الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والثلاثون
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.
وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضًا، ويحتمل أنْ يقال إنّ في قولها "ما استطاع" احترازًا عما لا يستطيع فيه التيمن شرعًا، كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، وكذا تعاطي الأشياء المستقذرة باليمين، كالاستنجاء والتمخط. وقد علمت عائشة، رضي الله تعالى عنها، حبه عليه الصلاة والسلام لما ذكرت، إما بإخباره لها بذلك، وإما بالقرائن. وقوله: في شأنه، متعلق بالتيمن أو بالمحبة أو بهما، فيكون من باب التنازع. وقد تقدمت مباحث هذا الحديث مستوفاة في باب "التيمن في الوضوء والغسل" من كتاب الوضوء.
رجاله ستة:
الأول: سليمان بن حرب، وقد مرَّ في الرابع عشر من كتاب الإيمان، ومرَّ شعبة في الثالث منه، ومرَّ مسروق في السابع والعشرين منه، ومرَّ الأشعث بن سليم وأبوه سليم في الثالث والثلاثين من كتاب الوضوء، ومرت عائشة في الثاني من بدء الوحي، وقد مرَّ في الوضوء الكلام على مواضع إخراجه. ثم قال المصنف:
باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وما يكره من الصلاة في القبور
قوله: مشركي الجاهلية، أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم، والاستفهام في قوله "هل" للتقرير، كقوله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر} [الإنسان: 1] أي: يجوز نبشها، لأنها لا حرمة لها. وقوله: ويتخذ مكانها مساجد، أي بالنصب مفعولًا ثانيًا ليُتّخذ، المبني للمفعول، ومكانها بالرفع نائب عن الفاعل. وفي رواية "مساجدُ" بالرفع نائب عن الفاعل، ومكانها نصب على الظرفية، ويتخذ حينئذ متعدٍ إلى مفعول واحد.
وقوله: لقول النبي صلى الله عليه وسلم
…
إلخ، ووجه التعليل هو أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد، تعظيمًا ومغالاة، كما صنع أهل الجاهلية، وجرَّهم ذلك إلى عبادتهم. ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم، وهذان يختصان بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم، وأما الكفرة فلا حرج في نبش قبورهم، إذ لا حرمة في إهانتهم، ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيمهم، فعرف بهذا أنْ لا تعارض بين فعله عليه الصلاة والسلام في نبش قبور المشركين، واتخاذ مسجده مكانها، وبين لعنه، عليه الصلاة والسلام، من اتخذ قبور الأنبياء، لما تبين من الفرق.
والمتن الذي أشار إليه، وصله في باب الوفاة، في آخر المغازي عن عائشة بهذا اللفظ، ووصله في الجنائز، وزاد فيه "والنصارى" وذكره في عدة مواضع من طرق أخرى بهذه الزيادة، واستشكلت هذه الزيادة بأنّ النصارى ليس لهم نبي إلا عيسى بن مريم، ولم يقروا بنبوته، بل بإلهيته أو بنبوته، ولم يمت، ولم يدفن. ويأتي الباب التالي لباب الصلاة في البِيعة حيث ذكرتِ الزيادةُ هناك الجوابَ عما ذكر.
وقوله: وما يكره من الصلاة في القبور، يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين، وفي ذلك حديث رواه مسلم عن أبي مرثد الغنويّ، مرفوعًا "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها أو عليها" وليس على شرطه، فأشار إليه في الترجمة. وقوله: وما يكره، عطف على "هل تنبش" واستشكل عطف الجملة الخبرية على جملة الاستفهام الطلبية، وأجيب بأن
جملة الاستفهام التقريري في حكم الخبرية.
ثم قال: ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبرَ القبرَ، ولم يأمره بالإعادة. وقوله: القبرَ القبرَ، بالنصب فيهما على التحذير، محذوف العامل وجوبًا، أي اتقِ، أو اجتنب القبرَ. وقوله: ولم يأمره بالإعادة، استنبطه مق تمادي أنس على الصلاة، ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف. ومذهب مالك أن الصلاة في المقبرة جائزة، بدون كراهة، إن أمنت من النجس، عامرة كانت أو دراسة، تيقن نبشها أو شك فيه، جعل بينه وبينها حائل أم لا، كانت لمسلم أو لمشرك، ولو كان القبر بين يديه، ولا إعادة عليه على المشهور في الجميع. وقال ابن حبيب من المالكية: إن صلى في مقابر الكفار؛ فإن كانت عامرة أعاد أبدًا، أو دارسة فلا إعادة. وفي مقابر المسلمين لا إعادة مطلقًا.
وقال عبد الوهاب: تكره في الجديد من مقابر المسلمين، وفي القديمة إن كانت منبوشة، ما لم يجعل بينه وبينها حصيرًا، وتكره في مقابر المشركين، وإن شك في النجاسة أعاد في الوقت، وان تحققت أعاد العامد والجاهل أبدًا والناسي في الوقت، وعند الشافعية تكره الصلاة عليها لكونه صلى على نجاسة، ولو كان بينهما حائل، وقيل: لا كراهة لكونه صلى مع الفرش على النجاسة مطلقًا. كما قال القاضي حسين. وقال ابن الرقعة: إن الكراهة لحرمة الميت، أما لو وقف بين القبور بحيث لا يكون تحته ميت ولا نجاسة، فلا كراهة إلا في المنبوشة، فلا تصح الصلاة فيها.
قال في التوشيح: ويستثنى مقبرة الأنبياء، فلا كراهة فيها، لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأنهم أحياء في قبورهم يصلون، ولا يشكل بحديث "لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" لأن اتخاذها مساجد أخص من مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم. قال في التحقيق: ويحرم أن يصلّى متوجهًا إلى قبره عليه الصلاة والسلام ويكره إلى غيره مستقبل آدميٌ، لأنه يشغل القلب غالبًا، ويقاس بما ذكر في قبره عليه الصلاة والسلام سائر قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولما احتاجت
الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والتابعون إلى زيادة مسجده عليه الصلاة والسلام، بنوا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة قوله، لئلا تصل إليه العوام، فيؤدي إلى ذلك المحذور، ثم بنوا جدارين بين ركني القبر الشمالي حرفوها حتى التقيا، حتى لا يمكن أحد أن يستقبل القبر.
وذهب الثوريّ وأبو حنيفة والأوزاعي إلى كراهة الصلاة في المقبرة مطلقًا، وذهب أحمد إلى تحريم الصلاة فيها، ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها، ولا بين أن يُفرش عليها شيء يقيه من النجاسة، أم لا، ولا بين أن تكون بين القبور أو في مكان منفرد عنها، كالبيت والعلو. قال في "تنقيح المقنع": ولا تصح الصلاة تعبدًا في مقبرة غير صلاة الجنازة، ولا يضر قبران، ولا ما دفن بداره، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الصلاة في المقبرة، سواء كانت مقابر المسلمين أو الكفار.