المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة: - قادة فتح الأندلس - جـ ١

[محمود شيت خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌الأندلس وما جاورهاوجزر البحر الأبيض المتوسطقبل الفتح الإسلاميّ وفي أيامه

- ‌الموقع والحدود

- ‌1 - الأندلس

- ‌أ - الموقع:

- ‌ب - مصطلح الأندلس ومدلوله:

- ‌2 - المدن

- ‌1 - جزيرة طَرِيْف Tarifa:

- ‌2 - الجزيرة الخضراء Algeciras:

- ‌3 - طُلَيْطِلة Toledo:

- ‌3 - قَرْطَاجَنَّة الجزيرة Cartagena:

- ‌4 - بَنْبُلُونَة Pamplona:

- ‌5 - قُرْطُبَة Cordova:

- ‌6 - شَقُنْدَة Secunda:

- ‌7 - شَذُوْنَة Sidonia:

- ‌8 - إسْتِجَة Ecija:

- ‌9 - قَادِس Cadiz:

- ‌10 - مُرْسِيَة Murcia:

- ‌11 - شَرِيش Xeres - Jerez:

- ‌12 - المَدُوْر، Almodovar:

- ‌13 - إِشْبِيْلِيَة Sevilla ، Seville:

- ‌14 - مَالَقَة Malaga:

- ‌15 - إِلْبِيْرَة Elvira:

- ‌16 - غَرْنَاطة Granada:

- ‌17 - تُدْمِيْر Tudmir:

- ‌18 - أُوْرْيُوْلَة Orihuela:

- ‌19 - جَيَّان Jaen:

- ‌20 - جِلِّيْقِيَّة Galicia:

- ‌21 - أسْتُرْقَة Astorga:

- ‌22 - طَلَبِيْرَة Talavera:

- ‌23 - أَكْشُوْنُبَة Ocsonoba:

- ‌24 - قَرْمُوْنَة Carmona:

- ‌25 - رَعواق Alcala Guadaira:

- ‌26 - لَبْلَة Niebla:

- ‌27 - بَاجَة Beja:

- ‌28 - مَارِدَة Merida:

- ‌29 - لَقَنْت Alicante:

- ‌30 - قَشْتَالَة Castile - Castilla:

- ‌31 - سَرَقُسْطَة Zaragoza:

- ‌32 - وَشْقَة Huesca:

- ‌33 - لارِدَة Larida:

- ‌34 - طَرَّكُوْنَة Tarragna:

- ‌35 - بَرْشَلُوْنَة Barcelona:

- ‌36 - أماية Amaya:

- ‌37 - لِيُوْن Leon:

- ‌38 - بَلَنْسِيَة Valencia:

- ‌39 - أُرْبُوْنَة Narbonne:

- ‌40 - قَرْقَشُوْنَة Carcassone:

- ‌41 - بَلانة Villena:

- ‌42 - مُوْلَة Mula:

- ‌43 - بسْقَرَة Bigastre:

- ‌44 - إِلُة Ello:

- ‌45 - لُوْرَقَة Lorca:

- ‌46 - يَابُرَة Evora:

- ‌47 - شَنْتَرِيْن Santarein - Santaren:

- ‌48 - قُلُمْرِيَّة Coimira:

- ‌49 - أَشْتُورِش Austurias:

- ‌50 - لشبونة Lisbon:

- ‌51 - بَطَلْيُوْس Badjoz:

- ‌52 - مدينة وَلِيْد Valladolid:

- ‌53 - المَرِيَّة Almeria:

- ‌54 - وادي الحجارة = مدينة الفَرَج Guadalajara:

- ‌55 - مدينة سالم Medinaceli:

- ‌56 - دَانِيَة Dania:

- ‌57 - تُطِيْلَة Tadela:

- ‌58 - طَرْطُوْشَة Tortosa:

- ‌59 - شَنْت يَاقُب Santiago:

- ‌60 - سَلْمَنْكَة Salmanca:

- ‌61 - قُوْرِيَّة Coria:

- ‌62 - بَرْغَش Burgos:

- ‌63 - قَسْطَلُوْنَة Castallon:

- ‌64 - أُسْتُوْرِيْس Asturias:

- ‌65 - أُبَّدَة Ubeda:

- ‌66 - بَيَّاسَة Baeza:

