الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن المار؟ الظاهر الثاني. وقال غيره: بل الأول أظهر، لأن إقبال المصلي على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره، وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته، وروى أبو نعيم عن عمر "لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره عن الناس" فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي، وهما، وإن كانا موقوفين لفظًا، فحكمهما حكم الرفع؛ لأن مثلهما لا يقال بالرأي.
رجاله ثمانية:
وفيه ذكر شاب من بني مُعيط.
الأول: أبو معمر، وقد مرَّ هو وعبد الوارث في السابع عشر من العلم، ومرَّ يونس بن عبيد في الرابع والعشرين من الإيمان، ومرَّ أبو صالح في الثاني منه، ومر آدم بن أبي إياس في الثالث منه، ومرَّ أبو سعيد الخُدريّ في الثاني عشر منه.
الخامس: من السند حُميد بن هلال بن هُبيرة. ويقال ابن سُويد بن هبيرة العَدَويّ أبو نصر البَصريّ. قال القطان كان ابن سيرين لا يرضاه. قال أبو حاتم: لأنه دخل في عمل السلطان، وكان ثقة في الحديث. وقال ابن مَعين والنَّسانيّ: ثقة. وقال أبو هلال الراسبيّ: ما كان بالبصرة أعلم منه. وقال ابن عديّ: له أحاديث كثيرة. وقد حدث عنه الأئمة، وأحاديثه مستقيمة. وقال ابن سعد: كان ثقة. وذكره ابن حِبّان في الثقات، ووَثّقه العجليّ، وفي أحاديث القهقهة من السنن للدارقطني من طريق وهيب عن ابن عون عن ابن سيرين قال: كان أربعة يصدقون من حدثهم، ولا يبالون ممن يسمعون: الحسن وأبو العالية وحميد بن هلال، ولم يذكر الرابع، وفي بعض النسخ منه، وداود بن أبي هند.
قال ابن حجر في مقدمته: بيّن أبو حاتم أن سبب عدم ارتضاء ابن سيرين له كونه دخل في شيء من عمل السلطان، وقد احتج به الجماعة. قلت: لكن ما مرّ قريبًا عن الدارقطنيّ من كون ابن سيرين قال: إنه لا يبالي بمن ينقل عنه،
ينافي ذلك. روى عن عبد الله بن مغفل وأنس بن مالك وأبي قتادة وهشام بن عامر الأنصاريّ. وقال أبو حاتم: لم يلقَ هشام بن عامر، والحفاظ لا يدخلون بينهما أحدًا حماد بن زيد وغيره. وروى عنه أيوب وعاصم الأحول، وحجّاج بن أبي عثمان، وقتادة ويونس بن عبيد وغيرهم. مات في ولاية خالد على العراق، وليس في الستة حميد بن هلال سواه.
السادس: سُليمان بن المُغيرة القيسيّ، مولاهم أبو سعيد البصريّ، قال شُعبة: سليمان بن المغيرة سيد أهل البصرة. وقال أبو داود الطيالسيّ: حدثنا سليمان بن المغيرة، وكان خيارًا من الرجال. وقال عبد الله الخُريبيّ: ما رأيت بالبصرة أفضل منه ومن مرحوم بن عبد العزيز. وقال أحمد: ثَبْتٌ ثبت. وقال ابن مَعين: ثقة ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا. وقال ابن المَدِيني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم بعده سليمان بن المغيرة، ثم بعده حماد بن زيد.
وقال النّسائيّ: ثقة. وقال سليمان بن حرب: حدثنا سليمان بن المغيرة الثقة المأمون. وقال عبد الله بن مسلمة: ما رأيت بصريًا أفضل منه. وقال عثمان بن أبي شيبة: ثقة، وذكره ابن حبّان في الثقات. وقال البزار: كان من ثقات البصرة، ووثَّقه العجليّ وابن نُمير. وقال أبو مسعود الدِّمشقيّ: ليس لسليمان بن المغيرة عند البخاري. إلا هذا الحديث الواحد، وقرنه بغيره.
روى عن أبيه وثابت وحميد بن هلال وابن سيرين والجريريّ وغيرهم. وروى عنه الثّوري وشعبة، وماتا قبله، وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيّان، وابن مهدي ومعمر بن سليمان وابن المبارك وخلق. مات سنة خمس وستين ومئة وفي الستة سليمان بن المغيرة العبسي أبو عبد الله الكوفي لا غير.
