الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والخمسون
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا في بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ.
قوله: في باب حجرتي، عند الأصيلي وكريمة على باب حجرتي، وقوله: والحبشة يلعبون في المسجد، وفي الرواية الآتية في العيدين "وكان يوم عيد يلعب فيه السُّودان بالدَّرق والحراب" ولمسلم جاء "حَبَش يلعبون في المسجد" قال المحب الطبريّ: هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد، وفي رواية ابن حبّان "لما قدم وقد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد" وهذا يشعر بأن الترخيص لهم في ذلك في حال القدوم، ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد، وكان من عادتهم اللعب في الأعياد، وفعلوا ذلك كعادتهم، ثم صاروا يلعبون كل يوم عيد. ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس قال "لما قدم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة لعبت الحبشةُ فرحًا بذلك لعبوا بحرابهم، ولا شك أن يوم قدومه عليه الصلاة والسلام كان عندهم أعظم من يوم العيد.
قال ابن المنير: سماه لعبًا، وإن كان أصله التدريب على الحرب والاستعداد للعدو، وهو من الجد لما فيه من شبه اللعب، لكونه يقصد إلى الطعن ولا يفعله، ويوهم بذلك قِرنَة، ولو كان أباه أو ابنه. وفي الحديث جواز ذلك في المسجد، وحكى ابن التين عن اللخمى أنّ اللعب بالحراب في
المسجد منسوخٌ بالقرآن والسنة. أما القرآن فقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} وأما السنة فحديث "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" وتعقب بأن الحديث ضعيف، وليس فيه، ولا في الآية، تصريح بما ادعاه، ولا عُرف التاريخ فيثبتَ النسخ.
وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد، وكانت عائشة فيه، وهذا لا يثبت عن مالك، وهو مخالف لما صرح به في طرق هذا الحديث، وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:"دعهم يا عمر" كما يأتي في الجهاد، وزاد أبو عوانة في صحيحه "فإنهم بنو أَرْفِدة" كانه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم، وهو من الأمور المباحة، فلا إنكار عليهم.
وقال المحب الطبريّ: فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم، لأن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب، فيقتصر على ما ورد فيه النص. وروى السّراج عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام قال حينئذ "لتعلم يهود أن في ديننا فُسْحة، إني بُعثتُ بحنيفية سمحة". وهذا يشعر بعدم التخصيص، وكأنَّ عمر بني على الأصل في تنزيه المساجد، فبين له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله، أو لعله لم يكن علم أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يراهم. وقال المُهَلَّبُ: المسجد موضوع لأمن جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه.
وقوله: يسترني بردائه أنظُر لعبَهم، وفي رواية العيدين "فإما سألتُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإما قال: أتشتهينَ تنظرين؟ قلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: دونكم بني أرفدة، حتى إذا مَلِلْتُ قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي" وفي هذه الرواية تردد منها فيما كان وقع له، هل كان أذِن لها في ذلك ابتداءً منه أو عن السؤال منها، وهذ ابن اء على أنَّ سَألْتُ بسكون اللام من كلامها، ويحتمل أن يكون بفتح اللام من كلام الراوي، ولا ينافي قوله "وإما قال تشتهين تنظرين" وقد اختنفت الروايات عنها في ذلك،
فروى النَّسائيّ عنها "سمعت لغطًا وصوت صبيان، فقام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا حبشة تَزْفنُ أو ترقص، والصبيان حولها، فقال: يا عائشة، تعالى فانظري" ففي هذا أنه ابتدأها، وفي رواية عبيد بن عمير عنها عن مسلم أنها قالت:"للعابين وددتُ أني أراهم" ففي هذا أنها سألت، ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها.
قلت الرواية الأولى صريحة في إذنه لها ابتداءًا من غير التماس، فكيف يصح الجمع؟ وكذلك رواية النسائي عن أبي سَلمة عنها "دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: يا حُميراء، أتحبين أن تنظري إليهم، فقلت: نعم" إسناده صحيح. ففي هذا عرضه ذلك عليها من غير أن تلتمسه منه. قال في الفتح: ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا، وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها، قالت: ومن قولهم يومئذ "أبا القاسم طيبًا"، كذا بالنصب على حكاية قول الحبشة. ولأحمد والسراج وابن حبّان عن أنس "أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ويتكلمون بكلام لهم، فقال: ما يقولون؟ قال: يقولون محمد عبد صالح".
وقوله: فأقامني وراءه، أي متلاصقين، وهي جملة حالية بدون واو، كما قيل في قوله تعالى:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} وعند مسلم "فوضعتُ رأسي على مَنْكِبه"وفي رواية أبي سلمة المذكورة "فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده" وفي رواية عبيد بن عمير عنها "أنظر بين أذنيه وعاتقه" ومعانيها متقاربة، ورواية أبي سلمة أبينها.
وقوله: يسترني بردائه، فيه رد على ابن المنير في استنباطه من لفظ "فأقامني وراءه" وجوازَ اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستتر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء؛ لأن القصة واحدة، وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء، وفيه دلالة على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل، وأجاب بعض من منع، بأن عائشة كانت إذ ذاك
صغيرةً، وفيه نظر، لما ذكرنا من كون هذا كان بعد نزول الحجاب، وكذا قولها في بعض الروايات كما يأتي قريبًا "أحببتُ أنْ يبلغَ النساءَ مقامُه لي" فإنه يشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر أرادت الفخر عليهن، فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها، وقد مر من رواية ابن حبّان أن ذلك وقع لما قدم وقد الحبشة، وكان قدومهم سنة سبع، فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة.
وقوله: دونكم يا بني أرفدة، بنصب دونكم على الظرفية بمعنى الإغراء، والمغرى به محذوف، وهو لعبهم بالحراب، وفيه اذن وتنهيض لهم وتنشيط، وأرْفِدة، بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء، وقد تفتح، قيل: هو لقب للحبشة، وقيل: هو اسم جنس لهم، وقيل: اسم جدهم الأكبر، وقيل: المعنى يا بني الإماء.
وقوله: حتى إذا ملِلت بكسر اللام الأولى، وفي رواية الزُّهري "حتى أكون أنا الذي أسام" ولمسلم "ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف" وعند النَّسائيّ "أما شبعتِ، أما شبعتِ؟ قالت: فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده" وله عن أبي سلمة عنها قلت: "يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك، قلت: لا تعجل، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساءَ مقامُه، ومكاني منه" وزاد في "النكاح" في رواية الزُّهريّ "فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحرية على اللهو". وقولها: اقدُروا بضم الدال، من التقدير، ويجوز فيها الكسر، وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة، وقد تمسك بهذا من ادعى نسخ الحكم، وأنه كان في أول الإِسلام، وقد مرَّ الرد عليه، واستدل به على جواز اللعب بالسلاح، على طريق التواثب للتدريب على الحرب، والتنشيط عليه. واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب.
قال عياض: وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجل الأجانب؛ لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك، ومن تراجم البخاريّ عليه "باب نظر المرأة إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة" قال النوويّ: أما النظر بشهوة عند خشية