الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك السب، ومن لوازمه أنَّه قد باء بإثم الكفر بشهادة مسلم، وإمَّا أن يكون الشاتم كاذبًا، بأن يكون قد قال ذلك بهتانًا، فيكون قد سبَّ نفسه، وهو لا يدري إذ قد عدَّ حالة الإيمان كفرًا، ولا يعدُّ الإيمان كفرًا إلا كافرٌ؛ إذ إيمان المؤمن يقتضي الكفر بضدِّ الإيمان، فيكون قد كفى المسبوب أمر الرد عليه؛ فقد رجع الساب سابًّا لنفسه من حيث لا يشعر؛ إذ قد عدَّ حال الإيمان حال كفر فهو يرضى لنفسه الحال المتصف بها المسبوب، فيلزم منه أنه يرضى لنفسه خلافها، وخلاف الإيمان كفر، فكان جديرًا بأن يسب بأنَّه كافر بوجه أحق من الوجه الذي سبَّ به صاحبه؛ لأنَّ حاله هو أشبهت حال الكافر، فكان عود السب إليه أحرى وأجدر.
وليس المعنى فقد باء بصدق السب أحدهما، أي: باء كافرًا؛ لأنَّ اللفظ لا يقتضيه والقواعد الشرعية تنافيه؛ ولأنَّ السب إنشاء والإنشاء لا نسبة له في الخارج مطابقة أو لا مطابقة، وبهذا اندفع عن الحديث الإشكال.
ما جاء فيما يخاف من اللِّسان
وقع فيه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وقاه الله شرَّ اثنتين ولج الجنَّة، فقال رجلٌ: يا رسول الله ألا تخبرنا» إلخ.
وقع في رواية يحيى بن يحيى، وابن القاسم قوله:«لا تخبرنا» بلفظ النهي، وقد أشكل على الشارحين موقعه، وتأوله الباجي في «المنتقى» بأنَّ الرَّجل أراد أن تتسابق أفهام الحاضرين إلى تعيين هذين الاثنين. وهو أقرب ما تأوَّل به
الشارحون، وليس في حكاية الراوي ما يدلُّ على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد اختبار فهمهم مثلما وقع في حديث:«أية شجرة كالآدمي» ، فيكون ذلك مما اقتضاه الكلام؛ ولأن الخبر متعلق بأمر الآخرة ولا مجال للأفهام في تعيينه.
ورواه عبد الله بن مسلمة القعنبي: «ألا تخبرنا» بزيادة همزة على أن «ألا» للعرض، وهذه الرواية أقرب، وهي تقتضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وسكت قليلاً أو اشتغل بشيء، ويدلُّ عليه أنَّه عليه الصلاة والسلام قال ذلك أربع مرات. ويرجح رواية القعنبي خمسة أمور: أوَّلها: أن شأن أهل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرص على الاستفادة، واحتمال كون المراد اختبار تنبههم لم يحك الراوي ما يقتضيه. الثاني: أنَّ المقام مقام تبشير وترغيب، فلا يظنُّ أنَّ الرجل قال:«لا تخبرنا» ، خشية أن يذكر لهم ما لا يقدرون عليه، كما نقله الشارح الزرقاني عن الباجي عن ابن حبيب. الثالث: أن سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم عقب كلِّ مرة دليل على قصد التشويق للخبر، وذلك يناسب حرص السامع على تعجيل العلم به. الرابع: أن سكوت بقية الحاضرين دليل على أنَّ هذا الرجل كان سائلاً ما فيه رغبة الجميع بخلاف ما في رواية يحيى، فإن ذلك لا يشاركه فيه جميع الحاضرين على كلِّ تأويل. الخامس: أنه في المرة الرابعة أسكت الرجل رجل آخر إلى جنبه، وذلك يدلٌ على أنه لما حرص على تعجيل الفائدة، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يسكت، خافوا أن يكون الرجل قد أحرجت رسول الله عليه الصلاة والسلام كثرة إلحاحه بتعجيل العلم بذلك، فرأى الرجل المسكت أن يُوكل وقت الإعلام بتعيين هذين الأمرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد يجمع بين الروايتين بأنَّ أحد القولين صدر من رجل حاضر في المجلس، فحدَّث الراوي مرَّة بقول هذا ومرَّة بقول الآخر، فتكون كلتا الروايتين مما حدَّث به مالك أو زيد