والشاب الذي هو من بني أبي معيط قد مرّ ما قيل فيه من أنه الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط، واسم أبي معيط أَبان بن أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وقيل إنّ ذكوان كان عبدًا لأمية، فاستلحقه، والأول
أكثر، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه، أمهما أروى بنت كُرَيز، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب، يكنى أبا وهب، قتل أبوه بعد الفراغ من غزوة بدر صبرًا، وكان شديدًا على المسلمين، كثير الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ممن أُسر ببدر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله. فقال: يا محمد من للصبية؟ قال: النار. وأسلم الوليد وأخوه عمارة يوم الفتح.
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ..} الآية، نزل فيه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقًا إلى بني المصطلق، فعاد فأخبر عنهم أنهم ارتدوا، ومنعوا الصدقة، وكانوا خرجوا يتلقونه وعليهم السلاح، فظن أنهم خرجوا يقاتلونه. فرجع فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أن يتثبت فيهم، فلما دنا منهم بعث عيونًا ليلًا، فإذا هم ينادون بالصلاة ويصلون، فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا طاعة وخيرًا، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت هذه الآية.
ويعارض هذا ما أخرجه أبو داود عن الوليد بن عقبة قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم، فأُتي بي إليه وأنا مُخْلَق، فلم يمسني من أجل الخَلُوق. قال ابن عبد البر: أبو موسى مجهول. وهو من رواة الحديث. ومن يكون صبيًا لا يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقًا بعد الفتح بقليل. وقد ذكر الزبير وغيره من أهل العلم بالسير أن أم كلثوم بنت عقبة لما خرجت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرة في الهدنة سنة سبع، خرج أخواها الوليد وعمارة ليرداها. قال: فمن يكون صبيًا كيف يكون ممّن خرج ليرد أخته قبل الفتح؟ ومما يؤيد أنه كان في الفتح رجلًا أنه كان قدم في فداء عم أبيه الحارث بن أبي وَجْزة بن أبي عمرو بن أمية، وكان أسر يوم بدر، فافتداه بأربعة آلاف. حكاه أصحاب المغازي، ونشأ الوليد بعد ذلك في كنف عثمان إلى أن استخلف، فولاه الكوفة، وعزل عنها سعد بن أبي وقاص، واستعظم الناس ذلك، ولما قدم الوليد
على سعد قال له سعد: والله ما أدري أكِسْتَ بعدنا أم حمقنا بعدك؟ فقال: يا أبا إسحاق، لا تجزعنٌ فإنما هو المُلْك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون. فقال سعد: أراكم، والله، ستجعلونها مُلكًا.
وروي عن ابن سيرين أنه قال: لما قدم الوليد بن عُقبة أميرًا على الكوفة، أتاه ابن مسعود فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت أميرًا. فقال ابن مسعود: ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس. وله أخبار فيها نَكارة وشناعة، تقطع على سره حاله وقبح أفعاله. قال الأصمعي وغيره: كان من رجال قريش ظرفًا وحِلمًا وشجاعة وأدبًا، وكان من الشعراء المطبوعين، وكان كريمًا تجاوز الله عنه. قال أبو عمر: أخباره في شرب الخمر ومنادمته أبي زبيد الطائي مشهورة كثيرة، فمنها ما روي عن ابن شَوْذب قال: صلى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة الصبحَ أربعًا، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم. وفي ذلك يقول الحُطيئة:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربَّه
…
أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم
…
أأزيدكم سكرًا وما يدري
فأبوا أبا وهب ولو إذ قد نَسُوا
…
لقرنت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو
…
تركوا عنانك لم تزل تجري
وقال أيضًا:
تكلم في الصلاة وزاد فيها
…
علانية وجاهر بالنفاق
ومجَّ الخمر في ستر المصلى
…
ونادى والجميع إلى افتراق
أأزيدكم على أن تحمدوني
…
فما لكم ومالي من خلاق
ولما وقع هذا ركب حُصين بن المنذر بن أبي ساسان إلى عثمان، فأخبره بقصة الوليد، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعًا، ثم قال: أأزيدكم؟ فقال أحدهما: رأيته يشربها. وقال الآخر: رأيته يتقيأها، فقال عثمان: لم يتقيأها حتى شربها. وقال لعلي رضي الله
عنه: أقم عليه الحد، فقال علي لأبن أخيه عبد الله بن جعفر: أقم عليه الحد، فأخذ السوط وجلده وعثمان يَعُدّ حتى بلغ أربعين. فقال عليّ: أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين، وجلد أبو بكر أربعين. وجلد عمر ثمانين. وكل سُنة. وروي عن أبي جعفر محمد بن علي قال: جلد عليَّ، رضي الله تعالى عنه، الوليدَ بن عقبة في الخمر أربعين جلدة، بسوط له طَرَفان. قال أبو عمر: أضاف الجلد إلى عليّ لأنه أمره به على الوجه الذي تقدم في الخبر قبله. قال أبو عمر: لم يرو الوليد بنِ عقبة سنة يحتاج فيها إليه.