- ‌67 - بَرْبُشْتَر Berbastro:

- ‌68 - بَرْبَطانِيَة Boltania:

- ‌69 - بُبَشْتَر Bobastro:

- ‌70 - بَقِيْرَة Viguera:

- ‌71 - بَرْمِنَّش Bermndo:

- ‌72 - قَبْرَة Cabra:

- ‌73 - بَيَّانَة Bayanne:

- ‌74 - قَلَهُرَّة Calahorra:

- ‌75 - قلعة أيوب Calatayud:

- ‌76 - قلعة رَباح Calatrava:

- ‌77 - جبل طارق Gibraltar:

- ‌78 - المُُنَكَّب Almunacar:

- ‌79 - شَوْذَر Jodar:

- ‌80 - مَجْرِيْط (مدريد الآن) Magerit:

- ‌81 - مِيْرتُلَة Mertola:

- ‌82 - مُنْت شُوْن Monzon:

- ‌83 - مُنْت لُوّن Mentileon:

- ‌84 - تُرْجِيْلَة Trujillo:

- ‌85 - شَنْتَمَرِيَّة الشَّرق Santa Maria de Albarracin:

- ‌86 - شَنْتَمَرِيَّة الغرب Santa Maria de Algarve:

- ‌87 - شَنْتَبَرِيَّة Santaver:

- ‌88 - طُولوز Toulouse:

- ‌89 - شَاطِبَة Xativa - Jativa:

- ‌90 - طُرُّش Torrox:

- ‌91 - بُرْذِيل (بوردو الآن) Bordeaux:

- ‌92 - الأرض الكبيرة:

- ‌93 - المنارة: برج هِرَقْل Torre de Hercules:

- ‌94 - بَرْبَشْتَر Berbastro:

- ‌95 - أُقْلِيش Acles:

- ‌96 - قوْنْكَة Ceuenca:

- ‌97 - البَسِيْطَة Albacete:

- ‌98 - شَنْتَجَالَة Chinchilla:

- ‌99 - ليون Leon:

- ‌100 - طَلَمَنْكَة Salamanqua:

- ‌101 - زَمُّوْرَة Zamora:

- ‌102 - كُوْرْنِيَّة Corigna:

- ‌103 - الحُمَّة Alhoma:

- ‌104 - أراغون Aragon:

- ‌105 - نبارة (نافار) Navarre:

- ‌106 - تِرُوْل Teruel:

- ‌107 - جَرِيْقَة Gerica:

- ‌3 - الثّغور الأندلسيّة

- ‌أ - الثّغر الأعلى:

- ‌ب - الثغر الأوسط:

- ‌ج - الثغر الأدنى:

- ‌4 - جبال الأندلس

- ‌5 - الأنهار

- ‌أ - نهر إبْرُهْ Ebro:

- ‌ب - الوادي الكبير Guadilquivir:

- ‌ج - نهر تَاجُهْ Togo:

- ‌د - النهر الأبيض:

- ‌و - المجمل:

- ‌السكان

- ‌الموارد الاقتصادية

- ‌1 - المناخ العام:

- ‌2 - الموارد الزراعية والحيوانية:

- ‌3 - المعادن والأحجار الكريمة:

- ‌4 - المصنوعات الأندلسيّة والتّصدير:

- ‌تاريخ الأندلس قبل الفتح الإسلاميوفي أيامه الأولى

- ‌1 - في أوروبا وإفريقيَّة

- ‌أ - البرابرة:

- ‌ب - أجناسهم وممالكهم:

- ‌ح - وصولهم إلى أوروبّة:

- ‌د - القوط الغربيون في إيطاليا:

- ‌هـ - في إسبانيا:

- ‌و- الفاندال في إفريقية:

- ‌ز - سقوط رومة:

- ‌ج - مقتل آدوفاكر:

- ‌ط - اضطراب أحوال الفاندال:

- ‌ي - القوط الغربيون في إسبانيا:

- ‌ك - الفرنجة في فرنسة:

- ‌ل - الهيطل (الهون):

- ‌م - الخلاصة:

- ‌2 - في إسبانيا

- ‌أ - القوط الغربيون في أواخر أيامهم:

- ‌ب - دولة القوط الغربيين في إسبانيا:

- ‌ج - لُذَرِيق:

