المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

معصية، إذ لا يترتب عليها فساد في المعاملات بين الناس؛ - كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطا

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌ اسمه ونسبه ومولوده:

- ‌ شيوخه:

- ‌ آثاره العلمية:

- ‌ أهمية الكتاب:

- ‌ عملي في هذا الكتاب:

- ‌موطأ مالك بن أنس رحمه الله

- ‌إحصاء ما في الموطأ من آثار

- ‌أسانيد مالك في الموطأ

- ‌رواية يحيى بن يحيى الليثي

- ‌أشهر نسخ الموطأ بالأندلس

- ‌نسخة ابن بشكوال

- ‌تفاسير الموطأ

- ‌كتاب الطهارة والصلاة

- ‌وُقُوت الصلاة

- ‌ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل

- ‌جامع الوقوت

- ‌النوم عن الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بالهاجرة

- ‌النهي عن دخول المسجد بريح الثوم

- ‌العمل في الوضوء

- ‌الطهور للوضوء

- ‌ترك الوضوء مما مست النار

- ‌جامع الوضوء

- ‌ما جاء في المسح على الخُفين

- ‌جامع غُسل الجنابة

- ‌التيمُم

- ‌ما جاء في المُستحاضة

- ‌ما جاء في النداء للصلاة

- ‌افتتاح الصلاة

- ‌القراءة في المغرب والعشاء

- ‌العمل في القراءة

- ‌ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه

- ‌ما يفعل من سلَّم من ركعتين ساهيًا

- ‌النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها

- ‌العمل في غُسل الجُمعة

- ‌ما جاء في السعي يوم الجُمعة

- ‌ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة

- ‌الترغيب في الصلاة في رمضان

- ‌ما جاء في صلاة الليل

- ‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر

- ‌الأمر بالوتر

- ‌فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ

- ‌ما جاء في العتمة والصبح

- ‌صلاة الإمام وهو جالس

- ‌الصلاة الوسطى

- ‌الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد

- ‌الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار

- ‌الجمع بين الصَّلاتين

- ‌ما يجب فيه القصر

- ‌وضع اليدين إحداهماعلى الأخرى في الصلاة

- ‌انتظار الصلاة والمشي إليها

- ‌ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌العمل في جامع الصلاة

- ‌جامع الصلاة

- ‌جامع الترغيب في الصلاة

- ‌العمل في صلاة كسوف الشمس

- ‌ما جاء في صلاة الكسوف

- ‌الاستمطار بالنجوم

- ‌ما جاء في القبلة

- ‌الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء

- ‌ما جاء في القرآن

- ‌ما جاء في قراءة قل هو الله أحد

- ‌ما جاء في الدُعاء

- ‌العمل في الدُّعاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ما جاء في دفن الميت

- ‌الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر

- ‌جامع الحسبة في المصيبة

- ‌جامع الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الزكاة في العين من الذهب والورق