وروى ابن إسحاق عنه أنه قال: ما كانت نبوّة إلا كان بعدها مُلْك. وقد روى الطبريّ أنه تعصب عليه قوم من أهل الكوفة بغيًا وحسدًا وشهدوا عليه زورًا أنه تقيأ الخمر، وذكر القصة، وفيها أن عثمان قال له: يا أخي اصبر، فإن الله تعالى يأجرك ويبوء القوم بإثمك. قال ابن عبد البر: وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار، ولا يصح عند أهل الحديث، ولا له عند أهل العلم أصل. والصحيح عندهم ما مرّ، ولمّا عزله عن الكوفه ولّى عليها سعيد بن العاص، وفي ذلك يقول شاعرهم:
فررت من الوليد إلى سعيد
…
كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا
يلينا من قريش كل عام
…
أميرٌ محدِثٌ أو مستثار
لنا نار نُخوَّفها فنخشى
…
وليس لهم، ولا يخشون، نار
ولما قتل عُثمان اعتزل الوليد الفتنة، فلم يشهد مع علي ولا مع غيره، ونزل الرقة، ولكنه كان يحرض معاوية على قتال عليّ بكتبه وشعره، ومن ذلك ما كتب به إلى معاوية حين أرسل إليه عليٌّ جريرًا يأمره بأن يدخل في الطاعة، ويأخذ البيعة على أهل الشام، فبلغ ذلك الوليد، فكتب إليه من أبيات:
أتاك كتاب من عليّ بخطه
…
هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه
فإن كنت تنوي أن تجيب كتابة
…
فقبّح ممليه وقُبحّ كاتبه
وكتب إليه أيضًا في أبيات:
فإنك والكتاب إلى عليّ
…
كدابغة وقد حلم الأديم
وهو القائل:
فوالله ما هند بأمك إن مضى النـ
…
ـهار ولم يثأر بعثمان ثائر
أيقتل عبدُ القوم سيدّ أهله
…
ولم يقتلوه، ليت أمك عاقر
وإنا متى نقتلهم لا يقد بهم
…
مقيد وقد دارت عليه الدوائر
وهو القائل:
أما من لليلي لا تغور كواكبه،
…
إذا لاح نجم غار نجم يراقبه
بني هاشم ردوا سلاح أخيكم
…
ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
بني هاشم لا تعجلونا فإنه
…
سواء علينا قاتلوه وسالبه
فإنا وإياكم وما كان بيننا
…
كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه
بني هاشم كيف التقاعد بيننا
…
وعند عليّ سيفه وحرائبه؟
لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله
…
وهل ينسينَّ الماءَ، ما عاش، شاربُه
هم قتلوه كي يكونوا مكانه
…
كما فعلت يومًا بكسرى مرازبه
فأجابه الفضل بن عباس بن عُتبة بن أبي لهب:
فلا تسألونا بالسلاح فإنه
…
أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه
وإني لمجتاب إليكم بجحفل
…
يَصم السميعَ جرسُه وجلائبه
وشهبّهته كسرى وما كان مثله
…
شبيهًا بكسرى هديه وضرائبه
وهو القائل في عثمان:
ألأنّ خير الناس بعد ثلاثة
…
قتيل التُّجَيبيّ الذي جاء من مصرِ
ومالي لا أبكي وتبكي قرابتي
…
وقد حجبت عنا فضول أبي عَمْرِو
أقام بالرقة إلى أن مات بها. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي مرّ في دخول مكة، وروى عن عثمان وغيره، وروى عنه حارثة بن مُضَرّب والشّعبيّ وأبو موسى الهمدانيّ وغيرهم. كانت ولايته على الكوفة سنة خمس