الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في فتح طنْجَة
بعد أن تمَّ لموسى بن نُصَيْر، إخضاع المغرب الأوسط (1) والمغرب الأقصى (2)، من صحراء دَرْعَة (3) إلى السُّوْس الأقصى (4) إلى بلاد المصامدة (5)، تطلّع موسى نحو طَنْجَة التي كانت تخضع للأمير الرُّومِي يُلْيَان (جيوليان Julian) منذ أيام عُقْبَة بن نافع.
والمقصود بطنجة هنا، هو الولاية التي كانت تتّسع في القديم لمسيرة شهر، وليس المدينة فقط (6).
وقد خرج موسى بن نُصَيْر من .............................
(1) المغرب الأوسط: من شرقي وهوان إلى آخر حدود مملكة بجّاية انظر تقويم البلدان (122) وانظر التفاصيل عن المغرب في أحسن التقاسيم (215 - 236) والأعلاق النفيسة (347 - 353) والمسالك والممالك لابن خرداذبة (85 - 93) ومختصر كتاب البلدان (78 - 88) وصفة المغرب (2 - 29) والمسالك والممالك للأصطخري (33 - 38) وهي جمهورية الجزائر في الوقت الحاضر، أنظر تاريخ المغرب العربيّ (12).
(2)
المغرب الأقصى: من ساحل البحر المحيط غرباً إلى تلمسان شرقاً، ومن سبتة إلى مراكش ثمّ إلى سجلماسة وما في سمتها شمالاً وجنوباً، انظر تقويم البلدان (122) والمصادر المنوّه عنها في المادة (1) أعلاه مباشرة، وهي المملكة المغربية في الوقت الحاضر، انظر تاريخ المغرب العربي (12).
(3)
درعة: مدينة بالمغرب بينها وبين سجلماسة أربعة فراسخ، انظر التفاصيل في معجم البلدان (4/ 53).
(4)
السّوس الأقصى: أقصى بلاد البربر على المحيط، والسوس الأقصى اسم مدينة أطلق اسمها على كورة السوس الأقصى، ذات المدن والقرى الكثيرة، انظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 172) والمسالك والممالك (34) والمشترك وضعاً (259).
(5)
المصامدة: جمع مصمودة، وهي قبيلة مصمودة بن برنس، من قبائل البربر البرانس، انظر التفاصيل في جمهرة أنساب العرب (500).
(6)
تاريخ المغرب العربي (212).
القيروان (1) لفتح طنجة، وجعل على مقدِّمته مولاه طارق بن زياد، فلم يزل يقاتل البربر ويفتح مدائنهم حتى بلغ مدينة طنجة، وهي قصبة بلادهم وأُمّ مدائنهم؛ (2) فلما دنا موسى من طنجة، بث السَّريا، فانتهت خيله إلى السّوس الأدنى (3)، فوطئهم وسباهم، وأدّوا إليه الطّاعة، وولّى عليهم والياً أحسن فيهم السَّير (4).
وحاصر موسى طنجة حتى افتتحها (5) ونزلها، وهو أوّل مَن نزلها واختط فيها للمسلمين (6)، فأسلم أهلها، وخطّ موسى قيرواناً للمسلمين (7).
وسار موسى إلى مدائن على شطّ البحر، فيها عُمّال لصاحب الأندلس، قد غلبوا عليها وعلى ما حولها، ورأس تلك المدائن مدينة سَبْتَة (8)، وعليها يُلْيَان (جوليان)، فقاتله موسى، فألفاه في نَجْدَةِ وقوّة وعُدَّة، فلم يُطِقْهُ، فرجع إلى مدينة طنجة وأقام هناك بمن معه. وأخذ في الغارات على من حولهم والتّضييق عليهم، والسُّفن تختلف إليهم بالميرة والإمداد من الأندلس من قِبَل ملكها غَيْطَشَة، فهم يذبّون عن سبتة ذبّاً شديداً، ويحمون بلادهم حماية
(1) القيروان: مدينة كبيرة معروفة، انظر التفاصيل في معجم البلدان (7/ 193 - 195) والأعلاق النفيسة (347 - 348) والمسالك والممالك (34) وتقويم البلدان (144 - 145) وآثار البلاد (242).
(2)
نفح الطيب (1/ 315) و (1/ 234).
