الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأكل، وبشرب، ويعود المريض، ويشهد الجنائز، ولا يتطيب. والمعتكف والمعتكفة يدهنان، ويتطيبان، ويأخذ كل واحد منهما من شعره، ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المرضى فأمرهما في النكاح مختلف».
أراد إبداء الفارق بين الإحرام والاعتكاف في أحكام كثيرة، ليظهر أنهما ليسا من جنس واحدٍ وإن اشتراكا في أنَّهما عبادة، واستدل على اختلاف جنسيتهما باختلاف خصائصهما. فإذا تبين اختلاف الجنسين تعين أن لا يكون مُناسب أحد الجنسين مناسبًا للجنس الآخر، فالمنع من عقد النكاح مناسب للإحرام، ولا يلزم أن يكون مُناسب أحد الجنسين مناسبًا للاعتكاف، فلا يقاس الاعتكاف على الإحرام في منع النكاح للمتلبس به، لانتفاء المناسبة بسبب اختلاف الجنسين. والمقصود من هذا فقه في السنة، ودفعٌ لمن قد يَطعن في المأثور من السنة بأنَّه مخالف للقياس، فيتطرق إلى الشك في صحَّة الأثر، وإلَّا فإنَّ الاعتماد في هذا على السنة لا على القياس. ولذا قال مالك في آخر كلامه:«وذلك الماضي من السنة في نكاح المحرم والمعتكف والصائم» . وقد يأتي مالك بمثل هذا كما قال في القضاء بالشاهد واليمين: «إنَّه ليكفي في ذلك ما مضى من السنة ولكن المرء قد يُحبُّ أن يعرفه وجه الصواب ومواقع الحجَّة» . وهذا المسلك الذ سلكه في هذا الباب يرجع إلى القدح في القياس المفروض أو المقول به بقادح الفرق والقدح في المناسبة.
وقوله: «إنَّ المحرم يأكل ويشرب (أي: في النهار) بخلاف المعتكف» ؛ لأنَّ من شرط صحة الاعتكاف أن يكون المعتكف صائمًا صيامًا فرضًا أو نقلاً.
مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ
وقع فيه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبلة أو ما شاء الله من ذلك» .
الرؤية هنا عرفانية، فعلها متعدٍّ إلى مفعول واحد، وصار بالهمزة متعديًا إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبرَ، أي: أعمله الله بأعمال الناس قبله إعمالاً صريحًا بالمشاهدة.
وقوله: «أو ما شاء الله من ذلك» شك من شيخ مالك أو من مالك. وهذا الشكُّ يدلُّ على أنَّ هذا البلاغ حكاية للفظ نبوي؛ ولذلك تحرَّى راويه على عادة مالك وشيوخه في توخِّي اللفظ النبوي: والمعنى أو أرِيَ ما شاء الله أن يُريه من أعمار مَن قبله، أي: أعمار بعض الأمم، وكلا الاحتمالين كاف في تقاصيره أعمار أمته.
وقال: «فكأنَّه تقاصر أعمار أمَّته» أي: فأشهت حالته حالةَ من تقاصر أعمار أمته، أي ظهر على ملامحه ما يُؤذن بذلك ولم يسأله تأدبًا مع الله تعالى، فأعطاه الله ليلة القدر، أي: كرامة له لإزالة مخافته التي لم يصرحْ بها.
وقوله: «تقاصَر أعمار أمته» استعمل تقاصَر متعدِّيًا، ومعناه استقصر أعمارهم. وهذا استعمال غريب لمادة التفاعل. وقوله:«أن لا يبلغوا من العمل» بدَل اشتمال من أعمار.
***
وفيه قوله: فأعطاه الله «ليلة القدر خير من ألف شهر» .
ليلة مرفوع على الحكاية للآية؛ وكذلك «خيرٌ من ألف شهر» ، فمعنى:«فأعطاه الله» : فأنزل عليه هذه الآية عطية منه تعالى، ويفسِّر هذا ما رواه ابن أبي حاتم مرسلاً بأطول مما في «الموطإ» .
***
وفيه: قال له جبريل: فقد أنزل الله عليك خيرًا من ذلك ليلة القدر خير من ألف شهر.
وما أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد مرسلاً بأطول مما في
«الموطإ» ، فأنزل الله تعالى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، وفي بعض النسخ من «الموطإ» «ليلة» بالنصب، (وخير) بالرفع، فيكون معنى:(فأعطاه): وهبة تلك الليلة، ويكون رفْع (خير) على أنَّه نعت مقطوع أو خبر لمبتدأ محذوف، وجملته مستأنفة لبيان مقدار العطية، ولم يُرْوَ (خيرًا)، ولو روي لكان حالاً من ليلة القدر.