الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: عبد الله بن يوسف، وقد مرَّ هو ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ أبو الزناد والأعرج في السابع من كتاب الإيمان، ومرَّ أبو هُريرة في الثاني منه.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك، والعنعنة في ثلاثة مواضع. أخرجه البخاريّ في الصلاة أيضًا، ومسلم والنَّسائي وأبو داود فيها أيضًا. ثم قال المصنف:
باب بنيان المسجد، أي النبوي
ثم قال: وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل، وهذا التعليق رواه البخاريّ مسندًا في باب "هل يصلي الإِمام بمن حضر" من أبواب الجماعة، ووصله في الاعتكاف، وأبو سعيد مرَّ في الثاني عشر من كتاب الإيمان. ثم قال: وأمر عمر ببناء المسجد، وقال: أُكِنُّ الناسَ من المطر، وإياك تحمرّ أو تصفرّ فتفتن الناس. قوله: أكنّ الناس، بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة، بلفظ المضارع من أُكَنَّ الرباعيّ، يقال: أكننتُ الشيءَ إكنانًا، أي صنته وسترته، وحكى أبو زيد كَنَنْته من الثلاثيّ، بمعنى أكننته، وفرق بينهما الكسائيّ فقال: كنَنْته أي سررته، وأكننته في نفسي أي أسررته.
وللأصيليّ "أَكِنَّ" بفتح الهمزة والنون، فعل أمر من الإكنان أيضًا، ويرجحه قوله قبله "وأمر عمر" وقوله بعده "إياك". وتوجه الأُولى بأنه خاطب القوم بما أراد، ثم التفت إلى الصانع فقال له: وإياك، أو يحمل قوله: وإياك، على التجريد، كأنه خاطب نفسه بذلك. وفي رواية غير أبي ذَرٍّ والأصيليّ والقابسيّ "كِنَّ الناسَ" بحذف الهمزة وكسر الكاف، وهو صحيح، وجوز ابن مالك ضم الكاف على أنه من كُنّ فهو مكنون، وهو متجه، لكن الرواية لا تساعده.
وقوله: وإياك أن تحمر، خطاب للصانع أي: إياكَ وتحميرَ المسجد
وتصفيرَه. وقوله: فَتُفتنَ الناسَ، بفتح المثناة من "فَتَن" وضبط بالضم من أَفْتَنَ، وأنكره الأصمعيّ، وأجازه أبو عبيد فقال: فَتَنَ وأَفْتَنَ بمعنى. قال ابن بطال: كأنَّ عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها، وقال: إنها ألهتني عن صلاتي. قال في الفتح: ويحتمل أن يكون عند عمر بذلك علم خاص بهذه المسألة، فقد روى ابن ماجه عن عمر مرفوعًا "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم".
رجاله ثقات إلا شيخه جُبَارة بن المغلس، ففيه مقال. وعمر قد مرَّ في الأول من بدء الوحي، وهذا طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبويّ. ثم قال: وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلًا. قوله يتباهَون: بفتح الهاء، أي يتفاخرون، وقوله: ثم لا يعمرونها، المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله، وليس المراد بنيانها، بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده. وقوله: إلا قليلًا، بالنصب، ويجوز الرفع على البدل من ضمير الفاعل، وهذا التعليق موصول في مسند أبي يعلي، وصحيح ابن خزيمة عن أبي قِلابة أن أنسًا قال:"سمعته يقول: يأتي زمانٌ على أمتي يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا".
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبّان مختصرًا من وجه آخر، عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" والطريق الأُولى بمراد البخاري وعند أبي نعيم من الوجه الذي عند ابن خزيمة "يتباهون بكثرة المساجد" وقد مرَّ أنس في السادس من كتاب الإيمان.
ثم قال: وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. قوله: لَتُزَخْرِفُنَّها بفتح لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء، دلالة على واو الضمير المحذوفة عند اتصال نون التوكيد، من الزخرفة، وهي الزينة، وأصل الزخرف الذهب، ثم استعمل في كل ما يتزين به، والنون فيه للتأكيد، وفيه نوع توبيخ وتأنيب. وقوله: كما زخرفت اليهود والنصارى، أي كنائسهم وبيَعِهم، لما حرفوا الكتب وبدّلوها، وضيعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين. واستنبط منه كراهية زخرفة المساجد لاشتغال
قلب المصلي بذلك، أو لصرف المال في غير وجهه. نعم، إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد، ولم يقع الصرف عليه من بيت المال، فلا بأس به، ولو أوصى بتشييد مسجد وتحميره وتصفيره نفذت وصيته، لأنه قد حدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، وقد أحدث الناس مؤمنهم وكافرهم تشييد بيوتهم وتزيينها، ولو بنينا مساجد باللبن وجعلناها منه بين الدور الشاهقة، وربما كانت لأهل الذمة، لكانت مستهانة. قاله ابن المنير.
وتُعُقب بأن المنع إذا كان للبحث على اتباع السلف في ترك التَّرَفّه، فهو كما قال، وإن كان لخشيته شغل بال المصلي بالزخرفة فلا، لبقاء العِلة. قاله كله القَسْطلانيّ. وعند المالكية يكره تزويق المسجد بالذهب وغيره، لا تحسين بنائه، وتجصيصه فلا يكره، بل يستحبان. وقال العينيّ: وبهذا استدل أصحابنا على أن نقش المسجد وتزيينه مكروه. وقول بعض أصحابنا: ولا بأس بنقش المسجد، معناه تركه أولى، ولا يجوز من مال الوقف، ويغرم الذي يخرجه سواء كان ناظرًا أو غيره، ووجه الكراهة إذا كان من ماله دون مال الوقف إما اشغال المصلي به، وإما إخراج المال في غير وجهه، وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبّان عن يزيد بن الاسم عن ابن عباس موقوفًا، وقبله حديث مرفوع، ولفظه "ما أُمرتُ بتشييد المساجد" ولم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الاسم في وصله وإرساله، والتشييد رفع البناء وتطويله، وقد مرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي.