)، واعتمد في فتوحه على العرب والبربر الموجودين في إفريقية والمغرب، ولم يكن تعداد العرب المسلمين بالنسبة إلى تعداد البربر المسلمين الذين يتزايدون يوماً بعد يوم شيئاً مذكوراً، فكان العرب المسلمون أقلية، والبربر المسلمون أكثرية، ولا مجال لموسى إلاّ في التعاون مع البربر المسلمين، فاستعان بهم فتمكن من توسيع نطاق فتوحاته، لتشمل من القيروان إلى المحيط الأطلسي (2).

وبعد أن أخضع موسى القبائل البربرية في إفريقية، قرر أن يبذل جهوداً فعالة لافتتاح المغرب، فأرسل ثلاث حملات: قاد الأولى بنفسه (3)، وقاد الحملتين الثانية والثالثة قائدان مرءوسان من قادته (4)، فنجح موسى في محاولاته الثلاث نجاحاً باهراً، أرضى بها كلاً من عبد العزيز بن مروان والي مصر ومسئوله المباشر، والخليفة في دمشق، اللذين أبديا إعجابهما بحملاته الناجحة وكثرة ما حمله إليهما من غنائم (5).

(1) أخبار مجموعة (3 - 4) ونفح الطيب (1/ 230 و 250).

(2)

Cf. p.Guichard، Al J Andalus. P. 284

(3)

المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب (117 - 118) والبيان المغرب (1/ 41).

(4)

البيان المغرب (1/ 41 - 42) وابن خلدون (4/ 402).

(5)

ابن حبيب (224) وفتح مصر والمغرب (203 - 204) وفتح الأندلس (12) والرسالة =

ص: 370

وفي الحملة الناحجة التي قادها موسى، من هذه الحملات الثلاث، زحف موسى مصحوباً بطارق على مقدّمته إلى طنجة، ففتحها، ثم توغل جنوباً ففتح مناطق واسعة جداً، وكالن توغله ناجحاً للغاية. وقد امتازت تلك الحملات التي قام بها موسى وقائداه، بضراوة شديدة، ولكن ما أن يعتنق البربر الإسلام، إلاّ ويُقرّ الفاتحون زعماءهم في الرئاسة، مقابل مساهمة كل قبيلة بربرية بعدد كافٍ من المجاهدين والانضمام إلى جيش المسلمين، فاستطاع موسى أن يجند أعداداً هائلة من مختلف قبائل البربر، مثل: كُتَامَة، وهَوَّارة، وزَنَاتة، ومَصْمُودَة (1)، فوحد موسى هؤلاء المجاهدين الجُدد من البربر، ووضعهم جميعاً في حامية طنجة بقيادة طارق الذي عينه حاكماً على هذه المدينة في حدود سنة تسعين الهجرية (708 م)؟ ولم يُبْقِ مع طارق إلاّ القليل من العرب المسلمين، الذين كانت مهمتهم نشر تعاليم الإسلام بين البربر (2)، وغادر الجيش الإسلامي بقيادة موسى إلى القيروان، حيث استقر موسى ومَن معه هناك، وبقي طارق وجيشه البربري في طنجة قائداً ووالياً.

ومنذ ذلك الوقت، تمت سيطرة موسى بن نصير على الشمال الإفريقي، أي سيطرة الدولة الإسلامية، على تلك المناطق النائية، بعد سبعين سنة من الاقتتال بين الفاتحين المسلمين وبين البربر، هي المنطقة الكائنة بين بَرْقة (3) على الحدود الليبية المصرية والمحيط الأطلسي. وما كان موسى ليستطيع

= الشريفية (165) والنويري (22/ 22 - 23).

(1)

البيان المغرب (1/ 43 - 44) وعبيد الله بن صالح - تحقيق بروفنسال (224).

