الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوم عن الصلاة
قوله في حديث ابن شهاب:
«وكلأ بلالٌ ما قُدر له، ثم استند إلى راحلته، وهو مقابل الفجر» .
كلأ: أي رقب. يُقال: كلأ النجوم، إذا نظر فيها ليرى طُلوع النجم الذي يوقت به. قال الراعي من شعراء الحماسة:
كفاني عرفان الكرى وكفيتُه
…
كُلُوء النجوم والنُّعاس مُعانقُهُ
وقوله: «مقابل الفجر» معناه والله أعلم: وهو مُقارب وقت طُلوع الفجر حتى كأن الفجر قُبالته بمرأى منه، كما يُقال: البلد أمامك أو بين يديك، أي: قريبٌ منك.
***
قوله: «ففزع رسول الله» .
أي: انتبه من نومه دُفعةً. ومنه قوله في حديث زيد بن أسلم بعده: «فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها» .
***
قوله: فصلى بهم رسول الله الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة: «من نسي الصلاة، فليُصلها إذا ذكرها، فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
مراده عليه الصلاة والسلام من قوله: «من نسي الصلاة» إلى آخره، أن يعرفهم بأن خروج الوقت لا يسقط وجوب الصلاة، وأن على المسلم أن يقضي الصلاة إذا نسيها حتى خرج الوقت.
وقوله: «فإن الله تعالى يقول» إلخ بيان لدليل ذلك الفقه، أي فإن الله تعالى أوجب علينا الصلاة كما أوجبها على من قبلنا لحكمة واحدة، فلذلك كان ما أوحاه إلى من قبلنا من حكمة إقامة الصلاة لازمًا لنا، لاتحاد حكمة الصلاة فينا وفيهم.
وتلك الحكمة أنها أداءٌ لحق ذكره، وحق ذكر الله مستقر في ذمة المسلم، فلا يسقطه خروج الوقت؛ لأن الوقت إنما جعل للمحافظة على أداء الصلاة وتجنب تأخيرها الذي قد يفضي إلى نسيانها؛ فلا يعود خروج الوقت سببًا لإسقاط الصلاة؛ لأنه بذلك يجعل الوسيلة مقصدًا والمقصد تبعًا، وذلك إخراج للحقائق الشرعية عن مهيعها والمقصود منها، فهذا استدلال من استنباط رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هو من بيان القرآن بوحي غير مقروء.
وفي الآية قراءتان لـ «ذكري» بالإضافة إلى ياء المتكلم، وقراءة «للذكرى» بألف في آخره على أنه اسم مصدر الذكر الذي أريد به ذكر الله تعالى، فمدلول القراءتين واحدٌ والاستدلال قائمٌ على كلتا القراءتين. ولشراح «الموطأ» هنا حيرة وتطويل لا داعي إليهما ولا تعويل.
***
قوله في حديث زيد بن أسلم:
«فأمرهم رسول الله أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: إن هذا وادٍ به شيطانٌ
…
».
احتار شارحو «الموطأ» و «الصحيحين» في تفسير الكلام النبوي، وذهبوا في ذلك طرائق لا حاجة إلى ذكرها، إذ هي منكم على طرف الثمام.
والذي بدا لي في توجيه الأمر بالانتقال من ذلك الوادي، وفي توجيه قوله في تعليله:«إن هذا واد به شيطان» : أن حيلة الشيطان لما غلبت حرصهم على كلاءة وقت الفجر حتى حرمتهم فضيلة ذلك الوقت الذي تشهده الملائكة، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمبارحة ذلك المكان الذي غُلبوا فيه على ما يُحبُون من فضيلة الوقت تسليًا من الحسرة التي تلازمهم ما بقوا في ذلك المكان يذكرون ما ألم بهم، وتبغيضًا لآثار حيل الشيطان عندهم ليحصل لهم من ذلك التبغيض تيقظ لمحاربة كيد الشيطان، والتحرز منه بطريقة نفسانية تدخل في قوة المحسوس، وفي ذلك تقوية للإيمان. وقريبٌ من هذا المعنى النهي عن الاستقرار بأرض العذاب.
وقوله: «به شيطانٌ» يحتمل أن يكون معناه: أنه حل به شيطان، وهو الشيطان الذي دبر تهدئة ونفوسهم، ويحتمل أن يكون شيطانًا ملازمًا لذلك الوادي؛ إذ يجوز أن تألف المجردات والموجودات الخفية مواضع تلازمها، كما يألف الوحش والطير.
قوله فيه: «يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذا
…
».
تسكينٌ لهم، وإبداءٌ لمعذرتهم عند الله تعالى، بأنهم كانوا في حالة النوم غير مكلفين، وأنهم كانوا غير مفرطين في الأخذ بأسباب التيقظ للوقت. فالكلام الأول: تحسرٌ لما فاتهم من الفضل، والكلام الثاني: تهدئة لروعهم وفزعهم ببيان عدم المؤاخذة بذنب.
وقوله: «إن الله قبض أرواحنا» أي: في حال النوم. والقبض: الحبس والإمساك، أي: أمسك أرواحنا، أي: عن التصرف بكمال قواها؛ لأن النوم شبيه بالموت في عدم الإدراك، وعدم التصرف بالحواس، وبالمشي، والعمل باليد، فهو موت صغير؛ ولذلك قال الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42].
ووجه تشابه النوم والموت أن الحياة قوة ينشأ عنها الحس والحركة بسبب انبثاث الروح الحيواني في مزاج الحي، وينشأ عن الروح الحيواني انبعاث روح نفساني، فالموت انعدام الروح الحيواني، وبالضرورة ينعدم الروح النفساني، والنوم يساوي الموت في عدم انبعاث الروح النفساني عدمًا مؤقتًا، فتُشبه حالة النائم حالة الميت وقتًا ما، فالنوم: قبض للروح مؤقت بكيفية صالحة لرجوع مفعوله عند التيقظ؛ لأن سبب النوم تعب المجموع