- ‌الزكاة في المعادن

- ‌زكاة أموال اليتامى

- ‌زكاة الميراث

- ‌الزكاة في الدين

- ‌ زكاة العروض

- ‌ما جاء في الكنز

- ‌زكاة الماشية

- ‌صدقة الخلطاء

- ‌ما يُعتد به من السجل

- ‌زكاة ما يُخرص من ثمار النخيل والأعناب

- ‌اشتراء الصدقة والعود فيها

- ‌مكيلة زكاة الفطر

- ‌كتاب الصيام

- ‌ما جاء في تعجيل الفطر

- ‌الرخصة في القبلة للصائم

- ‌مَا جَاءَ فِي قَضَاء ِرَمضَان َوَالكَفَّارَاتِ

- ‌صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ

- ‌صِيَامُ الَّذي يقْتلُ خَطَأ أَوْ يَتَظَاهَرُ

- ‌النَّذْرُ في الصِّيام والصِّيامْ عَنِ الميت

- ‌قَضَاءُ التَّطَوُّعِ

- ‌جَامِعُ الصِّيامِ

- ‌كِتَابُ الاعْتِكَافِ

- ‌ذِكْرُ الاعْتِكَافِ

- ‌قَضَاءُ الاِعْتِكَافِ

- ‌النِّكاحُ فِي الاعْتِكَافِ

- ‌مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ

- ‌كِتَابُ الحَجٌ

- ‌غُسْلُ المُحرِمِ

- ‌لَبسُ المُحْرِمِ المنْطَقةِ

- ‌لَبسُ الثيابِ المُصْيَغَةِ

- ‌مَوَاقِيتُ الإِهْلَالِ

- ‌القِرَانُ فِي الحجِّ

- ‌مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ

- ‌مَا لَا يَحلُّ لِلمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ

- ‌مَا يَقْتلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابٍّ

- ‌مَا جَاءً فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ

- ‌مَا جَاءَ فِيمَنْ أٌحْصِرَ بِغَيرِ عَدُوِّ

- ‌الرَّمَلُ في الطَّوَافِ

- ‌جَامِعُ السَّعْي

- ‌صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ

- ‌مَا جَاءَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ مِنْى

- ‌العَمَلُ فِي الهَهدْي حَتَّى يُسَاقَ

- ‌الحِلَاقُ

- ‌التَّلْبِيدُ

- ‌صَلَاةُ مِنْى

- ‌إفَاضَةُ الحَائِضِ

- ‌جَامِعُ الحَج

- ‌كِتَابُ الجِهَادِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ في الغَزْوِ

- ‌العَمَلُ فِيمْن أُعْطِيَ شَيئًا فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌مَا جَاءَ في السَّلْبِ والنَّفْلِ

- ‌مَا جَاءَ في الغلُولِ

- ‌مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ

- ‌العَمَلُ في غَسلِ الشُهَدَاءِ

- ‌مَا يُكْرَهُ مِنَ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ الله

- ‌التَّرْغِيبُ في الجِهَادِ

- ‌مَا جَاءَ في الخَيْلِ والمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا

- ‌إِحْرَازُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ

- ‌كِتَابُ النُّذُورِ والَأيْمَانِ

- ‌مَا جَاءَ فيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللهِ

- ‌مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ في مَعْصِيةِ اللهِ

- ‌اللَّغْوُ فِي اليَمِينِ

- ‌كِتَابُ الصَّيدِ

- ‌مَا جَاءً في صَيْدِ البَحْرِ

- ‌مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوابِّ

- ‌كِتَابُ الفَرَائِصِ

- ‌مِيرَاثُ الصُّلْبِ

- ‌مِيرَاثُ الإِخْوَةِ لِلأَبِ والأُمِّ

- ‌مِيرَاثُ الإِخْوَةِ لِلأَبِ

- ‌ ميراث الجدِّ:

- ‌مِيرَاثُ الجَدَّةِ

- ‌مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ

- ‌مِيرَاثُ وَلَدِ المُلَاعَنَةِ وَوَلدِ الزْنَا

- ‌كِتَابُ النِّكاحِ

- ‌مَا جَاءَ فِي الخِطْبَةِ

- ‌مَا جَاءِ في الصَدَاقِ والحِبَاءِ

- ‌المقامُ عِنْدَ البِكْرِ والَأيمِ

- ‌نِكِاحُ المُحَللِ ومَا أَشْبَهَهُ

- ‌النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب

- ‌نكاح العبيد

- ‌نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله

- ‌ما جاء في الوليمة

- ‌جامع النكاح

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ما جاء في اللعان

- ‌عدة التي تفقد زوجها

- ‌ما جاء في الإحداد

- ‌ما جاء في الرضاعة بعد الكبر

- ‌كتاب البيوع

- ‌ما يجوز في استثناء الثمر

- ‌ما جاء في ثمر المال يباع أصله

- ‌المزابنة

- ‌بيع الذهب بالورق

- ‌المرُاطلة

- ‌العينة

- ‌السلفة في الطعام

- ‌جامع بيع الطعام

- ‌الحكرة والتربص

- ‌ما يجوز من بيع الحيوان

- ‌بيع اللحم باللحم

- ‌السلف وبيع العروض

- ‌السلف في العروض

- ‌النهي عن بيعتين في بيعةٍ

- ‌بيع الخيار

- ‌البيع على البرنامج

- ‌ما جاء في إفلاس الغريم

- ‌كتاب القراض

- ‌التعدي في القراض

- ‌جامع ما جاء في القراض

- ‌كتاب الشفعة

- ‌ما جاء في الشفعة

- ‌ما لا تقع فيه الشفعة

- ‌كتاب الأقضية

- ‌القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌القضاء فيمن هلك وله دينوعليه دين له فيه شاهدً واحدً

