الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والثلاثون
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا.
قوله: من صلاتكم، قال القرطبيّ: مِن للتبعيض، والمراد بها النوافل لحديث الصحيحين "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوية" وإنما شرع ذلك لكونه أبعد من الرياء، ولتنزل الرحمة فيها والملائكة، لكن استُثني منه نفل يوم الجمعة قبل صلاتها، فالأفضل كونه في الجامع، لفضل البكور. وركعتا الطواف والإحرام والتراويح. قلت: وكذا جميع الرواتب القبلية. وحكى عياض أن معناه: اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن. وهذا، وإن كان محتملًا، لكن الأول هو الراجح.
وقال النوويّ: لا يجوز حمله على الفريضة. وقوله: ولا تتخذوها قبورًا، مهجورة من الصلاة، وهو من التشبيه البليغ بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البيت الذي لا يصلَّى فيه بالقبر الذي لا يتمكن الميت من العبادة فيه. وقد حمل المؤلف الحديث على النهي عن الصلاة في المقابر، وترجم له وكأنَّه استنبط ذلك من قوله "ولا تتخذوها قبورًا" فإن القبور ليست محلًا للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة. وتُعُقب بأنه ليس فيه تعرّض لجواز الصلاة في المقابر ولا منعها، وإنما المراد منه الندب إلى الصلاة في البيوت، لأن الموتى لا يصلُّون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور، حيث انقطعت عنهم الأعمال وارتفعت التكاليف، ولو أريد ما تأَوله المؤلف لقال: مقابر.
وأجيب بأنه ورد عند مسلم عن أبي هُريرة بلفظ "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" وتُعُقب هذا بأنه كيف يقال حديث رواه غيره مطابق لما ترجم هو به؟ لكن نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة، وكذا قال البغويّ والخطابيّ. وقال: يحتمل أيضًا أنَّ المراد: ولا تجعلوا بيوتكم وطنًا للنوم فقط، لا تصلون فيها، فإن النوم أخو الموت، والميت لا يصلي.
وزاد التوربشتيّ: احتمال أن يكون المراد أنَّ مَن لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت، وبيته كالقبر، ويؤيد هذا ما رواه مسلم "مَثَل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، كمثل الحي والميت" قلت: هذا التأويل هو عين التأويل الذي قبله. قال الخطابيّ: وأما مَن تَأَوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت، فليس بشيء، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه في حياته، وما ادعى نفي كونه تأويلًا هو ظاهر لفظ الحديث، ولاسيما إنْ جُعل النهيُ حكمًا منفصلًا عن الأمر.
وما استدل به على رده متعقَّب بأن ذلك لعله من خصائصه عليه الصلاة والسلام. وقد روى ابن ماجه حديث ابن عباس عن أبي بكر، مرفوعًا "ما قُبِض نبيٌّ إلا دفن حيث يقبض" وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشميّ، وهو ضعيف، وله طريق مرسلة عند البيهقيّ في "الدلائل" وروى الترمذيّ في الشمائل والنَّسائيّ في الكبرى أن أبا بكر قيل له: فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: في المكان الذي قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب. إسناده صحيح لكنه موقوف، والذي قبله أصرح في المقصود، وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه، لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر، فتصير الصلاة فيها مكروهة عند من يقول بكراهتها في المقابر، ولفظ حديث أبي هريرة المار عند مسلم أصرح من حديث الباب، وهو قوله "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقًا.