الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل الوصف، يقال: العمم للشيء التام، ويجوز الضمُّ إتباعًا لحركة العين.
واعلم أنَّ هذه الأسجاع يتعين أن تُقرأ بسكون الهاء في ثلاثتها؛ لأنَّ الأسجاع مبنيَّة على سكون الأعجاز، ومعناه كنا المتولين تعب إصلاح شؤونه كما يُثمُّ البيت ويُرَمُّ، فلما اشتدَّ وقوي وجاء إبان الانتفاع به أخذ منا.
جامع العقل
وقع فيه قوله: «كانوا أهل ديوانٍ أو مقطعين» فالدِّيوان بكسر الدال على الأفصح، ويجوز فتحها. واتفق أهل اللغة على أنَّ هذه اللفظة معربة عن الفارسية، وأصلها في الفارسية ديوانه أو دوان، وهو اسم لما يجمع صحفًا مكتوبة. وأوَّل ما سمي به في العربية السجل الذي كتب فيه عمر بن الخطَّاب أسماء أهل العطاء من مال بيت المال. وأما فعل (دوَّن) فهو من الأفعال المشتقة من الأسماء الجامدة مثل: درَّع الجارية، فأوَّل من وضع الديوان عمر بن الخطَّاب سنة خمس عشرة وقيل سنة عشرين. وسمَّاه بهذا الاسم؛ لأنَّ وضعه كان تقليدًا لنظام أهل فارس. ثمَّ أطلق اسم الديوان على ما كان من صحف مكتوب فيها أشياء يجمعها صنف واحد في اعتبار من يجمعها مثل: ديوان شعر شاعر معيَّن أو شعراء جانب معيَّن. وذكر أنَّ
عمر لما وضعه أمر كتَّابه بأن يرتبوه ترتيبين يبدأ بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب، فبدأ ببني هاشم، وهكذا ذهب في ترتيب بطون قريش بطنًا بعد بطن، ثمَّ أعقبهم بالأنصار، ثمَّ قبائل العرب، وجعل التقديم في أفراد كلِّ قبيلة على حسب السابقة في الإسلام؛ فإن استوت القبائل في السبق في الإسلام، أو لم يعرف ذلك رتِّبوا على قراءتهم للقرآن، وعلى بلائهم في الجهاد، وقد فضل بينهم في العطاء بهذا الاعتبار، فصار الديوان أيضًا مرجعًا للناس في معرفة الأنساب لما كثر الادِّعاء فيها لمقاصد مختلفة، ولم يكن ذلك هو المقصود منه في أصل وضعه. فهذا هو الذي يشير إليه قول مالك:«كانوا أهل ديوان أو منقطعين» ، وذلك أنَّ الديوان لم يخصَّ جميع القبيلة؛ إذ قد
يكون منهم من انقطع عن قومه ولم يكن له عطاء، فلا يوجد اسمه في الديوان، وهو الذي أراد مالك بقوله:«أو منقطعين» ، أي عن قومهم، فالعاقلة هم أهل النسب، وأهل الديوان هم أهل العطاء.
على أنَّ الديوان قد انقطع لما كثر الداخلون في الإسلام من غير العرب. ولم يكن في زمن مالك رحمه الله ديوان، فقد وقع في المسألة الثالثة والثلاثين من سماع ابن القاسم من كتاب الديات من «العتبية» قول مالك:«ولقد انقطع الديوان» . وظاهر قول مالك هنا وفي «المدونة» أنه لو كان من أهل الديوان من رسم مع القبيلة، ولس من ذوي نسبها لكونه حليفًا أو مولى أنه لا عقل عليه. ووقع في «العتبية» في المسألة الثالثة والثلاثين من سماع ابن القاسم:«وسألته عن الرجل يكون مع غير قومه في الديوان أيعقل معهم؟ قال: نعم أرى إذا كان الرجل في الديوان مع غير قومه أن يعقل عنهم وأن يعقلوا عنه إن كان رجلاً من الأنصار في قريش عقل عنهم وعقلوا عنه» .
وأحسب أن وجه ذلك أن دخوله في القبيلة يكون على وجه الحلف، أو اللصوق، أو الولاء، وذلك التزام منه بأن يلزمه ما لزم القبيلة، فقد كانوا يقولون عند الحلف:«دمه دمهم وهدمه هدمهم» .
ويحتمل أيضًا أنَّ مالكًا رأى ذلك لاحتمال أن يكون وضعه في الديوان لأجل شك في كونه من أهل القبيلة التي وضع معها، فقديمًا وقع الشك في بعض البطون وبعض الأشخاص؛ إذ قد يغترب الرجل في غير قومه، ويتزوج منهم، فيدعى بنوه في قبيل أخوالهم، فيكون قول مالك في «العتبية» تفسيرًا لما هنا.
وقد ضبط «مقطعين» بوجوه: أحدها: ضم الميم، وسكون القاف، وفتح الطاء مخففة، وهو في أصل ابن بشكوال، والطلمنكي.
الثاني: ضم الميم، وفتح القاف، والطاء مشددة لابن عتاب.
الثالث: «منقطعين» بميم بعدها نون ساكنة ثمَّ قاف، ثمَّ طاء مكسورة لأبي عمر ابن عبد البر. قال ابن أبي الخصال عن أبي بحر: المقطع الذي فرض لنظرائه ولم يفرض له، كذا في طرة نسخة ابن بشكوال.
* * *
قال مالكٌ في الرَّجل يكون عليه القتل، فيصيب حدًّا من الحدود: إنَّه لا يؤخذ به وذلك القتل يأتي على ذلك كلِّه إلَّا الفرية، فإنَّها تثبت على من قيلت له، يقال له: ما لك لم يجلد من افترى عليك.
قوله: «فإنَّها تثبت» تعليل للاستثناء الذي في قوله: «إلَّا الفرية» ، أي: إذا ترك حد المفتري يظهر للناس أنَّ القذف ثبت على المقذوف فلم يكن القاذف مفتريًا، فلدفع ذلك الضرِّ استثني حدَّ الفرية. فالمعنى أنَّه يقول ذلك من يظنُّ أن ترك جلد من وجب عليه القتل، لم يكن لأجل أنَّ القتل يأتي على الحدود التي دونه فيحسب أنَّه إنَّما لم يجلد؛ لأنَّ المقذوف لم يقم بطلب الجلد خشية افتضاح نفسه بظهور صدق ما قذف به. أما ما دون ذلك من الحدود، فإنَّ الحقَّ فيه لله تعالى، فإذا ترك لأجل القتل لم تلحق أحدًا من تركه معرة. على أنَّه قد يكون من أهل العلم من لا يرى سقوط الحدود التي دون القتل إذا وجب القتل، فيكون ظنُّ الناس بالمقذوف أنَّه مصدق للقاذف حينئذٍ أقوى؛ لأنَّهم لا يعلمون أنَّ سقوط الحدِّ لأجل أنَّ القاضي
الذي وقع الرفع إليه لا يرى استيفاء حدِّ القذف قبل القتل. والحاصل أنَّ حكم استيفاء حدِّ القذف قبل قتل القاذف الذي توجه علهي قتلٌ منظور فيه إلى دفع المضرة عن المقذوف، ووقع في بعض النسخ «لم تجلد» بالمثناة الفوقية المفتوحة وبكسر اللام، فالإسناد في «تجلد» مجاز عقلي، أي: ما لك لم تتسبب في أن يجلد الحاكم من افترى عليك.