الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظاهر، مع احتمال تغيره بما لا يضر، كطول مكث، فإن استصحاب الأصل عارضه نجاستُه الظاهرة الغالبةُ ذات السبب، فقدمت على الطهارة.
ومسألتنا هذه تماثل هذه المسألة التي لها سبب؛ لأن اتخاذ المحل مربضًا هو أعظم سبب لوجود البعر والبول. وهذا الحديث قد مرَّ في باب "أبوال الإبل والدواب" ومرَّ هناك استيفاء الكلام على مرابض الغنم.
رجاله أربعة:
الأول: سليمان بن حرب، وقد مرَّ في الرابع عشر من كتاب الإيمان، ومرَّ شعبة في الثالث منه، مرَّ أنس في السادس منه، ومرَّ أبو التياح في الحادي عشر من كتاب العلم.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في موضعين، وفيه القول. وقد مرَّ ذكر مواضع إخراجه في "أبوال الإبل". ثم قال المصنف:
باب الصلاة في مواضع الإبل
كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم، ليست على شرطه، لكن لها طرق قوية. وقد مرَّ معظمها في باب "أبوال الإبل والدواب"، وفي معظمها التعبير بمعاطن الإِبل، وفي حديث جابر بن سمرة والراء "مبارك الإبل" ومثله في حديث سُلَيك عند الطبرانيّ، وفي حديث سَبرِة، وفي حديث أبي هُريرة عند التِّرمذيّ "أعطان الإبل" وفي حديث أُسَيد بن حُضَير عند الطبرانيّ "مُناخ الإبل" وفي حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد "مرابد الإِبل" وفي حديث جابر بن سمرة عند الطحاويّ "أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، أصلي في مباءة الغنم؟ قال: نعم. قال أصلي في مباءة الإبل؟ قال: لا".
والعطن اسم لمبرك الإبل عند الماء لتشرب عللًا بعد نَهَل، فإذا استوفت
رُدّت إلى المرعى. والمباءة اسم المنزل الذي تأوي إليه الإبل، والمبارك جمع مبرك، وهو موضع بروك الجمل في موضع كان، والمُناخ، بضم الميم، المكان الذي تناخ فيه الإبل، والمرابد، بالدال المهملة، الأماكن التي تحبس فيها الإبل، وغيرها من البقر والغنم، فكل عَطَن مَبْرك، وليس كل مبرك عطن، وعَبر المصنف بالمواضع لأنها أشمل، والمعاطن أخص من المواضع؛ لأن المعاطن مرَّ تفسيرها بأنها مباركها عند الماء خاصة، وذهب بعضهم إلى أن النهي خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن، التي فيها الإبل. وقيل: هو مأواها مطلقًا. نقله صاحب المغني عن أحمد، وتكره الصلاة في معاطنها عند مالك والشافعي، وبه قال الحسن وإسحاق وأبو ثور، وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى عدم الكراهة.
وعن أحمد في رواية مشهورة عنه أنه إذا صلى في أعطان الإِبل تفسد صلاته، وهو مذهب أهل الظاهر، وعند المالكية تكره الصلاة فيها ولو أمنت من النجس، بل ولو بسط على المحل شيئًا طاهرًا. والكراهة خاصة عندهم بالعطن دون المبيت والقيلولة، وقيل: تكره فيهما، ومن صلى فيها، فهل يعيد في الوقت سواء كان عامدًا أو جاهلًا أو ناسيًا، أو يعيد الناسي خاصة في الوقت، ويعيد العامد والجاهل بالحكم أبدًا؟ قيل: وجوبًا، وقيل: ندبًا؛ قولان، وهل الكراهة تعيد؟ وهل المختار عند المالكية، أو تعلل؟ قيل: العلة أنها خلقت من الشياطين، كما هو مصرح به في بعض الأحاديث السابقة في الباب الماضي ذِكْرُه آنفًا. وقيل: شدة نفارها، فتعطب من تلاقي حينئذ. وقيل: العلة هي أن عادة أصحاب الإبل التغوّط بقربها استتارًا بها، فتتنجس أعطانها، وعادة أهل الغنم ترك ذلك.
وغلط من قال إن سبب ذلك ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها، لأن الغنم تشاركها في ذلك، وإنما ذهب من ذهب إلى كراهة التنزيه جمعًا بين عموم قوله "جُعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وبين الأحاديث المذكورة، يحملها على كراهة التنزيه. ووقع في مسند أحمد عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يصلي في مرابض الغنم، ولا يصلي في مرابض الإبل والبقر، وسنده ضعيف. ولو ثبت أفاد أن حكم البقر حكم الإبل، لكنه لم يثبت، وذكر ابن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم، قلت: وهو مذهب المالكية.