الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلذلك كان من السنة تعجيل ثابتًا بالسنة القولية، وتأخير السحور بالسنة الفعلية.
وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» ، ولم يزد عليه:«وأخروا السحور» ، فإن الثابت في «الصحيح» هو الاقتصار على ذكر تعجيل الفطر ولم تثبت زيادة:«وأخروا السحور» ؛ لأن رسول الله قد علم أن كثيرًا من أصحابه كان يحب التملي من الصوم، والاستكثار من الخير والقربة حتَّى رام كثير منهم أن يصل صوم اليوم بصوم اليوم الموالي له، وهو ما دعا رسول الله إلى النهي عن الوصال، كما في أحاديثه المثبتة في «الموطإ» وما بعده. ومن البين أن معنى التعمق في الصوم يبعث على تأخير الفطر وتأخير السحور، فكان تعمُّقهم في ذلك منافيًا لمقصد الشريعة في أول طرفيه وموافقًا لمقصدها في طرفة الآخر وهو تأخير السحور، ندبهم رسول الله إلى تعجيل الفطر؛ لأنه المظنون بهم ولم يندبهم إلى تأخير السحور؛ لأنه حاصل منهم، فكما كانوا لقوله من الممثلين لا تكونوا عن فهم قوله من الغافلين.
الرخصة في القبلة للصائم
مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: إن كان رسول الله ليقبل بعض أزواجه، وهو صائم، ثم تضحك.
هكذا وقع هذا الحديث في سائر نسخ «الموطإ» من رواية يحيى بن يحيى التي بأيدينا والتي شرح عليها شارحوه. ووجدتُ في نسخة عندي هكذا «وهو صائم،
ثم يصلي، ثم تضحك»، وكتب الناسخ في طرتها سقط لغير يحيى «ثم يصلي» ، فاقتضى أنَّ رواية يحيى قد زادت «ثم يصلي» ولم أر أحدًا روى هذه الزيادة ولا صحَّ عن عائشة في ذلك شيء، فقد روى الترمذي وأصحاب السنن حديثًا عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه، ثمَّ خرج إلى الصلاة ولم يتوضَّأ، قال عروة: قلت: من هي؟ إلا أنتِ، قال: فضحكت. وقال الترمذي: «وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة في هذا؛ لأنه لا يصحُّ عندهم لحال الإسناد. وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى ابن سعيد القطَّان هذا الحديث، وقال: هو شبه لا شيء. وقال الترمذي: سمعن محمَّد بن إسماعيل يعني أبا عبد الله البخاري يضعف هذا الحديث وقال: إن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة وليس يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء اهـ. فأمر هذه النسخة عجيب، وعادة ناسخها أن يُثبت بعض الاختلاف في الرواية بين يحيى بن يحيى وغيره، وبين روايتي عبيد الله بن يحيى وابن وضَّاح عن يحيى بن يحيى ما دلَّ على أنه نسخها من نسخة متقنة، فإذا صحَّ هذا عن يحيى فلعلَّ عائشة جمعت الحديثين فحدث بهما ابنه هشامًا، فيكون هذا من غرائب يحيى عن مالك عن هشام بن عروة» .
ووقع فيه: «مالك، عن يحيى بن سعيد أنَّ عاتكة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفتل امرأة عمر بن الخطاب» .
هكذا وقع في نسخة من الموطإ ونبه ناسخها في طرتها، أنه كذلك وقع في رواية عُبيد الله (يعني ابن يحيى) عن يحيى بن يحيى، وأن ابن وضَّاح قال: هذا وهم والصواب أنها عاتكة بنتُ زيد بن عمرو بن نفيل. وفي المتن الذي شرح عليه الباجي في «المنتقى» عاتكة بنت سعيد بن زيد. ولم ينبه الباجي على الغلط فيه.