الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والسبعون
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْمَسْجِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ. قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُمْ فَاقْضِهِ.
قوله: حتى سمعها، أي أصواتهما، وللأصيلي "حتى سمعهما" أي كعبًا وابن أبي حدرد، وحديث كعب هذا قد استُوفي عليه الكلام في باب التقاضي قبل عشرة أبواب أو نحوها.
رجاله ستة:
الأول: أحمد مبهمًا، واختلف فيه، فالصحيح أنه أحمد بن صالح المصريّ، وقيل: أحمد بن عيسى، فلابد من تعريفهما. فالأول أحمد بن صالح المصريّ، أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبريّ، كان أبوه من أهل طبرستان. قال أبو نعيم: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز منه. وقال أبو زرعة: سألني أحمد: من خلَّفت بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح، فَسُرَّ بذكره. وقال يعقوب بن سفيان الفَسَوِيّ: كتبت عن ألف شيخ وليس كلهم ثقات، ما أحد منهم أتخِذُه حجة عند الله تعالى إلا أحمد بن صالح بمصر،
وأحمل بن حنبل بالعراق.
وقال البخاريّ: ثقة صدوق، ما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة. كان أحمد بن حنبل وابن نمير وعليّ وغيرهم يثبتون أحمد بن صالح. وكان يحيى يقول: سلوا أحمد بن صالح فإنه أثبت. وقال صالح بن محمد: لم يكن بمصر أحد يحسن الحديث ويحفظ غير أحمد بن صالح. وكان جامعًا يعرف الفقه والحديث والنحو. وكان يذاكر بحديث الزُّهريّ ويحفظه. وقال ابن نُمير: حدثنا أحمد بن صالح، وإذا جاوزت الفرات فلست تجد مثله. وقال العجليّ: ثقة صاحب سنة. وقال أبو حاتم: ثقة كتبت عنه. وقال أبو داود: كان يقوّم كل لحن في الحديث. وقال محمد بن عبد الرحمن بن سهل: كان من حفاظ الحديث رأسًا في العلل. وكان يصلي بالشافعي، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أعلم منه بالآثار.
وأما النَّسائيّ فكان سيىء الرأي فيه، ذكره مرة فقال: ليس بثقة ولا مأمون. أخبرني معاوية بن صالح قال: سألت يحيى بن مَعين عن أحمد بن صالح فقال: كذاب يتفلسف، رأيته يخطىء في الجامع بمصر، فاشتد النَّسائيّ في تضعيفه إلى ما حكاه عن يحيى بن مَعين، وهو وهم منه، حمله على اعتقاده سوء رأيه في أحمد بن صالح، فنذكر أولًا السبب الحاصل له على سوء رأيه فيه، ثم نذكر وجه وهمه في نقله ذلك عن يحيى بن مَعين.
قال أبو جعفر العقيليّ: كان أحمد بن صالح لا يحدث أحدًا حتى يسأل عنه، فلما قدم النَّسائيّ مصر، جاء إليه وقد صحب قومًا من أهل الحديث لا يرضاهم أحمد، فأبى أن يحدِّثه، فذهب النسائي فجمع الأحاديث التي وهم فيها أحمد، وشرع يشنع عليه، وما ضره ذلك شيئًا. وأحمد بن صالح إمام ثقة. وقال ابن عديّ: كان النّسائي ينكر عليه أحاديث، وهو من الحفاظ المشهورين بمعرفة الحديث، ثم ذكر ابن عديّ الأحاديث التي أنكرها النَّسائيّ وأجاب عنها، وليس في البخاريّ مع ذلك منها شيء. وقال صالح جزرة: لم يكن بمصر أحد يحفظ الحديث غير أحمد بن صالح. وكان يذاكر بحديث الزُّهريّ
ويحفظه. وقال ابن حبّان في الثقات: كان أحمد بن صالح في الحديث، وحفظه عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أهل العراق، ولكنه كان صلفًا تيّاهًا، والذي يروى عن معاوية بن صالح عن يحيى بن مَعين أن أحمد بن صالح كذّاب، فإن ذلك أحمد بن صالح الشموميّ، وكان مشهورًا بوضع الحديث. وأما ابن الطَّبري فكان يقارب ابن مَعين في الضبط والإتقان، فتبين أن النَّسائيّ انفرد بتضعيف أحمد بن صالح بما لا بقبل. حتى قال الخليليّ: اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل. وقال محمد بن هارون: هذا الخراساني يتكلم في أحمد بن صالح، وحضرت مجلس أحمد فطرده من مجلسه، فتحمله ذلك على أن يتكلم فيه.
