الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 9، 10] فمعنى: «فاسعوا» : فأقبلوا على ذكر الله واتركوا البيع. وكذلك قوله تعالى: {سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: 205] إذ لا أثر لخصوص السعي في الإنحاء عليه بالفساد، وكذلك قوله تعالى حكاية عن فرعون:{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22] فإنه متعين للحمل على معنى الجد في الكيد لموسى؛ إذ ليس السعي على الرجلين من شيم ملك مثل فرعون. ومن فسَّر الآية بالمعنى الحقيقي بأن فرعون لما ذُعر من انقلاب العصا حية فر هاربًا فقد أخطأ المقصود. قال ابن عطية: قال الجمهور: أدبر، كناية عن إعراضه، ويسعى: يجد في حل أمر موسى والرد في وجه شرعه اهـ. وبعض الآي يتحمل المعنى الحقيقي، إلا أنه ضعيف الجدوى، والضُّعف مما يوجب العدول عن الحقيقة مثل قوله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس: 8]؛ إذ يجوز أن يكون ابن أمٌ مكتوم في مجيئه جاء سعيًا، إلا أن ذلك لا أثر له في غرض ترجيح الإقبال عليه على الإقبال على من استغنى ولم يكن يزكى. وكذلك قوله:{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22] يتحمل أن يكون فرعون قام من مجلسه معرضًا مسرعًا من الغضب، إلا أن ذلك لا يناسب حال استعظامه لدى قومه. فتعين أن المعنى على المجاز في:(أدبر) و (يسعى): أي: أعرض وحرص على حشر السحرة إلخ.
ومقصد مالك تعيين المعنى المجازي في الآية والرد على رواية من روى عن ابن مسعود أنه كان يقول: لو قرأتُها: «فاسعوا» لسعيت حتى يسقط ردائي. يريد: توهين قراءة «فاسعوا» بأنها: تفيد وجوب الجري في المشي إلى الجمعة، فابن مسعود من أهل اللسان لا يجهل أن السعي ورد في غير معنى الاشتداد والجري، فلعل ما نسب إليه، إنما هو من كلام بعض رواة قراءته يريدون توجيهها.
ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة
وقع في حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد:
«أن أبا هُريرة قال: خرجت إلى الطُّور فلقيت كعب الأخبار» إلخ.
الظاهر أن أبا هريرة كان في بيت المقدس زائرًا؛ فخرج إلى الطور مهبط الوحي على موسى عليه السلام بنية القربة بالصلاة فيه، كما يدل عليه قوله بعد:«فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري أو أبا بصرة بن بصرة، كما صوبه أبو عمر بن عبد البر. فإن أبا بصرة قال له: «لو أدركتُك قبل أن تخرج إليه ما خرجت» إلخ.
ولم ينكر عليه أبو هريرة ولا اعتذر بما يدفع اعتراض أبي بصرة.
ويحتمل عندي أن من أغراض أبي هريرة في الخروج إلى الطور أن يلقى كعب الأحبار، فقد جاء في ترجمة أبي هريرة: أنه كان يحب معرفة ما في التوراة، كما ذكره في «الاستيعاب» «والإصابة» ، والظاهر أنه لقي كعب الأحبار في الطور قبل إسلام كعب الأحبار، وأن كعبًا كان مجاورًا بالطور أو كان في مسجد لليهود هنالك. ومما يدل على أن كعبًا كان يومئذٍ قبل أن يسلم قوله في الخبر: فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله؛ وتصديقه رسول الله لا ينافي أنه كان قبل أن يسلم؛ لأنه قد يكون قد ابتدأ انشراح صدره للإسلام، أو قد يكون من اليهود الذين لا ينكرون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يخصونها بالعرب، فقد قال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له:«أتشهد أني رسول الله؟ » : أشهد أنك رسول الأميين، وعلى هذا المذهب نشأ اليهود العيسوية بأصبهان، وهم أصحاب أبي عيسى الأصبهاني اليهودي، وكان كعب من أكبر أحبار اليهود، وهو كعب بن ماتع الحميري، والأحبار بفتح الهمزة: لغة في الحبر، فهو وصف مثل أمشاج، وثوب أخلاق، وبناءٍ أنقاض، وغزل أنكاث؛ فيجعل وصفًا جاريًا على اسم كعب، يعرب إعراب النعت. وليس المراد به هنا جمع حبر، كقوله تعالى:{وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة: 44]. وربما قالوا: كعب الحبر. أسلم كعب في خلافة عمر، وكان عمر يقربه إليه.
ووقع فيه قوله «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجُمعة» .
هكذا ثبت في رواية يحيى «طلعت عليه» ، وتعدية فعل طلع بحرف (على)