- ‌القضاء في رهن الثمر والحيوان

- ‌القضاء في الرهن يكون بين الرجلين

- ‌القضاء في جامع الرهون

- ‌القضاء في كراء الدابة

- ‌القضاء فيمن ارتد عن الإسلام

- ‌القضاء بإلحاق الولد بأبيه

- ‌القضاء في ميراث الولد المستحلق

- ‌القضاء في المياه

- ‌القضاء في الضواري والحريسة

- ‌القضاء في الحمالة والحول

- ‌القضاء فيمن ابتاع ثوبًا به عيب

- ‌القضاء في العمري

- ‌الأمر بالوصية

- ‌ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد

- ‌العيب في السلعة وضمانها

- ‌كتاب العتق

- ‌من أعتق شركًا له في عبدٍ

- ‌ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة

- ‌ميراث السائبة

- ‌الشرط في المكاتب

- ‌الوصية في التدبير

- ‌بيع المدبر

- ‌القضاء في المرفق

- ‌كتاب الحدود

- ‌ما جاء في الرجم

- ‌كتاب العقول

- ‌العمل في الدَّية

- ‌دية الخطأ في القتل

- ‌عقل الجراح في الخطإ

- ‌ما فيه الدِّية كاملةٍّ

- ‌ما جاء في عقل الشِّجاج

- ‌عقل المرأة

- ‌عقل العين إذا ذهب بصرها

- ‌عقل الأصابع

- ‌جامع عقل الأسنان

- ‌ما يوجب العقل في خاصَّة ماله

- ‌ميراث العقل والتَّغليظ فيه

- ‌جامع العقل

- ‌ما جاء في الغيلة والسحر

- ‌ما يجب في العمد

- ‌القصاص في القتل

- ‌ما جاء في دية السائبة

- ‌كتاب القسامة

- ‌تبدئة أهل الدَّم بالقسامة

- ‌كتاب الجامع

- ‌ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها

- ‌ما جاء في وباء المدينة

- ‌ما جاء في إجلاء اليهود

- ‌ما جاء في الطَّاعون

- ‌النَّهي عن القول بالقدر

- ‌جامع ما جاء في أهل القدر

- ‌ما جاء في حسن الخلق

- ‌ما جاء في المهاجرة

- ‌ما جاء في لبس الثياب للجمال بها

- ‌ما جاء في لبس الخز

- ‌ما يكره للنساء لبسه من الثياب

- ‌ما جاء في إسبال الرَّجل ثوبه

- ‌ما جاء في إسبال المرأة ثوبها

- ‌ما جاء في الانتعال

- ‌النهي عن الشَّراب في آنيةالفضة والنَّفخ في الشَّراب

- ‌ما جاء في لبس الثياب

- ‌جامع ما جاء في الطَّعام والشَّراب

- ‌ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العين

- ‌الرُّقية من العين

- ‌تعالج المريض

- ‌السُّنَّة في الشَّعر

- ‌ما جاء في المتحابين في الله

- ‌الرُّؤيا

- ‌الاستئذان

- ‌ما جاء في أكل الضَّب

- ‌ما يتَّقى من الشُّؤم

- ‌ما يكره من الأسماء

- ‌ما جاء في المشرق

- ‌ما جاء في قتل الحيَّات

- ‌ما جاء في المملوك وهيئته

- ‌ما يكره من الكلام

- ‌ما جاء فيما يخاف من اللِّسان

- ‌ما جاء في الصِّدق والكذب

- ‌ما جاء في عذاب العامَّة بعمل الخاصَّة

- ‌التَّرغيب في الصَّدقة

- ‌ما يتَّقى من دعوة المظلوم

- ‌أسماء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

الفصل: معصية، إذ لا يترتب عليها فساد في المعاملات بين الناس؛