قال: وهذا أحمد بن حنبل قد أثنى عليه. وقال الخطيب: احتج بأحمد جميع الأئمة إلا النَّسائيّ. ويقال: كان آفة أحمد الكِبْر، ونال النَّسائيّ منه جفاءٌ في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما. روى عن عبد الله بن وهب وابن عُيينة وعبد الرزاق وابن أبي فُديك وغيرهم. وروى عنه البخاريّ وأبو داود والتِّرمذيّ بواسطة، ومحمد بن نُمير وعمرو بن محمد الناقد وأبو موسى ومحمد بن غَيلان، وهم من أقرانه، وغيرهم. ولد بمصر سنة خمس وسبعين ومئة، ومات في ذي القعدة سنة ثمان ومئتين. وفي الستة أحمد بن صالح سواه واحد، وهو البغداديّ. روى له النَّسائيّ.
والطّبريّ نسبة إلى طَبَرستان، بلاد واسعة منها دَهِستان وجُرجان وأُستراباذ وامل، والنسبة إليها طبريّ، منها محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر وغيره، وتشابهها طَبَرية محركة، قصبة الأردن، والنسبة إليها طبرانيّ على تغيير النسب. منها الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطير بن اللخميّ الشاميّ، صاحب المعاجم الثلاثة وغيره.
والثاني: أحمد بن عيسى بن حسّان المصريّ، أبو عبد الله العسكريّ المعروف بالتُّستَريّ. عاب أبو زرعة على مسلم تخريج حديثه، ولم يبين سبب ذلك، وقد احتج به النَّسائيّ مع تعنته. وقال الخطيب: لم أر لمن تكلم فيه حجة
توجب ترك الاحتجاج بحديثه، وذكره ابن حبّان في الثقات. وقال أبو حاتم: تكلم الناس فيه، قيل لي بمصر: إنه قدمها واشترى كتب ابن وهب، وكتاب المفضّل بن فضَالة، ثم قدمتُ بغدادَ فسألت هل يحدث عن المفضل؟ فقالوا: نعم، فأنكرت ذلك، وذلك أن الرواية عن ابن وهب والرواية عن المفضل لا يستويان.
قال ابن حجر: انما أنكروا عليه ادعاء السماع، ولم يُتّهم بالوضع، وليس في حديثه شيء من المناكر، ووقع التصريح به في صحيح البخاريّ في رواية أبي ذرّ الهَرَوي، وذلك في ثلاثة مواضع:
أحدها حديثه عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة "أن أول شيء بدأ به النبيّ صلى الله عليه وسلم الطوافُ" وقد تابعه عليه عنده أصْبَغ عن ابن وهب.
ثانيها حديثه عن ابن وهب عن يونس عن الزُّهريّ عن سالم عن أبيه في المواقيت، مقرونًا بسفيان بن عُيينة عن الزُّهري.
وثالثها هذا الإسناد في الإهلال من ذي الحُلَيفة بمتابعة ابن المبارك عن يونس، وقد أخرج مسلم الحديثين الأخيرين عن حَرْمَلة عن ابن وهب، فما أخرج له البخاريّ شيئًا تفرد به. ووقع في البخاري عدة مواضع غير هذه، يقول فيها: حدثنا أحمد عن ابن وهب ولا ينسبه.
روى عن ابن وهب والمفضل بن فضالة وضِمَام بن إسماعيل وغيرهم. وروى عنه البخاريّ ومسلم والنّسائيّ وابن ماجَه وأبو زرعة وأبو حاتم وعبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق وغيرهم. مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين.
الثاني من السند ابن وهب، وقد مرَّ في الثالث عشر من كتاب العلم، ومرَّ يونس بن يزيد في متابعة الرابع من بدء الوحي ومرَّ ابن شهاب في الثالث منه، ومرَّ عبد الله بن كعب في الستين من أبواب القبلة، ومرَّ أبوه كعب في السادس والأربعين منها، ومرَّ عبد الله بن أبي حدرد المذكور، في الحديث الستين من