الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطاء بن يزيد وأبو أيوب في العاشر من كتاب الوضوء.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في ثلاثة مواضع، ورواته ما بين بصريّ ومكيّ ومدنيّ، أخرجه هنا وفي الطهارة عن آدم بن أبي إياس ومسلم وأبو داود والتِّرمذيّ والنسائيّ وابن ماجه في الطهارة أيضًا.
ثم قال: وعن الزُّهريّ عن عطاء: سمعت أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، يعني بالإِسناد المذكور على الظاهر، والمراد أن سفيان حدث به عليًا مرتين؛ مرة صرح بتحديث الزُّهريّ له، وفيه عنعنة عطاء، ومرة أتى بالعنعنة عن الزُّهريّ وبتصريح عطاء بالسماع. وجزم الكرمانيّ بأن الرواية الثانية معلقة، وحمله على ما قلته أَوْلى، وقد وصله إسحاق بن راهويه في مسنده، والزُّهريُّ ومن معه مرّ قريبًا ذكر محلهم. ثم قال المصنف:
باب قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [
البقرة: 125]
قوله: واتخذوا، بكسر الخاء على الأمر أو بفتحه على الخبر فعل ماض. والأُولى قراءة الجمهور، والثانية قراءة نافع وابن عامر. وتوجيه الأُولى هو أنه معطوف على ما تضمنه قوله {مثابة} كأنه قال: ثوبوا واتخذوا، أو معمول المحذوف، أي: وقلنا اتخذوا، ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف وتوجيه الثانية هو أنه معطوف على "جعلنا" فالكلام جملة واحدة، وقيل: عطف على "وإذ جعلنا" فيحتاج إلى تقدير إذ، ويكون الكلام جملتين، وقيل على محذوف تقديره فثابوا، أي: رجعوا واتخذوا، والأمر دال على الوجوب، لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة، فدل على عدم التخصيص، وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الحَجَر الذي فيه أثر قدمه، وهو موجود إلى الآن. وقال مجاهد: المراد بمقام إبراهيم الحرم كله. والأول أصح، وقد ثبت دليله عند مسلم من حديث جابر. ويأتي قريبًا عند المصنف من حديث عمر.
وقوله: مصلّى، أي قبلة. قاله الحسن وغيره، وبه يتم الاستدلال. وقال مجاهد: أي مَدْعى يُدْعى عنده، ولا يصح حمله على مكان الصلاة؛ لأنه لا يصلى فيه، بل عنده، ويترجح قول الحسن بأنه جارٍ على المعنى الشرعيّ، واستدل المصنف على عدم التخصيص أيضًا، بصلاته صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، فلو تعيّن استقبال المقام لما صحت هناك؛ لأنه كان حينئذ غير مستقبله، وهذا هو السر في إيراد حديث ابن عمر عن بلال في هذا الباب.
وقد روى الأزرقيُّ في أخبار مكة، بأسانيد صحيحة، أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله، حتى وجد بأسفل مكة، فأُتي به فَرُبط بأستار الكعبة حتى قدم عمر، فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول، فأعاده إليه، وبنى حوله فاستقر. ثمَّ إلى الآن. وما قاله الأزرقي مروي خلافه، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء ومجاهد وغيرهما: كان المقام من عهد إبراهيم لِزْق البيت، إلى أن آخره عمر رضي الله تعالى عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن. وأخرج البيهقيّ عن عائشة بسند قويّ مثله، ولفظه "إنّ المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخّره عمر".
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد "أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي حَوّله" والأَول أصح. وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عُيينة قال: كان المقام في سُقْع البيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فحوله عمر، فجاء سيل فذهب به، فرد عمر إليه، قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بالبيت أم لا، ولم تنكر الصحابة، ولا من جاء بعدهم، فعل عمر، فصار إجماعًا، وكأنَّ عمر رأى أن ابقاءه هناك يلزم منه التضييق على الطائفين، أو على المصلين، فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك؛ لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلَّى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن، ولم تزل آثار قَدَمَي إبراهيم عليه الصلاة والسلام حاضرة في المقام، معروفة عند أهل الحرم، حتى قال أبو طالب في قصيدته المشهورة:
وَمَوْطىء إبراهيم في الصخر رَطْبَةٌ
…
على قدميه حافيًا غير ناعلِ
وفي موطأ ابن وهب عن أنس قال: رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم. وأخرج الطبريّ في تفسيره عن قتادة في هذه الآية "إنما أُمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه" قال: ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها، فما زالوا يمسحونه حتى اخْلَوْلَق وانمحى.