معصية، إذ لا يترتب عليها فساد في المعاملات بين الناس؛ ولكنها غضاضة في المعاملة، ولنظائرها حكم الكراهة لا حكم التحريم فقياسها الكراهة. وقوله:«شر الطعام» أراد بالشر أقل الطعام ثوابًا. فالشر مستعمل في عدم النفع في الآخرة، وإلا فإن الوليمة مطلوبة وقد أمر رسول الله بها عبد الرحمن بن عوف وهي من سنة النكاح والإجابة مأمورٌ بها شرعًا، ولكن لما كانت الوليمة لا يقصد بها معين كانت دون إطعام الفقير، ودون إضافة ابن السبيل، ودون إطعام الصديق والقريب وربما عرض لها الرياء.

والأظهر أن تجعل جملة: «يدعى إليها الأغنياء» صفة للوليمة، أي: التي يقصد أن لا يدعى إليها الفقراء لفقرهم، فيكون تحذيرًا من هذا القصد؛ لأن ذلك ناشئ عن الكبر والرياء وليس المراد أن الوليمة كلها كذلك، والمشاهد أن الولائم تقع على الحالتين.

‌جامع النكاح

مالكٌ عن أبي الزبير المكي: أن رجلاً خطب إلى رجلٍ أخته، فذكر أنها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه أو كاد يضربه، ثم قال: ما لك وللخبر.

كان هذا الرجل قد حسب أن إخباره الخاطب بأن مخطوبته أحدثت، أي: زنت أمرٌ مشروعٌ، وأن كتمانه ضرب من الغشٍّ للخاطب وكان مخطئًا في حسبانه ذلك، وإخباره بذلك غير مشروع؛ فلذلك ضربه عمر أو كاد يضربه؛ لأنه لو فعل أمرًا مشروعًا لما أدبه على فعله، فالضرب تأديبٌ ظاهر، والهم بالضرب همًّا قويًّا -على ما شك فيه الراوي- تأديب أيضًا إذا كان الرجل من أهل الفضل؛ لأن عمر ما هم بضربه إلا لأنه يجوز له ضربه إذ كان عمر وقافًا عند أحكام الشرع، فإن كان الحاصل من عمر ضرب الرجل فهو لم يعذره بجهل إذ لعل مثله ما كان يجهل سوء ما لمولاته لو تأمل ولم يعجل، وإن كان الحاصل منه مجرد العزم على ضربه، ثم لم يضربه؛ فقد عذره عمر بأنه أراد خيرًا.

ص: 255

ووجه الفقه في هذا كله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بستر المسلم فيما زل فيه من المعاصي فقال في الحديث الصحيح: «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» . وفي الحديث الآخر: أنه زجر الذي أخبره بزنا رجلٍ مسلم فقال له: «هلا سترته بردائك» ، وغير ذلك من الآثار، فحصل العلم بأن من مقاصد الشريعة الستر على المسلمين في المعاصي ما لم يخش ضرٌ على الأمة؛ لأن في الستر مصالح كثيرة، منها: إبعاد المقترف عن استخفاف الناس به وكراهيتهم له، ومنها أن في التسميع بالعاصي مظنة قصد التشويه به، فيحدث من ذلك سوء نية للمشهر به، ومنها أن إشاعة المعاصي تسهل أمرها على متجنبها؛ إذ النقائص تسهل بكثرة مرتكبيها، يقول من تنزع نفسه إليها: أن له نظائر وأسوة في غيره فبإشاعتها توقظ عيون الدعارة والفساد، وهذا مما يشير إليه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} [النور: 19]، ومنها أن من حصلت منه المعصية على وجه الفلتة إذا ستر أمره بقي له وقاية مروءته فلعله لا يعاود تلك المعصية فإذا افتضح زال ذلك الاتقاء، فقال: أنا الغريق خوفي من البلل، ومنها أن التشهير يحدث عداوة بين المشهر والمشهر به، وذلك ينافي مقصد الإسلام من دوام الألفة والمحبة بين المسلمين.

