الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"فإذا الدم له هدير"، وعند أحمد عن عائشة "فانفجر كلْمُه وكان قد برىء إلا مثل الخُرْص" بضم الخاء وسكون الراء، وهو من حُلِيَّ الأُذن. ولمسلم عن هشام بن عُروة "فما زال الدم يسيل حتى مات" استدل مالك وأحمد بهذا الحديث على أن النجاسات ليست إزالتها فرضًا، ولو كانت فرضًا لما أجاز صلى الله تعالى عليه وسلم للجريح أن يسكن في المسجد، وبه قال الشافعيّ في القديم.
ولقائل أن يقول إن سكنى سعد في المسجد كان بعد اندمال جرحه، والجرح إذا اندمل زال ما يُخشى من نجاسته، وفيه جواز سكنى المسجد للعذر. وفيه أن السلطان أو العالم إذا يشق عليه النهوض إلى عيادة مريض يزوره ممن يهمه أمره، ينقل المريض إلى موضع تخف عليه فيه زيارته، ويقرب منه.
رجاله خمسة:
وفيه ذكر سعد.
الأول: زكرياء بن يحيى، وقد مرَّ في الثالث عشر من كتاب الوضوء، ومر عبد الله بن نمير في الثالث من كتاب التيمم، ومرَّ هشام وأبوه عروة وعائشة في الثاني من بدء الوحي.
وأما سعد، فالمراد به سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جُشَم بن الحارث بن الخزرج بن النَّبيت. وهو عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأشهليّ يكنى أبا عمر، أمه كبشة بنت رافع، لها صحبة، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير. وأما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرامٌ إنْ لم تسلموا، فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإِسلام. شهد بدرًا وأحدًا والخندق، ورُمِي يوم الخندق بسهم فعاش شهرًا ثم انتقض جُرحه، والذي رماه بسهم حبّان بن العَرقة، وقال: خذها وانا ابن العرقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عرق الله وجهَه في النار" والعرقة هي ثُلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هُصَيص، وحبّان ابنها هو ابن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن
معيص بن عامر بن لؤي، وقيل: إن العرقة تكنى أم فاطمة، وإنما قيل لها العرقة لطيب ريحها.
وروى ابن إسحاق في قصة الخندق عن عائشة قالت: كنت في حصن بني حارثة، وأم سعد بن معاذ معي، فمر سعد بن معاذ وهو يقول:
لَبِّث قليلًا يلحق الهيجا جمل
…
ما أحسن الموت إذا حان الأجل
فقالت أمه: الحق يا بني فقد تأخرت، فقلت: يا أم سعد، لوددتُ أن درعَ سعدِ أسبغ من هذا، فأصابه السهم من حيث خافت عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بضرب فسطاط في المسجد لسعد بن معاذ، فكان يعوده في كل يوم، وكان موته بعد الخندق بشهر، وبعد "بني قريظة" بليال. قال جابر: رُمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا الحلة، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتفخت يده، ونزفه الدم، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني في بني قريظة، فاستمسك عرقة، فما قطرت قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه. وكان حكمه فيهم أن يُقْتَلَ رِجالهم، ويسبى نساؤهم وذريتهم يستعين بهم المسلمون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات" وأما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات.
وروي من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد نزل الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفًا ما وطئوا الأرض، وروى حديث أنس قال: أما حملنا جنازة سعد بن معاذ، قال المنافقون: ما أخف جنازته. وكان رجلًا طُوالًا ضخما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة حملته" ورُويَ عن عائشة أنها قالت: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة، لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد من المسلمين أفضل من سعد بن معاذ، وأُسَيد بن حُضَير، وعبّاد بن بِشر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حُلَّة سيراء رآها "لمنديلٌ من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها" وقال:"لو نجا أحد من ضغطة القبر نجا منها سعد. وقال: "إن جبريل عليه السلام، نزل في جنازته مُعْتَجِرًا بعمامة من استبرق، وقال: يا رسول الله، من هذا الذي فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا يجر ثوبه، فوجد سعدًا قد قُبض، وقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك
…
سمعنا به إلا لسعد أبي عمر
وروى سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: قال سعد: ثلاثٌ أنا فيهن رجلٌ يعني كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس، ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا قط إلا علمت أنه حق من الله، ولا كنت في صلاة قط فشغلتُ نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فتحدثت نفسي بغير ما تقول، ويقال لها، حتى أنصرف عنها. قال سعيد بن المسيب: هذه الخصال ما كنت أظنها إلا في نبي. وروى البخاريّ من حديث أبي سعيد الخُدريّ أنّ بني قُريظة لما نزلوا على حكم سعد، وجاء على حمار، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم". وأخرج ابن إسحاق أن أُم سعد قالت لما مات سعد:
ويل ام سعد سعدا حزامة وجدا
…
وسيدًا معدّا سد به مسدًا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل نادبة تكذب إلا نادبة سعد". وأخرج الطبرانيّ عن ابن عباس قال: جعلت أم سعد تقول:
ويل امِّ سعد سعدًا حزامة وجدا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزيدي على هذا. كان والله ما علمت حازمًا، وفي أمر الله قويًا. له حديث موقوف في البخاريّ، وروى عنه ابن مسعود، وكان استشهاده سنة خمس.