(2)

ابن حبيب (222) وفتح مصر والمغرب (204 - 205) وذكر بلاد الأندلس (رقم 85ج) ص: 83 - 84 وابن الأثير (4/ 540) ووفيات الأعيان (5/ 320) والبيان المغرب (1/ 42) والنويري (22/ 22) وابن خلدون (4/ 402) و (6/ 220 و 437) ونفح الطيب (1/ 239) والسلاوي (1/ 96).

(3)

برقة: اسم صقع كبير، يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وإفريقية، واسم مدينتها: إنطابلس، وتفسيره الخمس مدن، أنظر التفاصيل في معجم البلدان (2/ 133) والمسالك والممالك (32).

ص: 371

تحقيق هذه السيطرة الكاملة، لولا تطبيق روح الإسلام في السير على سياسة التعاون والاندماج بين العرب المسلمين والبربر المسلمين، وكان بإمكان أسلاف موسى أن يحققوا النصر في تلك الأصقاع النائية بوقت أقصر لو اتبعوا منذ البداية سياسة أبي المهاجر (1) دِينَار الإيجابية في هذا المجال (2).

ومن الواضح، أن أول مزية من مزايا قيادة طارق، التي أهّلته لتولي منصبه القيادي، هي أنه بربري، فقد كان السواد الأعظم من جيشه والأغلبية المطلقة من البربر المسلمين، وكان العرب المسلمون في طنجة أقلية مطلقة أيضاً، يقتصر واجب رجالها على الدعوة إلى الله، فهم من الدعاة لا من القادة، فرأى موسى أن يولي طارقاً على قومه البربر المسلمين، فهو منهم وإليهم، يعرف آمالهم وآمالهم، ويستطيع التفاهم معهم وحل مشاكلهم ومعالجة معضلاتهم بسهولة ويسر، وهو أقدر على قيادتهم وإدارتهم من عربي مسلم غريب عنهم، كما أنه قادر على التأثير في نفوس البربر، لأنه ليس غريباً عنهم، ويتقبّلون التعامل معه أكثر مما يتقبلون التعامل مع قائد أو إداري غريب عليهم، يشعرون أنه سيِّدهم وهم تَبَع له وهو مفروض عليهم، بعكس شعورهم بالنسبة لقائد أو إداري من البربر، يشعرون أنهم أنداد له، وهو ليس مفروضاً عليهم، بل من أبنائهم.

ولكن مزيته البربرية وحدها لا تكفي لتولي القيادة، فيبدو أنه كان مؤمناً صادقاً، حَسُنَ إسلامُه، وأصبح ولاؤه للإسلام وتعاليمه، وبذلك رضي الدعاة العرب أن يعملوا معه وبإمرته وإدارته وتوجيهه، ولولا ذلك لرفضه البربر المسلمون والدعاة العرب في مثل تلك الأيام في أيام الفتح والجهاد والدعوة إلى الله.

وقد ولاه موسى على مقدمته في حركته لفتح طنجة، وقد كان موسى من

(1) أبو المهاجر دينار: أنظر سيرته المفصّلة في كتابنا قادة فتح المغرب العربي (1/ 137 - 149).

(2)

الفتح والاستقرار العربي الإسلامي في شمال إفريقيا والأندلس (143).

ص: 372

ألمع قادة الفتح الإسلامي، ولا يمكن أن يولي على مقدمته إلاّ مَن كانت له سمات قيادية متميزة، لأن المقدمة مسئولة عن أمن سائر الجيش، ومسئولة عن الحصول على المعلومات عن العدو والأرض، وهي التي تُيَسِّر تقدم الجيش إلى الأمام بسهولة وانطلاق، ومسئولة عن منع العدو من الحصول على المعلومات عن جيش المسلمين، لئلا يستفيد من تلك المعلومات في ضربه وعرقلة تقدمه في المكان والزمان الجازمين، وهي مسئولة عن تطهير الطريق ليتقدم الجيش بسرعة واندفاع، ولا يمكن أن ينهض بهذه المسئوليات إلا قائد متميز.