فلأجل ذلك كله وغيره أدب عمر من شهر بأخته؛ لأن تلك المقاصد التي ذكرناها هي أقوى واكد في جانب الأقارب بله الإخوة، وليس هنالك ما يعارض؛ إذ لا منفعة للخاطب في إعلامه بما أحدثته مخطوبته؛ فإنه ذنب مضى وليس هو عيبًا في الخلقة يجب الإعلام به لتجنب الغرور بالخاطب؛ كعيوب الأبدان والأخلاق من مرض أو جنون أو حماقة قوية تمنع حسن المعاشرة، على أن الإخبار بمثل ذلك يوجب انكفاف الرجال عن تزوج المرأة؛ ولذلك قال له عمر:«ما لك وللخبر» ، يعني لا داعى إلى ذلك الخبر ولا فائدة، فإن الاستفهام في قوله:«ما لك» استفهام إنكاري هو في معنى النفي، أي: ليس لك مع هذا الخبر اتصال واختصاص.

ثم إن كان الذي أحدثته المرأة لا يعلمه إلا أخوها وخاصتها فوجوب كتمانه عن

ص: 256

الخاطب ظاهر، وإن كان قد اشتهر بين الناس؛ فوجوب كتمانه عن أهلها وجيه؛ إذ كان على الخاطب أن يستعلم على مخطوبته من غير أهلها وأن يستشير ذوي نصيحته، وليس الولي بمستشار، وكل ينصح لمواليه، وهذا الأخ قد عكس سنة المعاملات القومية، كما قال مرة الفقعسي الحماسي:

رأيت موالي الألى يخذلونني

على حدثان الدهر إذ يتقلب

فإن كان فعل ذلك خشية أن يطلع الخاطب بعد التزوج على حدث زوجته، فليس الذي يحصل بعد اطلاعه بأشد عاقبةً مما أخبره أخوها قبل الزواج.

* * *

قوله: غير أن القاسم بن محمدٍ قال: طلقها في مجالس شتى.

يتعين ضبط «طلقها» بصيغة الأمر، أي: قال للوليد بن عبد الملك ذلك حين أفتاه بأنه إذا طلق إحدى زوجاته الأربع طلاق البتات، أنه يتزوج امرأة عقب ذلك ولا ينتظر أن تنقضي عدة المرأة التي طلقها، وعلى ذلك بنى أبو عمر بن عبد البر كلامه فنقل عنه الزرقاني أنه قال:«أراد أن يشتهر طلاقها البتات ويستفيض؛ فتنقطع عنه الألسنة في تزوج الخامسة» . ويؤيد هذا قول القاسم: «في مجالس شتى» لوجوهٍ:

أحدها: أن طلاق البتات لا يتعين لاعتباره بتاتًا وقوعه في مجالس شتى، بل يكون ولو بكلمة على ما أجمع عليه الصحابة من أثناء خلافة عمر بن الخطاب وتبعهم جمهور العلماء.

والثاني: أنه لو أراد تعديد صيغ الطلاق؛ ليكون بتاتًا لقال له في مجالس ثلاثة، وأما لفظ «شتى» ، فهو مفيد للكثرة لقصد الاشتهار.

والثالث: أنه لو كان المراد به تكرر صيغ الطلاق لكان فضولاً من القول؛ لأن الفتيا إنما صدرت على من طلق زوجه الرابعة طلاق البتات؛ وإنما أراد القاسم بن محمد تنبيه الخليفة إلى ما يكف عنه ألسنة المتقعرين المرجفين أن يقولوا: طلق زوجة

ص: 257

رابعة وتزوج قبل انقضاء عدتها فتكون الجديدة خامسة ولا يبينون كيفية طلاق الرابعة.

وعلل الباجي في «المنتقى» كلام القاسم بن محمد بتعليلٍ ضعيفٍ فانظره، وقد ضبط في بعض نسخ «الموطإ» بصيغة الماضي، واستظهره الشارح الزرقاني وهو خطأ.

ص: 258