الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السرية. وبقية الأحاديث في هذا الباب مجملات أو مرويات بالمعنى أو بزيادة من عند الراوي، ويفسرها هذا الحديث. والبخاري، ومسلم لم يُخرجا هذا الحديث في «صحيحيهما» ، ولم أدر ما حال بهما دون ذلك، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هل قرأ معي منكم أحد آنفًا؟ » . يدل على أن القراءة المسؤول عنها كانت قراءة سرية لم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك سأل بـ (هل) المفيدة لطلب التصديق، ولو كان سمع قراءة خلفه لسأل عن تعين القارئ، فلقال:«من قرأ معي منكم؟ » .
وقوله: «إني أقول ما لي أنازع القرآن» أي: أقول في نفسي حين الصلاة، كقول زهير:
وكان طوى كشحا على مستكنة
…
فلا هو أبداها ولم يتقدم
وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي
…
عدوي بألفٍ من ورائي ملجم
ومعناه: أن رسول الله حصل لنفسه الشريفة مثل ما يحصل للمتكلم إذا كان يتكلم ويشاركه غيره في الكلام، وهذا حصول مكاشفة جعله الله تعالى لرسوله، فظهرت فيه مشاركة نورانية؛ لصعود قراءته إلى السماء خالصة عن خلط يكدر شيئًا من صفاء نورها، ونفع المصلين بخلوص بركتها، أو يقلل نفع القارئ معه من بركة الإنصات إلى قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام. والحاصل أنه حصلت حالة كدر في نورانية قراءة رسول الله؛ ليحصل تعليم المصلين وجوب الإنصات إلى إمامهم، ثم إن كان هذا القارئ كان يحاكي قراءة رسول الله، فالمنازعة تمثيل لحالة المشاركة في شيء متحد بمجاذبة بين شخصين في شيء، وإن كان القارئ قرأ بغير ما كان رسول الله يقرأ، فالمنازعة تمثيل لحالة المماثلة في عملٍ، بحالة المشوش المغلط، وأيامًا كان فالكلام خبر مستعمل في اللوم والتوبيخ؛ لما هو ظاهر أن منازعة الرسول والإمام أمر مذموم وجفاء لو علم به صاحبه قبل أن يوقف عليه.
ما يفعل من سلَّم من ركعتين ساهيًا
مالكٌ عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هُريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا
رسول الله؟ فقال رسول الله: «أصدق ذو اليدين؟ » فقال الناس: نعم، فقام رسول الله، فصلى ركعتين أُخريين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سُجوده، أو أطول، ثم رفع، ثم كبر، فسجد مثل سُجوده أو أطول، ثم رفع.
ذو اليدين ويلقب بذي الشمالين أيضًا، واسمه: الخِرباق -بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء-ابن عمرو. قيل: هو سُلمي-بضم السين نسبة إلى بني سُليم، وقيل: هو زُهري.
هذا الحديث فيه نسيان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، واعلم أن النسيان من الأعراض البشرية التي تحصل إذا حصلت أسبابها العادية، فهو جائز وقوعه من الأنبياء والرسل، وثبت وقوعه منهم في الجملة، فالنسيان أقسام: منه ما يكون في الأمور العادية، وهذا واقع من الأنبياء، فقد قال موسى للخضر:{لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيت} [الكهف: 73]. وقد نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى صلاة، أنه كان عليه أن يغتسل. ومنه ما يكون في الأمور الدينية، فأما ما يتعلق بالتبليغ، فهو أيضًا جائز وواقع بعد أن يقع التبليغ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يرحم الله فُلانًا لقد ذكرني كذا وكذا، آية نسيتُهن من سُورة كذا وكذا» ، فذلك نسيان لشيءٍ من القرآن بعد تبليغه وتواتره. وأما ما يتعلق بابتداء التبليغ، فالله عصم رُسله من نسيان ما أمروا بتبليغه؛ لقوله تعالى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه} [القيامة: 16 - 19]. وما ورد في هذا الحديث هو من قبيل النسيان في أمور الدين الذي لا يتعلق بالتبليغ، على أن مالكًا رحمه الله روى فيما يأتي: أنه بلغه أن رسول الله قال: «إني لأنسى أو أُنسى لأسُن» ، فدل على أن بعض نسيانه مراد من الله تعالى؛ ليتعلم به المسلمون حكمًا شرعيًا، وفي رواية:«إني لا أنسى ولكن أُنسى لأسن» ، فيدل على أن نسيانه في الأمور الدينية لا يقع إلا لقصد التعليم.