والذي يبدو، أن موسى، جرّب طارقاً، في مسيرته الطويلة الشاقة، من القيروان إلى المحيط الأطلسي، فأثبت طارق أنه جدير بالثقة، فولاّه موسى على مقدمته أولاً، فكانت أول الغيث، ثم انهمرت عليه المناصب بعد ذلك.

وقد كان موسى على صلة وثيقة بطارق، لأن طارقاً هو مولى موسى، ومن مواليه المقربين، ولكن موسى لم يُقدِم على تولية طارق القيادة، لأن طارقاً مولاه، فليس هناك مَن يولي القيادة في أيام الحرب مَن لا يستحقها، حتى ولو كان ابنه أو شقيقه، ولا يُولي في مثل تلك الظروف غير ذوي الكفاية القيادية العالية من القادرين على تحمل أعباء القتال وقيادة الرجال، لأن مَن يُولِّي منصباً قيادياً في أيام الحرب لمن لا تتوفر فيه الكفاية والمزايا القيادية المطلوبة، تكون العاقبة الوخيمة هزائم واندحاراً وخسائر فادحة عليه، وعلى جيشه وعلى القائد الذي تولى القيادة اعتباطاً وعلى الأمة والبلاد، ولا يمكن أن يقع في مثل هذا الخطأ الشنيع قائد متميز مثل موسى ولا أي قائد آخر.

إن مفتاح مزايا قيادة طارق، هو أنه كان المثال الشخصي لرجاله في الشجاعة والإقدام، فهو لا يكتفي بإصدار الأوامر لرجاله، بل هو أول من يبدأ بتنفيذها على نفسه، بشكل يكون فيه أسوة حسنة للذين يعملون معه، إن استطاعوا.

ولم يكن طارق من القادة الذين يقودون رجالهم من الخلف: يُصدر أوامره

ص: 373

إليهم، ويطالبهم بتنفيذها، ثم يقبع في الخلف آمناً مطمئناً بعيداً عن الخطر. إنه من القادة الذين يقودون رجالهم من الأمام: يصدر أوامره إلى رجاله، ويقول لهم اتبعوني، وافعلوا ما تروني أفعل، ثم يكون القدوة لرجاله في الشجاعة والإقدام، والتضحية والفداء.

كان يُتْعِب نفسه، أكثر مما يتعب رجاله، فكان لا ينام ويُنِيم.

ولكي تتضح سمات طارق القيادية، لا بد من ضرب الأمثال، لكي نستنتج منها تلك السمات بوضوح وجلاء.

وحين أصبح المسئول عن فتح الأندلس، أعدّ خطة الفتح المفصّلة، وبدأ بتنفيذ مراحلها في رمضان من سنة إحدى وتسعين الهجرية (آب - أيلول = أغسطس - سبتمبر 710 م)، وذلك بإرسال حملة استطلاعية بقيادة أبي زَرْعة طَريف بن مالك المعافري، مؤلفة من أربعمائة راجل ومائة فارس.

ونجحت مهمة طريف الاستطلاعية نجاحاً باهراً، فقرر طارق أن يقود الحملة المقبلة، تنفيذاً لمراحل خطة الفتح.

لقد كان طارق قائداً يبدأ أعماله بالاستطلاع المفصّل، ليكون على بيِّنةٍ من أمره، ولا يخطو خطوة إلاّ بعد جمع المعلومات الضرورية بالاستطلاع، فلا يضع خطوته إلاّ في موضع أمين، واضح المعالم غير مجهول التفاصيل، فهو يعمل دائماً بالنور، ولا يعمل أبداً في الظلام، وتلك سمة مهمة من سمات القائد الحصيف.

وفي عملية عبور جيش طارق من مدينة سَبْتة إلى بر الأندلس، برزت ثلاث سمات من سمات قيادته: الأولى: استئثاره بالخطر لحماية رجاله وإيثارهم بالأمن، والثانية: حرصه الشديد على أرواح رجاله، والثالثة: المبالغة في بذل جهده للاطمئنان على سلامة العملية في الإنزال، والتأكد من إكمال عبور رجاله كافة كما ينبغي دون تخلف بعضهم عن العبور، وإنجاز عملية العبور بدون خسائر تذكر مادياً ومعنوياً.

