الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثلاثون
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِى الَّذِى بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى. قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَين دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟. قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ. قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُلْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ. يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ. يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ.
قوله: إِنه أتى رسول الله، وعند مسلم: أنه بُعِث إِلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب ذلك
منه، فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازًا، ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى، إما متقاضيًا وإما مذكرًا. وظاهر رواية الطبرانيّ المتقدمة قريبًا أن مخاطبة عتبان بذلك، كانت حقيقة لا مجازًا. وقوله: قد أنكرت بصري، كذا هو في أكثر الروايات عن ابن شهاب، وللطبرانيّ "لما ساء بصري" وللإسماعيليّ "جعل بصري يَكِلّ" ولمسلم "أصابني في بصري بعضُ الشيء" وكل هذا ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن أخرج المصنف في باب الرخصة في المطر عن مالك عن ابن شهاب، فقال فيه: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر
…
الحديث، وليست هذه الرواية معارضة لغيرها، بل قول محمود: إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث، لا حين سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وبينه قوله في رواية يعقوب "فجئت إلى عتبان، وهو شيخ أعمى يؤم قومه".
وأما قوله: وأنا رجل ضرير البصر، أي أصابني منه ضر، فهو كقوله "أنكرت بصري" ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية ابن ماجه:"لما أنكرت من بصري" وقوله في رواية مسلم المارة "أصابني في بصري بعض الشيء" فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه، لكن في رواية لمسلم بلفظ "إنه عمي فأرسل" وقد جمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب الزهري، فقال: قوله أنكرت بصري، هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء، وإن كان يبصر بصرًا ما، وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئًا، والأولى أن يقال: أطلق عليه العمى لقربه منه، ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في الصحة، وبهذا تأتلف الروايات.
وقوله: أصلي لقومي، أي لأجلهم، والمراد أنه كان يؤمهم، وصرح بذلك أبو داود الطَّيَالسِيّ. وقوله: سال الوادي، أي سأل الماء في الوادي، فهو من إطلاق المحل على الحالّ. وقوله: بيني وبينهم، وللإسماعيليّ "يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي، فيحول بيني وبين الصلاة معهم". وقوله: فأصليَ بهم، بالنصب عطفًا على "آتي". وقوله: وَدِدْت، بكسر الدال الأُولى،
أي تمنيت، وحكى القزّاز جواز فتح الدّال في الماضي، والواو في المصدر، والمشهور في المصدر الضمّ، وحُكي فيه الكسر، فهو مثلث.
وقوله: فتصلي، بسكون الياء، ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني. وقوله: فأتخذُهُ بالرفع على الاستئناف، وبالنصب عطفًا على الفعل المنصوب، وتعقبه الدمامينيّ فقال: إنْ ثبتت الرواية بالنصب فالفعل منصوبٌ بأنْ مضمرة جوازًا لا لزومًا، وأنْ والفعل بتقدير مصدر معطوف على المصدر المسبوق من "إنّك تأتيني" أي وددت إتيانك فصلاتك فاتخاذي مكان صلاتك مصلى، وهذا ليس في شيء من جواب التمني الذي يريدونه، وكيف ولو ظهرت أن هنا لم يمتنع، وهناك يمتنع؟ ولو رفع تصلي وما بعده بالعطف على الفعل المرفوع المتقدم، وهو قولك: تأتيني لصح، والمعنى بحاله.
وقوله: سأفعل إن شاء الله، علقه بمشيئة الله تعالى، لآية الكهف، لا لمجرد التبرك، لأن ذلك حيث يكون الشيء مجزومًا به، ويجوز كونه للتبرك، لأن إطلاعه عليه الصلاة والسلام بالوحي على الجزم بان ذلك سيقع، غير مستبعد. وقوله: قال عتبان، ظاهر هذا السياق أن الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بدون واسطة، ومن هنا إلى آخره من روايته عن عتبان صاحب القصة. وقد يقال: القدر الأول مرسل، لأن محمودًا يصغر عن حضور ذلك، لكن وقع التصريح في أوله بالتحديث، بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي، عن ابن شهاب عند أبي عَوانة. وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر، ومن طريق إبراهيم بن سعد، كما في الباب الماضي، فيحمل قوله: قال عتبان، على أن محمودًا أعاد اسم شيخه اهتمامًا بذلك، لطول الحديث.
وقوله: فغدا رسول الله، وفي رواية أبوي ذَرٍّ والوَقت "فغدا عليّ رسول الله" وزاد الإسماعيليّ "بالغد". وقوله: وأبو بكر، لم يذكر جمهور الرواة عن ابن شهاب غيره، حتى أن في رواية الأوزاعي "فاستأذنا فأذنت لهما" لكن في رواية أبي أُويس "ومعه أبو بكر وعمر"، ولمسلم "فأتاني ومن شاء الله من أصحابه"
وللطبرانيّ "في نفر من أصحابه" فيحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه، ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة، فدخلوا معه. قلت: هذا لا يحصل به الجمع مع رواية الأوزاعيّ السابقة "فاستأذنا فأذنت لهما".
وقوله: فلم يجلس حين دخل، وللكشميهني "حتى دخل" ومعناها: فلم يجلس في الدار، ولا غيرها، حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه. وفي رواية يعقوب عند المصنف والطيالسيّ "فلما دخل لم يجلس حتى قال: أين تحب أن أصلي لك؟ " وهي أبين في المراد، لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته، بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة، حيث جلس فأكل ثم صلى، لأنه هناك دُعي إلى الطعام، فبدأ به، وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها.