- ‌د - أحوال إسبانيا تحت حكم القوط:

- ‌هـ - مجلس طُلَيْطُلَة:

- ‌و- المجتمع الإسباني أيام القوط:

- ‌ز - الحالة الثقافية:

- ‌يُلْيَان

- ‌1 - شخصيته:

- ‌2 - يليان والمسلمون الفاتحون:

- ‌فتح الأندلس

- ‌1 - الموقف العام:

- ‌2 - فتح طَرِيْف:

- ‌3 - فتح طارق بن زياد:

- ‌4 - الفتح المشترك بين موسى وطارق:

- ‌5 - فتح موسى بن نصير:

- ‌6 - فتح مغيث الرومي:

- ‌7 - فتح عبد العزيز بن موسى بن نصير:

- ‌8 - فتح عبد الأعلى بن موسى بن نصير:

- ‌9 - فتح عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌10 - فتح السمح بن مالك الخولاني:

- ‌عبرة الفتح

- ‌1 - التوقيت:

- ‌2 - أسباب النصر:

- ‌حضارة العرب والمسلمين في الأندلس

- ‌1 - الجذور:

- ‌2 - العرب في أوج مجدهم:

- ‌3 - مدينة النور والحب:

- ‌4 - علوم العرب وآدابهم:

- ‌الكارثة

- ‌طارق بن زيادفاتح شطر الأنْدلُس

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌في فتح طنْجَة

- ‌1 - مقدمات الفتح

- ‌أ - الأسباب:

- ‌ب - الاستطلاع:

- ‌2 - الفتح

- ‌أ - الخطّة العامَّة:

- ‌ب - المناوشات التمهيدية:

- ‌أ - الموقف العام:

- ‌أولاً: موقف القُوْط:

- ‌ثانياً. موقف المسلمين:

- ‌4 - خطبة طارق وحرق السُّفن

- ‌أ - الخطبة:

- ‌أولاً: الرّفض:

- ‌ثانياً: القبول:

- ‌ثالث‌‌اً. في المصادروالمراجع:

- ‌اً. في المصادر

- ‌نص ابن حبيبعبد الملك بن حبيب الألبيري (ت 238 هـ)في كتابه استفتاح الأندلس

- ‌ نص ابن قُتَيبة (ت 276 هـ)في كتابهالإمامة والسياسة

- ‌نص أبي بكر الطرطوشي (ت 520 هـ)في كتابهسراج الملوك

- ‌نص أبي محمد بن إبراهيم (ابن خيرة) المراعينيالأشبيلي (ت 564 هـ)في كتابهريحان الألباب وريعان الشبابفي مراتب الآداب

- ‌نص ابن خلكّان (ت 681 هـ)في كتابهوفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان

- ‌نصّ ابن الشباط (ت 681 هـ)محمد بن علي بن محمد بن الشباط المصري التوزريفي كتابه صلة السّمط وسمة المرط في شرح سمط الهدىفي الفخر المحمّديّ

- ‌نصّ ابن هُذَيْل (ت 763 هـ)علي بن عبد الرحمن بن هُذَيْلفي كتابهتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس

- ‌نصّ المقَّرِي (ت 1041 هـ)أحمد بن محمد المقّري التِلمِسانيفي كتابهنفح الطيبمن غُصن الأندلس الرّطيب

- ‌(ب). في المراجع:

- ‌ب - حرق السُّفن:

- ‌5 - سير المعركة الحاسمةمعركة وادي بَرْباط أو وادي لَكُّهْ

- ‌أ - قوّات الطرفين:

- ‌أولاً: المسلمون:

- ‌ثانياً. القوط:

- ‌ب - التوقيت:

- ‌ج - ميدان القتال:

- ‌د - سير القتال:

- ‌6 - فتوح طارق قبل عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - الموقف العام بعد المعركة الحاسمة:

- ‌ب - فتوح المدن الثانوية:

- ‌ج - فتح قُرْطُبة:

- ‌د - فتح طُلَيْطُلَة

- ‌7 - فتوحات طارق بعد عبور موسى بن نُصَيْرإلى الأندلس

- ‌أ - بين موسى وطارق:

- ‌ب - فتوح موسى قبل لقاء طارق:

- ‌ج - لقاء القائدين:

- ‌د - الفتح المشترك بين القائدين:

- ‌الإنسان

- ‌1 - عودة القائدين إلى دمشق

- ‌أ - العودة:

- ‌ب - أسباب استدعاء موسى وطارق:

- ‌2 - الرّجل

- ‌القائد

- ‌1 - سماته القيادية عامة:

- ‌فما هي مجمل تلك المزايا

- ‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة:

- ‌3 - في تطبيق مبادئ الحرب

- ‌أ - اختيار المقصد وإدامته

- ‌ب - التّعَرض

- ‌ج - المباغتة

- ‌د - تحشيد القوّة

- ‌هـ - الاقتصاد في المجهود

- ‌و- الأمن

- ‌ز - المرونة

- ‌ح - إدامة المعنويات

- ‌ط - الأمور الإدارية

- ‌ي - التّعاون

- ‌4 - نقطة الضعف:

- ‌5 - مجمل السِّمات:

- ‌أ - سِماته الخاصة:

- ‌ب - سِماته العامة:

- ‌طارق في التاريخ

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌طَرِيْف في التاريخ

- ‌مغِيْث الرُّومِيّفاتح قُرْطُبَة

- ‌نسبه وأيامه الأولى

- ‌الفاتح

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌مُغِيْث في التاريخ

- ‌فهرس الجزء الأول

الفصل: ‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة:

القتال (1).

وهي سمات تؤهِّل مَن يتحلّى بها، أن يتولى المناصب القيادية، إذا استطاع أن يبرز تلك السمات عملياً، أمام الذين بيدهم تولية القادة.

ولعل من المفيد تطبيق مزايا قيادة طارق، على مزايا القادة المعروفة في كتب الدراسات العسكرية المعتمدة، زيادةً في الإيضاح، لا زيادة في التّعريف.

‌2 - طارق ومزايا القيادة العامة:

أ - لقد كان طارق: ذا قرار سريع صحيح، حاضر البديهة، يعالج المواقف الحربية المتبدلة بسرعة وبشكل غير متوقّع، بإصدار القرار السريع الصائب المناسب، في الوقت المناسب، دون أن يضيِّع الوقت سدى، فتضيع الفرصة السّانحة التي لا تعود من جديد. فقد أقلع طارق على رأس الجماعة الأولى من رجاله، وكان إقلاعه من سَبْتَة، بسبب رغبة طارق في إيجاد مكان ملائم للإنزال على الشاطئ الأندلسي، وربما كان المكان الذي قصده أولاً منطقة الجزيرة الخضراء التي تقابل سبتة، ولكن طارقاً قرر التخلي عن الإنزال في هذا المكان القريب، لأنه وجد جماعة من القوط، فيه حاولت منعه من الإنزال، فأبحر منه ليلاً إلى مكان وعْرٍ من الشاطئ. وقد حاول تسهيل عملية الإنزال، باستخدام المجاذيف وبراذع الخيل التي ألقيت على الصخور لتلافي خطرها، وبهذه الطريقة تمكن طارق من الإنزال

(1) مثل طريف بن مالك، وعبد الله بن عامر المعافري الجد الأعلى للمنصور بن أبي عامر وغيرهما، وهما من أشهر العرب المساهمين في جيش طارق، أنظر: ابن بسام - الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة - (1/ 40) - القاهرة - 1945، والحلة السيراء (1/ 275) والبيان المغرب (2/ 256 - 257) والإحاطة (2/ 102) وأعمال الأعلام (59) ونفح الطيب (1/ 396 و 399) وذكر بلاد الأندلس (رقم 85ج ص:147 - 148) و (رقم 558 ص: 205).

ص: 381

المفاجئ، من غير أن يراه أحد على الشاطئ (1)، فتم إنزال جماعته الأولى بسلام دون خسائر تذكر، وكوّن بإنزالها رأس الجسر الواجب إقامته لتأمين عبور المسلمين وإنزالهم على البر الأندلسي بسلام ودون خسائر تذكر.

ومن هذه العملية الصغيرة، المتمثلة في عبور الوجبة الأولى من رجال طارق إلى الأندلس، يبدو قراران سريعان صحيحان: الأول: قراره تبديل مكان الإنزال من الجزيرة الخضراء إلى جبل طارق، للتخلص من مقاومة القوط للإنزال. والثاني: في استخدام المجاذيف وبراذع الخيل على الصخور لتلافي خطرها على رجاله.

ويمكن استنتاج قراراته السريعة الصحيحة، في كل عملياته الحربية التي استمرت أربع سنوات في الأندلس، وهي كثيرة جداً لا تحصى، فلا عملية بدون قرار سريع صحيح، وإلاّ كانت الهزيمة، ولا نعرف هزيمة لطارق في حياته العسكرية، مما يدل على أنه كان ذا قرار سريع صحيح على الدوام، ولعل تولية طارق مقدمة موسى في فتح طنجة، ومقدمة موسى بعد عبوره إلى الأندلس، خير دليل على تمتعه بالقرار السريع الصحيح، لحاجة قائد المقدمة إلى مثل هذا القرار.

ب - وكان طارق يتحلى بالشجاعة الشخصية، وكل عملياته في فتح الأندلس، تدل على أنه كان شجاعاً مقداماً، من الطراز الأول شجاعة وإقداماً، وقد ذكرنا أمثلة على شجاعته النادرة قبل قليل، ولعل هذه الشجاعة هي التي لفتت نظر موسى بن نصير وغيره من المسئولين، ولفتت إليه أنظار رجاله من العرب والبربر، فكان أسوة حسنة لهم في الشجاعة والإقدام.

ج - وكان طارق يتحلى: بالإرادة القوية الثابتة، فإقدامه على العبور إلى الأندلس لفتحها، على رأس سبعة آلاف مقاتل فقط، دليل واضح على قوة إرادته وثباتها. وإقدامه على خوض المعركة الحاسمة على رأس اثني عشر

(1) ابن الكردبوس (46) وفي البيان المغرب (2/ 9) يورد رواية مشابهة عن عبور طارق ونزوله على الجبل.

ص: 382

ألف مقاتل فقط، لمصادلة القوط، وهم أضعاف أضعاف قوته، بقيادة ملك القوط لذريق وحشد من قادته، على أرض الأندلس التي يعرفها القوط لأنها أرضهم، ويجهلها المسلمون لأنها ليست بلادهم، دليل واضح جلي على قوة إرادة طارق وثباتها. وتغلغل طارق بالعمق في الأندلس، وهو في نحو تسعة آلاف مقاتل، دليل واضح على قوة إرادة طارق وثباتها.

إن تمتع طارق، بمزية: الإرادة القوية الثابتة، قد لا تحتاج إلى دليل.

د - وكان طارق يتمتع بمزية: تحمل المسئولية، وكان لا يتحملها حسب، بل يحبّها، فهو يتحمل المسئولية ويحبها، ولعل قبوله بمهمة فتح الأندلس، بقوة لا تزيد على سبعة آلاف مقاتل، خير دليل على تحمله للمسئولية وحبها، وعدم التملّص منها، والتهرب من عواقبها.

هـ - وكان طارق يتحلى بمزية تمتعه: بنفسية لا تتبدّل، في حالتي النصر والهزيمة، والسراء والضراء، واليسر والعسر.

لقد كان أحد رجال البربر، فقدّمه جدُّه إلى مصاف القادة المرءوسين، ثم أصبح والياً على منطقة طنجة الواسعة، وقائداً على حاميتها من البربر.

واستمر نجمه في الصعود، فتولى قيادة مستقلة، لها ارتباط مباشر بموسى بن نصير، وفي الأندلس، أصبح قائداً فاتحاً، تخضع البلاد المفتوحة من الأندلس لسلطته المباشرة. وعبر موسى إلى الأندلس، فأصبح طارق من جديد قائداً مرءوساً، ثم بدأ نجمه بالهبوط، حتى سُحب من قيادته بأمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأصبح رجلاً بلا غد، لا يعرف مستقبله ولا مصيره. وحل في الشام، بعد أن قطع المسافة الطويلة الشاسعة بين الأندلس ودمشق، برفقة مولاه موسى بن نصير، فما عرف أحد من المؤرخين وغيرهم، أن نفسية طارق تبدلت في حالتي العز والذل، والسلطة وبلا سلطة، والقيادة وبدون قيادة، بل بقي نفسياً صابراً محتسباً، لم يغتر بمظاهر السلطان، ولا استكان لمظاهر الخذلان، لأنه لم يكن يعمل لنفسه في جهاده وجهوده، بل كان يعمل لله من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين

ص: 383

العليا، وليس لمصلحته الشخصية مكان ولا مكانة حثى يفرح إذا ربحت، ويحزن إذا خسرت، وهذا هو سر صبره الجميل، وبقاء نفسيته ثابتة لا تتبدل.

