الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّلْق -بسكون اللام- وهو المخاض للولادة.
الرَّمَلُ في الطَّوَافِ
مالك، عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة يقول:
اللَّهُمَّ لَا إِله إلَّا أنتا وأنت تُحْيِي بعدما أَمتَّا
يخفض صوته بذلك.
الارتجاز عادة قديمة عند العرب يخففون به عن أنفسهم مشقةَ الأعمال، فكانوا يرتجزون عند القتال وعند المَتْح على الآبار.
وقد جاء في الحديث ارتجاز النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين عند حفر الخندق، وارتجازه يوم حنين بقوله:
أنا النَّبي لا كَذِب
…
أنا بن عبد المطلب
والارتجاز في الطواف وارد عن أهل الجاهلية. وطافت امرأة عريانة على حسب دين قومها، فقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
وما بدا منه فلا أحله
وكذلك ارتجز عروة بكلام صالح في تسبيح الله تعالى وورد مثله عن الحسن البصري.
جَامِعُ السَّعْي
مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فما على الرجل شيء أن لا يطوف بهما،
فقالت عائشة: كلا لو كان كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة؛ فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَ} [البقرة: 158] الآية.
قول عروة: «وأنا يومئذ حديث السنَّ» اعتذار توقُّفه وسؤاله عائشة؛ فيدلُّ على أنَّه موافق لتفسيرها الآية؛ وإنَّما اعتذر بحداثة سنة، إمَّا عن عدم علمه بسبب نزول الآية الذي فيه بيان المقصود منها، وإمَّا عن ضعف فهمه لأساليب الكلام العربي حتى لم يتَّضح له مفاد التركيب في قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} - وقوله: {َفَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} ، فإنَّ عروة وإن كان عربيًا وناشئًا بين العرب، فإنَّ فهم خصائص اللغة يحتاج إلى ممارسة البلغاء وأهل اللسان، وتلك الممارسة لا تكمل في حداثة السنِّ؛ ولذلك كان العرب يصفون من بلغ منتهّى البلاغة والفصاحة من شعرائهم وخطبائهم بالفَحْل، والقرم، والبَازل.
ومعنى كلام عائشة أنَّ الله تعالى لما أخبر أن الصفا والمروة من شعائر الله، فقد أنبأنا بوجوب السعي بينهما وأنَّ ما عليه جمهور العرب من السعي بينهما هو من مراد الله تعالى ومن بقايا الحنيفية الصحيحة، فلمَّا قال:{فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} علم أنَّ ذلك نفي للحرج عن فريق إذا أراد أن يطوف بالصفا والمروة. وتعيين هذا الفريق علم من القصة التي قصتها عائشة.
وليس مراد عائشة أن قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} هو نصِّ على عدم التخبير في السعي، وأنَّه لو كان التخبير مرادًا لقال أن لا يطوَّف بهما، فإنَّ نفي الجناح من صيَغ الإباحة بالأصالة سواء كان تعلُّقه بالمنفي عنه بطريقة الإثبات أو بطريقة النفي؛ لأنَّ التخيير في الفعل يساوي التخيير في الترك كما هو شأن الإباحة. وإنَّما شأن صيغة الإباحة في كلام البليغ أن تتعلق بالطرف المتروك؛ لأنَّه الذي يَظهر فيه التخيير، فلمَّا تعلَّق نفي الحرج في الآية بالطرف المفعول، دلَّ على عدم الالتفات إلى جانب الترك، فلما انضمَّ إليه أن المأذون في فعله هو من شعائر الله تبين أن نفي الحرج مراد به حرج خاص وهو حرج تأثُّمهم؛ فيكون مثل قوله تعالى:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، حين تأثموا من التجارة أيام الموسم، فكان قوله:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} مجملاً بينَّه سبب النزول؛ فهذا وجه الاستدلال بالطريقة الجدلية أو جزتْه عائشة؛ لبلاغتها وذكاء سائلها، وهو من غرر الأدلة.
وأحسب أن تحرُّج الأنصار وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السعي بين الصفا والمروة أنَّ الله لما أبطل عبادة الأصنام وتنزَّهوا عن زيارة إساف ونائلة الصنمين اللذين كانا وضعا على شط البحر حذو قديد في المشلَّل، كما ورد في حديث عن هشام بن عروة عن أبي معاوية. وقد علم الأنصار أنَّ إسافًا ونائلة كانا موضوعين على الصفا والمروة وأنهما لمَّا نقلا إلى الشاطئ، تركوا السعي بين الصفا والمروة استغناء عنه بالسعي بين الصنمين في حيث نقلا. وبقي بعض العرب يسعى بين الصفا والمروة مثل أهل مكة، فظنَّ الأنصار أن السعي من مآثر الشرك وأن الصفا والمروة ليسا من الشعائر مثل الكعبة؛ فنفي ذلك بقوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. وفي هذا الأثر عن أبي معاوية شكٍّ؛ إذ لا يعرف في تاريخ العرب أنَّ إسافًا ونائلة نقلا من الصفا والمروة إلى موضع غير ذلك، وقد جاء ذكرهما في مدَّ البعثة في قول أبي طالب:
وحيث ينيخ الأشعرون رحالهم
…
بملقى السيول بين سَافٍ ونائل
فالوجه أنَّ الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية لا يعبدون إسافًا ونائلة ويعبدون اللَّاتَ؛ فكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة ويرون السعي بينهما إعراضًا عن عبادة اللات، فلمَّا أسلموا تركوا اللات لإسلامهم، وتركوا السعي بين الصفا والمروة؛ لأنَّهم كانوا تاركيه من قبل.