وقوله: أن أصلي من بيتك، وللكشميهني "في بيتك" وقوله "فقمنا فصففنا" بالفاء للأربعة، و"نا" فاعل، ولغيرهم "فصفَّنا" بالإدغام و"نا" مفعول. وقوله: ثم سلم، يستنبط منه مشروعية النافلة في جماعة بالنهار. وقوله: وحبسناه، أي منعناه من الرجوع بعد الصلاة. وقوله: على خَزِيرة بخاء مفتوحة بعدها زاي مكسورة. ثم ياء تحتانية ثم راء ثم هاء، وهي تصنع من لحم يقطع صغارًا، ثم يصب عليها ماء كثير، فإذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق، وإن لم يكن فيه لحم فهو عَصيدة. وزاد يعقوب "من لحم بات ليلة" وقيل: هي حساء من دقيق فيه دسم، وحكى الأزهريّ أن الخزيرة من النخالة، وحكاه المصنف عن النضر بن شميل في كتاب الأطعمة.
قال عياض: المراد بالنخالة دقيق لم يغربل، ويؤيد هذا التفسير ما في مسلم من قوله "على جَشِيشة" بجيم ومعجمتين. قال أهل اللغة: هي أن تطحن الحنطة ثم يلقى فيها شحم أوغيره، ورويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات، والتي بمهملات تصنع من اللَّبن كما حكاه المصنف في الأطعمة عن النضر.
وقوله: فثاب في البيت رجال، بمثلثة وبعد الألف موحدة، أي اجتمعوا بعد
أن تفرقوا. قال الخليل: المثابةُ مجتمع الناس بعد افتراقهم. ومنه قيل للبيت: مثابة. ويقال: ثاب إذا رجع، وثاب إذا أقبل. وقوله: من أهل الدار، أي المحلة، لقوله "خير دور الأنصار دار بني النجار" أي محلتهم. والمراد أهلها وقيل: ثاب هنا معناه جاء بعضهم إثر بعض، ولا يحسن تفسيره باجتمعوا، لقوله بعده "فاجتمعوا" فيلزم منه عطف الشيء على مرادفه، وهو خلاف الأصل.
وقوله: فقال قائل منهم، لم يسم ذلك القائل. وقوله: أين مالك بن الدُّخَيَشن، يأتي تعريفه قريبًا، وضبطه في الكلام على السند. وقوله: قال بعضهم، قيل: هو عتبان بن مالك راوي الحديث. وقوله: ألا تراه قد قال لا إله إلا الله، أي مع قوله محمد رسول الله، وقوله: يريد بذلك وجه الله تعالى، أي ذات الله تعالى، وقد استوفينا الكلام عليه في حديث سعد بن أبي وقّاص في آخر كتاب الإيمان. وبشهادة الرسول عليه الصلاة والسلام له بالإخلاص انتفت عنه الظنة.
وقوله: قال الله ورسوله أعلم، أي قال القائل، ولمسلم "أليس يشهد أن لا إله إلا الله" وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام أن لا جزم بذلك، ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه: إنه لَيَقول ذلك وما هو في قلبه، كما عند مسلم. وقوله: فإنا نرى وجهه، أي توجهه. وقوله: ونصيحته إلى المنافقين، قال الكرمانيّ: يقال نصحت له لا إليه، ثم قال: قد ضمن معنى الانتهاء، والظاهر أن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله "وجهه" فهو يتعدى بإلى، ومتعلق "نصيحته" محذوف للعلم به.
وقوله: قال ابن شهاب، أي بالإسناد الماضي، ووهم من قال إنه معلق. وقوله: ثم سألت، زاد الكشميهني "بعد ذلك"، والحصين يأتي تعريفه قريبًا. وقوله: من سَراتهم، بفتح المهملة، أي خيارهم، جمع سَريّ. قال أبو عبيد: هو المرتفع القدر من سرا الرجل يَسْرو إذا كان رفيع القدر، وأصله من السَّراة، وهو أرفع المواضع من ظهر الدابة. وقيل هو رأسها. وقوله: فصدقه بذلك، يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضًا من عتبان، ويحتمل أن يكون سمعه من
صحابيّ آخر، وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث. وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولًا ومختصرًا، وقد سمعه من عتبان أيضًا أنس بن مالك، كما عند مسلم. وسمعه أيضًا أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان كما عند الطبرانيّ.
ويأتي في "باب النوافل جماعة" أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان، فأنكره، لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين، وأحاديث الشفاعة دالة أن بعضهم يعذب، لكن للعلماء أجوبة عن ذلك، منها أن ذلك فيمن قال الكلمة وأدى حقها وفرضيتها، فيكون الامتثال والانتهاء مُدْرَجَين تحت الشهادتين.
ومنها ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال عقب حديث الباب: ثم نزلت بعد ذلك فرائضُ وأمورٌ، نرى أن الأمر قد انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر. وفي هذا نظر. لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة، وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدًا، وأيضًا وقع مثل هذا الحديث لأبي هريرة كما عند مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول كثير من الفرائض، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى، رواه أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هُريرة، ومنها أن ذلك خرج مخرج الغالب، لأن الغالب أن الموحد إذا قالها مخلصًا لا يترك الفرائض، لأن الإخلاص يحمل على أداء اللازم.
ومنها أن المراد تحريم الخلود، أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين، لا الطبقة المعدة للعصاة، ومنها أن المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح، والتجاوز عن السيء، ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته، لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد، ومنها أن مطلَقَه مقيدٌ بمن قالها تائبًا، ثم مات على ذلك قبل أن يتمكن من الإتيان بأمر آخر. قاله في الفتح بزيادة يسيرة من المرقاة.
وفي هذا الحديث من الفوائد إمامة الأعمى واخبار المرء عن نفسه بما فيه