الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجدته في نسخ لا بأس بها، مضبوطًا بكسر الهمزة، فيكون حرف جواب لتصديق مضمون كلامه الفقيه، لكن المعروف في «إي» الجوابية أن يليها القسم، فقد جاءت هنا على النادر.
جامع الجنائز
وقع فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«كل ابن آدم تأكله الأرض، إلا عجب الذنب منه خُلق وفيه يُركب» .
ثبت في روايات النسخ الصحيحة من «الموطأ» : «وفيه يُركب» بلفظ (في) الظرفية، وهو كذلك في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم في كتاب «الفتن» من غير طريق مالك كما هي في «الموطأ» ؛ وكذلك في رواية همَّام بن منبه عن أبي هريرة عند مسلم، ووقع في نسخ لا يوثق بصحتها من «الموطأ»:«ومنه يركب» بلفظ (من) الابتدائية، وهي كذلك في رواية أبي صالح عن أبي هريرة في حديث أطول عند مسلم، ولعل ما في نسخه «الموطأ» قد انجر لها من هذه الرواية؟
ومعنى (في) على الرواية الثابتة في «الموطأ» : هو الظرفية المجازية المقاربة لمعنى الملابسة، أي: يركب ويعاد في عجب الذنب، أي: مظروفًا تركيبه في العجب، وهو ما ورد في بعض الأحاديث أن الناس ينبتون من عجب الذنب، فالإتيان بفي لإجمال موضع التركيب وكيفيته، أي: يحصل التركيب في العجب، ومن هذا المعنى قوله تعالى:{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11]، وقول سيرة الفقعسي من شعراء الحماسة:
نحابي بها أكفاءنا ونُهينا
…
ونشربٌ في أثمانها ونقامر
يريد: الإبل التي أخذوها في الدية، أي: يحصل شرب وتقامر مظروفان في أثمان تلك الإبل.
* * *
مالكٌ عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كل مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يُنصرانه، كما تناتج الإبل من بهيمةٍ جمعاء هل تُحس من جدعاء؟ قالوا: يا رسول الله، أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين» .
أي: يولد على ما فطر الله، أي: خُلِقَ عليه العقول من إدراك حقائق الأشياء على ما هي عليه واستفادة المدلولات من الأدلة، فلو ترك دون تلقين للضلالة لاستفاد أصل الهدى الذي جاء به الإسلام بنفسه، أو لأذعن إلى دعوة الإسلام وتصديقه بصحة نظره.
وقوله: «كما تناتج الإبل» تمثيل؛ و «تناتج» بفتح المثناة الفوقية في أوله، وأصله تتناتج بتاءين حذفت أولاهما اختصارًا. ومعناه أنتجت، أي: ولدت؛ فالمفاعلة ليست على بابها بل هي للإشارة إلى الكثرة، أي كعموم ما تلده الإبل؛ وما موصولة والرابط محذوف على الغالب، أي كالذي تلده الإبل غالبًا دون علَّة وهو المشبه به، والمشبه هو ولد الآدمي، شبه يولد الناقة، وليست (ما) بمصدرية كما يتوهَّمه كثير.
وقوله: «من بهيمة» من فيه بيان للإبهام الذي في الموصول، فما صدق بهيمة هي البهيمة المولودة لا البهيمة الوالدة، والمعنى: كالذي تلده الإبل من الأولاد الجمعاء لا جدعاء فيها، وإنما يُجدع ابنها بفعل أهلها؛ وبذلك تم التمثيل. وإيَّاك أن تظن (من) ابتدائية؛ لأن ذلك لا يستقيم معه التمثيل؛ لأن المقصود تمثيل حال عقل الآدمي المولود في كماله واستقامته بحال جسد البعير المولود في تمامه، وليس المراد التمثيل بتمام جسد الوالد؛ لأنه يفضي إلى أن يكون الممثل تمام عقل الوالدين وهو يفسد المعنى المقصود، فشدَّ يدك بهذا التفسير، فإن هذا الحديث قد أخطأ فيه جمٌّ غفير.
وقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» يتعيَّن أن (كان) فيه زائدة، وأن أصل الكلام: الله أعلم بما عملوا، أي الله أعلم بما صاروا إليه في الآخرة، فقد أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن الجواب عن هذا السؤال وفوضه إلى علم الله تعالى مثل أمر الروح وأمر الساعة، وليس المقصود أن الله يجعلهم على مراتب تناسب ما كانوا سيفعلونه من خيرٍ أو شرٍّ، كما توهمَّه الشراح؛ لأن ذلك معنى غير مستقيم، إذ
لا يكون الجزاء مترتّبًا على عمل لم يقع لا سيَّما الجزاء السوء؛ وإذ لا معنى لتعليق علم الله بشيء غير واقع، فقوله:«الله أعلم بما كانوا عاملين» هو كما يقولون: ليت شعري ما صنع فلانٌ، لا يريدون البحث عن عمله؛ إذ لا عمل مقصود بمعرفته، بل يريدون: ليت شعري ماذا كانت حاله في مغيبه عنِّي.
فإن قلت: فقد ورد في رواية عن ابن عباس في هذا الحديث في «صحيح البخاري» قوله: «سئل رسول الله عن أولاد المشركين، فقال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين» ، فقوله:«إذا خلقهم» ظرف، أي قد علم الله عملهم من حين خلقهم، وهو يؤيد ما حمل الشُّراح عليه معنى حديث «الموطأ». قلت: كلا؛ لأن (إذ) غير متعينة لهذا المعنى، فإن معناها التعليل، أي الله أعلم بحالهم؛ لأنه خالقهم، ويتعين حمله على هذا؛ لأن معناها التعليل، أي الله أعلم بحالهم؛ لأنه خالقهم، ويتعين حمله على هذا؛ لأن المحمل الآخر قد علمت فساده فتعيَّن غيره، ويؤيِّد ما قلته أن أحمد بن حنبل روى حديث ابن عباس أنه قال:«حدَّثني رجل من أصحاب رسول الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ربهم أعلم بهم هو خالقهم، وهو أعلم بما كانوا عاملين» ؛ فلعل ما وقع في رواية البخاري: «إذ خلقهم» رواها الراوي عن ابن عباس بالمعنى حسب ظنه.
* * *
مالكٌ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يمُر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه» .
التعريف في لفظي (الرجل) في الحديث تعريف الاستغراق، أي حتى يمرَّ كل رجل بقبر كل رجل، أي: يقبر أي رجل يمرُّ بقبره؛ فيتمنى أن يكون مكانه، أي حتى يصير الموت أحب إلى الناس من الحياة لما يلاقون في الحياة من الفتن والأضرار، وليس المراد حتى يمر رجل بقبر رجل آخر، فيتمنى أن يكون مكانه؛ لأن هذا قد يقع في كل زمان إذا عرض لبعض الناس ما يسأم منه الحياة.
كشف المغطى
من المعاني والألفاظ الواقعة
في الموطأ