الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مغِيْث الرُّومِيّ
فاتح قُرْطُبَة
(1)
نسبه وأيامه الأولى
هو مغِيث الروميّ، مولى الوليد بن عبد الملك (2)، أو مولى عبد الملك بن مروان (3)، والصواب أنه مولى عبد الملك بن مروان، فهو الذي أدبه (4)، ولا تناقض بين الرواتين إلاّ من الناحية اللّفظية حسب، فقد كان مغيث مولى عبد الملك، فلما تُوفي وأصبح ابنه الوليد خلفاً له، أصبح مولى الوليد بن عبد الملك.
ومغيث رومي (5) الأصل، وقيل: إنه ليس برومي على الحقيقة، وتصحيح نسبه، أنه مغيث بن الحارث بن الحُوَيْرِث بن جَبَلَة بن الأيْهَم الغَسّاني (6)،
(1) قرطبة: مدينة عظيمة بالأندلس وسط بلادها، وكانت عاصمة لملكها وقصبتها، أنظر التفاصيل في المسالك والممالك (35) ومعجم البلدان (7/ 52) وتقويم البلدان (174 - 175) وآثار البلاد وأخبار العباد (552) وجغرافية الأندلس وأوروبا (100).
(2)
فتوح مصر والمغرب (279) ونفح الطيب (1/ 260 - 261) و (3/ 14).
(3)
البيان المغرب (2/ 9).
(4)
نفح الطيب (3/ 12).
(5)
نفح الطيب (3/ 12).
(6)
جبلة بن الأيهم الغساني: آخر ملوك غَسَّان، وقد أسلم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم ارتدّ وتنصّر بعد ذلك ولحق بالروم، وكان سبب تنصّره، أنّه مرّ بسوق دمشق، فأوطأ رجلاً فرسُه، فوثب الرجل ولطمه، فأخذه الغسانيون وأدخلوه على أبي عُبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فقالوا:"هذا لطم سيدنا"، فقال أبو عبيدة:"البيِّنة أن هذا لطمك؟! "، فقال جبلة:"وما تصنع بالبيِّنة؟ "، فقال:"إن كان لطمك لطمتُه بلطمتك"، قال:"ولا يُقْتل؟! "، قال:"لا! "، قال:"ولا تقطع يده؟ "، قال:"لا، إنما أمر الله بالقِصاص، فهي لطمة بلطمة"، فخرج جبلة ولحق بأرض الروم =
سُبِيَ من الروم بالمشرق وهو صغير، فأدّبه عبد الملك بن مروان مع ولده الوليد، وأنجب في الولادة، فصار بنو مغيث الذين نجبوا في قرطبة، وسادوا وعظم بيتهم، وتفرعت دَوْحَتهم، وكان منهم عبد الرحمن بن مغيث حاجب عبد الرحمن بن معاوية صاحب الأندلس (1) وغيره (2). والمرجح أنه رومي، فقد نُسب إلى الروم وهو على قيد الحياة، وكان مولى لبني أمية، وكان بإمكانه أن يُظهر نسبه إلى جَبَلَة بن الأيْهَم وإلى ملوك الغساسنة في حياته، فلما أصبح أولاده من ذوي السلطة والثراء في الأندلس، أرادوا أن يجمعوا بين الحسب المرموق والنسب العريق، في عهد كان للنسب فيه مكانة كبيرة جداً، وبخاصة للنسب العربي الأصيل إلى إحدى القبائل الأصيلة، في عهد بني أُميّة، فانتسبوا إلى الغساسنة، فسجّل لهم انتسابهم هذا أحد المؤرخين، ثم تناقلها المؤرخون عن بعضهم، الخلف عن السّلف. ووضع نسبه واضح، ولا يبدو أنه المسئول عن وضعه، بل هو من وضع عَقِبه، فهم المسئولون عن هذا الوضع، الذي أرادوا به الفخر ومنافسة أصحاب النسب في نسبهم العريق.
ونشأ مغيث في دمشق، وتأدب مع بني عبد الملك، فأفصح في العربية، وصار يقول من الشعر والنثر (3)، ما يجوز تدوينه، وتدرّب على الركوب، وأخذ نفسه بالإقدام في مضايق الحروب، حتى تخرّج في ذلك تخرُّجاً أهّله للتقدم على الجيش الذي فتح قُرطبة (4).
لقد نشأ مغيث وترعرع وشبّ في أحضان البيت المالك: بيت الخليفة عبد الملك بن مروان، وتعلّم جنباً إلى جنب الوليد بن عبد الملك. وكان
= ولم يزل هناك إلى أن هلك، أنظر المعارف (644).
(1)
عبد الرحمن بن معاوية الداخل: أنظر سيرته المفصّلة في نفح الطيب (3/ 27 - 55).
(2)
نفح الطيب (3/ 12) عن الحجازي.
(3)
نفح الطيب (3/ 12) عن الحجازي.
(4)
نفح الطيب (3/ 12 - 13).
التعليم النظري لاستيعاب العلوم المتيسرة السائدة حينذاك ميسوراً، ليس لبني أميّة ومَن حولهم وحدهم دون غيرهم من الناس، بل كان ميسوراً للناس كافة من الراغبين في تلقي العلم. وربما يكون الفرق الوحيد بين تعليم أبناء الخلفاء ومَن حولهم وبين أبناء غيرهم من سائر المسلمين، هو أن أبناء الخلفاء ومَن حولهم، يتلقون العلم على أساطين العلماء وجهابذة الشيوخ، وغيرهم يتلقى العلم عن هؤلاء الأساطين والجهابذة وعن المتصدِّين للتعليم من العلماء والشيوخ الآخرين.
وقد نشأ مغيث في دمشق عاصمة الخلافة، ليتعلم القرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي الشريف وعلومه، والتاريخ والسِّير وأيام العرب قبل الإسلام وبعده، وعلوم اللغة صَرْفاً ونَحواً وبلاغةً وبياناً وشعراً ونثراً، كما تعلم فنون الأدب في مجالي الشعر والنثر، وحفظ نماذج من أقوال الخطباء والأدباء والشعراء، ولم يغفل الحساب والهندسة وتقويم البلدان.
وكان الخلفاء بخاصة والعرب بعامة، في تلك الأيام، يعتبرون اللّحن في اللّغة عيباً من أشنع العيوب، "فتأدّب مغيث بدمشق مع بني عبد الملك، فأفصح بالعربية، وصار يقول من الشعر والنثر ما يجوز كتبه"(1).
وكما كان الخلفاء يحرصون على تعليم أبنائهم ومَن حولهم العلوم المختلفة والآداب والفنون، كانوا يحرصون أيضاً على تعليم أولادهم العلوم العسكرية العملية والنظرية.
وقد تعلم مغيث العلوم العسكرية النظرية، مثل: إقامة المعسكرات، تنظيم المعسكر، اختيار المعسكر، وشروط المعسكر الجيد، فنون التعبية: كإخراج المقدّمات والمؤخرات والمجنبات، وأساليب الحماية، والاستفادة من الأرض، وزرع الربايا والكمائن. ومعالجة المشاكل غير المتوقعة، وتأمين القضايا الإدارية في الميدان، وطرق رفع المعنويات، وكل هذه العلوم تلقّن
(1) نفح الطيب (3/ 12) عن الحجازي.