الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والأربعون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.
قوله: عن أبي قتادة، اتفق الرواة عن مالك على أنه عن أبي قتادة، ورواه سهيل بن أبي صالح عن جابر بدل أبي قتادة، وخطّاه التِّرمذيّ والدارقطنيّ وغيرهما. وقوله: أحدكم المسجدَ، أي وهو متوضىء. وقوله: فليركع، أي فليصل من إطلاق الجزء وارادة الكل. وقوله: ركعتين، هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق، واختلف في أقله، والصحيح اعتباره، فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين، واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب، والذي صرح به ابن حزم عدمه.
ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم للذي رآه يتخطى "اجلس فقد آذيت" ولم يأمره بصلاة، كذا استدل به الطحاويّ وغيره. وقال الطحاويّ أيضًا: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها، قال في الفتح: هما عمومان تعارضا، الأمر لكل داخل بالصلاة من غير تفصيل، والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلابد من تخصيص أحد العمومين، فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر، وهو الأصح عند الشافعية، وذهب جمع إلى عكسه، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة.
وقوله: قبل أن يجلس، صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس، لا يشرع له التدارك. وفيه نظر، لما رواه ابن حبّان في صحيحه عن أبي ذَرٍّ أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "أركعت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركعهما" ترجم عليه
ابن حبّان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس، ومثله قصة سُليك حين قال له، وهو على المنبر، لما قعد قبل أن يصلي "قم فصل ركعتين".
وقال المحب الطبريّ: يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز. أو يقال: وقتهما قبله أداء، ويعده قضاء. ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل، وهذا هو المختار عند الشافعية، كما جزم به في التحقيق. ونقله في الروضة وقال في "المجموع" هو المختار. وعند المالكية يكره الجلوس قبلها حيث طلبت، بأن يكون دخل متوضئًا مريدًا الجلوس في وقت جواز، ولا تسقط به، ويحصل أداؤها بالفرض عند الدخول، وكذا بالسنة أو الرغيبة، ويحصل ثوابها إذا نوى بالفرض أو السنة الفرضَ أو السنةَ والتحية، أو نوى نيابتهما عنها كما في غسل الجنابة والجمعة. وقال في شرح "المهذب" فإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز، وكانت كلها تحية لاشتمالها على الركعتين، وتحصل بفرض ونفل آخر، سواء نويت معه أو لا، لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت بما ذكر، ولا تضره نية التحية، لأنها سنة غير مقصودة، بخلاف نية فرض وسنة مقصودة، فلا تصح، ولا تحصل بركعة، ولا بجنازة، ولا بسجدة تلاوة وشكر على الصحيح عندنا.
وقال بعض أصحابنا: يكفي. وقال العَدَويّ المالكيّ: إن هذا الأخير استظهره بعض أشياخ مذهبه، ولا تسن لداخل المسجد الحرام لاشتغاله بالطواف، واندراجها تحت ركعتيه. وقيد المالكية هذا بأن يكون آفاقيًا أو مقيمًا مريدًا الطواف، وأما إن كان مقيمًا غير مريد له، فتحيته ركعتان، ولا تسن أيضًا إذا شرع الإِمام في الفرض، لحديث الصحيحين "إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ولا ما إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده على المنبر على الأصح في الروضة، وقد ورد لحديث أبي قتادة هذا سبب، وهوكما أخرجه مسلم أن أبا قتادة دخل المسجد، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا بين أصحابه، فجلس معهم، فقال: ما منعك أن تركع؟ قال: رأيتك جالسًا