فقد أبحر طارق من سبتة على رأس الوجبة الأولى من رجاله ليلاً، وجرى

ص: 374

إنزال رجاله في مكان وَعْرٍ من الشاطئ الأندلسي، وسهل عملية الإنزال باستخدام المجاذيف وبراذع الخيل التي أُلقيت على الصخور لتلافي خطرها على رجاله، فتمكن طارق من إنزال هذه الوجبة من رجاله على الشاطئ بصورة مفاجئة دون أن يراه أحد من العدو (1).

ولما اطمأن طارق إلى سلامة هذه الدّفعة من رجاله، عاد بالسفن الفارغة إلى البر الإفريقي في سبتة، وحمل الدفعة الثانية من رجاله على السفن، وعاد بهم إلى البر الأندلسي، حيث جرى إنزالهم، حتى قال بعض المؤرخين: إن طارق كان آخر من عبر الأندلس (2)، وهذا صحيح، فقد عبر مع الدفعة الأولى، ثم عبر مع الدفعة الثانية، وبذلك اطمأن إلى عبور آخر رجل من رجاله بسلام، فقد أبحر طارق مع أول جماعة، وأخفى نفسه في الجبل حتى الليلة التالية، حيث أرسل المراكب مرة أخرى لكي تعود ببقية رجاله (3)، وما أخفى طارق نفسه في الجبل، بل عاد ليرافق الجماعة الثانية من رجاله، فقد قاد فعلاً المجموعة الأولى إلى الشاطئ الأندلسي، ولكن ما أن هبطت تلك المجموعة بسلام، حتى عاد بالمراكب إلى سبتة لكي يُشرف على بقية العملية، ومن ثم أبحر مع المجموعة الأخيرة من الرجال (4).

وكان تعداد رجال طارق الذين جرى إنزالهم في هذه المرحلة سبعة آلاف رجل، وهم الذين عبروا المضيق مع طارق. وتضم المجموعة الأخرى خمسة آلاف رجل، وهم الذين أرسلوا فيما بعد مَدداً لطارق من قبل موسى بن نصير (5)، وضمت الحملة سبعمائة رجل من السُّودان (6). وهذا يُظهر لنا، أن

(1) ابن الكردبوس (46) والبيان المغرب (2/ 9).

(2)

ابن الشباط (106) والبيان المغرب (2/ 6) برواية الرازي، ونفح الطيب (1/ 254).

(3)

فتح مصر والمغرب (205 - 206).

(4)

الفتح والاستقرار العربي الإسلامي في شمال إفريقيا والأندلس (164).

(5)

نفح الطيب برواية ابن حيّان (1/ 231 - 232) وأخبار مجموعة (7) وابن الأثير (4/ 561 - 563).

(6)

ذكر بلاد الأندلس رقم: 85ج ص: 84 وفتح الأندلس (5).

ص: 375

طارقاً من أولئك القادة الذين يقدمون على إنجاز ما يُكلَّفون به من مهمات عسكرية بكل عزم وبدون تردد، دون خلق المعاذير أو اختلاقها للتملص من تحمّل المسئولية، والتهرّب من الأخطار المتوقعة. ومن الواضح، أن تقبل طارق مهمة العبور للفتح، بقوّة لا تزيد عن سبعة آلاف رجل فقط، لفتح بلاد واسعة، لها ملك ونظام راسخ وجيش عريق، يمكن أن يعد من طارق حباً للمسئولية، كما أن الإقدام على تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من مرجعه بدون تردد وبشجاعة، دليل على تمتع طارق بحب المسئولية. وهي سمة من سمات القادة الكبار، وتمتعه بالشجاعة، وبالضبط المتين، والشجاعة والتحلي بالضبط المتين من سمات القادة الكبار أيضاً.

وبهذه المناسبة، فإن القادة العسكريين، من ناحية تحمل المسئولية، صنفان: صنف يتحمل المسئولية، ولا يتردد في تنفيذ الأوامر الصادرة إليه، حتى إذا كان التنفيذ صعباً جداً، فهو يبدأ بالتنفيذ، ثم يطالب بمعاونته ما وجد إلى ذلك سبيلاً. وصنف يتهرب من المسئولية ويتملص منها، حباً بالعافية والسلامة، فيختلق المعاذير أو يخلقها، فإذا اضطر إلى تنفيذ ما عُهِدَ إليه نفّذه متذمراً. والصنف الأول الذي يتحمل المسئولية من القادة، هم الذين يُفلحون في أداء واجباتهم، ويقودون إلى النصر. أما الصنف الذي يخاف المسئولية من القادة، فهم الذين لا يُفلحون أبداً في أداء واجباتهم، ولا يقودون رجالهم إلاّ إلى الهزيمة.

وظهرت سمة جديدة من سمات قيادة طارق، في تحصين مواضع إنزال قواته في جبل طارق (1)، فمن واجب المقاتل أن يحصّن موقعه فوراً وبدون تأخير بعد احتلاله مباشرة، ليستعين بموقعه المحصن على الثبات أولاً، وليحمي نفسه من رصد العدو وسهامه المصوبة إليه: "فلما حصلوا في الجبل، بنَوْا سوراً على أنفسهم يسمى: سور

(1) ذكر بلاد الأندلس رقم: 85ج ص: 84 - 85 والبيان المغرب (2/ 9) وابن خلدون (4/ 254) ونفح الطيب (1/ 232).

ص: 376

العرب

إلخ

" (1). والحرص على بناء هذا السمور لحماية جيش طارق، دليل على تمتّعه بمزية: الأمن، وهو مبدأ من مبادئ الحرب، يستحثّ القائد على أمن قواته من نظر العدو ورصده ومن أسلحته المصوبة إليه، كما أن التحصين يساعد على الثبات.

وظهرت سمة: رفع المعنويات في قيادة طارق، في معركته الخاطفة على بَنْج (2)( Banj) ، حيث قضى طارق على قوات بَنج، ولم يَنج من جندها إلاّ واحد اسمه: بِلْيَاسِن، أسرع إلى معسكر لذريق في أقصى شمالي الأندلس (3)، وأخبره بنزول المسلمين البلاد، وإبادة قوات بنج إبادة كاملة.

ومن الواضح جداً، أن انتصار المسلمين الساحق، على قوات القوط، وإبادتها عن بكرة أبيها، أدى فيما أدى، إلى رفع معنويات الفاتحين، وإنهيار معنويات القوط، وارتفاع المعنويات عامل من عوامل النصر، وائهيارها عامل من عوامل الهزيمة.

وبالرغم من ثقة طارق بنفسه، وثقته برجاله، وارتفاع معنويات المسلمين، إلاّ أن طارقاً حين علم باقتراب لذريق وقواته المتفوقة الضاربة من مواضع المسلمين، كتب إلى موسى يستنجده فأرسل إليه جيشاً قرابة خمسة آلاف مقاتل، بقيادة طريف بن مالك (4)، فقويت بالمدد نفس طارق ونفوس مَن معه.

وتكرّر استنجاد طارق بموسى، بعد تغلغله بالعمق في الأندلس، فأصبحت ميمنة المسلمين وميسرتهم مهددة بالعدو، كما أصبحت خطوط مواصلاتهم بقواعدها المتقدمة والأمامية مهددة بالعدو أيضاً، فكتب طارق إلى موسى: "إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية، فالغوث

(1) البيان المغرب (2/ 9).

(2)

البيان المغرب (2/ 10).

(3)

نفح الطيب (1/ 149).

(4)

العبر (4/ 254) ونفح الطيب (1/ 233).

ص: 377

الغوث" (1) فعبر موسى إلى الأندلس، باستدعاء طارق إياه (2).

وهذا يظهر مزيتين مهمتين من مزايا طارق القيادية، هما: تقديره الصائب للموقف العسكري، ومطالبته بالمدد في الوقت الذي يحتاج إلى المدد، دون أن يغتر بالمعنويات العالية التي يتحلى بها ويتحلى بها رجاله، وبالانتصارات المتوالية على العدو القوطي. والمزية الثانية، هي حرصه العظيم على أمن رجاله، فلا يفسح المجال لتعرضهم إلى التهلكة دون مسوِّغ. وهاتان المزيتان من أهم المزايا التي يتصف بها القادة العظام في التاريخ. فإن تقدير الموقف الصائب في الزمان والمكان المناسبين يدل على تمتع القائد بالذكاء الألمعي، وبمزية سبق النظر، فيتوقع الأحداث قبل وقوعها، ويُعدّلها ما يمكن أن تُعالج به علاجاً ناجعاً. أما الحرص على أمن قوات القائد، فهو الذي يحفظ لها معنوياتها من الانهيار، ويجعلها تثق بالقائد وتنفذ أوامره طوعاً عن طيبة خاطر، مهما يعترض سبيلها من مصاعب ومعضلات.

وقد ظهرت مزيّة: الشجاعة، في طارق، في مواقف كثيرة، فضرب بشجاعته لرجاله أروع الأمثال، وكان أسوة حسنة لهم، حتى كانت خسائر رجاله في معركة لَكُّهْ، وهي المعركة الحاسمة بين المسلمين بقيادة طارق، وبين القوط بقيادة لذريق، ثلاثة آلاف شهيد، من مجموع جيش طارق الذي كان اثنى عشر ألف مقاتل، أي أن خمسة وعشرين بالمائة من جيش المسلمين استشهدوا في هذه المعركة الحاسمة، فقد قسم طارق الغنائم بعد انتصاره على القوط في هذه المعركة على تسعة آلاف من المسلمين (3)، أي أن هؤلاء هم الذين سَلِموا، واستُشهد الباقون.

ويقول طارق في خطبته على رجاله قبل الاشتباك بالقوط في تلك المعركة الحاسمة: " .... ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بنفسي، لا أقصِّر حتى أُخالطه

(1) الإمامة والسياسة (2/ 74 - 75).

(2)

البيان المغرب (2/ 19).

(3)

نفح الطيب (1/ 163).

ص: 378

أو أُقتل دونه" (1)، و: "ما فعلت من شيءٍ فافعلوا مثله، إن حملتُ فاحملوا، وإن وقفت فقفوا .... ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أتهيّبه حتى أُخالطه أو أُقتل دونه" (2)، فهو لا يريد من رجاله شيئاً أكثر من أن يفعلوا ما يفعله ويقتفوا آثاره في الشجاعة والإقدام. ومن الواضح، أن تأثير طارق في رجاله كان عظيماً، فقد كان قدوتهم في الشجاعة، وخير دليل على شجاعتهم ما أنجزوه في الفتوح، وما أحرزوه من انتصارات، وما بذلوه من تضحيات.

ومن الأمثلة التي تدل على شجاعة طارق النادرة، أن العِلْج صاحب إِسْتَجَّة خرج إلى النهر وحده لبعض حاجاته، فصادفه طارف هناك، وكان طارق قد أتى لمثل ذلك، وطارق لا يعرفه. ووثب طارق على العلج صاحب إِسْتَجَّة في الماء، وأخذه أخذاً وقاده إلى معسكر المسلمين، فلما كاشفه اعترف له بأنه أمير المدينة، فصالحه طارق على ما أحبّ، وضرب عليه الجزية، وخلّى سبيله. وكان طارق يحاصر المدينة، فاستسلمت للمسلمين، ووفّى العلج أمير المدينة بما عاهد عليه طارقاً (3)، ولا يمكن أن يبتعد قائد عن جيشه، ويخرج وحده بعيداً عن رجاله، فيصاول رجلاً من الأعداء ويأسره، ثم يظهر أن الأسير أمير المدينة المحاصرة وبيده الحل والعقد ومصير المدينة، فيفتدي نفسه بتسليم المدينة للفاتحين، بعد أن قاومت مقاومة شديدة مدة طويلة. وطارق في مزيّة الشجاعة، يشابه خالد بن الوليد في هذه المزية، فقد كان خالد أيضاً يترصّد قائد أعدائه، فإذا استمكنه هاجمه هجوماً مباشراً، حتى يقتله أو يأسره؛ وقَتْلُ القائد في تلك الأيام، يؤدي غالباً إلى انهيار معنويات

