الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا نصل إلى كنه أحوالها والقدرة صالحة لما لا تصل إليه العقول بحسب معتادها، ويحتمل أن تكون الشكاية من الملائكة المسخرين بتدبير جهنم أن يكونوا يخشون أن تصل بهم شدة أمر جهنم إلى التقصير في تدبير ما سُخروا له، والله أعلم.
النهي عن دخول المسجد بريح الثوم
قال في «القبس» : إن إدراج هذه الترجمة في كتاب وقوت الصلاة، للتنبيه على أن الجماعة ليست بفرض، وإلا لما جاز التخلف عنها، فلما جاز أكل الثوم الموجب للتخلف، وهو توجهٌ غير رشيق.
والذي يظهر أن ذكر ذلك هنا لمجرد مناسبة ترك فضيلة من فضائل الصلاة، وهي فضيلة الجماعة لعارض الأذى، كما خير إيقاع الصلاة في أول الوقت لأجل أذى الحر.
العمل في الوضوء
الطهارة: من أهم شرائع الإسلام فقد جعلت شرطًا في أداء الصلاة التي هي أعظم شرائع الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله الصلاة بغير طُهور» ، فالطهارة وسيلة عظيمة لفضائل جمة جُثمانية ورُوحانية. وقد جاء الإسلام متممًا لمكارم الأخلاق، وهاديًا إلى الفضائل والمحاسن، ليبلغ بالناس إلى أقصى حد تصل إليه الفطرة السليمة؛ إذ الطهارة نظافة، والنظافة من أول ما ألهم إليه البشر من خصال الفطرة السليمة، كما أشار إليه قوله تعالى:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: 22] لما هو معلوم من أن السوأة مقر القذارة. ولكن الناس منذ القدم وإن لم يكونوا مضيعين لحظ من الطهارة قد كانوا مفرطين في حظوظ عظيمة من كمالها على تفاوت بينهم في ذلك التضييع، فجاء الإسلام يأمرهم بما يكمل ما في الفطرة من حب التطهر، وذلك بجعله الطهارة شرطًا في أهم أركانه، وببيان فضائلها، وبتحديد مواقيت إيقاعها بحسب ما يناسب حاجة كل أحد حتى لا يُعرضها الناس للإضاعة
بذريعتين: إحداهما: النسيان عنها، والثانية: اختلاف النفوس في الشعور بحالة لزومها، وهاتان الذريعتان هما ذريعة التفريط في الفضائل كلها.
فأما النسيان: فتراخى المرء عن الأمر الحسن في وقته الحاصل فيه، فإذا تذكره بعد فوات وقته، يتثاقل عن تداركه فينقلب نسيانه إلى تهاون واستخفاف. وأما اختلاف الشعور بالحاجة إلى العمل النافع: فيُغر المرء بأنه في غنى عنه فيتركه في حال تلبسه بما يقتضي عمله، فيفوت الانتفاع بالمنافع كثيرًا من الناس في أوقات كثيرة.
وشأن الناس في أمر النظافة هكذا، فإنهم وإن كانوا لا يختلفون في حسن النظافة تجد كثيرًا غير متسمين بها إما لنسيان وتهاون، وإما لإخالتهم أنفسهم في نظافة، وهم في ضدها.
فلسد هاتين الذريعتين جعل الإسلام الطهارة واجبة؛ لأجل الصلاة التي هي عبادة تتكرر كل يوم فلم يبق للنسيان إلى نفوسهم تطرق، ولا للاغترار بالنظافة الكاذبة بأذهانهم تعلق.
وإن مظاهر الكمال الجثمانية من شأنها السريان إلى النفس فتقيد الروح نشاطًا وإشراقًا ينشئان عن شدة اتصال أحوال الروح بأحوال الجسد، ثم عن الشعور بالفضل والتحلي بالكمال، فكانت الطهارة الجثمانية تهيئة لإشراق الروح إشراقًا يُهيئ إلى التزكية والنزاهة كما يحس به المتطهر في حال تطهره ويحس بضده في حال انتقاض الطهارة. ويحصل تمام ذلك الإشراق عن الطهارة بسبب نية المتطهر القيام بواجب شرعي، واستشعاره أن تطهره تأهب للصلاة التي هي مناجاة الله تعالى. قال الشيخ أبو محمد في «الرسالة»:«ويُشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه، والوقوف بين يديه لأداء فرائضه» . ولتحصيل الاجتياز إلى الروح من هذا البرزخ اشترط الإسلام في الطهارة أن يكون فعلها بنية التقرب إلى الله تعالى، فإنها من جملة أعمال الإسلام التي جاء فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» فبتلك النية وذلك الإخلاص يكمل سريان الطهارة الجثمانية إلى الروح فتزكيها.
وجعلت الشريعة أسبابًا لتجديد الطهارة لا تخفى عن المتلبس بها فلا تقبل تشكيكًا
ولا تأخيرًا. فتقرر فضل الطهارة بقوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
وجعلت الطهارة: طهارتين: كبرى: لجميع الجسد لإزالة ما عليه من مفرزات طبيعية وما يرد إليه من أوساخ خارجية، وصغرى: لأعضاء ومنافذ يكثر الإفراز والورود عليها. وجعلت أسباب تجديد كلتا الطهارتين أسبابًا من شأنها التكرر، وجعلت تلك الأسباب أشياء مناسبة لشعور النفس بانتقاص إشراقها المعبر عنه في الحديث:«أصبح خبيث النفس كسلان» .
ومن بدائع التشريع أننا نجد مناسبة بين الأسباب التي يعبر عن أكثرها الفقهاء بالأحداث وهي مفرزات جسدية. وبين سبب مشروعية الطهارة الكبرى والصغرى وهو النظافة، فإن تلك الأسباب تكثر وتقل في آحاد الناس تبعًا لقوة عضلات البدن وضعفها. وإذا كان الوسخ من جملة المفرزات الجسدية كانت تلك الأسباب الظاهرة مقارنة في الواقع للسبب الخفي، فأنيطت سببية الطهارة بالظاهر، لأنه مقارن للخفي ومعرف به كشأن الأسباب الشرعية. وقد ورد الأمر مع ذلك بالغسل
كل يوم جمعة في الحديث الصحيح في «الموطإ» وغيره. وحمله كثير من الفقهاء على الوجوب، وعلله حذاقهم بأنه لمجرد النظافة حتى أجاز بعضهم إيقاعه بماء الورد؛ لأنه ليس لرفع الحدث. وحمله مالك رحمه الله على السنة المؤكدة.
ويلحق بهذا طهارة أخرى وهي طهارة الجسد، والثوب، والبُقعة من التلطخ بالنجاسات؛ ولذلك أخذ حكم طهارة الحدث في القول المشهور من وجوبهما، ويدل عليه الحديث: «إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبيرٍ؛ أما أحدهما فكان لا يتستر من البول
…
».
والمطهر: هو الماء الباقي فيه وصف المائية على اختلاف في صفة بقاء هذا الوصف