و- وكان طارق يتمتع بمزية: سبق النظر، وهذه المزية تجعل القائد يتوقع ما سيقوم به العدو قبل وقوع الأمر بوقت كافٍ، ويتخذ التدابير الضرورية لإحباط ما يقوم به العدو. أي أن سبق النظر، هي عملية اكتشاف نيات العدو المقبلة، واتخاذ الاجراءات الكفيلة بإحباط النشاط المعادي في الزمان والمكان المناسبين.

وقد ظهرت مزية سبق النظر في طارق، بصورة جلية وواضحة في استنجاد طارق بموسى، حين علم باقتراب لذريق وقواته المتفوقة من مواضع المسلمين، قبل اشتباك المسلمين بالقوط في معركة لَكُّهْ، وهي المعركة الأندلسية الحاسمة، فأرسل موسى إلى طارق خمسة آلاف مقاتل مدداً، وبهذا المدد قويت نفس طارق ونفوس مَن معه وبهذه النجدة التي انضمت إلى جيش طارق، استطاع طارق إحراز النصر على القوط.

وتكرر استنجاد طارق بموسى بعد تغلغله بالعمق في الأندلس، فعرّض ميمنة المسلمين وميسرتهم وخطوط مواصلاتهم لخطر معادٍ عظيم. وقد سبق طارق النظر، فاستنجد بموسى، فبادر موسى إلى نجدته بنفسه، وعبر إلى الأندلس، وقضى على الخطر الداهم الذي كان يتهدد المسلمين قبل عبوره، وقضى بالتعاون مع طارق على المقاومات القوطية التي أخذت تشتدّ شيئاً فشيئاً بالتدريج.

وما كان بإمكان طارق أن ينتصر على القوط في المعركة الحاسمة، لو لم يسبق النظر فيستنجد بموسى، فيصله المدد، فيقوى المسلمون به مادياً ومعنوياً، ويحرزون النصر المؤزر على القوط.

وما كان بإمكان طارق، أن ينجو بجيشه المعرّض جناحاه وخطوط مواصلاته إلى تعرض مُعَادٍ، لو لم يسبق النظر، فيستنجد بموسى، فيعبر موسى بنفسه على رأس قوات ضاربة، يُزيل بها الخطر المحدق بجيش

ص: 384

طارق، ويقضي بالتعاون مع طارق على مراكز المقاومة القوطية أو على أخطر مراكزها في جبال الأندلس على أصحّ تعبير.

ز- وكان يتمتع بمزية: معرفة النفسيات والقابليات لرجاله، فأكثرهم من البربر، عاش معهم، وعاشوا معه. أما العرب الذين كانوا في جيشه، فقد كان أكثرهم معه في طنجة يعمل في مجال الدعوة، فلما عبر إلى الأندلس، استمروا على عملهم في مجال الدعوة، وتحملوا أعباء الجهاد بالإضافة إلى واجبهم الأصلي، فكانوا كالمجاهدين الآخرين، إن لم يتفوقوا عليهم في طلب الشهادة والاستقتال في سبيل الله. وبهذه المناسبة، فقد كان علماء السّلف الصالح، وهم الدعاة إلى الله، لا يتخلفون عن تحمل أعباء الجيش بأمانة وإخلاص، وكانوا حين يذكرون: أن الجهاد فرض، لا يكتفون بهذا الكلام، بل يطبقونه عملياً على أنفسهم، وليس سراً أن نسبة القراء من شهداء معركة اليمامة بين المسلمين بقيادة خالد ابن الوليد وبين بني حَنِيفَة المرتدين بقيادة مُسَيْلَمة الكذّاب، كانت أعلى من نسبة شهداء المسلمين الآخرين، فقد شهد المعركة من المسلمين نحو ثلاثة عشر ألف مقاتل (1)، فاستشهد من المسلمين ألف ومائتا شهيد (2)، منهم خمسمائة من القراء (3) وحدهم، أي أن خمسة وأربعين بالمائة من الشهداء كان من القراء، وهم علماء المسلمين، بينما كان تعدادهم بالنسبة للمسلمين الآخرين قليلاً (4)، وهكذا كان علماء المسلمين يُقرنون الأقوال بالأفعال، بل كانوا يقولون قليلاً، ويفعلون كثيراً، وهذا هو سر استجابة الناس لهم وإقبالهم عليهم.

(1) جاء في كتاب: فضائل القرآن لابن كثير ص (12) ملحق بالجزء التاسع من تفسير ابن كثير ما يلي: "التفّ حول مسيلمة من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهّز الصدّيق أبو بكر لقتاله خالد بن الوليد في ثلاثة عشر ألفاً".

(2)

الطبري (2/ 519).

(3)

الطبري (2/ 519) وابن الأثير (2/ 140).

(4)

أنظر التفاصيل في كتابنا: بين العقيدة والقيادة (212 - 213).

ص: 385

وبالإضافة إلى معرفة طارق لرجاله في أيام السلم، فقد تضاعف معرفته بهم في أيام الحرب، فليس كأيام الحرب تربط المقاتلين وتعمق تعارفهم وتكشفهم على حقيقتهم، إذ يستمر الاتصال المباشر بينهم ليلاً ونهاراً في تعاون وثيق، فتنكشف نفسياتهم وقابلياتهم، ويُعرف الشجاع من الجبان، والصادق من الكاذب، والمستقيم من المنحرف، لأن التعامل بين المقاتلين يزداد، والميدان يُظهر الشجاع من الجبان.

وقد كان طارق، بما عُرف عنه، من اتصال وثيق بالبربر والعرب، الذين معه، على معرفة بنفسيات رجاله وقابليتهم، لا تكاد تخفى عليه من أمرهم خافية، فيستخدم الرجل المناسب للواجب المناسب استناداً على نفسيته وقابليته، ولا يكلف رجلاً يجهل طوايا نفسه وخبايا قابليته، إلاّ بعد اختياره، لمعرفة الواجب الذي يستطيع النهوض به، رغبة لا رهبة، وطوعاً لا كرهاً، وباقتدار لا بعجز، لذلك استطاع طارق أن يحقق النصر بقواته القليلة، على القوط بقواتهم المتفوقة، لأنه يستخدم الرجل المناسب للواجب المناسب بموجب نفسيته وقابليته لا يموجب عوامل أخرى.

ح - وكان يتحلى بمزية: الثقة المتبادلة، فقد كان رجلاً مستقيماً صادقاً أميناً، مجاهداً حقاً، شجاعاً مقداماً، ألفاً مألوفاً، يطبق أوامره على نفسه، كما يطبقها على رجاله، إن لم يكن يحرص على تطبيقها أكثر من حرص أي رجل من رجاله. وقد كان يردد دائماً: اعملوا ما أعمل، فلا يطالب أحداً من رجاله أن يعمل غير ما يعمل هو شخصياً، إذ يبدأ بالعمل أولاً، ثم يطالب الآخرين أن يقتفوا آثاره في عمله لا في قوله، فإذا كان الهجوم، كان أول المهاجمين، أمام رجال الصّوْلة في الهجوم، مستهدفاً قائد العدو بالذات، غير مكترث بما حول ذلك القائد من حُماة وحماية.

لقد كان في مزاياه يستحق أن يثق به رجاله، فأولوه ثقتهم الكاملة، ويستحق أن يثق به رئيسه المباشر، وهو موسى بن نصير، ورئيسه الأعلى، وهو الخليفة في دمشق، فأولوه ثقتهم الكاملة، وجعلوه قائداً من قادة الفتح،

ص: 386

وكلفوه بمهمة فتح الأندلس، وكان ذلك المنصب القيادي وتلك المهمة في الفتح، بالنسبة لطارق باعتباره من البربر لا من العرب، وبالنسبة للنظام الحاكم يومذاك، من الغرائب المستحدثة التي لا سابقة لها، ولكن مزايا طارق جعلته موضع ثقة رؤسائه، كما جعلته موضع ثقة مرءوسيه.

وكان طارق، يبادل رجاله ثقة بثقة، والثقة المتبادلة هي العمود الفقري لكل نصر، وانتصارات طارق وفتوحاته دليل على ثقته برجاله، ودليل على أنهم كانوا يستحقون تلك الثقة.

ط - وكان يتحلى بمزية: المحبة المتبادلة، فقد كانت مزاياه تجعله محبوباً من رجاله، كما أنه كان يبادلهم حباً بحب، كما كان يبادلهم ثقة بثقة.

كما كان طارق محبوباً من رؤسائه أيضاً، ولولا ذلك لنحّوه من منصبه القيادي، وولّوا مكانه مَن يُحبّون.

ولعل أحسن دليل على حب رجال طارق لطارق، ما وصف به مُغيث الرّومي طارقاً. فقد ذكروا أن سليمان بن عبد الملك أراد أن يولي طارقاً على الأندلس، فاستشار سليمان مُغيثاً في تولية طارق، وقال له:(كيف أمره بالأندلس؟)، فقال:"لو أمر أهلها بالصلاة إلى قِبْلَة شاءها لتبعوه ولم يروا أنهم كفروا"(1).

لقد كان طارق يحب رجاله، ويحب رؤساءه، وكان رؤساؤه ورجاله يبادلونه حباً بحب، مما جعل التعاون بين القيادة والرجال تعاوناً وثيقاً، لأنه نابع من القلب، وليس بسبب إغراء ووعيد وضغط وإكراه.

ي - وكان يتمتع بمزية: الشخصية القوية النافذة، فما كان لمثله، أن يخترق الحدود والقيود، المؤدِّية إلى منصب القيادة، لو لم يكن ذا شخصية قوية نافذة.

وقد كان موسى بن نصير الذي ولى طارقاً القيادة، مُلْتَزَماً من عبد العزيز بن

(1) نفح الطيب (3/ 13).

ص: 387

مروان الذي كان على مصر، وكان موسى معنياً بإقناع الخليفة وعبد العزيز بن مروان بقابليته قائداً، وأنه قادر على فتح مناطق شاسعة، وتزويد الخلافة ومصر بالغنائم، محاولاً تخفيف الانطباع السَّيء الذي كوّنه عنه الخليفة بسبب العمل الذي اتُّهم به في البصرة. لذلك كان موسى معنيّاً باختيار القادة القادرين من ذوي الكفاية العالية، ومنهم طارق، لتحقيق ما يصبو إليه من فتوح ومغانم، ولا يكون القائد القادر إلاّ ذا شخصية قوية نافذة، لأنها إحدى مزايا كفاية القائد العالية، أما القائد الإمَّعة المتردد الذي يخالف المسئولية، فلا مكان له بين قادة الفتح في تلك الأيام.

ك - وكان طارق يتمتع بمزية: القابلية البدنية، ولا نصوص تشير إلى ذلك في المصادر المعتمدة، ولكن يمكن استنتاج أن طارقاً كان يتحلى بهذه المزية، من سير أعمال طارق في ميادين القتال.

فقد ولاّه موسى على مقدمته في مسيرة فتح طنجة، وولاّه على مقدمته أيضاً بعد عبور موسى إلى الأندلس، ولا يُولى قيادة المقدمة إلاّ قائد يتّسم بالنشاط وسرعة الحركة والتنقل من مكان إلى آخر على عجل، ولا يكون ذلك كما ينبغي إلاّ لقائد ذي قابلية بدنية متميزة.

كما أن تولية طارق على جيش من جيوش المسلمين، متوجِّه لفتح الأندلس، بما في ذلك من مصاعب ومشاق، دليل على أنه كان يتمتع بقابلية بدنية متميزة.

وتحمل أعباء الحرب، من حركة مستمرة، وتنقل مستمر، وقتال بما فيه من صولات وجولات، في مختلف فصول السنة بما فيها من حرّ وبرد وأمطار، لا ينهض بأعبائها إلا من كان ذا قابلية بدنية متميزة. وإقدام طارق على ممارسة القتال في مقدمة الصفوف الأولى، ومهاجمة قادة القوط قبل غيرهم، وانقضاض طارق على أمير إسْتَجَّة وهو في ماء النهر، وأخذه أخذاً بالقوة، وحمله قسراً إلى معسكر المسلمين، أدلّة واضحة على تمتع طارق بمزية القابلية البدنية المتميزة.

ص: 388