(1) مجلة معهد الدراسات الإسلامية في مدريد (5/ 222 - القسم الفرنجي) وسراج الملك (159) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس، ووصفه لابن الشباط (154 - 155) تحفة الأنفس لابن هذيل نقلاً عن: دولة الإسلام في الأندلس (1/ 41).

(2)

الإمامة والسياسة (2/ 74) ووفيات الأعيان (4/ 404 - 405) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس ووصفه لابن الشباط (154 - 155) ونفح الطيب (1/ 225 - 226).

(3)

نفح الطيب (1/ 260) وانظر أخبار مجموعة (9/ 10) وابن الأثير (4/ 563) والبيان المغرب برواية الرازي (2/ 8 - 9).

ص: 379

رجاله، فلا يبقى أمامهم غير الاستسلام.

ولعل مما يدل دلالة واضحة، على تمتع طارق بالذكاء الخارق، والكياسة، وحسن التدبير والسياسة، والمقدرة على استقطاب ثقة الناس به من رجاله ومن أعدائه، ما فعله طارق مع يُليان صاحب سبتة، فقد استعصت هذه المدينة على الفاتحين، ونجحت في صدهم عن أسوارها خائبين. وقد تطرقنا بما فيه الكفاية عن أسباب ثبات سبتة أمام الفاتحين، وأسباب استسلام يُليان للمسلمين وتسليم سبتة لهم صلحاً بدون قتال، وتوطيد صلته المباشرة بالمسلمين في التعاون معهم ومعاونتهم في الفتح. ولكن صلة يُليان المباشرة بطارق واتصاله به - لأن طارقاً كان على طنجة التي على حدود سبتة - وهو السبب المهم في استسلام يليان للمسلمين وتسليم سبتة لهم سلماً بدون قتال.

تلك هي سمات قيادة طارق البارزة: ذكاء خارق، وكياسة واتِّزان وحصافة، وحسن التدبير وحسن السياسة، والقابليّة على استقطاب الثقة به إنساناً وقائداً، ونسبه البربري الذي آثر عليه نسبه إلى الإسلام، وإيمانه العميق الراسخ بتعاليم الذين الحنيف، وتجربة عملية ناجحة في القيادة، يقود رجاله من الأمام، ويكون قدوة حسنة لهم بالأعمال لا بالأقوال، يستأثر دون رجاله بالخطر ويؤثرهم بالاطمئنان، يبذل جهداً في جهاده أكثر مما يبذله أيّ رجل من رجاله، حريص غاية الحرص على أرواح رجاله، يتحلى بالضبط المتين، ويتحمل المسئولية كاملة ويحبها، يبذل قصارى جهده لرفع معنويات رجاله، ويهتم بأمن جيشه كل الاهتمام، يسبق النظر فيُعدّ لكل ما يُحتمل وقوعه من علاج، لا يجتاحه الغرور ولا يستخذي للأماني، يقدِّر الموقف العسكري تقديراً واقعياً صائباً، يتميز بالشجاعة النادرة والإقدام.

تلك هي مجمل سمات قيادة طارق، التي أهّلته بحق لتولي منصب القيادة، على عهد بني أميّة، وعلى قادة من العرب، رضوا بقيادته، وتعاونوا معه، وعاونوه في ميادين ................................................

ص: 380