(3)
السوس الأدنى: كورة كبيرة بالمغرب، مدينتها طنجة، والسوس مدينة بالمغرب كانت الروم تسميها: قمونية، وبين السوس الأدنى والسوس الأقصى مسيرة شهرين وبعده المحيط الأطلسي، انظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 172) والمشترك وضعاً (259).
(4)
فتح مصر والمغرب (276).
(5)
نفح الطيب (1/ 215) و (1/ 234).
(6)
البلاذري (232) وفتوح مصر والمغرب (276).
(7)
نفح الطيب (1/ 234).
(8)
سبتة: بلدة مشهورة من قواعد بلاد المغرب، تقابل جزيرة الأندلس، على طرف الزقاق، انظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 26).
تامّة (1). وكانت سبتة مدينة حصينة قريبة من الأندلس (2)، مما ساعد على ثباتها بوجه المسلمين الفاتحين.
وكان بطنجة من البربر بطون البُتْرِ والبرانس ممن لم يكن دخل في الطّاعة (3)، فوضع موسى على ساحل طنجة حامية للرباط فيها مؤلفة من ألف وسبعمائة رجل عليهم ابنه مروان، ولكنّ مروان انصرف وخلّف على جيشه طارق بن زياد (4).
وبذلك تمّ فتح المغرب الأقصى، إلاّ إقليم سبتة، وانتشر الإسلام في أرجائه انتشاراً سريعاً وواسعاً، وكان ذلك سنة تسع وثمانين الهجرية (709 م).
وعاد موسى إلى القيروان، بعد أن استعمل على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد، وترك معه تسعة عشر ألفاً من البربر بالأسلحة والعُدَّة الكاملة، وكانوا قد أسلموا وحسن إسلامهم، وخلّف موسى عندهم خلقاً يسيراً من العرب، ليعلِّموا البربر القرآن الكريم وفرائض الإسلام (5).
وفي الطريق إلى القيروان، فتح موسى مدينة مَجَّانة (6) على مسيرة خمسة أيام من القيروان (7)، على الحدود الجزائرية - التونسيّة الحالية (8)، وكانت مجَّانة قلعة تحصّن أهلها من موسى حين عودته إلى القيروان (9)، فاستعاد
(1) نفح الطيب (1/ 234).
(2)
معجم البلدان (5/ 26).
(3)
فتوح مصر والمغرب (276) وانظر ما جاء عن ذلك مختصراً في كتاب: الإسلام والعرب (140).
(4)
فتوح مصر والمغرب (275).
(5)
نفح الطيب (224).
(6)
مجّانة: بلد بأفريقية، بينها وبين القيروان خمس مراحل، انظر التفاصيل في معجم البلدان (7/ 386).
(7)
معجم البلدان (7/ 386).
(8)
تاريخ المغرب العربي (214).
(9)
ابن الأثير (4/ 206).
موسى فتحها، لأنها سبق أن فتحها بِسْر بن أبي أرْطاة (1).
لقد افتتح موسى بلاد المغرب، وغنم منها أموالاً لا تُعدّ ولا تُوصف، وله بها مقامات مشهورة هائلة (2)، وأسلم أهل المغرب على يديه، وبثّ فيهم الدين والقرآن (3)، فكان يأمر العرب أن يعلّموا البربر القرآن وأن يفقهوهم في الدين (4)، فلم يبق في إفريقية مَنْ ينازعه (5)، غير منطقة سَبْتَة وعلى رأسها يُلْيَان (جوليان).
لقد لمع اسم طارق بن زياد، قائداً مرؤوساً لموسى بن نُصَيْر، في مسيرة الجهاد الطويلة، التي بدأت من القيروان، واستمرت غرباً حتى تمّ لها فتح طنجة، وكان طارق على مقدّمة موسى في هذا الفتح المبين، وتولية طارق قيادة المقدّمة، في مسير الاقتراب، وفي المناوشات التي تكلّلت لأوّل مرة بفتح طنجة، دليل على ثقة موسى الكبيرة بطارق، ودليل على كفاية طارق القياديّة.
وبعد أن عاد موسى إلى القيروان التي اتخذها مقرّاً له، خَلّف طارقاً على طنجة، والياً على المدينة ومنطقتها الشاسعة المهمّة، وبخاصة في موقعها الحيويّ السَّوْقِيّ، الذي هو بتماس شديد مع يليان في سبتة والذي أثبت جدارته في الدفاع عن حوزة سبتة وما حولها، وقاوم المسلمين مقاومة عنيفة، فاستطاع أن يصدّهم عن فتح بلاده إلى حين. كما أن طارقاً في منطقة طنجة السَّوْقِيّة، هو بتماس شديد مع دولة الأندلس وحماتها الذين كانوا وراء نجاح يليان في دفاعه العنيف ونجاحه في دفاعه الذي تميّز بالحركة التعبويّة، وكل
(1) فتوح مصر والمغرب (276) ومعجم البلدان (7/ 286) وانظر ترجمة بسر بن أبي أرطاة في: قادة فتح المغرب العربي (2/ 13 - 35).
(2)
البداية والنهاية (9/ 171).
(3)
البداية والنهاية (9/ 172).
(4)
البيان المغرب (1/ 36).
(5)
ابن الأثير (4/ 206).
ذلك دليل قاطع على ثقة موسى بطارق، الذي أصبح والياً على منطقة طنجة، وقائداً لحامية مدينتها بخاصة والمجاهدين من البرير بعامة، ومشرفاً على نشر الإسلام وتعليم القرآن وتعاليم الدين الحنيف، فأثبت أنّه أهل لتلك الثقة، وقادر على النهوض بواجباته الكثيرة بكفاية عالية وحماسة وإيمان وإندفاع.
وقد أتاح الاتِّصال المباشر لطارق بموسى بن نُصير، فرصة إظهار مواهبه الإدارية والقيادية، فولاّه موسى منصب الوالي على طنجة، ومنصب القائد على قوّاتها المسلحة. ولكن هذا الاتِّصال المباشر لطارق بموسى باعتبار أنّ طارقاً هو مولى لموسى، ليس السبب لتولية طارق هذين المنصبين الرفيعين، في أخطر منطقة من مناطق الشمال الأفريقي بعد فتحه، إذ لا يمكن إسناد مثل تلك المناصب في أخطر الظروف والأحوال، إلاّ لمن يستحقها كفاية واقتداراً، وإلاّ كانت نتيجة تولية غير ذوي الكفاية والقدرة كارثة محققة أكيدة تصيب الفتح والفاتحين، وتؤدي إلى خسارة المنطقة بكاملها بالإضافة إلى خسائر بالأرواح والممتلكات وتحطّم المعنويات، وهذا ما لا يمكن أن يقع فيه قائد مجرِّب حصيف مثل موسى بن نُصَير، ومن المشكوك فيه أن يقع فيه قائد غير مجرِّب وغير حصيف أيضاً.
إنّ الاتصال المباشر لطارق بموسى، أتاح له الفرصة لإظهار كفاياته الإدارية والقيادية، وهذه الكفايات لاتصاله المباشر بالقائد العام لشمالي إفريقية، هي التي جعلت المناصب الإدارية تسعى إليه ولا يسعى إليها. وقد أتاحت المسيرة الطويلة في الجهاد لموسى، أن يكتشف عن كثب كفايات طارق، فولاّه الإدارة والقيادة عن اقتناع. وكان ذلك في حدود سنة تسعين الهجرية (709 م)، وأبقى معه عدداً قليلاً من العرب، مهمّتهم نشر تعاليم الإسلام بين البربر (1).
(1) ابن حبيب (222) وابن عبد الحكم (204 - 205) وذكر بلاد الأندلس (83 - 84) رقم 85ج وابن الأثير (4/ 540) ووفيات الأعيان (5/ 320) والبيان المغرب (1/ 42) والنويري (22/ 22) وابن خلدون (4/ 402) ونفح الطيب (1/ 239) وانظر تاريخ =
وليس كالاتصال المباشر في ميدان الجهاد، في أحرج الظروف والأحوال، وفي مواجهة المعضلات الإدارية وإيجاد الحلول الناجعة لها، ما يظهر المرء على حقيقته في كفايته ومزاياه واقتداره، وهذا هو ما أبرز طارقاً إدارياً وقائداً.
= المغرب العربي (214) والفتح والاستقرار العربي في شمال إفريقيا والأندلس (143).